Follow ICT
شعار الموقع الاساسى
جايزة 160
جايزة 160

كيف تعزز الشراكة الشاملة بين مصر والاتحاد الأوروبي نقل تكنولوجيا التصنيع لأفاق جديدة؟

الإصلاحات الهيكلية في الاقتصاد المصري يركز جزء كبير منها على توطين التكنولوجيا كمسار رئيسي ومستدام للتنمية، لارتباطها الوثيق بقطاع الصناعة وارتكازه عليها في تحقيق الأهداف الطموحة للدولة المصرية، لتوفير المزيد من فرص العمل ودعم الاقتصاد، واسكشاف المزيد من المجالات لتوطين الصناعات بها لتوفير منتجات عالية الجودة تلبى احتياجات السوق المحلي، وسد الفجوة بين الصادرات والواردات، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من العديد من مدخلات الصناعة بما يقلل من الفاتورة الاستيرادية التي تستنزف مليارات الدولارات.

وشكل التوقيع الأخير بين مصر والاتحاد الأوروبي الأحد الماضي، على إعلان لترفيع العلاقات إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية والشاملة، محور رئيسي لأليات توطين ونقل التكنولوجيا باعتبارها أولية للشراكة بهدف تعبئة الاستثمارات لتحديث الاقتصاد بما في ذلك الرقمنة والتحول الأخضر وفقا لآليات الثورة الصناعية الرابعة والذكاء الاصطناعي، في وقت ستحصل مصر فيه على حزم مالية أوروبية بقيمة 7.4 مليار يورو (8 مليارات دولار).

الشراكة الشاملة مع الاتحاد الأوروبي، تعزز بشكل مباشر من سياسات توطين تكنولوجيا الصناعة في مصر في العديد من المجالات المرتبطة بخطة الدولة ورؤية مصر 2030، في قطاعات تشمل الإلكترونيات،والطاقة الخضراء،والنقل وصناعة المركبات وتكنولوجيا النانو، والتصنيع العسكري وغيرها، وأيضا التعاون مع الشركاء الأوروبين في هذا الاتجاه بعوامل تفضيلية في التعاقدات على تنفيذ المشروعات الصناعية المتطورة في مصر خاصة في ضوء امتلاك مصر حالياً لكافة مقومات توطين الصناعة ونقل التكنولوجيا المتطورة بأكبر نسبة ممكنة من المكونات المحلية.

ووفقا لمحللين تأتي الشراكة في التوقيت المناسب، في ظل الخطط التنفيذية للاتحاد الأوروبي في دعم الصناعات عالية التقنية وتوفير حزم مليارية لدعم هذا التوجه والذي يعد أبرزها اتفاق 13 دولة من الاتحاد على إنفاق ما مجموعه 43 مليار يورو على دعم صناعة الرقائق الإلكترونية خلال العقد الحالي كونها عنصرا جوهريا في جميع الصناعات متوسطة وعالية التقنية، مشيرين إلى أن الاتحاد الأوروبي غني بمصانع السيارات والأجهزة الطبية والهواتف الذكية التي يمكن أن تكون جزء رئيسي من تحالفات مستقبلية مع شركات مصرية.

وتعد أنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدمة، والتصنيع المتكامل مع العملاء، والروبوتات التعاونية، كلها تحديات تكنولوجية تنفذها شراكة مصانع المستقبل الأوروبية، وهي شراكة بين القطاعين العام والخاص بقيمة 1.15 مليار يورو لأبحاث التصنيع المتقدمة والابتكار.

وأشار المحللين إلى أن مدى نجاح الشراكة بين مصر والاتحاد الأوروبي في مجال توطين التكنولوجيا سيتوقف على جاهزية بيئة الأعمال من الناحية التشريعية ومقومات التشغيل، وتوافر الموارد البشرية المؤهلة ، ودعم المشروعات البحثية والإبتكارت الصناعية القابلة للتطبيق لخدمة قطاعات التصنيع المختلفة، بما يشكل أليات واقعية لتأسيس وتطوير صناعات وخدمات وطنية منافسة بمستوى عالمي.

