Follow ICT
شعار الموقع الاساسى
جايزة 160
جايزة 160

تايلر كوين يكتب: «تشات جي بي تي» يقلب موازين قطاع التسويق

يُوصف “تشات جي بي تي” في كثير من الأحيان بأنه أسرع منتج استهلاكي يُعتمد من قبل المستهلكين على مر التاريخ.

وبصرف النظر عن إمكاناته التكنولوجية، فإن “تشات جي بي تي” يعتبر إنجازاً مذهلاً في مجال التسويق، يؤمل أن يمهد لموجة جديدة من الحملات التسويقية التي تعتمد على الأصالة وليس على استرضاء العملاء.

صدر “تشات جي بي تي” في نوفمبر الماضي كتجربة أكثر من كونه جزءاً من حملة مدروسة جيداً. لم تتوقع “أوبن إيه آي” (OpenAI) -وهي الشركة الأم المصدرة له التي زرتُ مقرها الرئيسي في سان فرانسيسكو- أن تحقق الخدمة نجاحاً سريعاً كما حصل فعلاً.

وكان المهندسون، وليس مديرو التسويق، هم القوة الدافعة وراء هذا النجاح، دون أن يحظى المنتَج بإعلانات مثيرة تدغدغ مشاعر الولاء والانتماء لدى العملاء.

حتى اسم “تشات جي بي تي” نفسه مختلف عن سابقيه كثيراً. فالعديد من التطبيقات الناجحة لها أسماء براقة تبعث على التفاؤل، مثل “إنستجرام” و”روبلوكس” و”تيك توك”. في العادة، يبتكر أحدهم اسم المنتج، وقد يحدث ذلك في جلسة عصف ذهني، ثم يكشف بعد ذلك النقاب عنه للعالم الأوسع نطاقاً. ولو حالف المنتَج الحظ، يصبح اسمه رناناً ولا يُنسى، ويصبح مرتبطاً بأفكار إيجابية لدى المستهلكين.

لكن اسم “تشات جي بي تي” غير مألوف بالنسبة إلى الكثيرين، حيث كان اسم الخدمة في الأصل “جي بي تي 2″، ثم “جي بي تي 3″، ثم صدر “جي بي تي 3.5”.

وبعد ذلك أُعلن عن “تشات جي بي تي” في نوفمبر 2022. وكان “تشات جي بي تي 3.5” بطيء وبه مشكلات عديدة، وبحلول ذلك الوقت كان معرضاً لخطر أن يصبح تطبيقاً قديماً.

لذلك أصبح “تشات جي بي تي” هو اللقب الشائع للتطبيق. وعندما صدر “جي بي تي 4” في مارس، كانت هناك فرصة لاختصار الاسم إلى “جي بي تي 4” فقط، والتعامل مع لقب “تشات جي بي تي” باعتباره علامة تجارية مؤقتة مرتبطة بالإصدار 3.5، لكن ذلك لم يحدث، حيث ظل “تشات جي بي تي” هو الاسم المتصدر للساحة.

لكنني ما زلت أفضل أن أسميه “جي بي تي 4″، حتى أوضح رقم الإصدار الذي أستخدمه. في هذه الأثناء، لا يزال “جي بي تي 3.5” متاحاً بالمجان على نطاق واسع، ولذا أشعر أنه لا ينبغي الخلط بين الاثنين. لكنهما يثيران الحيرة نسبياً، وكل شخص تقريباً يقول “تشات جي بي تي” فقط دون توضيح رقم الإصدار المُحدث. لكن دعني أذكرك مجدداً أن التسويق لهذا المنتج لم يسر بالطريقة التقليدية، وعلى ما يبدو، فإن المستخدمين لا يأبهون لذلك.

في هذه المرحلة، قد تتساءل عما تعنيه أحرف “جي بي تي”، والحقيقة هي أنها تعني “محول كلمات توليدي مسبق التدريب” (Generative Pre-Trained Transformer).

لكن الكثير من المستخدمين لا يعرفون ذلك، ولا يستطيعون شرح ما تعنيه هذه الكلمات، ويمكنني تخيل فريق تسويق المنتج وهو يجلس حول طاولة اجتماعات ويصرّ على أن لفظ “جي بي تي” مبهم للغاية ولن يستطيع جذب الناس.

