Follow ICT
شعار الموقع الاساسى
جايزة 160
جايزة 160

حلم الثراء من «العملات الرقمية».. طريق محفوف بالمخاطر ومغامرة مع الهاكرز والمجرمين

لم تكن حدثا عاديا يوما ما، وإنما إنفجار مازال صداه يزلزل أركان النظام المالي العالمي، إنها العملات المشفرة التي تحظي بالكثير من الأعداء، والقليل جدا من المؤيدين والذين اعتبرهم البعض “سائحين” في عالمها وسيتراجعوا عن تأييدها يوما ما وقريبا جدا بعد أن تصيب استثماراتهم في مقتل، فالعملات المشفرة وعلى رأسها البيتكوين أصابت صناع السياسات المالية والنقدية بالكثير من القلق وسط النمو الذي تعيش فيه وتوجه البعض نحوها باعتبارها مستقبل للنظام المالي العالمي في ظل عالم يسيطر عليه الابتكار والتكنولوجيا.

ودفع هذا الزخم بأسعارها لأرقام جنونية خلال الفترة الماضية فاقت كافة التوقعات قبل أن تنكسر قليلا، وزاد من مخاطرها على كافة الأصعدة بما دفع بالسلطات التنظيمية في الكثير من الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والصين لمذيد من التشدد نحوها و”تحسس مسدسها” اتجاه أي خطوات مستقبلية حولها.

إيلون ماسك

وأثار إيلون ماسك مؤسس شركة تسلا، بتغريداته المتكررة حولها والاجتماع بصناعها، ترقب اللاعبين الرئيسين في الاقتصاد العالمي باعتباره أول ملياردير عالمي يبدي تأييده للعملات المشفرة بشكل واضح، حيث يمتلك ماسك الكثير من المؤيدين وتحظى أفكاره بكثير من الثقة خاصة مع نجاحاته المتعددة سواء في صناعة السيارات الكهربائية أو غزو الفضاء.

و دفع هذا اللغط العالمي، البنك المركزي المصري والهيئة العامة للرقابة المالية من التحذير بشكل متكرر من التعامل بالعُملات المشفرة أو الإتجار فيها أو الترويج لها أو تنفيذ الأنشطة المتعلقة بها داخل السوق المصرية مشيرين إلى أن التعامل في تلك العُملات ينطوي عليه مخاطر مرتفعة؛ حيث يَغلُب عليها عدم الاستقرار والتذبذب الشديد في قيمة أسعارها كما أنها لا تخضع لإشراف أي جهة رقابية على مستوي العالم؛ وبالتالي فإنها تفتقر إلى الضمان والدعم الحكومي الرسمي الذي تتمتع به العُملات الرسمية الصادرة عن البنوك المركزية.

ولكن هل مسلسل المخاطر مستمرة للعملات المشفرة ؟

الجديد يدور في الوقت الحالي ، حول رصد المراقبون توغل جديد ومتعاظم للعملات المشفرة في عمليات الاحتيال والقرصنة عبر الانترنت منذ بداية العام الجاري 2021، حيث تضاعفت استخداماتها في العمليات غير المشروعة خلال الفترة الماضية على الانترنت مع التضييق عليها من جانب السلطات التنظيمية في العديد من الدول ، وتفكير بعضها في فرض ضرائب كبيرة علي عملياتها الاستثمارية كالولايات المتحدة.

فنظرا لأنها عملة افتراضية مشفرة غير خاضعة لقانون، فقد شجعت المجرمون والهاكرز وبرمجيات الفدية الخبيثة، وتسببت في أزمات عالمية تخص استهلاك الكهرباء،حيث تشير بيانات شركة Chainalysis للأمن والتشفير إلى تلقي الكيانات المشروعة 2.8 مليار دولار كمدفوعات باستخدام العملات المشفرة خلال العام الماضي، في انخفاض كبير عن مدفوعات عام 2017 ، وارتفع تدفقها على النقيض إلى الكيانات غير المشروعة بنسبة 75%، ووصلت إلى 4.9 مليار دولار في 2020، وكانت فئة برميجات الفدية هي الأسرع نموا، حيث تضاعفت مدفوعاتها 4 مرات عن عام 2019 لتصل إلى 348 مليون دولار في 2020 ، ومن المتوقع تعاظمها خلال العام الجاري.

