Follow ICT
شعار الموقع الاساسى
جايزة 160
جايزة 160

إلا قليلًا منهم.. لماذا يعزِف رجال الأعمال المصريون عن الاستثمار في الشركات الناشئة؟!

الاستثمار في الشركات الناشئة يعد من أعلى أنواع الاستثمار مخاطرة وربحية أيضا في نفس الوقت، لذلك يطلق على المستثمر الذي يضخ أمواله في هذه النوعية من الشركات اسم “المستثمر المغامر”، وفي العديد من الدول حول العالم يتجه معظم رجال الأعمال إلى دعم الشركات الناشئة بتمويلات متعددة بهدف تنويع محفظتهم الاستثمارية وأيضا للمشاركة في أوجه الاقتصاد الحديث الذي يسيطر عليه الرقمنة واقتصاديات الخدمات، والمراهنة على فرصة التوسع والنمو التي تحظى بها الشركات الناشئة في وقت قصير والتي تتحول بها لشركات “يونيكورن”، وهي شركة ناشئة تقدر قيمتها بأكثر من مليار دولار.

ولكن في مصر”المعادلة مختلفة” لحد كبير، حيث يبتعد الكثير من رجال الأعمال عن الاستثمار في تلك الشركات رغم امتلاكهم الملاءة المالية المناسبة وأيضا معرفتهم الكبيرة بنوعيات البيزنس المتعلقة بالشركات الناشئة في مصر، لنجحاتها المتكررة خلال السنوات الماضية وحصولها على تمويلات بملايين الدولارات ، وأيضا لاتصالها أيضا بالكثير من القطاعات التي يعمل بها رجال الأعمال في مصر، وهذه الظاهرة ليست متصلة بتوقيت محدد متعلق بأزمات اقتصادية عالمية أو محلية ولكن يمكن أن نطلق عليها “منهج” يتبناه رجال الاعمال خاصة وأنه لايوجد أسباب مبررة لذلك العزوف.

ووفقا لهذه الحقيقة تعتمد الشركات المصرية الناشئة المصرية على تمويلات خارجية، وصلت في عام 2022 إلى 517 مليون دولار، بزيادة 3% عن عام 2021. بالإضافة إلى ذلك، تم إغلاق 160 صفقة – أكثر من أي بلد آخر في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كما تمكنت من جمع 305 مليون دولار خلال النصف الأول من 2023 .

تمويلات الشركات الناشئة

حزمة تحفيز

ودفعت هذه الأرقام بالإضافة إلى التشريعات المقررة لتحفيز مجال الشركات الناشئة في مصر  ، لتحسين مشهد الشركات الناشئة خاصة في مجال التكنولوجيا، مما جعل القاهرة مركزاً للابتكار، استناداً إلى تقرير النظام البيئي العالمي للشركات الناشئة (GSER 2023) الذي كشف عن إزدهار الأنظمة البيئية للشركات الناشئة، وحجم التمويلات، وعدد الصفقات، ، وجذب رواد الأعمال والمستثمرين وقفزت القاهرة من الترتيب 71- 80 دولياً، إلى النطاق 51-60 في ترتيب النظم البيئية الناشئة.

ورغم ذلك تتزايد المعارضة الداخلية لرجال الأعمال تجاه الشركات الناشئة باستثناء حالات فردية أو مبادرات خاصة، لاتشكل حجمها حافزا أو توجها واضحا يمكن البناء عليه كمحور استراتيجي لتمويل هذه الشركات خلال السنوات المقبلة للاستمرار في نموها والبناء على نجاحاتها السابقة ، خاصة وأنها تشكل محورا رئيسيا للدولة المصرية في عملية البناء المستدام وتحسين مؤشرات الاقتصاد الكلية وتوفير فرص العمل ،وبناء اقتصاد قائم على المعرفة والابداع وفقا لرؤية مصر 2030.

فالمسألة الجديدة القديمة التي ما زالت متصلة حتى الآن بالشركات الناشئة في مصر وفقا لمحللين، هي أن فكرة تمويل بعض رجال الأعمال لمشروعات ناشئة أو رواد أعمال في مصر تأتي من منطلق المسئولية المجتمعية، وهو ما يجب التوقف عنه تماما حيث أنها لا تخدم البيزنس بأي شكل من الأشكال، ورغم دعمها لبناء كوادر وتطور مهارات كثيرين إلا أنها لاتساهم بأى شكل من الأشكال في وجود صناعة مستقلة تضمن تحقيق عوائد استثمارية، خاصة وأن الشركات الناشئة قد تواجه المزيد من التحديات في السنوات المقبلة مع تراجع تمويلات رأس المال المغامر عالميا، وحدوث موجات تصحيح.

