Follow ICT
شعار الموقع الاساسى
جايزة 160
جايزة 160

«قانون الخدمات الرقمية».. خطة الحكومات الأوروبية لكبح هيمنة شركات التكنولوجيا العملاقة

في قرار سيغير كثيرا من قواعد اللعبة بين الحكومات وشركات التكنولوجيا الكبرى حول العالم وسيحد بشكل كبير من هيمنة الشركات على الاقتصاد الرقمي، وتحقيق التنافسية والعدالة في الأسواق الرقمية، وافق الاتحاد الأوروبي على لوائح رقمية جديدة مطلع الأسبوع الجاري ستجبر عمالقة التكنولوجيا مثل جوجل وميتا على مراقبة المحتوى غير القانوني على منصاتهم بشكل أكثر قوة، أوفي المقابل المخاطرة بغرامات محتملة بمليارات الدولارات، وهو تشريع تاريخي يهدف إلى معالجة المحتوى غير القانوني والضار من خلال حث المنصات على إزالته بسرعة والتعامل مع الأمور من ناحية أخلاقية ومجتمعية وليس تجارية بحتة.

ويأتي ظهور القواعد الأوروبية الجديدة لتنظيم شركات التكنولوجيا الكبيرة في الوقت الذي يتجادل فيه صانعو السياسة في الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من الدول حول العالم ومنها منطقة الشرق الأوسط، مع مسألة كيفية كبح جماح قوة شركات التكنولوجيا الكبيرة وإجبارهم على تنظيف منصاتهم من المحتوى الضار، فبعض الدول تحمل الأدوات القانونية والسياسات اللازمة لضبط هذه المسألة لكنها “غير فاعلة”، والبعض الأخر لا يملك بدعوى عدم التقييد والحفاظ على الاستثمارات في قطاع التكنولوجيا “إن وجدت”.

ويأتي إقرار “قانون الخدمات الرقمية” التاريخي، كرد صارم من جانب الاتحاد الأوروبي على ما يعتبره إخفاقا لا يغتفر من جانب شركات التكنولوجيا العملاقة، فيما يتعلق بمكافحة المحتوى غير القانوني على منصاتها، حيث يمكن لعدم الامتثال للقانون أن يكلف هذه الشركات ما يصل إلى 6% من مبيعاتها السنوية العالمية، وذلك عندما يدخل القانون حيز التنفيذ في العام المقبل 2023 أو 2024، وفقاً لحجم هذه القواعد، وهو ما يعد عقابا صارما ستحرص الشركات على عدم الصدام به.

فقد يكون الإخفاق في تطبيق القانون مكلفاً للغاية من ناحية الغرامات المالية الكبيرة التي ستدفع، فوفقاً لمبيعاتها السنوية لعام 2021 المعلن عنها، يمكن أن تواجه مثلا شركة كأمازون، غرامة نظرية تصل إلى 26 مليار يورو (28 مليار دولار) لعدم امتثالها في المستقبل بموجب “قانون الخدمات الرقمية”، كما يمكن أن تواجه “ميتا” الشركة الأم لفيسبوك غرامة قدرها 7 مليارات دولار بناءً على أرقام مبيعات 2021، وبالنسبة للشركات التي تكرر المخالفات، يمكن منعها من ممارسة العمل في دول الاتحاد الأوروبي.

ويستهدف هذا القانون جميع الشركات التقنية التي تزيد قيمتها السوقية على 75 مليار دولار ذات المبيعات الأكثر من 7.5 مليار، ويزيد عدد مستخدميها على 45 مليون مستخدم.

وقانون الخدمات الرقمية ((DSA  لايعمل بمفرده في تنظيم العلاقة بين الحكومات الأوروبية وشركات التكنولوجيا العملاقة، فهو الشق الثاني لمؤسسة مكافحة الاحتكار في الاتحاد الأوروبي لكبح جماح عمالقة التكنولوجيا، ففي مارس الماضي حصلت المؤسسة على دعم الكتلة المكونة من 27 دولة والمشرعين لقواعد تاريخية تسمى قانون الأسواق الرقمية (DMA) والتي قد تجبر (جوجل وأمازون وأبل وميتا ومايكروسوفت) وغيرهم، على تغيير ممارسات الأعمال الأساسية في أوروبا .

