Follow ICT
شعار الموقع الاساسى
جايزة 160
جايزة 160

بين مطالبات رفع الأسعار واستدامة التطوير.. أين تتجه بوصلة شركات الاتصالات في مصر؟

تمكنت شركات الاتصالات في مصر، من تحقيق المعادلة المُثلى خلال السنوات الماضية على مستوى العمليات التشغيلية والمؤشرات المالية رغم تعرضها للعديد من الصدمات، مما ساهم في تعزيز قدرات القطاع وهويته على المستوى المحلي والإقليمي، وذلك بسبب سياسات الشركات المرنة وقدرتها على التوازن فيما يتعلق بتقديم الخدمات وإعادة اختراع نفسها كلما لزم الأمر، لمسايرة التطور في التكنولوجيا وتسارع عملية التحول الرقمي والتي طالت كافة الأوساط وأصبحت خيار الضرورة الذي يعزز نمو الاقتصاد الكلي، والقناة الرئيسية التي تدعم بيئة الأعمال الحالية والمستقبلية.

لكن المحطة التي نقف عندها في الفترة الحالية، والتي يحكمها التداعيات العالمية الصعبة وتسارع مستويات التضخم وارتفاع تكاليف التشغيل والاقتراض أيضا، جعلت إدارات شركات الاتصالات تبحث عن الفرص بشكل أكثر تنوعا لضمان تحقيق الاستدامة المالية والتحوط ضد الأزمات، وفي جوهر هذه السياسات، المطالبات الملحة بزيادة أسعار الخدمات لتكون أكثر ملائمة لتكاليف التشغيل وانخفاض قيمة الجنيه مقابل الدولار، خاصة مع ثبات أسعار الخدمات منذ 5 سنوات، حيث أن آخر زيادة لأسعار خدمات شركات المحمول تمت في عام 2017، وهو ما يعرّضها لتآكل هوامش ربحيتها على المدى القصير والمتوسط، حيث يعد متوسط سعر دقيقة المحمول في مصر الأرخص في الشرق الأوسط.

يأتي ذلك وسط احتدام المنافسة في سوق الاتصالات المصري في ظل ارتفاع نسب انتشار الخدمة، على المستوى التجاري والأفراد، خاصة مع تنوع الخدمات المقدمة في ظل التحول الكبير نحو توطين مراكز البيانات وانتشار المدن الذكية وتطور الخدمات الحكومية والمدفوعات الرقمية، مما دفع قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لتحقيق معدلات نمو بلغت نحو 16.7% فى العام المالي 2021/2022 مقارنة بمعدل نمو 16.1% في العام المالي 2020/2021؛ ليصبح القطاع هو الأعلى نموا بين قطاعات الدولة المختلفة على مدار أربع سنوات متتالية، كما بلغت نسبة مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي لمصر 5% في العام المالي 2021/2022.

ويستند القطاع في طريق المستقبل على أسسس قوية، تتمثل في المؤشرات المالية القياسية التي حققها خلال الفترة الماضية، إلى جانب معدلات التشغيل المتميزة، وأيضا التنوع القائم في المشروعات التي تعمل عليها الشركات وأيضا تنوع الشركات التي تعمل في السوق المحلي في قطاعات نوعية، وتتميز بقوة العلامات التجارية الخاصة بها، حيث تعمل في مصر 4 شركات لخدمات الهاتف المحمول، هي “فودافون مصر” التابعة لمجموعة “فوداكوم” الجنوب إفريقية، و”أورنج مصر ” التابعة لمجموعة “أورنج” الفرنسية، و”اتصالات مصر” التابعة لـ”e&” الإماراتية، و”المصرية للاتصالات” التابعة للحكومة والتي تمتلك حصة 45% من أسهم “فودافون مصر”.

لكن التحديات قائمة وبقوة وفقا للمحللين رغم استقرار القطاع لحد كبير، والتي يعد أبرزها اختبار التحمل الحالي بالأسعار القائمة ومدى تجاوب جهاز تنظيم الاتصالات في مسألة رفع أسعار خدمات الاتصالات من جهة، ونسبة الارتفاع أيضا من جهة أخرى بين مطالبات تصل إلى 30% وحسابات اجتماعية قد تعطل أو تخفض هذه النسبة، وعلى الجانب الأخر فهناك معضلة إدارية تتمثل في ضرورة وضع خطط تنفيذية متطورة بشكل مستمر لنموذج عمل الشركات للمنافسة في عصر التحول الرقمي وتقديم المنتجات الرقمية الاستهلاكية والمنتجات الرقمية للمؤسسات وتقديم حلول في كافة المجالات.

