Follow ICT
شعار الموقع الاساسى
جايزة 160
جايزة 160

معركة «ثريدز-تويتر» تبشر بعصر جديد لشبكات التواصل الاجتماعي تحكمه «اللامركزية»

نعيش حاليا قصة كبرى من الصراع بين شركات التكنولوجيا الكبرى طرفيها شركتى تويتر وميتا، والتي تعيد لنا ذكريات حروب تكسير العظام بين الشركات في العالم الافتراضي، بما فيه من غموض ولامبالاة بقواعد اللعبة، وحيث يسود عدم اليقين المطلق بالمستقبل وسط التهديدات المستمرة من المنافسين، فالتكنولوجيا وتطوراتها اللحظية تحكم المسألة من البداية للنهاية، ولنا في التاريخ الحديث “عبرة” من تحقيق شركة لمليارات الدولارات لتحتل الصدارة في أيام، ومن تحقيقها أيضا أخرى خسارة بالمليارات لتختفي في القاع وسط المهزومين بـ “الضربة القاضية”.

فعاصفة “تويتر” قبل “ثريدز”، شكلت بداية القصة التي بدأها إيلون ماسك عبر العبث بلعبته الجديدة البالغة 44 مليار دولار بعد الحصول عليها في أكتوبر الماضي ، عبر العديد من السياسات العنيفة التي عفا عليه الزمن ولاتلائم طبيعة التكنولوجيا المثيرة للجديد باستمرار، بتبنيه إقالة العديد من القيادات وإلغاء آلاف الوظائف وفرض رسوم على المستخدمين، وكان في اعتقاده أنه وصل للمحطة النهائية بهذه القرارات وسيجمع الأموال عبر تذاكر للركاب، فوجد حافلة أخرى مجاورة تجمع ركابه مجانا بالكثير من الإغراءات وأيضا الداوفع السلبية التي تشكلت لدى العديد من مستخدمي تويتر!

ليجد “تويتر” نفسه الآن يتصارع مع منافس جديد والخيوط مازالت تنسج حوله، حيث تم الترويج لمارك زوكربيرج باعتباره منافسًا “لدودًا” لتويتر، إلا أن هناك العديد من المافسين الاخرين وإن كانوا ليسوا على نفس القوة، حيث ينضم “ثريدز” إلى تطبيقات Bluesky و Hive و Mastodon ، والتي يأمل كل منهم في الاستفادة من ذبح تطبيق تويتر وبعثره دمائه، وهزيمة حالة العناد التي سيطرت على إيلون ماسك واستغلال الإحباط الذي تملك العديد من مستخدمي تويتر.

إلا أن “ثريدز” أصبح في المقدمة حيث دخل في قفص ملاكمة مغلق مع تويتر، بدلالات الأرقام التي حققها في أقل من 5 أيام حيث تخطى 100 مليون مستخدم عالميا بسبب اعتماده على قاعدة مستخدمين موجودة بالفعل حيث استفاد من الارتباط بانستجرام الذي يحتوي على أكثر من مليار حساب، وذلك على الرغم من عدم إتاحته في  أوروبا بسبب تشريعات خصوصية البيانات في الاتحاد الأوروبي.

ومازالت الأقواس مفتوحة، حيث يعتقد المحللين أن “ثريدز” لديه فرصة جيدة لجذب بعض من أكثر من 3 مليارات مستخدم على فيسبوك وإنستجرام وواتس اب وجلب المعلنين معهم، فمارك زوكربيرج ، الذي حققت شركة “ميتا” الخاصة به أكثر من 117 مليار دولار في المبيعات العام الماضي ، لديه سجل حافل عندما يتعلق الأمر ببيع الإعلانات .

فما هي الدلالات التي تحملها هذه المنافسة الجديدة، وهل نشهدا تغيرا واضحا في شكل سوق منصات التواصل الاجتماعي، وكيف تكون النهاية ؟

بداية القصة

لم تهدأ قرارات إيلون ماسك الصادمة منذ إتمام استحواذه على منصة التواصل الاجتماعي الأشهر عالميا “تويتر”، في أواخر أكتوبر 2022، في صفقة بلغت قيمتها 44 مليار دولار، لتعيش المنصة كثيرا من الأحداث التي تغير من طبيعتها تدريجيا.

واتخذ ماسك أولى قراراته في تويتر بمجرد دخوله إلى مقرها في 27 أكتوبر من العام الماضي، فأصدر قرارا بفصل باراج أجراوال الرئيس التنفيذي للمنصة، ونيد سيجال مديرها المالي، وفيجايا جادي المسؤولة القانونية، وشون إدجيت مستشارها العام، إلى جانب عدد من المديرين التنفيذيين الآخرين، بمن فيهم المدير العام للتكنولوجيا.