فما هي شروط قانون الخدمات الرقمية، وهل سيكون هناك حاجة لمنصات الإنترنت الكبيرة ومحركات البحث عبر الإنترنت لاتخاذ إجراءات محددة في إطار هذا القانون، وهل ستضطر الشركات إلى تسليم البيانات المتعلقة بخوارزمياتها إلى المنظمين والباحثين، وماهي أصداء هذا القرار على المنطقة ومنها مصر حيث يبدو أن شركات التكنولوجيا دخلت “مرحلة الشك” فيما يتعلق بهيمنتها المطلقة على “الأسواق الرقمية” نتيجة هذه الممارسات القانونية؟

ما هو DSA“؟

يؤسس قانون الخدمات الرقمية، لجزء رئيسي من التشريع في كيفية استهداف الشركات الرقمية العملاقة للمستخدمين بالإعلانات عبر الإنترنت، وسيعمل القانون على منع الأنظمة الأساسية بشكل فعال من استهداف المستخدمين باستخدام الخوارزميات والبيانات بناءً على جنسهم أو عرقهم أو دينهم كما سيتم حظر استهداف الأطفال بالإعلانات.

كما سيتم حظر ما يسمى “بالأنماط المظلمة”، وهي الأساليب الخادعة المصممة لدفع الناس نحو منتجات وخدمات معينة، وذلك من خلال بعض التكتيكات الخاصة لدفع الناس إلى الموافقة على التتبع عبر الإنترنت.

وسيُطلب من شركات التكنولوجيا، تنفيذ إجراءات جديدة مصممة لإزالة المواد غير القانونية مثل خطاب الكراهية والتحريض على الإرهاب والاعتداء الجنسي على الأطفال، و يجب أن تمنع أسواق التجارة الإلكترونية مثل أمازون مبيعات البضائع غير القانونية بموجب القواعد الجديدة.

ويتضمن القانون تدابير ملزمة لعمالقة التكنولوجيا ليكونوا أكثر شفافية بشأن الخوارزميات التي يستخدمونها للتوصية بالمحتوى للمستخدمين وإتاحتها للجهات المعنية بالتنفيذ والباحثين المنوطة بهم هذه المهام، وسيتطلب بند آخر وهو وجود منصات كبيرة جدًا على الإنترنت ومحركات البحث لاتخاذ إجراءات معينة في حالة حدوث أزمة، مثل غزو روسيا لأوكرانيا.

ويخضع القانون الآن لموافقة رسمية من قبل مؤسسات الاتحاد الأوروبي، ومن المتوقع أن يدخل حيز التنفيذ في وقت مبكر من عام 2024.

وقانون الخدمات الرقمية (DSA) منفصل عن قانون الأسواق الرقمية (DMA)، الذي وافقت عليه مؤسسات الاتحاد الأوروبي الشهر الماضي، لكن كلاهما يأتي مع التهديد بغرامات باهظة ولكن بينما يسعى (DMA) إلى الحد من القوة السوقية لشركات التكنولوجيا الكبرى ، فإن (DSA) تدور حول التأكد من تخلص المنصات من المحتوى السام بسرعة.

ويستهدف كلا القانونين التعامل مع محورين “التسلط في السوق” و”السلامة عبر الإنترنت” ولكن في حين أن “قانون الأسواق الرقمية” المعلن عنه سابقاً يستهدف حوالي 12 شركة تكنولوجيا كبرى، معظمها تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها، فإن “قانون الخدمات الرقمية” يرسي معايير أساسية لكل المواقع الإلكترونية ،وسيؤثر القانون بشكل مباشر على مواقع المحتوى التي ينشئها المستخدمون على الفيسبوك وإنستجرام وتويتر ويوتيوب وتيك توك ، حيث ستخضع كل المواقع الإلكترونية للمسؤولية بموجب “قانون الخدمات الرقمية”، ويمكن أن يكون “معدى” بشكل رئيسي للعديد من الدول والتكتلات الدولية العالمية التي تسعى إلى بسط بعض النفوذ على شركات التكنولوجيا ومنصات التواصل الاجتماعي المتوغلة في مجتمعاتها.