فإلى أين تتجه بوصلة شركات الاتصالات في ظل هذه المتغيرات؟ وإلى أي مدى ستخضع لاختبارات تحمل تتمكن فيها من مواصلة النمو والبناء على النجاحات السابقة؟

احتواء الاضطرابات

شركات الاتصالات في مصر تمكنت بشكل كبير من احتواء تأثيرات التداعيات العالمية الأخيرة وأصدائها المحلية وفقا لنعمان خالد المدير المساعد في أرقام كابيتال، وإن كان بالفعل قد أثرت على هوامش ربحيتها بشكل خاص مع ارتفاع تكلفة التشغيل بسبب ارتفاع الأجور وتزايد معدلات التضخم وأيضا الاقتراض، حيث نجحت الشركات في تحقيق عائدات قوية خلال الربع الأول من العام الجاري بقيمة تقترب من 37 مليار جنيه  مقارنة بنحو 27.9 مليار جنيه نفس الفترة من العام الماضي .

نعمان خالد
نعمان خالد

وأضاف أن قياس الأرقام يشير إلى مدى قوة القطاع وقدرته على مواصلة النمو خلال الفترة المقبلة مع اعتبارات رفع الأسعار المتوقع ، وأيضا التنامي الكبير في التحول الرقمي على مستوى الدولة ككل ، منوها إلى أن الحكومة تنفذ خطط توسعية كبيرة في تعزيز خدمات الشمول المالي والبنية التحتية الرقمية ومازال هناك مجال كبير للنمو ، وتوافر العديد من الفرص الاستثمارية التي سيكون اقتناصها متوقف على مدى جاهزية كل شركة وقدراتها المالية والتشغيلية.

وأشار نعمان خالد، إلى أن الشركات يجب أن لاتتوقف عند حدود رفع الأسعار كمحور هيكلي في تعزيز معدلات النمو ومواصلة النجاح، وإن كان هذا المحور مهما إلا أنها تحتاج بالتوازي مع مطالباتها المستمرة في هذا الإطار للعمل بشكل شمولي في عملية التحول الرقمي، بحيث تتنوع في تقديم خدماتها لتنويع مواردها المالية والتحوط من الضغوط والتحديات النقدية ، وأيضا العمل على تبني سياسات تشغيلية تعمل على تخفيض التكاليف والاعتماد على التطور التكنولوجي القائم كالذكاء الاصطناعي والتوسع في الاعتماد على الطاقة المتجددة  خاصة مع تنوع استثماراتها خلال العام الجاري.

ووفقا للمعلن من الشركات، تستهدف “فودافون مصر” ضخ استثمارات بقيمة تتراوح بين 4.5 إلى 5 مليارات جنيه خلال العام الجاري فى تقوية الشبكة وتطوير خدماتها، فى حين خصصت شركة أورنج مصر استثمارات تصل قيمتها إلى نحو 4 مليارات جنيه لدعم وتحسين الشبكة، في حين تستهدف “اتصالات مصر من &e” ضخ استثمارات تتراوح بين 5 و6 مليارات جنيه، بينما تركز المصرية للاتصالات “WE” على التوسع في استثماراتها بواقعية تنوع إيراداتها القوي.

سياسات مرنة

ونوه نعمان خالد، إلى أن الشركات أمامها آليتين يمكن الجمع بينها للتعامل مع هذه الأوضاع، عبر تبني سياسات تعمل على تحقيق أعلى عائد على الاستثمار عبر الحفاظ على نموها التصاعدي على مستوى عملياتها التشغيلية ومشروعاتها الرقمية داخل الدولة وأيضا على مستوى تنويع محفظتها الاستثمارية، بالدخول بخدمات جديدة تعزز من عملية التحول الرقمي داخل الدولة المصرية، وتتلائم بشكل مثالي مع متغيرات السوق المصري الذي أصبح أكثر وعيا وطلبا للخدمات الرقمية بالإضافة إلى تبني سياسات تعمل على خفص التكاليف ومعدلات الإهلاك لتعويض هذه التأثيرات السلبية لأسعار الصرف الجديدة.