ومن المؤكد وفقا للمراقبين أن مدفوعات الكيانات غير القانونية الفعلية هي أكبر بكثير، فالعديد من طلبات الفدية الإلكترونية لم يتم الإبلاغ عنها ، وعلى عكس معظم الجرائم المختصة بالإنترنت والكمبيوتر، يرجع الفضل في ظهور برمجيات الفدية الخبيثة إلى العملات المشفرة، وأشهرها بيتكوين، وليس غريبا أن 100% من أموال الفدية الإلكترونية تم تسديدها باستخدام العملات المشفرة، بحسب بيانات شركة “Coveware” .

العملات المشفرة سلاح رئيسي

وتشكل عمليات الدفع بالعملات المشفرة البديل الأفضل على الإطلاق للمجرمين والإرهابيين والهاكرز على شبكة الانترنت، فنظام الدفع التقليدي والمعتاد عبر البنوك والمؤسسات المالية القانونية يسهل تعقبه ومحاصرته، كما أن إجراءاته بطيئة ومكلفة نسبيا، وتتحكم فيه البنوك الكبرى ، أما العملات المشفرة، والتي تعتمد على تقنية البلوك تشين Blockchain، فهي البديل الأسرع والأرخص والأكثر أمانا، والذي لا يمكن تعقبه.

وإذا لم نصل لمرحلة القلق الكافية، فيكفي أن نعرف أن القيمة الإجمالية للعملات المشفرة عالميا قد وصلت خلال شهر مايو الماضي إلى 2 تريليون دولار تقريبا، أي أكثر من جميع الدولارات المتداولة في الأسواق العالمية، وقد يقول البعض أنها “فقاعة”.. لكن الفقاعات هي السمة المميزة لكل ابتكار مالي كما إن العملات الرقمية المشفرة أصبحت كالوباء المتفشي في العالم، حيث يوجد الآن أكثر من 5 آلاف عملة رقمية.

ويهدد نمو العملات الرقمية الذهب باعتباره الاحتياطي الرئيسي للاقتصاد العالمي ، حيث يعد مخزنا للقيمة منذ تم استخدامه في سك العملات، كما كان داعما للنقود الورقية لفترة طويلة، واليوم لدينا عملات مشفرة تنافس الذهب والمعادن الثمينة في حفظ القيمة، فقط بسبب قبولها كوسيلة تبادل.

غسيل الأموال بالعملات المشفرة

وبمجرد أن يمتلك المجرم العملات المشفرة في محفظته، فإن الخطوة التالية هي “تسييل” هذه العملات الافتراضية إلى نقود فعلية مرة أخرى، وهنا تأتي عمليات غسيل الأموال، وهي القاسم المشترك بين جميع أشكال الجرائم المشفرة والإلكترونية، ويتم تحويل العملات المشفرة إلى نقود مرة أخرى عبر عمليات تبادل عالية المخاطر ومواقع المقامرة وأسواق الشبكة المظلمة (دارك نت) غير القانونية وعمليات الاحتيال.

وعلى مدار عام 2019، تم رصد انتقال 2,8 مليار دولار من عملات بيتكوين من الكيانات الإجرامية إلى مواقع التبادل، واستحوذ موقعي التبادل Binance وHuobi على أكثر من 50% منها ، ويعتبر Binance وHuobi أكبر مواقع التبادل العاملة في مجال العملات الرقمية، وهي تتلقى مبالغ كبيرة منها نظير هامش ربح مرتفع ، وبشكل عام، تلقى أكثر من 300 ألف حساب فردي في Binance وHuobi عملات بيتكوين من مصادر إجرامية في 2019.

أحمد عبد المعطي

من جانبه قال أحمد معطي، المدير التنفيذي لشركة “VI Markets” في مصر، إن العملات الافتراضية ساعدت في زيادة معدلات القرصنة والاحتيال، حيث أنها تقوم على اللامركزية وصعوبة الرقابة عليها، مما يجعلها سوقًا خصبة وبوابة خلفية لتمويل العمليات الإرهابية وغسيل الأموال، مشيرا إلى أن العملات المشفرة ساعدت «الهاكرز» على طلب الفدية من خلال ما يعرف ببرنامج  «Ransomware»، حيث يقوم القراصنة بالاستيلاء على أجهزة الكمبيوتر المخترقة وطلب دفع فدية بعملة البيتكوين المُشفرة لصعوبة تعقبها.