كما أن المنصات التي تضم أكثر من 45 مليون مستخدم في الاتحاد الأوروبي، يجب أن تلتزم بقواعد أكثر صرامة، مثل دفع رسوم إشراف تصل إلى 0.05% من إيراداتها السنوية العالمية، من أجل فرض القانون -وتم تخفيض هذا الرقم عن طريق المفاوضات النهائية – وتزويد الجهات التنظيمية بتقارير سنوية حول المحتوى غير القانوني والضار على مواقعها.

مُهلة التطبيق

من جانبها قالت مارجريت فيستاجر، رئيسة المنافسة في الاتحاد الأوروبي، في بيان: “من خلال قانون الخدمات الرقمية، فإننا نسهم في إرساء بيئة آمنة وخاضعة للمساءلة عبر الإنترنت ، وبموجب الاتفاق، نضمن إخضاع المنصات للمساءلة بشأن المخاطر التي يمكن أن تشكّلها خدماتها على المجتمع والمواطنين.

تابعت “لا يزال يتعين توقيع الاتفاق من قبل البرلمانيين ودول الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 دولة، قبل أن يتخذ طابعاً رسمياً في وقت لاحق من العام الجاري 2021 ، وستكون أمام الشركات الكبيرة بعد ذلك، مهلة مدتها 4 أشهر للامتثال للقواعد، فيما ستُمنح جميع الشركات الأخرى مهلة 15 شهراً، ويمكن للشركات الصغيرة التقدم بطلب للحصول على إعفاء من قواعد معينة”.

ووفقاً لهذا القانون، تواجه أكبر شركات التكنولوجيا في العالم، غرامات تصل إلى 10% من مبيعاتها السنوية العالمية في أول حالة خرق، على أن ترتفع هذه النسبة لتصل إلى 20% عند تكرار الانتهاكات، وبالنسبة إلى الشركات التي تنتهك القواعد بشكل روتيني، يتم حظرها مؤقتاً من إجراء عمليات الاندماج والاستحواذ وهو مايشكل مجموعة من العقوبات ستجعل مجالس إدارات الشركات والإدارات التنفيذية بها تفكر كثير في السياسات التشغيلية والفنية لمنصاتها وممارستها التسويقية ، خاصة وأن عائدتها الكبيرة التي حققتها خلال السنوات الماضية ، يمكن للحكومات أن تضع يدها على نسبة كبيرة منها في شكل “عقوبات” لم تعرفها من قبل.

وحققت الشركات التكنولوجية الكبيرة، بما في ذلك جوجل وأمازون وأبل وفيسبوك ومايكروسوفت، إيرادات مالية ضخمة وصلت إلى 1.4 تريليون دولار خلال عام الجائحة، وارتفعت أرباح هذه الشركات مجتمعة بأكثر من 55% في 2021 مما كان بالفعل رقماً قياسياً، في حين نمت مبيعاتها بنسبة 27% إلى إجمالي من شأنه أن يجعل الشركات ضمن أفضل نتائج 15 اقتصادًا عالميًا.

أورسولا فون دير
أورسولا فون دير

وأصدرت أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية، بيانًا وصفت الاتفاقية بأنها “تاريخية”، قائلة أنها ستعمل عبر قانون الخدمات الرقمية على ترقية القواعد الأساسية لجميع الخدمات عبر الإنترنت في الاتحاد الأوروبي”، وسيضمن أن تظل بيئة الإنترنت مساحة آمنة ، وتحمي حرية التعبير وفرص الأعمال الرقمية”.

ترحيب بحذر

من جانبها ، رحبت شركة «جوجل» أحد أهم الشركات المستهدفة بهذا التنظيم التشريعي ، بأهداف قانون الخدمات الرقمية  كإطار لشركات التكنولوجيا الكبرى لمراقبة محتواها المسيء أو غير القانوني.