فما هي أسباب هذا العزوف وماهي المحاولات الممكنة لجذب رجال الأعمال خاصة المنتمين لجيل الألفية الحالي لضمان استدامة تطور ونمو الشركات الناشئة في مصر خلال السنوات المقبلة خاصة مع نجاح عدد كبير من رواد الأعمال المصريين في إنشاء شركات حققت معدلات نمو مرتفعة على المستوى المحلي واقتحمت أيضا الأسواق الخارجية حيث أنه وفقا للأرقام فإن 30% من الشركات الناشئة في مصر توسعت إقليميًّا وعالميًّا.

الشركات الناشئة في مصر

وضع إيجابي

الوضع الحالي يشير إلى دعم كبير من القيادة السياسية والحكومة لملف الشركات الناشئة كمحور إستراتيجي للمستقبل، وهو مابلوره مؤخرا موافقة المجلس الأعلى للاستثمار، على إنشاء وحدة دائمة بمجلس الوزراء برئاسة الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للاستثمار، تختص بوضع السياسات والقوانين واللوائح المناسبة لنمو وازدهار الشركات الناشئة في مصر، وكذا تلقي شكاوى الشركات الناشئة بالتنسيق مع وحدة حل مشاكل المستثمرين ووضع حلول ملائمة لكل منها بالتنسيق مع جهات الاختصاص.

كما كان للاستثمار في الشركات الناشئة مساحة من جلسات الحوار الوطني، إذ أشار المتخصصون في إحدى الجلسات المتعلقة بالاستثمار إلى أهم مناقشة التحديات والمعوقات التي من شأنها أن تعيق الاستثمار في الشركات الناشئة، وخلق مناخ على استعداد لتبنى عدد كبير من رواد الأعمال في هذا المجال، والتشجيع على الاستثمار فيها كما قامت الدولة بالتوجه لإنشاء منصة إلكترونية لتأسيس الشركات الناشئة تعمل بكفاءة عالية، مع تدريب وتأهيل المتعاملين مع راغبي تأسيس الشركات الناشئة على أعلى مستوى.

رجال أعمال يخوضون التجربة

ولا شك أن هناك تجارب لرجال أعمال مصريين يخوضون تجربة الاستثمار في الشركات الناشئة، حيث كان برنامج “شارك تانك” فرصة لرؤية رجال أعمال يستثمرون في الشركات الناشئة، وقد تكون التجربة مشجعة لقيام آخرون بإتباع نهجهم، مثلما رأينا رجال الأعمال أحمد السويدي وأيمن عباس وعبد الله سلام ومحمد منصور ومحمد فاروق.

وهناك أيضا رجل الأعمال محمد السويدي الذي استحوذ على Magma للملابس الرياضية، كما استثمر في شركة بريدفاست لتوصيل الطلبات، وربما يكون الجيل الجديد من رجال الأعمال لديهم الطموح لتغيير المعادلة، ووضع جزء من أموالهم للاستثمار في هذه الشركات، وخير مثال على ذلك أنسي نجيب ساويرس، رئيس مجلس إدارة شركة أوراسكوم المالية القابضة، والذي أكد أن شركات التكنولوجيا المالية تعد من أكثر المجالات التي تستحوذ على اهتمامهم للاستثمار فيها بشكل أكبر خلال الفترة المقبلة، وذكر أن صناديق الاستثمار لابد أن تتجه للاستثمار في شركات التكنولوجية المالية ودعم الشركات الناشئة كما يحدث في أمريكا، وطالب الحكومة بتقديم المزيد من التسهيلات الحكومية والقوانين لشركات رواد الأعمال الناشئة، بما يضمن استمرارية أعمالهم في السوق.

تحفيز رجال الأعمال

قال عمرو العباسي محلل الاستثمار، أن الثقافة المالية المبنية على الأعمال الكبرى والخوف من المخاطر عاملان أساسيان في ابتعاد بعض رجال الأعمال في مصر عن الاستثمار في الشركات الناشئة ، حيث أن أغلب تلك الشركات مرتبطة بالتكنولوجيا بشكل أكبر، وأي رجل أعمال عادي لا يرى الإمكانيات والقدرات الموجودة في هذا القطاع، ومن النادر أيضا أن نجد من لديه المعرفة التي تدفعه للاستثمار في تلك الشركات، وبالتالي يكون هناك إحجام عن ضخ رجال الأعمال لأموالهم في الشركات الناشئة.

وأشار إلى أن هذه الحقائق تشير إلى أنه يجب العمل على  تحفيزهم لتغيير تلك الصورة، وذلك من خلال إطلاق صناديق رأس مال مخاطر وحثهم على المساهمة فيها، أو من خلال شبكة مثل Cairo Angles  التي يمكن أن تجمع عدد كبير من رجال الأعمال  وتمنحهم الفرصة لمعرفة الفرص الجيدة المتاحة في هذا القطاع.

ونوه  العباسي إلى أنه يمكن جذب رجال الأعمال للاستثمار في الشركات الناشئة من خلال طرح تلك الشركات لحلول في مجالهم، فعلى سبيل المثال من يعمل في قطاع الصناعة إذ وجد شركة ناشئة تطور منتجا له علاقة بقطاعه سيحفزه ذلك للاستثمار فيها، مثلما فعلت شركة نهضة مصر على سبيل المثال، حيث إنها انجذبت للاستثمار في الشركات التي لها علاقة بتكنولوجيا التعليم لأنه مجالهم، فهناك فرص مرتبطة بكل المجالات ويمكن للشركات توفير حلول مرتبطة بأي صناعة.