العمليات الاحتيالية في مصر

وأوضح «معطي» أن العمليات الاحتيالية التي تم رصدها في مصر خلال الفترة الأخيرة، إما توظيف أموال من خلال الاحتيال على أفراد باستثمار أموالهم في البيتكوين – وهذا النوع يتم كشفه عن طريق شكوى أحد المتضررين- أو من خلال عمليات التعدين والتي تتضح من خلال الاستهلاك المنزلي العالي جدًا للكهرباء، حيث أنها قد تتخطى استهلاك كهرباء المصانع.

وأشار إلى أن البنك المركزي المصري والهيئة العامة للرقابة المالية حذرا من استخدام العملات المشفرة في مصر، فضلاً عن حجب المنصات مثل «Binance، coinbase»  على أجهزة اللاب توب، مما يحد من انسياق الشباب نحو التوجه للعملات المشفرة، إلى جانب منع تحويل العملات المشفرة عبر البنوك ، مشددا على ضرورة نشر الوعي بين الشباب بخطورة العملات المشفرة، سواء من خلال السوشيال ميديا أو عبر الحملات التليفزيونية، مشيرًا إلى أن هذه الحملات تم تنفيذها بالفعل في الصين، بالإضافة إلى وضع محفزات لجذب هذه الفئات للاستثمار والتداول في البورصة المصرية.

وفي نفس السياق، قال إبراهيم الشربينى، رئيس قطاع التكنولوجيا المالية ببنك مصر، إن صعوبة الرقابة والتحكم في العملات المشفرة من قِبل الحكومات أو البنوك المركزية، مع عدم وجود أي جهة منظمة لهذه العملات، يجعلها مدخلاً متاحًا لتنامي العمليات المشبوهة على الانترنت، فضلاً عن زيادة عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وبالتالي انتشار حجم الجريمة بشكل أكبر.

وفرق «الشربيني» بين العملات المشفرة Cryptocurrencies والرقمية، إذ تعمل المشفرة دون أى غطاء رسمى أو أى بنك مركزى مُصدر لها، ويكون التعامل عليها عبر الإنترنت مستخدما عمليات التشفير كحماية لها حيث لا يوجد لها أى وسيط للتعامل، بينما العملات الرقمية فهي عملة تصدرها البنوك المركزية وتشرف عليها بنفسها.

محمد عكاشة

من جانبه قال محمد عكاشة الشريك المؤسس لصندوق «ديسربتيك» للتكنولوجيا المالية، إن التعامل مع العملات الافتراضية أمر لا يمكن تجاهله، ولابد من تقنينه، مشيرًا إلى أن هناك تعاملات تتم من قبل مصريين بشكل فردي، ومن الصعب تتبعها خاصة وأنها تتم عبر مواقع أغلبها أجنبية.

وأشار إلى أن التعامل بالبيتكوين منتشر على نطاق واسع جدًا خارج مصر، إلا أن نشاطها في الشرق الأوسط ما زال محدودًا، خاصة وأن هناك بدائل عديد خلال الفترة الحالية مثل البطاقات الافتراضية والمدفوعات الرقمية.

وحذرت الهيئة العامة للرقابة المالية على لسان الدكتور محمد عمران رئيس الهيئة، المستثمرين من مخاطر الاشتراك في عمليات الاكتتاب الأولي في العملات Initial Coin Offering -ICO والتي تهدف لجمع أموال من المواطنين، ومن مخاطر دعوات الانسياق وراء العملات الافتراضية المشفرة وما يرتبط بها من معاملات فى ضوء أنها غير خاضعة لرقابة أي جهة داخل مصر، وتشكل تحايلاً على المنظومة النقدية الرسمية وما يرتبط بها من قوانين وتشريعات.

الدكتور محمد عمران

وأكدت الهيئة، أنها لم ترخص أو تقنن تلك العملات الافتراضية أو المنتجات المرتبطة بها، ولا توافق على التعامل فيها أو استخدامها، وكذلك تعتبر أن دعوات تحفيز المستثمرين للدخول على تلك الأنواع من التعاملات، ارتكازاً على صعود أسواقها أو لضمان تحقيق عوائد مجزية يُعد نوعاً من أنواع التضليل الذي يقع تحت طائلة المسائلة القانونية.

وشددت الهيئة على أن سوق تداول الأوراق المالية في مصر هي البورصة المصرية – المعروفة لدى الكافة – وبورصة المشروعات الصغيرة والمتوسطة المعروفة باسم بورصة النيل، كما أنه يتم حالياً استكمال الإجراءات التنفيذية لبورصة العقود الآجلة والمشتقات المالية، بالإضافة إلى بورصات السلع، ودون ما تم ذكره على سبيل التحديد يتطلب تشريعا للمزاولة.

