Follow ICT
شعار الموقع الاساسى
جايزة 160
جايزة 160

أحمد أبو علي يكتب: الاستثمار في عقارات «ميتافيرس».. قطعة أرض افتراضية تباع بملايين الدولارات!

من المتصور أن إنفاق آلاف أو ملايين الدولارات لشراء أرض أو منزل وهمي في عالم افتراضي يعد فكرة غير مقبولة بمعايير العقل والمنطق، ولكن خلال الأشهر الأخيرة، تدفقت استثمارات ضخمة من شركات وأفراد لشراء عقارات في الأراضي والمساكن الافتراضية في عالم “ميتافيرس” Metaverse، بلغت قيمتها 501 مليون دولار خلال يناير الماضي، ومن المتوقع أن تتجاوز المليار دولار مع نهاية العام الحالي.

فما سبب هذا الإقبال على هذا النمط تحديدا من العقارات الافتراضية، وهل يمكن أن يستمر شراء العقارات الافتراضية أم قد يثبت في النهاية عدم جدواها؟!

لا شك أن الناس ينظرون إلى عوالم “ميتافيرس” باعتبارها عالماً رقمياً للمستقبل، فهي مثل التطور التالي في عالم الإنترنت، فإذا كان الجيل الأول من الشبكة العنكبوتية لم يسمح سوى بتلقي المعلومات من صفحات “الويب” في اتجاه واحد، بينما سمح الثاني الذي نعيشه الآن بالتفاعل والتواصل بين البشر بالصوت والصورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي والتطبيقات المختلفة، فإن الجيل الثالث الذي بدأت بوادره في الظهور يسمح للأشخاص بالتفاعل وممارسة كافة الأنشطة الحياتية وخاصة الاقتصادية، كشراء مساحات افتراضية واسعة ومتعددة قد تفوق خيالنا الآن.

مع تطور تقنيات الواقع الافتراضي VR، التي تستهدف إنشاء خبرات وتجارب رقمية متصلة ببعضها، من المتوقع زيادة إجمالي الإنفاق على الواقع الافتراضي VR والواقع المعزز AR لـ”ميتافيرس” في جميع أنحاء العالم ليصل إلى 72.8 مليار دولار في عام 2024، مقارنة بنحو 12 مليار دولار فقط تم إنفاقها على هذه التقنيات خلال عام 2020.

مع ذلك، فإن نجاح تقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز، بقدر التقدم التكنولوجي وقبول المستخدم لهذه التقنية، يواجه العديد من التحديات، إذ تتطلب “ميتافيرس” أجهزة باهظة الثمن، سواء كان ذلك جهازاً مخصصاً لاستخدامها، مثل سماعة الرأس الحالية، أو حتى الملابس أو الكاميرات التي يمكنها التقاط الحركة، مع إمكانات معالجة معقدة وقوة كافية لدعم بيئة افتراضية، كما سيحتاج المستخدمون أن يكونوا قادرين على الاتصال من أي مكان، لذا فإن توسيع تغطية الإنترنت فائق السرعة سيكون شرطاً أساسياً لنجاحها وقبولها.

وعلى الرغم من كل تلك التحديات، فقد شهدت الأشهر الأخيرة تزايد الطلب على الاستثمار العقاري الافتراضي بشكل لافت، خاصة بعد أن قفزت أسعار العقارات الافتراضية في “ميتافيرس” لأرقام قياسية، فعلى سبيل المثال، دفع صندوق استثمار عقاري رقمي يسمى “ريببلك ريلم” مبلغاً قياسياً قبل أيام قدره 4.3 مليون دولار مقابل قطعة أرض عرضتها شركة “ساندبوكس”، التي تعد أكبر منصة عقارية في “ميتافيرس”، التي عملت على تطوير 100 جزيرة، تسمى جزر الخيال، مع فيلاتها الخاصة وسوق مرتبطة بالقوارب، وتمكنت هذه الشركة من بيع 90 جزيرة في اليوم الأول لطرحها في السوق مقابل 15000 دولار لكل منها، لكنها سرعان ما قفز سعرها وهي مدرجة الآن لإعادة البيع بأكثر من 100 ألف دولار.

وقبل أشهر قليلة، اشترى مغني الراب الشهير سنوب دوغ قطعة أرض في عالم “ميتافيرس” بنحو نصف مليون دولار، كما بيعت قطعة أخرى بسعر 2.4 مليون دولار، وويوجد حالياً أكثر من 12 منصة تبيع العقارات في “ميتافيرس”، مع ظهور أخرى جديدة أسبوعياً، غير أن مبيعات العقارات تركزت على الأربعة الكبار، وهم “ساندبوكس” و”ديسنترالاند” و”كريبتوفوكسيل” و”سومنيوم”، وهناك إجمالي 268645 قطعة أرض على المنصات الأربعة، وجميعها بمساحات مختلفة يتراوح سعر بعضها بين 12700 دولار إلى 14440 دولار للقطعة الواحدة، ويعد الموقع عاملاً حاسماً في تحديد السعر وما إذا كان المكان قريباً من معلم شهير أو مركز تسوق كما هو الحال في العالم الحقيقي.

ويتم بيع الأراضي والعقارات الافتراضية عبر منصات الإنترنت للشركات المختلفة، التي يمتلك كل منها “ميتافيرس” فردية، لكنها تشكل شبكة “ميتافيرس” أكبر متصلة ببعضها البعض مثلما هو الحال في عالم الإنترنت، حيث يجري البيع والشراء من خلال الوحدات غير القابلة للتبديل والمعروفة في عالم “البلوكتشين” باسم “أن أف تي” NFT، وهي شهادات رقمية تثبت ملكية الممتلكات الرقمية، وتتكون من رموز تشفير فريدة يتم تداولها بكفاءة أكبر مع تقليل احتمالية الاحتيال، وتستخدم في بيع الأشياء الفنية الرقمية (ديجيتال) كالرسوم والموسيقى ومقاطع الفيديو وحتى التغريدات والعقارات.

ومن المتوقع أن تنمو سوق العقارات في “ميتافيرس” بمعدل سنوي مركب قدره 31% سنوياً، وفيما يتعلق عما يمكن أن يقدمه امتلاك عقارات افتراضية، كونه لا يوفر نتيجة ملموسة من مكان تعيش فيه، أو تفتخر به، أو تستقبل فيه العائلة والأصدقاء، فإن مؤيدي هذا الاستثمار يرون أنه عند التسوق لشراء عقارات افتراضية، يمكنك شراء قطعة أرض للبناء عليها، أو يمكنك اختيار منزل مبني بالفعل، ويمكنك جعله خاصاً بك باستخدام كائنات (رقمية) مختلفة، كما يمكنك دعوة الزوار لزيارة المنازل الافتراضية أيضاً.

ومهما كانت الآراء حول شراء العقارات الافتراضية في “ميتافيرس”، ما بين موافق ومعارض ، فإننا نعاود تذكر ما حدث قبل ربع قرن تقريبا، حينما تملك الناس شكوك حول الأهمية المحتملة للإنترنت، وأخرى مماثلة حول وسائل التواصل الاجتماعي، فلا شك أن تنضج “ميتافيرس” لتصبح اقتصاداً يعمل بكامل طاقته في السنوات المقبلة، مما يوفر تجربة رقمية متزامنة تتشابك في حياتنا، مثل البريد الإلكتروني والشبكات الاجتماعية الآن.

تحليل كتبه: أحمد أبو علي

الباحث الاقتصادي