Follow ICT
شعار الموقع الاساسى
جايزة 160
جايزة 160

محمد العسيري يكتب: ابتكار اتصال «اللاي فاي»

يشهد قطاع الاتصالات اللاسلكية تطورا مستمرا ومثيرا على مر العقود الأخيرة، وأثر هذا التطور وبشكل فعال وعميق في مجتمعاتنا والعالم بشكل عام. ولامس هذا التأثير كثيرا من الجوانب، الأمر الذي لا يمكن تجاهل دوره وأهميته.

فعلى سبيل المثال، في جانب القدرات الدفاعية، تكمن أهمية الاتصالات اللاسلكية وأثرها في الدور الحاسم الذي تلعبه من تمكين التواصل والتنسيق العملياتي بفاعلية على مختلف المستويات ومساهمتها في قدرات العمليات الاستخباراتية والرصد والتحكم في أرض الواقع، وفي تطوير وتحسين أنظمة الأسلحة الذكية، مثل الصواريخ الموجهة والطائرات دون طيار، والمعروف أن هذه الأنظمة تعتمد على الاتصالات اللاسلكية للتواصل ونقل البيانات بينها وبين مراكز التحكم والقيادة والسيطرة.

ومن الأمثلة أيضا مع تزايد التهديدات السيبرانية، تطورت تقنيات التشفير والأمان فيها وبشكل متسارع، الأمر الذي أسهم في حماية البيانات المرسلة عبر شبكاتها من الاختراق والتجسس. ونجد أيضا أهميتها في التحكم في البنية التحتية الحيوية وضمان استمراريتها، مثل شبكات الكهرباء والمياه والغاز، ومن أثر تطور هذه الاتصالات أيضا، انتشار شبكات الجيلين الخامس والسادس التي تتميز بالزيادة الهائلة في سرعة نقل واستقبال البيانات، وتمكين تقنيات اتصال إنترنت الأشياء بشكل أكبر الذي بدوره مكن لعديد من التطبيقات المبتكرة، مثل السيارات ذاتية القيادة والصناعات الذكية، إضافة إلى ذلك كله الدور الكبير والملموس في جودة الحياة، حيث مكن هذا التطور في هذه التقنيات ومن خلال الهواتف المحمولة والتطبيقات المبتكرة والإنترنت اللاسلكي من التواصل العالمي وجعله متاحا مع الجميع في أي زمان وفي أي مكان.

أضف إلى ذلك الوصول السريع إلى المعلومات والمحتوى من خلال الإنترنت وتطبيقات الهواتف المحمولة، الأثر الذي أسهم في تعزيز التعليم وتطوير مهارات التعلم وأتاح فرصا تعليمية وترفيهية متجددة، أيضا دورها في تقديم خدمات صحية عن بعد، مثل الاستشارات الطبية عبر الفيديو ورصد الحالات الصحية مما يسهم في تحسين رعاية المرضى وإتاحة الرعاية للأفراد، وخصوصا في المناطق النائية، وفي زيادة القدرة والكفاءة الإنتاجية، حيث تتيح هذه التقنيات العمل عن بعد من أي مكان، ما يزيد من مرونة العمل ويسمح للأفراد بالاستفادة من وقتهم بشكل أفضل وهذا يحسن الإنتاجية الشخصية، ويسهم في تحقيق توازن أفضل بين الحياة الشخصية والعملية، وبشكل عام، تقنية الاتصالات اللاسلكية تلعب دورا مهما في حياتنا.

وفي هذا المقال سأتحدث وبشكل عام عن أحد الابتكارات الحديثة في هذا المجال ألا وهي تقنية اتصال اللاي فاي، وسأبين أهميتها واستخداماتها ومزاياها من نواح عدة.

تعد تقنية اللاي فاي إحدى تكنولوجيا الاتصالات اللاسلكية التي يتم من خلالها نقل المعلومات باستخدام الضوء سواء كان هذا الضوء مرئيا أو ضوء الأشعة تحت الحمراء أو ضوء الأشعة فوق البنفسجية، حيث تستخدم بدلا من الموجات الراديوية التقليدية المستخدمة منذ التسعينيات ونجدها في تقنيات مشابهة مثل الواي فاي. وللتبسيط يمكن القول إن هذه التقنية تستخدم الضوء المرئي مثل ذلك الضوء الصادر عن مصابيح الإنارة العادية، تم ابتكار هذه التقنية 2011، عن طريق هارلد هاس أستاذ هندسة الاتصالات الألماني، بجامعة أدنبره في اسكتلندا، وتتميز هذه التقنية بعدة مزايا منها السرعة العالية لكونها تعتمد على الضوء الذي يفوق تردده موجات الراديو بعشرة آلاف المرات، وتشغيلها لا يحتاج إلى بنية تحتية مكلفة، وهي عالية الأمان.