وقال المتحدث باسم «جوجل» في تصريحات صحفية إن الشركة ترغب في العمل مع صانعي السياسة الأوروبية لمعرفة التفاصيل التقنية المرتبطة بهذا القانون للتأكد من انه مناسب للجميع ، مؤكدة على أنها متفهمة لأهداف هذا القانون لجعل الإنترنت مكانا أكثر أمانا ويتمتع بالشفافية والمحاسبة.

وأشارت  في نفس التوقيت إلى سعي الشركة لاستمرار استفادة المستخدمين الأوروبيين والمبدعين وأصحاب الأعمال من فوائد الإنترنت المفتوح، مشيرا إلى أنه بمجرد الانتهاء من القانون وتطبيقه فان التفاصيل ستكون مهمه للغاية.

في حين أعلن المتحدث باسم شركة «تويتر» أن الشركة تسعى إلى مراجعة تفاصيل هذا القانون في أقرب وقت، مشيرا إلى أن الشركة تدعم وجود قانون ذكى ومتطور يحقق التوازن بين تجنب الإساءة والمحتويات المضللة عبر الإنترنت وبين فوائد الإنترنت المفتوح.

وأكد أن الأولوية بالنسبة للشركة هي الحفاظ على أمان الأشخاص عبر الإنترنت وحماية حقوق الأشخاص في المحادثات، من خلال قانون الخدمات الرقمية، مرحبا بالتركيز اكثر على المساحات الرقمية الأكثر أمانا في الاتحاد الأوروبي.

اختبار التنفيذ محل شك

على الجانب الأخر أشار محللون عالميون خلال العديد من المنصات الإعلامية الغربية، إطلعت عليها “FollowICT”، إلى أنه من غير الواضح كيف يدير الاتحاد الأوروبي قواعده الجديدة عمليًا وتطبيق قانون الخدمات الرقمية، حيث إن تنفيذ مثل هذه الإجراءات سيخلق أعباء فنية ويثير تساؤلات شرعية حول ماهية الكلام المقبول أو غير المقبول عبر الإنترنت، وفي بريطانيا تعرضت القوانين الجديدة المصممة للتعامل مع المحتوى غير الآمن لانتقادات شديدة من قبل بعض الخبراء في العديد من المجالات المتصلة بالتكنولوجيا بسبب الوصف الغامض للمواد التي تعتبر “قانونية ولكنها ضارة”.

ويجادل المنتقدون بأن هذا قد يحد بشدة من حرية التعبير على الإنترنت، وهو ما قابلته الحكومة البريطانية بالتصريح إلى إنها لن تطلب إزالة أي حرية قانونية للتعبير، وأنه سيتم حماية المحتوى “المهم ديمقراطيًا”.

ويمتلك الاتحاد الأوروبي تاريخ كبير في مقاومة وتحدي شركات التكنولوجيا العملاقة كجوجل وفيسبوك وأبل وأمازون والتي تصل قيمتهم السوقية مجتمعين 4.6 تريليون دولار، أي أن بعض هذه الشركات أكبر من ميزنيات دول كبرى، وهو ما أشار إليه أحد المسؤولين في الاتحاد الأوروبي، مؤكدا على أنه حان الوقت لكي تعرف هذه الشركات بأنها لا يمكنها التصرف على أنها جزر مستقلة وبمنأى عن الأنظمة الدولية.

ووصل حجم الغرامات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على شركة جوجل وحدها خلال الفترة الأخيرة أكثر من 8 مليارات دولار، كما أنه يجري تحقيقات في قضايا ضد فيسبوك وأمازون وأبل.

نموذج لبقية الدول

وفي حالة نجاح قانون الخدمات الرقمية وقانون الأسواق الرقمية، يمكن أن تشكل الأنظمة التشريعية للاتحاد الأوروبي نموذج تقرأ منه الدول الأخرى وتسترشد به لكبح جماح منصات التكنولوجيا المتوغلة في مجتمعاتها دون رقابة أخلاقية ومجتمعية معتد بها.