عمرو الألفي
عمرو الألفي

من جانبه قال عمرو الألفي رئيس قطاع البحوث في شركة “برايم القابضة”، أن شركات الاتصالات في مصر تتبنى بالفعل سياسات استثمارية ملائمة للأوضاع الحالية، حيث توسعت في قطاعات جديدة في ظل التشبع المرصود في خدمات الصوت وأيضا البيانات بمفهومها التقليدي الذي يتوقف على “الانترنت المحمول”، وتقدم حاليا المزيد من الخدمات في مجالات الخدمات المالية ورقمنة الصحة والمدن الذكية، لافتا إلى أنشطة الاستثمار للشركات سنجد فيها مزيدا من التغير خلال الفترة المقبلة سواء في نوعية الاستثمار أو وجهته بما يتناسب مع التحولات الجديدة التي تشهدها مصر.

وأكد على أن هذه الأوضاع الاقتصادية تتطلب وضع استراتيجيات طويلة الأمد لامتصاص اضطرابات الاقتصاد وعدم النظر للربحية على المدى القصير، وذلك بتنفيذ سياسات تضع العميل على رأس الأوليات عبر التنويع في تقديم الخدمات ، ورفع كفائة الشبكات ، منوها إلى أن ولاء العميل في هذا التوقيت يعد محور حيوي خاصة مع ثبات نمو أعداد المشتركين .

أنواع التمويل

وأشار عمرو الألفي، إلى أن الشركات ستركز على تمويل توسعاتها ذاتيا أو الاعتماد على المجموعات الأم خاصة وأن لدينا 3 شركات أجانب وهم فودافون وأورنج واتصالات، ومجموعاتهم الأم عمالقة ويملكون استراتيجيات موسعة تشمل العديد من الأسواق، إلى جانب الشركة المصرية للاتصالات التي تتمتع بقدرات مالية كبيرة وحققت نتائج أعمال إيجابية للغاية الفترة الماضية، حيث قامت المصرية للاتصالات بتخفيض المخاطرة بتنويع استثماراتها وتخفيض تركزها في قطاع أو قطاعين أعمال فقط مع الاستفادة من معدلات النمو العالية في قطاع خدمات المحمول.

ونوه  إلى أننا أمام تغير في تعامل المستهلك مع خدمات القطاع وهو العنصر الرئيسي في دائرة أى إستثمار، حيث نرصد نموا كبيرا في استخدام المحمول لتحويل الأموال أو من خلال ماكينات الصرف الآلي لإنجاز المعاملات المختلفة شيئاً طبيعياً، وساعد على ذلك إلغاء المصاريف على هذه الخدمات، وأيضاً أصبحت التجارة الإلكترونية أفضل طريقة عملية وغير مكلفة للوصول للعميل بطريقة مباشرة وفورية، بل ساعدت على ارتفاع الحصص السوقية لبعض الشركات.

وأشار عمرو الألفي إلى أن تقدم شركات الاتصالات في الوقت الحالي التقدم لجهاز تنظيم الاتصالات للمطالبة بزيادة أسعار الخدمات أمر طبيعي وفقا للظروف الحالية، خاصة وأنها بالتأكيد قد انتهت من الدراسات المتعلقة بأسعار مدخلات عمليات التشغيل لتعويض التكاليف الزائدة التي تخطط لها الشركات خلال العام الجاري، في ظل عملية الانتقال السريع من أسواق النطاق العريض وخدمات الداتا الأكثر تنافسية إلى الأمن السيبراني والحوسبة السحابية وتكنولوجيا انترنت الاشياء واتجاه الشركات لتغيير طبيعة عملها من مشغلي اتصالات لشركات فاعلة في القطاع التكنولوجي خاصة مع النمو الكبير في الطلب على مشروعات التحول الرقمي وهو مايتطلب سعر عادل للخدمات، وإن كان تحديد هذا السعر “مختلف عليه”.

زيادة الأسعار

وأوصى الألفي، أن تتراوح نسب الزيادة بين 15- 20% على المدى القريب حتي لايتعرض السوق لصدمة خاصة مع تغيرات أنماط المستهلكين خلال هذه الفترة مع ارتفاع مستويات التضخم، مما يجعل أى زيادة مبالغ فيها أن تتسبب عكسيا في ضعف الإقبال على الخدمات مما يؤثر على إيرادات الشركات وهو سيناريو لاترغب فيه الشركات بالتأكيد.