فكيف يمكن أن تعزز الشراكة الشاملة بين مصر والاتحاد الأوروبي توطين تكنولوجيا التصنيع في مصر والانتقال بها نحو مساحة جديدة من التعاون والنمو المستدام بما يسهم في زيادة فعالية عناصر الإنتاج، ورفع القدرة التنافسية للمنتجات، وفتح المجال أمام الصناعات للدخول إلى أسواق جديدة ؟

زينب نوار
زينب نوار

الدكتورة زينب نوار، أستاذ الاقتصاد بالجامعة البريطانية، قالت أن الاتفاق الأخير الموقع بين مصر والاتحاد الأوروبي يعزز الكثير من مسارات العمل المشتركة بين الجانبين وعلى رأسها توطين التكنولوجيا في القطاع الصناعي ، فجلب التكنولوجيا المتطورة من الدول المتقدمة سيحدث قيمة مضافة حقيقة في قطاع الصناعة بشكل مباشر، في ظل تواجد فرص نمو كبيرة واهداف طموحة للدولة المصرية لتحقيق مستهدفات تصديرية تصل إلى 100 مليار دولار.

وأشارت إلى أن الظروف العالمية الأخيرة ومافرضته من توترات تجارية وتأثير على سلاسل الإمداد، تؤكد على ضرورة توطين العديد من الصناعات بشكل عاجل ووفقا لخطط مدروسة للتحوط ضد أى أزمات مستقبلية، كصناعات السيارات والمعدات والصناعات التكميلية وغيرها، بما يعزز الملائة الاقتصادية للدولة ويعزز من توافر العملة الصعبة، بخلاف تحقيق ميزة تنافسية أقوى، وذلك عبر توفير سلسلة الإنتاج بداخل مصر وبتكليف أقل، مع توفير فرص عمل للكثيرين.

ولفتت زينب نوار، أن القطاع الصناعي فى مصر يساهم بنحو 18% في الناتج المحلي الاجمالي، وتستهدف الدولة الوصول به إلى 22% خلال الفترة المقبلة وهو مايتوافق على ضرورة توطين التكنولوجيا، مشيرة إلى أن الاندماج فى المنظومة الاقتصادية الحديثة ، يتطلب امتلاك قدرات وأوراق للمنافسة واجتذاب استثمارات نوعية، لا سيما فى المجالات المتطورة من تكنولوجيا واتصال واقتصاد رقمى، إلى جانب تطوير شامل وواسع المدى لبيئة العمل والمنظومة التشريعية وآليات الإدارة والإجراءات التنفيذية، وتنفيذ حزمة مشروعات متقدمة على طريق الشمول المالى والتحول الرقمى وميكنة الخدمات .

ونوهت أن الحوافز المقدمة من الدولة في هذا الاتجاه، يجب أن تشتمل على حزم إجرائية عبر توافر المناطق الصناعية المتخصصة التي تتمتع ببنية تحتية قوية على كافة المستويات، وأيضا تعزيز الشركات المحلية العاملة في مجال تكنولوجيا التصنيع عبر أفساح المجال لها في العديد من المشروعات، وإفساح المجال لها للدخول في مسارات عمل مشتركة مع الشركات الأوروبية بما يعزز نقل المعرفة التقنية وليس فقط استيراد تكنولوجيا التصنيع الجاهزة.

وتعمل الحكومة فى الفترة الأخيرة بالتعاون مع القطاع الخاص على تنفيذ توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى بتعزيز عملية توطين الصناعة بكل مكوناتها ونقل التكنولوجيا الحديثة وما يتضمنه ذلك بالتوازى مع تدريب الكوادر البشرية على أعمال التصنيع والصيانة؛ لتوفير المزيد من فرص العمل ودعم الاقتصاد وكذلك التوسع فى استكشاف المزيد من المجالات لتوطين الصناعات بها، خاصة تلك المتعلقة بمشروعات البنية التحتية، وذلك نظرا لحجم وانتشار تلك المشروعات على مستوى الجمهورية.

