Follow ICT
شعار الموقع الاساسى
جايزة 160
جايزة 160

«المركزي» يخوض مرحلة جديد من الإصلاح الاقتصادي.. وتدبير الدولار أولى الخطوات

تحقيق استقرار الاقتصاد الكلي والسيطرة على التضخم أهداف رئيسة على أجندة الحكومة

بدأ البنك المركزي المصري، الخوض في مرحلة جديدة من مراحل الإصلاح الاقتصادي في مصر، يأتي على رأسها تحرير كامل لسعر صرف الجنيه، حيث يسعى البنك المركزي لتحقيق استقرار الاقتصاد الكلي وتحقيق نمو مستدام وشامل، وتحقيقًا لذلك سيعكس سعر الصرف قيمة الجنيه مقابل العملات الأجنبية الأخرى، بواسطة العرض والطلب، في إطار سعر صرف مرن.

لذا اتخذ البنك المركزي المصري عدة قرارات يوم الخميس الماضي، حيث قرر رفع معدلات الفائدة بمقدار 200 نقطة أساس في اجتماع استثنائي، ليصبح سعر عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة 13.25% و14.25% على التوالي، وذلك بهدف السيطرة على التضخم الناجم عن جانب الطلب وارتفاع معدل نمو السيولة المحلية والتوقعات التضخمية والآثار الثانوية لصدمات العرض، وتحقيق استقرار الأسعار على المدى المتوسط.

كما قرر «المركزي» الإلغاء التدريجي للتعليمات الصادرة في فبراير الماضي والخاصة باستخدام الاعتمادات المستندية في عمليات تمويل الاستيراد حتى إتمام الإلغاء الكامل لها في ديسمبر ۲۰۲۲، حيث يعد ذلك بمثابة حافز لدعم النشاط الاقتصادي على المدى المتوسط، كما سيعمل البنك المركزي على بناء وتطوير سوق المشتقات المالية بهدف تعميق سوق الصرف الأجنبي ورفع مستويات السيولة بالعملة الأجنبية.

وقال المركزي، إن الاقتصاد العالمي واجه العديد من الصدمات والتحديات التي لم يشهد مثلها منذ سنوات، حيث تعرضت الأسواق العالمية في الآونة الأخيرة لانتشار جائحة كورونا وسياسات الإغلاق، ثم استتبعها الصراع الروسي الأوكراني، والذي كان له تداعيات اقتصادية وخيمة، مما تسبب في الضغط على الاقتصاد المصري، حيث واجه تخارجًا لرؤوس أموال المستثمرين الأجانب فضلاً عن ارتفاع أسعار السلع.

وتأتي قرارات البنك المركزي بتحرير سعر الصرف متماشية مع موافقة صندوق النقد الدولي على برنامج تمويلي لمصر لفترة 46 شهرا، بقيمة 3 مليارات دولار، بالإضافة إلى إتاحة مبلغ مليار دولار من صندوق الاستدامة، مع تمويل مصاحب بنحو 5 مليارات دولار من شركاء التنمية، لتصل إجمالي التمويلات التي تعتزم مصر الحصول عليها إلى 9 مليارات جنيه.

وأجرت «Followict» تحليلاً لآثار تحرير سعر الصرف على السوق وتأثيره على الدولار بالبنوك وجذب العملة للقطاع المصرفي، وما يتبعه من تأثير على تمويل الاستيراد ومستلزمات الإنتاج، وتحسين أوضاع السوق المضطربة بسبب شح السيولة الدولارية.

وكما حدث في سيناريو «التعويم» في نوفمبر 2016، فبعد صدور قرارات البنك المركزي يوم الخميس الماضي، تراجع الجنيه أمام الدولار والعملات الأجنبية بمعدلات متسارعة، ليرتفع سعر الدولار من 19.65 جنيه إلى أكثر من 24.17 جنيه، والتي سبقها خفضًا للجنيه في مارس 2022 ليرتفع الدولار من 15.65 جنيه إلى 19.65 جنيه قبل اتخاذ قرار التحرير، مما يعني تخفيض الجنيه بنحو 55% أمام الدولار منذ بداية العام الجاري، خاصة وأن الدولار كان يتداول بأسعار مرتفعة في السوق الموازية، وهو ما دفع البنك المركزي إلى تحرير سعر العملة للقضاء على السوق الموازية.