لكن في “أوبن إيه آي” كان مهندسو البرمجيات وخبراء الشبكة اللغوية هم أصحاب القرار الأول والأخير، وليس فريق التسويق. وبالتالي حصل الأميركيون على اسم لم يُختبر مراراً وتكراراً في السوق، ولا يناسب بالضرورة التحول إلى شعار إعلاني. وربما يكون هذا ما أعجبهم فيه، خصوصاً إذا سئموا تحكم شركات التسويق في الاقتصاد.

أتذكر “إم إس-دوس” (MS-DOS)، وهو إصدار سابق من نظام تشغيل “مايكرسوفت” يأتي مرفقاً مع جهاز الحاسب الآلي عند شرائه، لكنه لم يحقق رواجاً استهلاكياً مثل “كوكاكولا”، لأن اسمه يشبه مصطلحاً هندسياً على غرار “جي بي تي”. ويمكن أن تكون المصطلحات الهندسية طريقة جيدة لتسويق الأشياء، طالما أن المنتج يركز على الجانب التقني.

ويعد تقسيم إصدارات المنتج ميزة كبيرة أيضاً لعبت لصالح “تشات جي بي تي” منذ بداية إطلاقه، ولا يبدو أنها أضرت بشعبيته.

فخلال الأشهر العديدة الماضية، تم طرح العديد من المنتجات، بما في ذلك “جي بي تي 3.5″ و”جي بي تي 4″ و”بينج تشات” المدعم الآن بـ”جي بي تي 4″ رغم أنه ظل حتى فترة قريبة يعمل على إصداره “جي بي تي 3.5” فقط، إضافة إلى الخدمة المدفوعة “جي بي تي بلس” وإصدارات “إيه بي آي” (API) المتاحة من “جي بي تي” بشكل انتقائي للمستخدمين الذين يقدمون ملاحظات مفيدة، كما يُطور “جي بي تي بلس” تزامناً مع تحديث عمليات البحث (ويجري طرحه على مراحل)، والآن أصبح تطبيق “تشات جي بي تي” متاحاً للهواتف الذكية.

يكون التطبيق أكثر قوة إذا كنت تستخدم النسخة مدفوعة الأجر، كما دُمجت هواتف “أيفون” مع خاصية “ويسبر” (Whisper) المتخصصة في التعرف على الصوت بطريقة لا تتوافق مع إصدارات “جي بي تي” الأخرى. وكان للخواص الرقمية المختلفة أيضاً حصص وقيود على الاستخدام، مع زيادة الوصول بشكل مطرد بمرور الوقت.

كل هذا يناقض الأسلوب البسيط المتبع في العديد من خطط التسويق السائدة الأخرى، لكنه نجح مع ذلك. ويظهر دائماً إصداراً جديداً من الخدمة ليجذب الانتباه له، ويفتح شهية المستخدمين على تبنيه، ومقارنته مع النسخة الأقدم، بحيث يشعر المستخدمون كما لو أنهم يشهدون بل ويؤثرون في تطور المنتج.

والسؤال الآن هو: إذا أثبتت طرق التسويق المبتكرة لـ”جي بي تي” أنها مؤثرة فعلاً وذات فاعلية طويلة، فما الذي قد يتوقعه المستهلكون أيضاً؟ وهل سنرى مثلاً كتباً ذات أغلفة باهتة ومن دون أسماء طويلة جداً تناسب شروط تحسين نتائج محركات البحث؟ أو مباريات كرة سلة بالدوري الأميركي للمحترفين دون عرض إعلانات تسويقية بين الأشواط؟ وربما تظهر إعلانات تلفزيونية يتحدث فيها محلل ممل عن المزايا الفعلية للمنتج.

بالحديث عن نفسي فأنا مستعد لشكل التسويق الجديد هذا في أميركا. وأعدكم أن أسلط الضوء على مزاياه لكن دون مبالغة كبيرة أو تغافل عن جوانب القصور فيه.

تايلر كوين

كاتب مقالات في وكالة بلومبرج وأستاذ الاقتصاد بجامعة جورج ميسون