وتوقع عمرو الألفي، أن تركز شركات المحمول خلال الفترة المقبلة على تعزيز استثماراتها بقطاعات البنية التحتية مع التوسع الجغرافي للدولة في إقامة المدن الجديدة، وفي ظل استحواذ خدمات الإنترنت على الحصة الأكبر من إجمالي إيرادات الشركات نسبة تتجاوز الـ50%، وهو ما يدفع الشركات إلى زيادة استثماراتها .

هشام حمدي
هشام حمدي

خريطة القطاع

من جانبه قال هشام حمدي، محلل بقسم البحوث في شركة نعيم للوساطة، أن خريطة قطاع الاتصالات معرضة للتغير خلال الفترة المقبلة، خاصة مع المناقشات المتعلقة بصفقة الاستحواذ على حصة المصرية للاتصالات في فودافون من جهة ، وماتشمله وثيقة سياسة ملكية الدولة التي تشمل تخارج الدولة من عدد من القطاعات الاقتصادية ومنها قطاع الاتصالات بشكل جزئي، لافتا إلى السياسات الاستثمارية الحاكمة للقطاع يجب أن تتغير بحيث لا يقتصر الاستثمار في قطاع الاتصالات على رجال الأعمال أو المؤسسات الكبرى، مشيرا إلى أنه يجب أن يفتح الاستثمار لقطاع عريض من المجتمع عبر الطرح في البورصة مما يعزز من تصنيف الشركات.

ونوه إلى أن شركات الاتصالات حريصة دائما على إحداث استقرار في أسعار الخدمات بعيدا عن أي ضغوط لضمان تنفيذ سياساتها المالية والتشغيلية بنجاح في ظل المنافسة وأيضا الاحتفاظ بولاء العميل الذي يعد مرتكزا رئيسيا في أعمالها، إلا أن ارتفاع معدلات التضخم يؤثر بالفعل في تكلفة التشغيل بنسبة تقترب من 70% إلى جانب الزيادات المزمع حدوثها في المستقبل القريب مع الاضطرابات العالمية المستمرة وتأثيرها المستمر على معدلات التضخم وأسعار الفائدة.

وذكر هشام حمدي، أن هناك بعض الحلول التي يمكن لجهاز تنظيم الاتصالات أن يتبعها إذا ما أقر الزيارات التي تطلبها الشركات، سواء من خلال القيام برفع الأسعار مرة واحدة لتلائم ارتفاع تكاليف التشغيل الحالية، أو توزيع هذه الزيادات على عامين حتي لايحدث صدمة سلبية في السوق، كما أن هناك أفكار تتعلق مثلا بتقليص الامتيازات الخاصة بكل باقة بحيث يظل السعر كما هو مع تخفيضها وهو مايلاحظ حدوثه بالفعل من جانب بعض الشركات على عدد من الخدمات .

عوائد دولارية

وأشار إلى أن شركات الاتصالات وبالأخص المصرية للاتصالات جزء من إيراداتها بالعملة الصعبة وهو أمر مهم، فالمصرية للاتصالات هي الشركة الوحيدة التي تمتلك موارد مالية دولارية قادرة على استيعاب نموها الفترة القادمة، فحوالي 30% أو أكثر من إيراداتها بالدولار مما يحمي الشركة ويوفر لها موارد دولارية. أما الموارد الدولارية لشركة فودافون ضئيلة وكذلك الحال بالنسبة لاتصالات مصر وأورنج إلا أنه مع ارتفاع معدلات السياحة في العام الجاري فإنه من المتوقع حدوث زيادة مطردة في عائدات خدمات التجوال.

وأكد هشام حمدي ، على أن شركات الاتصالات في مصر تشهد تحولا ملموسا عبر تحولها لشركات تقنية تقدم العديد من الخدمات، والتركيز على قطاعات تكنولوجية واعدة، كحلول المدن الذكية ورقمنة الصحة والتعليم إلى جانب النمو المطرد وتوغل شركات الاتصالات في قطاع التكنولوجيا المالية وتوسع دائرة الشراكات مع البنوك وشركات الدفع الإلكتروني وإنشاء المحافظ الإلكترونية وغيرها من المجالات المتعلقة بالخدمات المالية الرقمية، وهو ما سيعزز المحافظ الاستثمارية لشركات الاتصالات على المدى القصير والمتوسط.