ومن المتوقع أن ينتج عن قرار تحرير سعر الصرف وما تبعه من قرارات حيوية للقطاعات المختلفة والمستوردين بشكل خاص، حلولاً للأزمات المتتالية التي تواجهها الدولة خلال الفترة الأخيرة من نقص للعملة وغيرها بسبب تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وارتفاع معدلات التضخم.

وفرة في العملة الأجنبية

ومن شأن قرار مرونة سعر الصرف وتركه لقوى السوق «العرض والطلب» مع سحب السيولة لتقليل الطلب على العملة الأجنبية عن طريق رفع سعر الفائدة، وكذلك تفعيل آلية الإنتربنك العامة، توفير العملات الأجنبية وسداد احتياجات العملاء والبنوك لفتح الاعتمادات المستندية وسداد الالتزامات الخارجية للاستيراد.

زيادة الحصيلة الدولارية

وفي نفس السياق فإن تحرير سعر الصرف وارتفاع قيمة العملات الأجنبية، من شأنه أن يسهم في زيادة تحويلات المصريين العاملين بالخارج، حيث أن العلاقة طردية بين ارتفاع سعر العملة الأجنبية وتحويلات العاملين بالخارج –كلما زاد سعر الدولار أمام الجنيه ارتفعت تحويلات العاملين بالخارج- وكذلك ارتفاع عوائد الصادرات والسياحة -نظريا يؤدى تخفيض قيمة الجنيه المصرى أمام العملات الرئيسية وفى مقدمتها الدولار إلى زيادة الطلب على الصادرات وانخفاض الطلب على الواردات-، وهو ما يسهم بشكل كبير في زيادة العملة الأجنبية للبلاد.

تشجيع السياحة

كما يلعب انخفاض قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية في تشجيع السياحة ويسهم في زيادة الإقبال عبر إغراء السائحين باعتبار أن مصر ستصبح «سوقا سياحياً منخفض التكلفة» نتيجة «فرق العملة»، فضلاً عن المساعي المصرية للاستفادة من «أزمة الطاقة» المتوقعة في أوروبا لجذب فئات جديدة من السائحين، وهو ما من شأنه جذب عملة أجنبية لمصر.

توفير السلع الناقصة

كما أن إلغاء قرار حظر الاستيراد على الاعتمادات المستندية والرجوع للنظام القديم بالاستيراد عن طريق الاعتمادات ومستندات التحصيل، يسهم في التسهيل على المستوردين وحل مشاكل تكدس البضائع بالموانئ وتسريع إجراءات الإفراج الجمركي وتحقيق مرونة فى العلاقة بين المستورد والمصدّر وتحقيق الاستقرار فى السوق، خاصة للقطاعات الإنتاجية، مثل الزراعة والصناعة والسياحة وغيرها من القطاعات التي تُعد مورداً جيداً للعملة الصعبة ومصدراً أساسياً للسلع الاستراتيجية وتحقيق الاكتفاء الذاتي.

انفراجة للبضائع المكدسة بالموانيء

ومن المتوقع أن يحقق قرار رفع البنك المركزي للحد الأقصى للشحنات المستثناة من قواعد العمل بالاعتمادات المستندية إلى 500 ألف دولار بدلاً من 5 آلاف دولار، انفراجة كبيرة في خروج البضائع المكدسة بالموانيء، مما يترتب عليه حدوث انتعاشة ورواج في السلع وتوفير للسلع الناقصة أو تلك التي شهدت عجزًا خلال الفترة الماضية.

سعر حقيقي للجنيه

ويدرس البنك المركزي استحداث مؤشر للجنيه المصري يقيس أداء العملة المصرية مقابل سلة من العملات وعناصر أخرى مثل الذهب، وذلك في مسعى لتغيير الثقافة والفكر بشأن ارتباط سعر الصرف بالدولار، خاصة وأن مصر ليست دولة مصدرة للبترول حتى يكون لديها سعر صرف مربوط بالدولار، لذا كان لابد أن يتم تحرير سعر صرف العملة المحلية بالكامل، حتى يتحدد سعرها الحقيقي، ويكون مؤشر قياس أداءها دقيقًا وتتحدد نقطة أساس انطلاق هذا المؤشر من السعر العادل والحقيقي للجنيه أمام بقية العملات.

