عبد القادر الكاملي يكتب: تقنيات التلاعب الجيني ومستقبل البشرية
| |
الجينات (genes) هي سيناريو بناء الكائن الحي، والحمض النووي (DNA) هو اللغة التي يكتب بها هذا السيناريو. فإذا فهمنا هذه اللغة ووظيفة كل حرف وكلمة فيها وتمكنا من التحكم بها يمكننا تغيير السيناريو. عام 1932، نشر الكاتب الإنجليزي ألدوس هكسلي (Aldous Huxley) روايته عالم جديد شجاع (Brave New World) التي تدور أحداثها عام 2540، حيث يسيطر العلم على البشر، فتنتفي المشاعر ويتم إنتاج الأطفال وفق المواصفات والوظائف التي يحددها المهيمنون على المجتمع، ويصل العلم بالبشر إلى حد الاستغناء عن الزواج والجنس، وتكوين الأجنة في المختبرات بطريقة علمية وبما يخدم تصورات النظم الحاكمة، بدلًا من تكوينها في الأرحام. ومنذ لحظة صدور هذه الرواية حتى يومنا هذا، أصبحت محور العديد من النقاشات حول الهندسة الوراثية وطرق تصميم الأجنة وتعديل أساليب التكاثر والإنجاب. ويرى هنري جريلي، أستاذ القانون في جامعة ستانفورد والمهتم بالعلوم البيولوجية، في كتابة "نهاية الجنس ومستقبل التكاثر البشري" الصادر عام 2016، أن معظم الناس في البلدان المتقدمة سيتوقفون عن ممارسة الجنس بغرض الإنجاب في غضون 20 إلى 40 عاماً فقط، حيث سيلجؤون إلى التلقيح الاصطناعي كونه يتيح للوالدين التعرف على التركيب الجيني لعشرات البويضات المخصبة في المختبر واختيار الأفضل منها للزرع في رحم المرأة. وستكون العملية آمنة وقانونية وسهلة ومجانية. ويشرح هنري جريلي في كتابه التقنيات البيولوجية الثورية التي تجعل من هذا المستقبل حتمياً ويوضح التحديات الأخلاقية والقانونية العميقة التي ستواجه البشرية نتيجة لذلك. وكانت الإنجليزية لويز براون أول إنسان يولد عن طريق الإخصاب في المختبر (التلقيح الصناعي)، وذلك في الخامس والعشرين من يوليو عام 1978. لكن أول طفل ولد عن طريق الإخصاب في المختبر بعد إخضاع البويضات المخصبة للتحليل الجيني للتأكد من سلامة بعض الجينات التي يمكنها أن تحمل الأمراض، ولد عام 1990. يتفوق الاخصاب في المختبر على الإخصاب الطبيعي في أن الأول يسمح بإجراء فحص جيني على البويضات الملقحة واستبعاد غير السليم منها، ويتوقع السماح مستقبلاً بإجراء تعديلات جينية عليها إن تطلب الأمر ذلك، ومن ثم زرعها في الرحم الطبيعي أو الاصطناعي. البطاقة الجينية الأشخاص الذين سيستمرون في تفضيل الطريقة التقليدية في الإنجاب قد يدفع أولادهم ثمن ذلك. فوفق ما نشره معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، أصبح بالإمكان من الناحية العلمية استخدام الجينوم (مجموع الحمض النووي) الخاص بالإنسان للتنبؤ فور ولادته باحتمال إصابته بأمراض القلب أو السرطان، بل وبمستوى ذكائه. وسوف يصبح لكل مولود في المستقبل القريب بطاقة جينية. ما جعل إصدار هذه البطاقات أمراً ممكناً علمياً، هو الدراسات الجينية الضخمة التي ضم بعضها جينات أكثر من مليون شخص. هذه الطريقة ضرورية لأن معظم الأمراض الشائعة والعديد من السلوكيات والسمات، بما في ذلك الذكاء، لا تنجم عن جينة واحدة أو عدد قليل من الجينات، بل عن عمل متناسق بين الكثير من الجينات، ولهذا كان لابد من جمع وتحليل بيانات عدد كبير جداً منها. تمثل التنبؤات المستندة إلى الحمض النووي تقدماً كبيراُ في مجال الصحة العامة، لكنها ستزيد من مخاطر التمييز الجيني. ماذا لو أشارت بطاقة المولود الجديد إلى احتمال كبير لإصابته بأمراض القلب بعد الثلاثين، أو أشارت إلى احتمال أن يكون مستوى ذكائه منخفضاً؟ كيف سيؤثر ذلك على تعليمه وفرصه في الحصول على عمل؟ وهل سندخل عصر التمييز الجيني؟ إنجازات مبهرة على الصعيد الجيني شهد عام 2017 اختراقات طبية مهمة في مجال العلاج الجيني، إذ نجح في شفاء عدد من المرضى الذين يعانون من السرطان والأمراض النادرة. يرتكز العلاج الجيني على فكرة تعديل الحمض النووي الريبي منقوص الأكسجين (DNA)، لعلاج المرض، ويمثل تحولا كبيراً في الطب. فبدلا من معالجة أعراض المرض كما هو حال الغالبية العظمى من الأدوية الحالية، يهدف العلاج الجيني إلى تصحيح الأسباب الوراثية الكامنة وراء المرض، بتعديل الحمض النووي. لكن عدم التعرف على كافة وظائف الجينات، لا تمكن الإنسان من التحكم الشامل بالحمض النووي. يقول إيلون ماسك: "باستخدام الحمض النووي، يجب أن نتمكن من معرفة الجينات التي تم تشغيلها أو إيقاف تشغيلها، وهو ما لا يستطيع تسلسل الحمض النووي الحالي القيام به. لكن، إذا اخترع شخص ما هذا، عندئذ يمكننا البدء في تحديد علاجات الأمراض بدقة"...اضغط هنا لتكملة المقال. عبد القادر الكاملي مستشار تكنولوجيا المعلومات والاتصالات
|