هشام عرفة
هشام عرفة

من جانبه قال هشام عرفة مدير شركة برايت سكايز للحلول والبرمجيات إن الاتحاد الأوروبي يمول أبحاثًا رائدة لدعم الانتقال من المصانع التقليدية المنظمة إلى بيئات مفتوحة ذات أنظمة ذكية، حيث يلعب البشر دورًا مركزيًا في سلاسل عمليات الإنتاج ويمكنهم التعاون بشكل وثيق مع الروبوتات، وهو مايعزز توافر العوامل اللوجيستية مثل انخفاض التكلفة وسرعة الشحن وغيرها من العوامل المحفزة على الجودة وسرعة الانتاج وانخفاض سعر المنتج النهائي.

وأضاف أن هذه التجربة يمكن نقلها لمصر، ولكن يجب أن يسبق هذا المسار مجموعة من الحوافز الإجرائية التي تشمل توحيد الموافقات وجهات العرض  كالجمارك والفحص وغيرها من الأعمال ،  وأيضا التوافق على استراتيجية واضحة للصناعة، سواء أكانت صناعة تحويلية، أو عالية التقنية High Tech أوغيرهما، ومعالجة مشكلات صغار المصنعين بشكل ايجابي بما يخدم كافة الدوائر المتصلة بالصناعة بشكل مباشر أو غير مباشر.

وأشار عرفة، إلى أن الأبحاث الممولة من الاتحاد الأوروبي في الوقت الحالي تسعى إلى تأمين التعاون الصناعي الفعال بين الإنسان والروبوت من خلال تصميم جديد يركز على الإنسان وأنظمة ميكاترونيكية ذكية، ويشمل ذلك الروبوتات الناعمة، والآلات المتقدمة القادرة على التعامل مع المواد المعقدة في بيئات الإنتاج الصناعي، وتقنيات الذكاء الاصطناعي الجديدة التي تتيح مستويات جديدة من الاستقلالية، والملاحة، والإدراك المعرفي بواسطة روبوتات المصانع.

وأكد على ضرورة رفع مستوى التعليم التكنولوجي بمصر باعتباره محور ومرتكز رئيسي لتوطين التكنولوجيا بشكل عام، وتشمل التعريف بالتقنيات الحديثة في التصنيع وأيضا التعريف بالتحديات التي تواجه الشركات والمصانع المصرية في هذا الإطار، منوها إلى أن المشكلة التي تواجه سوق التصنيع هي تراجع عدد المهندسين المؤهلين بشدة في مصربما يحتاج معه لاستهداف ربط مخرجات التعليم بمتطلبات سوق العمل.

وتتوسع مصر في إنشاء الجامعات التكنولوجية، بهدف توطين التكنولوجيا وتحديث الصناعة، وسد الفجوة المتعلقة بتوافر الفنيين والأيدي العاملة الماهرة المتخصصة بالمجالات التكنولوجية المختلفة، التي تتطلبها رؤية التنمية المُستدامة (رؤية مصر 2030).

وأنشأت مصر 10 جامعات تكنولوجية بالفعل، جامعة القاهرة الجديدة التكنولوجية، جامعة بني سويف التكنولوجية، جامعة الدلتا التكنولوجية، جامعة سمنود التكنولوجية، جامعة طيبة التكنولوجية، جامعة برج العرب التكنولوجية، جامعة أسيوط الجديدة التكنولوجية، جامعة 6 أكتوبر التكنولوجية، جامعة شرق بورسعيد التكنولوجية، جامعة مصر التكنولوجية الدولية.