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة الأمريكية أرض المنشأ لمعظم هذه الشركات، قد تراجعت في البداية عن خطط الاتحاد الأوروبي لتنظيم عمل شركات التكنولوجيا الكبيرة، فإن بعض المشرعين الأمريكيين يتطلعون خلال الفترة الحالية لسن قيود مماثلة، وقد أيدت المرشحة الرئاسية للولايات المتحدة هيلاري كلينتون، “قانون الخدمات الرقمية”، قبل المفاوضات النهائية.

وعقبت هيلاري كلينتون في تغريدة لها قبل 3 أيام ،”عملت منصات التكنولوجيا لفترة طويلة للغاية على تضخيم التضليل الإعلامي والتطرف من دون مساءلة، والاتحاد الأوروبي مستعد للقيام بإجراء حيال ذلك، وأنا أدعو حلفاءنا عبر المحيط الأطلسي إلى بذل الجهود من أجل تطبيق قانون الخدمات الرقمية حتى النهاية، وإلى دعم الديمقراطية قبل فوات الأوان.

زاوية رأي محلية

وفي محاولة محاكاه لهذا التنظيم التشريعي، والذي سيكون مفتاح للكثير من الدول لتبني مثل هذه القرارات عبر تكتلات دولية أو إقليمية، لإيقاف العديد من الممارسات السلبية التي تقوم بها هذه الشركات ، اطلعت “FollowICT” على بعض أراء الخبراء والمحللين والذين دعوا هم وغيرهم لسنوات طويلة لضرورة ضبط منظومة البيانات وعدم ترك “الحبل علي الغارب” لشركات التكنولوجيا العملاقة لأكل هذه البيانات والتضخم ماليا عبر هضم الكثير منها !.

عمرو فاروق
عمرو فاروق

المهندس عمرو فاروق، خبير أمن المعلومات والمؤسس والرئيس التنفيذي لشركة JATDEV الشرق الأوسط، يرى أنه بموجب هذا التنظيم التشريعي الجديد، ستكون المنصات العالمية التابعة لشركات التكنولوجيا مسؤولة عن الخوارزميات الخاصة بها، لكنها ستكون مطالبة بالإفصاح عن هذه الخوارزميات بكل شفاف وعليها أيضا تقييم المخاطر وتخفيفها لحماية المستخدمين، كما أن المنصات الرقمية ومن زاوية “جيدة جدا” ستمنع استهداف الأطفال بالإعلانات، وهو ما تستند عليه غالبية الألعاب الموجهة للأطفال والتي لا تنظر في كثير من الأحيان إلى محتوى الإعلان ومدى مناسبته للأعمار الصغيرة.

البيانات الشخصية

وأشار إلى أنه “كقاعدة أساسية وقانونية” وقبل هذا التنظيم الجديد، فإن البيانات الشخصية هي ملكية لصاحبها، ولا يمكن استخدامها إلا باتفاقية واضحة، وهو ماتقوم به الشركات عبر الحصول على موافقة المستخدم على شروط الاستخدام، أما البيانات المصنفة بأنها غير شخصية، فحقوق ملكيتها تختلف طبقا لنوعها ونوع العمليات التي تتم عليها، سواء كمعالجات أو تحويل من صورة إلى أخرى، وغالبا ما تنتقل حقوق ملكية تلك البيانات إلى المتحكم أو الحائز على تلك البيانات، والذي تحكمه قوانين عدة في مصر والعالم، وتنظم طرق التعامل وحماية هذه البيانات، والتي يشملها أيضا اتفاقيات استخدام يجب أن يوافق عليها المستخدم قبل بدء الاستخدام.