كما أدت قرارات الفصل، التي أصدرها إيلون ماسك، إلى مبادرة البعض بالاستقالة، ومنهم سارة بيرسونيت رئيسة مبيعات الإعلانات في تويتر، ليثير ذلك مزيدا من قلق المعلنين المتعاملين مع تويتر.

وشملت قرارات ماسك فصل 3700 موظفا من جميع أقسام الشركة، كما أعلن ماسك تمسكه بتنفيذ خطة فصل الموظفين وخفض تكاليف البنية التحتية بمقدار مليار دولار سنويا، فبدأ بعض الموظفين في رفع دعاوى قضائية على تويتر بسبب إجراءات الفصل، فقد تخلى ماسك عن 80% تقريبا من موظفي تويتر، وانخفضت القوى العاملة بالمنصة من 7800 موظف إلى أقل من 600.

لم تقتصر قرارات ماسك على موظفي تويتر فقط، فقد امتدت إلى رفع سعر خدمة الاشتراك في توثيق الحسابات بالعلامة الزرقاء “تويتر بلو” (Twitter Blue)، فقد رغب ماسك رفع السعر إلى 19,99 دولارا شهريا في البداية بدلا من 5 دولارات، وقرر رفعها إلى 8 دولارات شهريا فقط بعد تعرضه إلى انتقادات.

كان لقرارات ماسك، من فصل الموظفين وتقليل القيود على المحتوى المنشور عبر تويتر، أثرا مقلقا لدى المعلنين، ما دفع واحدة من أكبر شركات الإعلانات في العالم، وهي IPG، إلى توصية عملائها بالتوقف عن الإنفاق الإعلاني مؤقتا عبر تويتر، ومن بينهم كوكاكولا وجونسون آند جونسون وسبوتيفاي وأميريكان إكسبريس وجو برو وفيت بيت، كما أوقفت شركات أخرى إعلاناتها عبر تويتر، ومنها فولكس فاجن وجنرال موتورز وفايزر وأودي.

ومع بداية شهر يوليو الجاري، اتخذ ماسك قرارا بوضع قيود على عدد التغريدات التي يمكن للمستخدمين مطالعتها عبر تويتر، فالحسابات الموثقة يمكنها مطالعة 6000 منشور فقط يوميا، والحسابات غير الموثقة يمكنها مطالعة 600 منشور فقط، بينها الحسابات الجديدة غير الموثقة يمكنها مطالعة 300 منشور فقط يوميا.

 

بدائل مثيرة تعلن نهاية العصفور

على مدار شهور، أصبحت تويتر بيتا مضطربا لموظفيها، ومنصة غير مريحة لكثير من مستخدميها، فاشتدت عمليات البحث عن بدائل لها، ودفعت تويتر منافسين لها من الخلف إلى مقدمة الصورة، وحققت بيديها شهرة كبيرة لمنصات وتطبيقات للتواصل الاجتماعي لم تكن تحلم بها.

من بين هذه المنصات، بزغ نجم “ماستودون” ، الذي يقدم خدمات شبيهة بمنصة تويتر تغري المستخدمين باللجوء إليها، وكذلك تطبيقات ومنصات “بوست” (Post) و”سبستاك نوتس”  و”تي2″ (T2) و”بلوسكاي” ، والأخير يحظى بدعم جاك دورسي مؤسس تويتر، والذي طوره داخل تويتر في 2019، ثك أطلقه كمنصة منفردة في 2021، ويعتمد على توجيه الدعوات للمستخدمين، مع مزيد من التحكم في بياناتهم والمحتوى الذي يطالعونه، وإن كان لا يدعم حتى الآن المراسلة المباشرة والبث المباشر والفيديو.

الضربة الأكبر

لكن الضربة الأكبر أتت من حيث تخشى تويتر، من شركة كبرى ومتخصصة في منصات التواصل الاجتماعي، بل عملاق في هذا القطاع وأحد مؤسسيه الأوائل، شركة “ميتا بلاتفورمس” ، التي تملك تطبيقات ومنصات فيسبوك وإنستجرام وواتساب.

لقد أشعل الرئيس التنفيذي لشركة ميتا، مارك زوكربيرج، الحرب بينه وبين تويتر بعد إطلاقه للتطبيق الجديد “ثريدز” (Threads)، وتحولت المنافسة الباردة بين عملاقي التواصل الاجتماعي إلى سخونة تلامس حد الانفجار.