ولفت هشام عرفة إلى ان امتلاك التكنولوجيا أصبح أمراً ملازما لحركة التنمية الاقتصادية ومما لا شك فيه أن السنوات القادمة ستشهد ازدهارا في قطاع نقل التكنولوجيا على الصعيدين العام والخاص، من وإلى مصر، باعتبارها خياراً استراتيجيا وبديلاً لازماً عن امتلاك التكنولوجيا و تطويرها لاستغلالها تجارياً مادام المخزون المحلي يعاني عجزاً في التكنولوجيا القائمة.

المهندس وليد جاد رئيس غرفة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، قال أن تحول قطاع تكنولوجيا التصنيع في مصر لمستويات جديدة من النمو يحتاج لضخ استثمارات كبيرة في مجالات التكنولوجيا الحديثة وعدم الوقوف على التكنولوجيا النمطية التي تنتمي لأجيال سابقة، منوها إلى أن أبرز هذه التقنيات الواعدة يتمثل في مجالات الذكاء الاصطناعي وانترنت الأشياء والبيانات والأمن السيبراني وهو ماسيعزز من مسارات نمو القطاع في مصر ويرفع من أعداد الشركات المحلية العاملة في هذه المجالات بما يعزز من مسارات التصنيع والانتاج.

وليد جاد
وليد جاد

وأشار إلى أن العنصر البشري في مصر جاهز لاستيعاب التكنولوجيا الأوروبية، والابتكار فيها بشكل كبير، وهو ماتحتاجه الشركات العاملة في هذه المجالات سواء العالمية منها أو المحلية، وبالتالي يمكن جذب استثمارات عالمية كبرى في هذه المجالات خاصة وأن بيئة العمل في قطاع التكنولوجيا بمصر تتمتع بمستويات مقبولة من الحوافز والسياسات وأيضا مستويات متدنية من الأجور مقارنة بالدول المحيطة وهو ماتمكنت من خلاله الهند في صناعة تجربة رائدة في هذا القطاع.

ولفت المهندس وليد جاد،  إلى أن ملف التمويل، يعد مرتكز رئيسي لضمان تطور القطاع وزيادة مساهمته في الناتج المحلي بعد عقد اتفاقيات تعاون استراتيجية مثل الاتحاد الأوروبي، عبر تدابير مالية مرنة وسياسات نقدية تستوعب طبيعة عمل شركات التكنولوجيا، منوها إلى ضرورة العمل أيضا على ابتكار أليات مالية أكثر حداثة وتخصصيه لهذه القطاع عبر إنشاء صناديق استثمار متخصصة تمول عمليات التدريب والتأهيل أيضا عبر شراكات مع الشركات العاملة في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات من خلال تخصيص جزء من أرباحها لهذا المجال في إطار تنموي متكامل وليس بمنطق المسئولية المجتمعية والدعم.

وأكد على ضرورة إفساح المجال للشركات المصرية للعمل في المشروعات الرقمية الكبرى ومشروعات القطاع الخاص بشكل أكبر خاصة وأن عدد كبير منها يتمتع بالخبرة والكفاءة اللازمة لتنفيذ أجزاء رئيسية من هذه المشروعات مما يعزز من زيادة التنافسية ونمو القطاع خاصة أمام الشركات الصغيرة والمتوسطة، منوها إلى أن تراجع العملة المحلية يمثل رغم التحديات فرصة كبيرة في جذب وتعزيز الاستثمارات في هذا المجال بما يوفره من تراجع لتكلفة الأجور والتشغيل.

ونوه رئيس غرفة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات إلى ضرورة الوقوف على التحديات التي تواجه شركات التكنولوجيا المصرية في الوقت الحالي للبحث عن حلول واضحة تضمن استدامة عمل هذه الشركات وتوسعها المحلي والإقليمي، في ظل ظروف وأحداث عالمية عطلت بشكل كبير من حركة رؤوس الأموال المغامرة في ظل التواترات الجيوسياسة وارتفاع أسعار الفائدة، وهو مايتطلب حوار مجتمعي لتقوية مراكز هذه الشركات على مستوى التمويل والتشغيل.