تابع المهندس عمرو فاروق قائلا: “يتضح مما سبق أن الحائز أو المتحكم في البيانات، هو التطبيقات العالمية التابعة لشركات التكنولوجيا، وهي غالبا صاحب اليد العليا في حقوق ملكية البيانات، وبموجب اتفاقيات الاستخدام والقوانين الحاكمة، وهو ما يجعل لها بشكل كبير حقوق الإفصاح أو عدم الإفصاح عن التساؤلات المطروحة، وطبعا يعلم الجميع أن خيار عدم الإفصاح هو المتبع دائما كما تستخدم هذه البيانات في توجيه الإعلانات إلى فئات محددة بحسب تفضيلاتهم، ودون إبلاغهم بخوارزميات هذه الإعلانات، ودون توضيح لهم أنها إعلانات مستهدفة، وهو ماسيحده “قانون الخدمات الرقمية” بشكل رئيسي”.

ولفت المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة JATDEV الشرق الأوسط، إلى أن قانون الخدمات الرقمية سيكون ملهم لباقي الدول لاتخاذ نفس الخطوات المماثلة، كما أن الشركات العالمية سيكون من الأسهل لها أن تطبق نفس السياسات في كل دول العالم لتفادي ما يمكن أن يحدث في المستقبل، ومايستدعيه من تغيير في أنظمتها الفنية والتشغيلية.

محمد الحارثي
محمد الحارثي

منصات التواصل الاجتماعي

ويرى المهندس محمد الحارثي، مدير تطوير الأعمال وأخصائي التسويق الإلكتروني، إن هناك حوالي 50 مليون مستخدم لوسائل التواصل الاجتماعي في مصر، بفئة عمرية تتراوح ما بين 24، وحتى 35 سنة ، وهو مايشير إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي أصبح لها دور وانتشار كبير كمنصات رقمية، ولتبادل المعلومات ، وهو مايجعلها منصات ممتازة للأهداف الخبيثة بكافة أشكالها سواء كانت إشاعات أو استهداف فئات معينة بمحتوي ضار، ناهيك عن الإعلانات التي تقوم بها المنصات لحساب الغير وهو مايستهدفه قانون الخدمات الرقمية بشكل رئيسي، فإن “الاحتيال الرقمى” متنامي خلال هذه الفترة في ظل معدلات الاستخدام الكبيرة لمنصات السوشيال ميديا، وإمكانية تسلل المحتالون إلى بيانات المجنى عليهم، وهو مايحتاج لحزمة تشريعات تصلح لطبيعة كل دولة وأولياتها.

ووفقاً لتقرير “Digital Report July 2021″، فإن مصر تحتل المركز الــ 9 عالميًا في وصول إعلانات فيسبوك إلى 47 مليون مستخدم، كما تحتل مصر المركز 20 عالميًا في وصول في وصول إعلانات انستجرام إلى 18 مليون مستخدم، والمرتبة الـ 15 عالميًا في وصول إعلانات يوتيوب إلى 40.5 مليون مستخدم، والمركز الـ 18 عالميًا في وصول إعلانات تويتر إلى 40.5 مليون مستخدم ، وبشأن معدل استخدام الفيسبوك في مصر،فوفقاً لتقرير “Napoleoncat” فإن هناك 53.6 مليون مستخدم لفيسبوك في مصر، موزعة 62.1% من الذكور، بالإضافة إلى 37.9% من الإناث.

ولفت الحارثي، إلى أن الوعي شىء مطلوب وأساسي بجانب القوانين أيا كان قوتها الإجرائية، فمصر واجهت وتواجه معلومات مغلوطة، ووشائعات غير حقيقية، من بعض صفحات التواصل الاجتماعي، وهو مايستدعي أن يحتاط المستخدمين من الحسابات الوهمية وعدم الانجراف وراء العروض الوهمية التى قد تكون وسيلة من وسائل الاحتيال، مشيرا إلى أن مصر تمتلك قوانين للحد من انتشار الجريمة المعلوماتية، منها قانون رقم 175 لسنة 2018 الذى يتم بموجبه معاقبة من يستغل بيانات المستخدمين بشكل سيئ أو بدون علمهم، فضلًا عن وجود وحدة جرائم إلكترونية فى وزارة الداخلية التى تعمل على متابعة ورصد حالات النصب الإلكترونى.