وبعد ساعات قليلة من إطلاق “ثريدز” (Threads)، هددت تويتر بمقاضاة شركة ميتا بدعوى توظيف موظفين سابقين في تويتر، وسرقة أسرارها التجارية ومعلوماتها فائقة السرية، والتعدي على حقوق ملكيتها الفكرية، وهي فحوى الرسالة التي وجهها أليكس اسبيرو، محامي تويتر، إلى مارك زوكربيرج، الرئيس التنفيذي لشركة ميتا، وحصل موقع SEMAFOR على صورة منها.

وكتب اسبيرو في رسالته إلى زوكربيرج: “تنوي تويتر فرض حقوق الملكية الفكرية الخاصة بها بصرامة، وتطالب شركة ميتا باتخاذ خطوات فورية للتوقف عن استخدام أي أسرار تجارية خاصة بتويتر أو غيرها من المعلومات السرية للغاية.”

وأضاف اسبيرو في رسالته: “تحتفظ تويتر بجميع الحقوق، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر، الحق في طلب التعويضات المدنية والقضائية دون إشعار آخر لمنع تعدي ميتا على ملكيتها الفكرية.”

واتهم اسبيرو شركة ميتا بتوظيف العشرات من موظفي تويتر السابقين، ممن امتلكوا إمكانية الوصول إلى أسرارها التجارية وغيرها من المعلومات السرية للغاية.

وزعم اسبيرو أن ميتا كلفت هؤلاء الموظفين بتطوير تطبيق مقلد، هو ثريدز Threads، وهو السبب وراء سرعة تطوير وإطلاق هذا التطبيق.

آندي ستون
آندي ستون

من جانبه، أكد آندي ستون، مدير الاتصالات في ميتا، أن اتهامات تويتر لا أساس لها من الصحة، مضيفا: “لا أحد في فريق هندسة ثريدز Threads كان موظفا سابقا في تويتر.”

في الوقت نفسه، نشر إيلون ماسك تغريدة مقتضبة، بعد إطلاق تطبيق Threads، كتب فيها: “المنافسة جيدة، والغش ليس كذلك.”

ولجأت وكالة رويترز إلى موظف كبير سابق في تويتر لاستطلاع رأيه حول إدعاءات تويتر، والذي أكد عدم وجود علم لديه بوجود موظفين سابقين من تويتر يعملون حاليا في “ثريدز”، كما نفى علمه بوجود أي من كبار موظفي تويتر داخل شركة ميتا على الإطلاق.

ومن الجهة القانونية، أكد مارك ليملي، أستاذ القانون في جامعة ستانفورد، أن دعوى سرقة الأسرار التجارية، التي تود تويتر رفعها ضد ميتا، تحتاج إلى تفاصيل أكثر بكثير من الموجودة داخل رسالة محامي تويتر، خاصة أن مجرد تعيين موظفين سابقين في تويتر لا يرجح بالضرورة إدعاءات سرقة الأسرار التجارية.

هل نشهد ثورة في قطاع التواصل الاجتماعي؟

توجه الحرب الدائرة حاليا بين أباطرة شبكات التواصل الاجتماعي إلى مصطلح “اللامركزية” لشبكات التواصل الاجتماعي، وهي المنصات التي اكتسبت شعبية خلال السنوات الأخيرة.

على عكس الشائع حاليا، فإن منصات التواصل الاجتماعي اللامركزية توفر للمستخدمين قدرا أكبر من التحكم في بياناتهم، كما أنها بعيدة عن الرقابة التي تفرضها المنصات المركزية التقليدية الحالية، وهي تعمل بطريقة موزعة ولا مركزية بسبب التقنية التي بنيت عليها، مثل تقنية البلوكشين (Blockchain).

لقد تزايد عدد المستخدمين القلقين على خصوصيتهم وأمن بياناتهم على منصات التواصل الاجتماعي التقليدية، ما جعل البدائل اللامركزية أكثر شهرة وشيوعا عما قبل.

فكما يوحي اسمها، فإن وسائل التواصل الاجتماعي اللامركزية لا تخضع لسيطرة شركة واحدة، فهي مبنية على تقنيات لا مركزية، تفتقد إلى وجود سلطة مركزية تتحكم في المحتوى المنشور أو إزالته، كما تعطي المستخدمين قدرا أكبر من التحكم في بياناتهم، ويمكنهم اختيار كيفية استخدامها ومشاركتها.

من بين أشهر منصات التواصل الاجتماعي اللامركزية منصات “ماستودون” و”استيميت”  و”مايندز” ، وهي تستخدم تقنية البلوكشين لإنشاء شبكة موزعة من الخوادن التي تدير وتخزن بياناتها، وهي تسمح للمستخدمين على هذه المنصات بالتفاعل مع بعضهم البعض، ونشر المحتوى على أكثر من منصة في وقت واحد، مع مزيد من الأمان والتحكم.