عقود تحوط مستقبلية

ومن المفترض أن يقلل مؤشر أداء العملة مع عقود التحوط المستقبلية التي يدرس المركزي إطلاقها أيضًا، المضاربات على الدولار حيث أن سعر صرف الجنيه لن يكون مرتبطًا بالجنيه وحده بل بالعملات الرئيسية الأخرى وخاصة تلك التي لمصر تعاملات تجارية كبيرة مع دولها، وفي تلك الحالة فلن يسعى كل مستورد لشراء دولار خوفًا من زيادة سعره مستقبلاً لأنه يمكنه عمل عقود تحوط مستقبلية فضلاً عن أن السعر سيكون عادلاً بشكل كبير في أي وقت يقرر فيه شراء أي عملة أجنبية يحتاجها، كما أن الأسواق المحلية ستشهد تعاملات بالجنيه بشكل أكبر وهذا يقوي من وضع الجنيه.

تعزيز الاحتياطي الأجنبي

ومن ضمن المزايا التي يحققها سعر الصرف المرن هو الحفاظ على احتياطي النقد الأجنبي للدولة من التآكل، حيث أن سعر الصرف المربوط بالدولار يستلزم دعم الدولة للجنيه وهو ما يستنزف الاحتياطي الأجنبي للدولة، لذا يسعى البنك المركزي خلال الفترة الراهنة لتكوين والحفاظ على «مستويات مستدامة وكافية» من الاحتياطيات الدولية، وهو ما أكد عليه محافظ البنك المركزي، مستهدفًا مضاعفة احتياطيات النقد الأجنبي خلال 4 سنوات.

شهادات مرتفعة العائد

وكان من ضمن القرارات التي اتخذها البنك المركزي رفع أسعار الفائدة 200 نقطة أساس، ومن المتوقع أن يؤدي القرار إلى زيادة كبيرة في أسعار السلع وخاصة المستوردة نظرًا لزيادة التكاليف وهو ما يحتاج رقابة كبيرة من السلطات لضبط الأسواق ومنع المبالغة في الأسعار، وهو ما دفع البنوك الحكومية الكبرى «الأهلي المصري ومصر والقاهرة» ولامتصاص السيولة من الأسواق وتشجيع المواطنين على الاحتفاظ بالجنيه من خلال طرح شهادات ادخار بفوائد مرتفعة تبلغ 17.25% .

إنعاش البورصة وعودة المستثمرين الأجانب

عقب قرار تحرير سعر الصرف مباشرة قفزت مؤشرات البورصة لتحقيق مكاسب كبيرة رغم رفع أسعار الفائدة من قبل البنك المركزي، حيث أن تحرير العملة يعزز من إقبال المستثمرين الأجانب للاستثمار فى البورصة نتيجة لفارق العملية وتدني أسعار الأسهم مما يجعل تكلفة الاستثمار متدنية مقارنة بالأسواق الأخرى، كما أن الشركات المصدّرة التي لديها قوة تسعيرية على العملاء مثل قطاعات البتروكيماويات والأسمدة والشركات الصناعي المعتمدة على العمليات التصديرية وقطاع الخدمات المالية غير المصرفية فستكون أحد الرابحين بقوة من القرارات الأخيرة.

وعلى الرغم من الإيجابيات التي يوفرها سعر الصرف المرن للعملة، إلا أنه يؤثر سلبًا على على المواطنين وبعض القطاعات وعلى رأسها الشركات المستوردة، كما أن عملية تخفيض قيمة العملة ربما لا تنعكس إيجابيًا على تحسين ميزان مدفوعات الدولة، كما أنه قد يؤدي إلى انفلات التضخم وارتفاع نسب الفقر والبطالة، ومع ذلك يبقى قرار تحرير سعر العملة اعتراف بالأمر الواقع أن قيمة الجنيه انخفضت أمام عملات معينة، وعلى الدولة والمواطن التكاتف لتحقيق الاستقرار وزيادة الاستثمار والإنتاج والتصدير لخلق اقتصاد أقوى وأقل اعتمادا على الاستيراد وأكثر قدرة على التصدير.

ويدعم برنامج صندوق النقد الدولى جهود الدولة فى خطة الإصلاحات الهيكلية، التى أطلقتها الحكومة من أجل الاستفادة من إمكانيات مصر بمقوماتها العديدة لتحقيق النمو المستدام وتعزيز تنافسية وقدرة الاقتصاد، حيث يعمل البرنامج على زيادة المكون الإنتاجي وزيادة قدرة الاقتصاد على التصدير وإفساح المجال للقطاع الخاص لكى يضطلع بدوره الأساسى فى دفع عجلة التنمية، وتوفير المزيد من فرص العمل اللائقة.