Follow ICT
شعار الموقع الاساسى
جايزة 160
جايزة 160

شنوده أمين يكتب: الرقمنة والحوكمة.. تكنولوجيا العقار وتحقيق الاستدامة العمرانية

على خطى التطور الهائل والمتسارع الذي يشهده قطاع التكنولوجيا المالية، يحاول القطاع العقاري مواكبة التنافس بدخول حقبة جديدة من التحول الرقمي.

وبدأ مصطلح PropTech أو تكنولوجيا العقار ينتشر بقوه الآن داخل قطاع الاستثمارات العقارية في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط بأكملها، وذلك بهدف تحسين طرق شراء وبيع وتأجير وبناء وإدارة كافه أنواع الأصول العقارية.

ولعل ذلك المصطلح الجديد يحمل بين طياته فرصاً وتحديات عديدة لقطاع ظل لفترات زمنية طويلة أن يكون تقليدياً في كافه آلياته مثل أدوات تسويقه، وطرق إبرام عقوده الإنشائية والتمويلية، إلا أن الرغبة نحو إنجاز جهود رقمنة الكثير من القطاعات الاقتصادية داخل مصر كان له أثر إيجابي في أن ينال قطاع الاستثمارات العقارية نصيباً من فرص التغيير.

وبلا شك فإن ثمة أشكال عديدة ومتنوعة تندرج تحت مظلة تكنولوجيا العقار، لعل أبرزها المنازل الذكية التي تدار من قبل منصات رقمية تراقبها وتضمن حمايتها أمنيا، واستخدام منظم حرارة ذكي ينظم درجة حرارة في الوحدات السكنية غير المأهولة، ومصابيح الإنارة الذكية التي يمكن تشغيلها أو إطفاءها عبر تطبيق هاتف ذكي أو مساعد رقمي مثل المساعد الافتراضي “أليكسا” من إنتاج شركة “أمازون”.

كذلك بالنسبة لتقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز VR/AR التي تسمح لعملاء أي شركة عقارية في التنزه داخل أي مجسم لعقار سكني أو مكتبي وكأنه حقيقة ملموسة، علاوة على بناء المنازل باستخدام تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، بالإضافة إلي تفعيل تقنية سلاسل الكتل الرقمية Blockchain لضمان مدفوعات مالية آمنة وسلسة في صفقات بيع وشراء الأصول العقارية والاستغناء عن المعاملات الورقية من غير رجعة.

وبفعل الثورة الرقمية في العقار على نطاق عالمي، ظهرت آليه جديدة ذات رغبة متزايدة نحو تطبيق الاقتصاد التشاركي، والذي يقدم حلولا وبدائل أقل كلفة وأكثر مرونة وإنتاجية على غرار مقايضة المنازل لغايات التأجير الموسمي والتشارك في مساحات التخزين والمكاتب والسكن وحتى متاجر التجزئة.

ولعل موقعي WeWork و Airbnb أشهر مثالين على ذلك، كما بدأنا نسمع بين الحين والاخر عن توفر وظائف غير تقليدية في القطاع العقار مثل خبراء تصميم المنازل بالواقع الافتراضي ومجمعي بيانات عقارية.

وشهد العام الماضي صفقات عالمية حجمها 24 مليار دولار في مجال تكنولوجيا العقار، مع توقع أن يتخطى حجم الاستثمار في هذا النمط الجديد حاجز 32 تريليون دولار خلال السنوات العشر القادمة.

إن متابعة ما يحدث الآن من ثورة رقمية داخل القطاع العقاري تؤكد بأن التحول الرقمي في القطاع العقاري في منطقتنا قادم لا محالة، شئنا أم أبينا، لذا يجب علينا تأهيل أنفسنا جيداً لركوب أمواج عاتية من التغيير القادم والذي سيعيد صياغة مستقبل أنشطة التطوير العقاري والمقاولات والبناء والتشييد.

ولضمان النجاح في تحقيق ذلك، علينا أولاً أن نقبل به بكامل تفاصيله ومواصلة المثابرة للحفاظ على قاعدة قوية من العملاء الحاليين والمستقبليين عبر متابعة آخر المستجدات في تكنولوجيا العقار، ومضاعفة الاستثمار في أدوات التسويق الرقمي، والخروج بأفكار مبتكرة قادرة على الارتقاء بطرق إرضاء العملاء وتلبية احتياجاتهم العقارية بحرفية واقتدار على أعلى مستوى.