لقد تم إنشاء “ماستودون”  على بروتوكول ActivityPub، والموصي به من قبل W3C للشبكات الاجتماعية اللامركزية، وهو بروتوكول يدعمه “تمبلر”  و”فليبورد” (Flipboard)، وربما “ثريدز” أيضا.

وتقوم “بلوسكاي” (Bluesky)، على سبيل المثال، ببناء بروتوكول خاص بها، وهو بروتوكول AT، والذي يركز على الشبكات الاجتماعية اللامركزية، إلى جانب الاختيار الخوارزمي والحسابات المحمولة.

وبحسب الخبراء، فإن انطلاق أحد هذه البروتوكولات سيكون له تأثير جذري على طريقة عمل الشبكات الاجتماعية، فبدلا من امتلاك مؤسسة أو شركة لتطبيق التواصل الاجتماعي، ستكون العديد من الخدمات قابلة للعمل المتبادل مع بعضها البعض.

منصات التواصل الاجتماعي اللامركزية

تهدف منصات التواصل الاجتماعي اللامركزية (DeSo) إلى إحداث ثورة في واحدة من أكبر الصناعات وأكثرها إثارة للجدل في العالم، والتي يتابعها 5 مليار مستخدم تقريبا يوميا حول العالم.

يتفق الجميع اليوم على أن شبكات التواصل الاجتماعي التقليدية بعيدة كل البعد عن الكمال، فقد تم انتهاك البيانات التي تحتفظ بها، وتعرض محتواها للتعديل والتقييد، ووضعت خصوصية المستخدمين في قلب الخطر، بينما يمكن لتقنيات مثل البلوكشين والشبكات الاجتماعية اللامركزية إعادة اختراع التجربة التي يخوضها مليارات المستخدمين حول العالم.

إن انطلاق وسائل تواصل اجتماعي لامركزية جديدة أقل تكلفة بكثير من تحول المنصات التقليدية الحالية، مثل فيسبوك وتويتر، من المركزية إلى اللامركزية، فسوف يتطلب هذا التحول إصلاحا كبيرا لنموذج عملها الحالي وبنيتها التحتية التكنولوجية.

فعلى سبيل المثال، يعتمد نموذج الأعمال الحالي لفيسبوك على جمع بيانات المستخدمين وتحقيق الدخل منها، وهو النموذج الذي يحتاج إلى تغييرات كبيرة لإنجاح هذا التحول، إلى جانب الحاجة إلى تطوير ونشر بنية تحتية تكنولوجية جديدة تماما، أكثر تعقيدا قد تستغرق وقتا طويلا.

لو باسكاليس
لو باسكاليس

بيئة نظيفة للمعلنين

من جانبه قال لو باسكاليس، خبير التسويق المخضرم ، الرئيس التنفيذي لشركة AJL الاستشارية: أن التحركات الأخيرة في سوق منصات التواصل الاجتماعي لايشغل المعلنون إلا من ناحية محددة مفادها احتياجهم  لبيئة نظيفة من الأعمال والسياسات الثابتة ،حيث يتم الإشراف على المحتوى وفقًا للبنود والشروط المتفق عليها ، خاصة وأن المنصات إصبحت خلال السنوات الماضية حريق قمامة.

وأضاف أن تحركات ثريدز وقوة البداية التي شكلتها تعد بمثابة “دعوة للاستيقاظ” لإيلون ماسك، خاصة إن تكرار الطريقة التي يتم بها نشر الأخبار على تويتر سيكون صعبًا ، مما يترك مجالًا لتعزيز أنظمة منصات التواصل الاجتماعي حيث سيبحث المعلنون أيضًا عن الثقة في أنهم لا ينفقون الأموال على نظام أساسي يعرضهم لمخاطر مرتبطة بقضايا مثل المعلومات الخاطئة والخصوصية.

ولفت باسكاليس: أن أحد أهم المفاتيح في المنافسة الحالية، هو كم من الوقت ستتجنب شركة “ثريدز” الإعلان”، “مهما كانت تلك الفترة الزمنية ، فهذه هي الفترة الزمنية التي يتعين على تويتر تصحيحها.”

وذكر ، أن ميتا استفادت من سياسات “ماسك” الذي كافح من أجل تحقيق أرباح ، بإبعاد المعلنين من خلال تغييرات مفاجئة في كيفية إدارة الموقع للمحتوى، ومؤخراً وضع حد جديد لعدد المشاركات التي يمكن للجمهور رؤيتها، لكن زوكربيرج لن يأتي إلى طاولة المفاوضات بسجل نظيف هو الآخر حيث اشتبكت شركته مع جهات التسويق لسنوات حول شفافية ودقة بياناتها ، بينما أثار تعاملها مع بيانات المستخدم والمعلومات الخاطئة انتقادات واسعة النطاق.