وتتميز أيضا بسهولة التحكم والتوجيه، وصديقة للبيئة، حيث لا ينتج عن استخدامها أي تلوث إشعاعي أو غيره، ولا يحدث استخدامها أي تشويش على أي أجهزة أخرى، كما هي الحال في موجات الراديو. وهي تعد أحد الحلول الملائمة للشبكات اللاسلكية لمواجهة ضغط نقل الكميات الهائلة من البيانات التي أصبحت حاجة ملحة، خاصة في ظل الثورة الرقمية التي نعيشها في وقتنا الحاضر، وفكرة هذه التقنية تعتمد على الاستفادة من تغير قمة التيار في المصابيح “الليد”، هذا التغير الذي يتسبب في تغير شدة الضوء، ويصبح بشكل متقطع ولا يمكن أن يرى بالعين المجردة. هذا التقطع ينتج ما يسمى الكود الثنائي، وهو الشكل الحقيقي للبيانات.

وأرى أن مثل صناعة هذه التقنية ستنمو لإمكاناتها الواسعة والواعدة، وبشكل كبير، خلال الأعوام المقبلة، وخصوصا مع تزايد الطلب على نقل البيانات وبكميات هائلة لاسلكيا، والحاجة إلى اتصالات آمنة وموثوقة في مختلف الصناعات وفي مختلف القطاعات المدنية منها أو العسكرية. وللمزايا التي سبق ذكرها، فإنها تعد ابتكارا نوعيا فريدا واعدا للاستثمار والتطوير، مقارنة بموجات الراديو.

وللتوضيح أكثر وكباحث في هذا المجال، فإننا نجد محدودية موجات الراديو في اختراق المياه، ما يشكل عائقا للاتصالات تحت سطح الماء، خاصة في نقل كميات هائلة من البيانات، وفي المقابل يمكن للضوء أن يخترق الماء، ما يجعل لتقنية اتصال اللاي فاي حلا قابلا للتطبيق ومثاليا لنقل البيانات تحت سطح الماء، ما يوفر ويمكن للقطاعات المعنية القيام بمهامها، مثل الأبحاث البحرية والتنقيب عن النفط والعمليات البحرية، إضافة إلى إمكانية فرض التحكم والسيطرة على الأماكن الحساسة في بعض المناطق البحرية من خلال القدرة على مراقبتها لاسلكيا باستخدام هذه التقنية، ما يكون له الأثر والبعدين الاقتصادي والدفاعي في الوقت نفسه، كما نجد أنه بدأ عديد من الشركات في عديد من الدول، مثل آسيا وأوروبا والولايات المتحدة وغيرها، في توجيه استثماراتها إلى مثل هذه التقنيات، وبدأ بعضها في إطلاق منتجاته لهذه التقنية والبعض الآخر ما زال في مراحل البحث والتطوير والابتكار، لكونها تعد تقنية ناشئة قادرة على توفير سرعات عالية لنقل البيانات، وينظر إليها على أنها جزء من التكنولوجيا الحديثة ذات الإمكانات العالية من حيث الاستخدام والتطبيقات.

ومن الأمثلة على ذلك، مثل شركة باناسونيك والمعروفة سابقا باسم شركة ماتسوشيتا التي تعد واحدة من أكبر الشركات للصناعات الإلكترونية اليابانية، وشركة جنرال إلكتريك الأمريكية، وغيرهما من الشركات، خاصة الناشئة، مثل شركة تقنية اللاي فاي العالمية الكندية، التي أُسست في 2016، تعمل على تركيب ودمج تكنولوجيا الاتصال ونقل البيانات القائمة بتقنية اللاي فاي، ولديها منتجاتها الخاصة لذلك، وغيرها كثير.

أ.د. محمد العسيري

أستاذ وباحث في الهندسة الإلكترونية والأنظمة الدفاعية