إن التحول نحو رقمنة القطاع العقاري، ستسهم بلاشك في تعزيز الكفاءة التشغيلية للتطوير العقاري، مما يستلزم ضرورة إنشاء سجل متكامل لجميع الوحدات العقاري يوفر قاعدة بيانات رقمية عملاقة، تشمل جميع الوحدات بكل أنواعها “الحكومية، التجارية، السكنية، الزراعية”، ومن ثم ربط البيانات الكاملة للملكية بالمعلومات الجغرافية، التي ستسهم بدورها في استدامة القطاع العقاري المحلي، وتعزيز الشفافية في الخدمات العقارية والتعاملات الناشئة عنها.

وتكمن الأهمية الاستراتيجية لرقمنة القطاع العقاري المحلي في عديد من الجوانب الرئيسة، التي ستعود بقدر عال جدا من العوائد والإيجابيات على الاقتصاد الوطني عموما، والقطاع العقاري خصوصا. يأتي في مقدمة تلك الجوانب الرئيسة، أولا، منح القدرة وتوفير الإمكانات اللازمة لنقل القطاع العقاري المحلي بما يمثله من ثقل اقتصادي ومالي يقدر بتريليونات،وكذلك توفير موقع معلوماتي يتمتع بأعلى قدر من الشفافية.

وسيمكن للمخطط ومتخذ القرار بالاعتماد على تلك المنصة الرقمية للقطاع، أن يتخذ أفضل القرارات والإجراءات اللازمة لتنظيم القطاع، وتسييره في الاتجاهات المعززة للنمو الاقتصادي عموما، وللقطاع العقاري خصوصا، والعمل أيضا على حسن استغلال الفرص الاستثمارية في القطاع، والانتقال بها نحو أفضل المراكز الاستثمارية التي تخدم احتياجات التنمية الشاملة محليا، وتوافر تلك الفرص بأعلى درجات الشفافية أمام المدخرات المحلية والأجنبية، بالمنهجية المتكاملة مع بقية البرامج والمبادرات الخاصة برؤية مصر 2030.

ومن ناحيه أخرى، إن القطاع العقاري بعد تحقيق رقمنته، سيصبح بالكامل خاضعا للحوكمة، التي سيؤدي تفعيلها إلى رفع درجة تنظيم القطاع، وإخضاعه بسهولة أكبر للإصلاحات اللازمة، والقضاء على جميع أشكال التشوهات الكامنة فيه، التي تركت آثارا عكسية في نشاط السوق العقارية عموما، وانعكست في جوانب عديده منها إلى تضخم مبالغ فيه على مستوى الأسعار السوقية، ارتفع معه كل من تكلفتي الإنتاج والمعيشة على حد سواء.

وسيصبح من السهل في ضوء هذه النقلة المعلوماتية العملاقة اتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة للحد من هذه التشوهات، وصولا إلى التنقية الكاملة للقطاع العقاري منها ومن آثارها، كما سيسهم وجود هذه المنصة الرقمية للقطاع العقاري بدرجة كبيرة في التعزيز اللازم للموثوقية والشفافية المرتبطة بالملكيات العقارية، والمساعدة بدرجة أكبر على جهود الحد من المنازعات العقارية.

ومن ناحيه ثانية، ستسهم رقمنه القطاع العقاري بما ستضمه من بيانات ومعلومات مهمة جدا، كثيرا من الإمكانات والقدرات للأجهزة الحكومية المعنية بتنظيم القطاع وتطويره، والمساهمة في رفع كفاءتها الإشرافية والرقابية على جميع تعاملات القطاع، مما سيصبح ممكنا التعرف على أي ممارسات احتكارية في القطاع عموما، وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بالأراضي.

حتى تلك الممارسات التي قد تنطوي على أشكال المضاربة على الأراضي، واتخاذ التدابير اللازمة للحد من أي من تلك الممارسات بالغة الضرر، سواء على مستوى الاقتصاد الكلي، أو على مستوى القطاع العقاري.

ومن الفوائد المحققه من وراء رقمنة القطاع العقاري أن المؤشرات الدقيقة التي ستوفرها منصة رقمنة القطاع أمام كل من متخذي القرار والمخططين، ستمنح كثيرا من الكفاءة والفاعلية اللازمة لأي قرارات أو إجراءات أو تدابير يتم اتخاذها على مستوى تحسين وتنظيم وتطوير وإصلاح القطاع العقاري، لما ستقدمه المنصة الرقمية من بيانات ومعلومات دقيقة جدا، يمكن الاعتماد عليها في إطار تلك الجهود الإشرافية والتنظيمية.

إضافة إلى حماية تلك القرارات والإجراءات من الوقوع في الآثار العكسية لعدم دقة البيانات والمعلومات المستقاة من القطاع، وهذا الأمر بحد ذاته، يعد واحدا من أهم وأكبر مكاسب رقمنه القطاع العقاري، التي لا يمكن تقديرها بأي ثمن.

تحليل كتبه: شنوده أمين 

استشاري تطوير الأعمال ومتخصص في ملف التنمية العمرانية