أزمة الطاقة تتفاقم

من جانب أخر يقول البروفيسور بريان لوسي من كلية ترينتي في دبلن، أن عملة بيتكوين وحدها تستهلك كهرباء تعادل ما تستهلكه دولة أوروبية متوسطة الحجم.

وبدأت السلطات الاقتصادية في الانتباه لخطوة العملات المشفرة على البيئة، وقد قال البنك المركزي الأوروبي مؤخرا أن “البصمة الكربونية الباهظة” للعملات المشفرة تدعو للقلق، وأن نظام المدفوعات في منطقة اليورو له بصمة كربونية أقل بنحو 40 ألف مرة من عملة بيتكوين خلال 2019.

وبحسب مؤشر استهلاك بيتكوين للكهرباء في جامعة كامبريدج، فإن تعدين بيتكوين يستهلك 133,68 تيراواط ساعة من الكهرباء سنويا، في الوقت الذي تستهلك فيه السويد –مثلا- سنويا 131,8 تيراواط ساعة من الكهرباء!

ويتوقع العلماء أن يزداد استهلاك تعدين بيتكوين للكهرباء سنويا حتى يصل في وقت ما قريب إلى 500 تيراواط ساعة، في حين تستهلك المملكة المتحدة 300 تيراواط ساعة من الكهرباء.

ولفهم تأثير تعدين بيتكوين على البيئة، يجب أن تعلم أن 65% من تعدين العملات الرقمية يأتي من الصين، التي تعتمد على الفحم في توليد الكهرباء بنسبة 60%، ما يعني تفاقم انبعاث غازات الاحتباس الحراري.

مستقبل العملات المشفرة

حول مستقبل العملات المشفرة، أشار أحمد معطي، المدير التنفيذي لشركة “VI Markets” في مصر إلى أن هذه العملات ستظل مستمرة ومن المستبعد اختفاءها، متوقعًا أن تتجه الحكومات نحو تنظيم عمل هذه العملات في السنوات القادمة، مشيرا إلى أن دخول الصناديق الاستثمارية في تداول العملات المشفرة يساهم في تنامي هذه العملات، متوقعًا تباطؤ هذه الأزمات في السنوات المقبلة، ومضيفًا «العملات المشفرة تزدهر في أوقات الأزمات، بدءًا من انتشارها في 2008 وازدهارها في 2016، إلا أنه مع وجود انتعاش اقتصادي فإن صناديق الاستثمار تتجه للاستثمار الآمن، وهو ما يترتب عليه تراجع وانكماش العملات الافتراضية».

العملات الرقمية
العملات الرقمية

بينما يري إبراهيم الشربينى رئيس قطاع التكنولوجيا المالية ببنك مصر إن مستقبل العملات المشفرة يتسم بالضبابية والغموض، حيث أن العامل الذي يحكم مستقبل هذه العملات هو مدى استخدام الأفراد لها في عمليات البيع والشراء، مشيرًا أن القيود التي تفرضها الحكومات والبنوك المركزية لمنع تداول هذه العملات يجعل من الوارد اختفائها في أي وقت نظرًا لمحدودية استخدامها.

وفيما يخص تأثير تأييد بعض المسئولين والصناديق للتوسع في استخدام العملات المشفرة على هذه الغملات، أوضح إبراهيم الشربينى ، أن استثمار الصناديق وكبار رجال الأعمال حول العالم في العملات المشفرة يمنحها حياة جديدة، مستدلاً بتصريحات إيلون ماسك وتأثيرها الكبير خلال الشهور الأخيرة على عملة بيتكوين.

وأضاف: «يجب على الحكومات والمسئولين عدم السماح بتداول هذه العملات في أي عمليات شراء أو بيع، مما يحد من العملات المشفرة التي تتسم بالخطورة العالية والتي تضر بدورها اقتصاديات الدول».

و يرى محمد عكاشة أن العملات الرقمية لن تختفي في المستقبل، لذا يجب تقنينها لإضفاء المزيدمن الأمان حولها ورصد حركاتها تجنبًا لعمليات غسيل الأموال، مؤكدا على أن دخول صناديق استثمارية عملاقة وكبار المستثمرين في العالم وعلى رأسهم إيلون ماسك من شأنه أن يزيد ثقة الأفراد في تعاملاتها والاستثمار بها.