وأكد على أن المسألة إلى حوار بين الحكومة وأجهزتها مع رجال الأعمال، وقد بدأت الدولة مؤخرا التركيز على ذلك، ومناقشة المشاكل التي يمكن أن تواجه رجال الأعمال أثناء الاستثمار في الشركات الناشئة، وتقوم أيضا بتسهيل العديد من الأمور من أجل ذلك من خلال العديد من المبادرات الهامة التي يمكن أن تحفز رجال الأعمال للاستثمار في الشركات الناشئة.

محمد السري
محمد السري

من جانبه قال  محمد السري مؤسس مجموعه كابيتال ومينتورز ومستشار ومحاضر دولي للتحول الرقمي وريادة الاعمال، أن التوجه الآن هو أن يتم دعم رجال الأعمال والشركات الناشئة سواء عن طريق زيادة العمل على الأفكار والعمل على تحسينها، كما تجدر الإشارة إلى أن هناك عدد من رجال الأعمال والشركات الكبرى والتي تعمل على أن تكون حاضنات ومسرعات أعمال من حيث العمل على تحسين الأفكار التي يتم ضخها في السوق المصري، بالإضافة إلى إيجاد وسائل تمويل مختلفة للشركات والتي تمثل أكبر مشاكل تواجه الشركات الناشئة.

ولفت إلى ضرورة التكامل بين مصادر التمويل المتنوعة، للوصول إلى كافة الفئات وأيضا تقديم الدعم لكافة المشروعات الرائدة في كافة مراحل إنشاءها ونموخا، مشيرا إلى وجود حزم تمويل متنوعة بجانب الأدوات التقليدية تعتمد عليها الدول وتشمل الاستثمار الملائكي وصناديق تقاعد خاصة وعامة، وصناديق أوقاف،وأثرياء محليين وأجانب، حيث يتوفر التمويل مقابل حصة في ملكية الشركة تصل إلى 20%، لضمان أن يكون لهذه الجهات رأي في الاتجاه المستقبلي للشركة أو فى حالة تكبدها الفشل.

ونوه محمد السري ، إلى أن قطاع الشركات الناشئة في مصر يجد بعض الدعم من رجال الأعمال الجدد، ورغم كونه ليس على المستوى المطلوب لكن الأمر لم يكن متوفرًا تماما منذ عدة سنوات، منوها إلى أن نجاحات العديد من الشركات الناشئة في مصر خلال السنوات الماصية خاصة في المجال التقني دفعت العديد من رجال الأعمال لتخصيص جزء من استثماراتهم في مشروعات ناشئة للبحث عن فرصة استثمارية مربحة.

وأكد على أن أكبر عائلات البيزنس في مصر لديهم استثمارات في شركات ناشئة سواء من خلال شركاتهم الأم أو من خلال شركات وسيطة أو شركات صغيرة يملكونها، وهو ما يدلل على أهمية هذا المجال وأنه قادر على تخريج شركات ضخمة، مشددا على ضرورة أن يكون هناك صناديق متخصصة في أنواع محددة من البيزنس تجمع تمويلات رجال الأعمال، وذلك لأن أغلب الصناديق في السوق المصري حاليًا غير متخصصة وهو ما يؤدي إلى ضعف جودة المنتجات أحياناً.

صناديق تابعة للدولة

ومن جانبه يقول المستثمر رفيق دلالة، الشريك المؤسس لشركة انتركب كابيتال: لا شك أن الظروف الاقتصادية وقيمة العملة والظروف العالمية أثرت على توجه رجال الأعمال للاستثمار في الشركات الناشئة بسبب المخاطرة التي يمكن أن يواجهونها في هذا القطاع، كما كان هناك حرص كبير من المستثمرين المغامرين وصناديق رأس المال المخاطر، ولكن هناك مؤشرات تؤكد أن الأمور ستتحسن، فنحن مجموعة مستثمرين نستعد لإطلاق صندوق جديدة للاستثمار ومساعدة الشركات الناشئة بكل الخبرة التي نمتلكها، وهناك توجه من الدولة لدعم الاستثمار والمستثمرين بالعديد من الإجراءات.

ويرى دلالة أن هناك العديد من الحلول التي يمكن الاعتماد عليها لجذب المستثمرين ورجال الأعمال لضخ أموالهم في الشركات الناشئة، من خلال إنشاء صناديق استثمار تابعة للدولة تستثمر في الشركات الناشئة، مثلما يحدث في أسواق الخليج، فعندما تضخ الدولة أموالها في تلك الشركات سيكون هناك حراك أكبر في السوق، مما يشجع رجال الأعمال على المشاركة في ذلك.