يزن نوفل
يزن نوفل

فرض سيادة

من جانبه قال يزن نوفل الخبير التقني، أن الأشهر القادمة ستشكل تحديا رئيسيا لشركات التكنولوجيا الكبرى التي طالما استمتعت بهامش حرية كبير على كافة المستويات ساعدها في الاستحواذ على العديد من الأسواق دون أي منافسة حقيقية أو صرامة تشريعية دولية تنظم عملها وحققت مليارات الدولارت نتيجة هذه الحرية في العمل، منوها إلى أن الاتحاد الأوروبي بقانون فرض سيادته على الشركات التقنية، وكلف هذه الشركات بدفع فاتورة الرواتب لـ200 موظف سيعملون في مراقبة الالتزام بهذا القانون.

وأشار إلى أن التقارير العالمية تشير إلى أن الاتحاد الأوروبي لم يتبنى قانون قانون الخدمات الرقمية، إلا بعد الحرب الروسية الأوكرانية حيث وجد حاجة لإخضاع الشركات التقنية إلى مراقبة المحتوى مما يعني أنه اتخذ هذا القرار بناء على مصلحته فقط، وهو ما يعني أن الدول الأخرى ستتخذ قرارا بحسب ما يناسب توجهاتها ومصالحها الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، لافتا إلى أن شركات التكنولوجيا العملاقة ولسنوات طويلة كانت لها الحرية الكاملة في تحديد الخطوط الحمراء لمحتوياتها، ولذلك فهي قد تسمح بالمحتويات المضرة في سبيل زيادة المشاهدات والإعلانات وتحقيق الأرباح وهو أمر لايمكن إنكاره.

يمنى عمران
يمنى عمران

البيئة الرقمية الآمنة

من جانبها قالت يمنى عمران باحثة في العلوم السياسية، أن الحكومات لا تتوانى عن تأمين شبكاتها والحفاظ على سرية معلوماتها، لأنها تدرك أن البيانات والمعلومات هي بترول القرن الواحد والعشرين. ولذا نرى ونلمس سعي جميع الدول إلى امتلاك أدوات وسياسات تتعامل مع أدوات العالم الجديد من تقنيات الثورة الصناعية الرابعة، مثل الذكاء الاصطناعي AI وسلاسل الكتل “بلوكشين” والواقع الافتراضي VR والواقع المعزز AR.. وكلها مصطلحات أصبحت تألفها مسامعنا، وإن لم تستوعبها أذهاننا بشكلٍ كافٍ لكننا ندرك بشكل ما أننا نعيش حياةً تتحكم الآلة في جزء منها، والأكيد أن هذا الجزء سيزيد بمرور الوقت خاصة وأن البيانات تتحول لميارات الدولارات نتيجة إستخدماتها المتعددة.

وأكدت على ضرورة أن تتبني المنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل خاص،  سياسات شفافة في قرارات الإشراف على المحتوى الخاص بها والذي يبث عبر منصاتها لملايين المستخدمين حول العالم، والعمل على منع الانتشار السريع للمعلومات المضللة، ومكافحة خطاب الكراهية، إلى جانب عرض المنتجات غير الآمنة في الأسواق ، مؤكدة على أن التهديدات بالقتل والدعوة للعنف واستغلال الأطفال ليست من قبيل حرية الرأي بل هي تعديات على المجتمعات ومستقبلها.

تابعت يمنى عمران: “هذه التشريعات حتي وان تم تعميمها في العديد من دول العالم لن يتأتى الفائدة منها دون الوعي وإدراك ضرورة توفير البيئة الرقمية الآمنة للأجيال الجديدة وللأطفال بشكل خاص، التي تضمن لهم الحصول على إيجابيات العالم الرقمي وتحميهم من مخاطره. وهي مسؤولية مشتركة، ذات جوانب عدة، في البيت والمدرسة ودار العبادة وبالطبع في المجالس التشريعية والهيئات التنفيذية، وكذا الهيئات والمنظمات الدولية. فكل ما سبق له دورٌ في رفع الوعي بالفرص والتحديات والمخاطر على حد سواء”.