Follow ICT
شعار الموقع الاساسى
جايزة 160
جايزة 160

المخلّفات الإلكترونية.. «مناجم ذهب خطرة» تسيطر عليها العشوائية

طالما تسببت المخلّفات الإلكترونية في صداع مزمن للعديد من الحكومات على مستوى العالم، خاصة مع النمو القياسي في مبيعات الأجهزة الإلكترونية وانخفاض أسعار الكثير منها، ومع التطور المتنامي للتكنولوجيا أصبحت عملية الإحلال والتغيير للأجهزة متسارع بشكل كبير بما شكّل رقما قياسيا للنفايات الإلكترونية وصل إلى 52.7 مليون طن، وهذا الرقم وفقا لمحللين دوليين يؤكد على أن هناك حاجة ملحة لبذل جهود أكبر لضمان إنتاج واستهلاك والتخلص من المعدات الكهربائية والإلكترونية عالمياً بشكل أكثر ذكاءً واستدامة.

ويكشف تقرير مراقبة النفايات الإلكترونية لعام 2020 الصادر عن الأمم المتحدة، أن 17.4 % فقط من إجمالي النفايات الإلكترونية تم توثيقها رسميًا على أنها تم جمعها وإعادة تدويرها بشكل صحيح، بما يشير إلى “فجوة ضخمة” يجب التعامل معها بشكل مباشر حتى لا ينذر العالم بوجه قبيح للتكنولوجيا، في وضع تزداد فيه الأمور خطورة في ارتفاع معدلات هذه النفايات وأيضا قيام الدول المتقدمة ببساطة بدفنها فى البلدان النامية.

والمسألة في مصر حول المخلّفات الإلكترونية ليست ببعيدة، مع تنامي الممارسات السلبية للاستهلاك الإلكتروني خلال السنوات الماضية في سوق استهلاكي ضخم، جاذب لكافة أشكال الأجهزة الإلكترونية، يحتاج إلى نهج مؤسسي من الدولة المصرية لإدارة حجم النفايات وتدفقها، وتشريعات صارمة متعلقة بالواردات والصادرات وأيضا زيادة وعي المستهلكين بحملات متواصلة، وهذه المتطلبات بالتأكيد تحتاج لنظام عالمي يغطي دورة الحياة الكاملة للسلع الكهربائية، بما في ذلك الإنتاج والاستخدام والتخلص والاسترداد وإعادة التصنيع.

اجتماع وزيرة البيئة بوزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات

الدولة المصرية سعت للتوسع في إنشاء مصانع لتدوير المخلّفات الالكترونية إلا أنها لم تصل للمستوى المطلوب، وهو ما دفع ياسمين فؤاد وزيرة البيئة إلى التصريح مؤخرا على خلفية اجتماعها بوزير الاتصالات، أن المخلفات الإلكترونية تمثل تحدياً كبيراً في التعامل معها وإدارتها بطريقة سليمة وخصوصاً في ظل التحول الرقمي الذي تشهده مصر حالياً في جميع المجالات والتوسع في استخدام ألواح الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء.

وأشارت إلى أن وزارة البيئة بدأت مع وزارة الاتصالات خطوات بحصر قطاع المخلفات الإلكترونية في مصر، وتقدر كميتها 88 ألف طن سنوياً، ووضع التشريعات لتحويل القطاع غير الرسمي العامل في المخلفات الإلكترونية إلى قطاع رسمي بالتعاون مع البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة من خلال مشروع التخلص الآمن من المخلفات الإلكترونية.

ياسمين فؤاد وزيرة البيئة

ونوهت بأنه رغم الربحية العالية لقطاع تدوير المخلفات الإلكترونية وعملنا لزيادة الاستثمار فيه فإن تدوير المخلفات الإلكترونية يحتاج إلى حرص شديد لما ينتج عنه من نفايات خطرة حفاظاً على صحة الإنسان والبيئة، مؤكدة على أن هناك نحو 7 مصانع تمت الموافقة على ترخيصها تستطيع تدوير المخلفات الإلكترونية بشكل آمن، كما يتم التنسيق مع وزارة الاتصالات على إيجاد آلية لحصول مصانع إعادة التدوير الرسمية على المخلفات الإلكترونية المتولدة من قطاع الاتصالات.

من جانبه أشار المهندس خالد العطار نائب وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات للتنمية الإدارية والتحول الرقمي والميكنة، أن هناك اتفاق بين الحكومتين المصرية والسويسرية لتنظيم العمل فى مجال المخلفات الإلكترونية والغرض منه هو تقديم أكبر قدر من المخلفات الإلكترونية للمصانع وأن يتم عمل حصر كامل للأجهزة خاصة فى ظل التحول الرقمى وازدياد عدد الأجهزة الإلكترونية فى مصر.

وأشار إلى أن هذه الاتفاقية تمثل المرحلة الثانية مع الجانب السويسري، لتحديد حجم المخلفات الإلكترونية مستقبلًا وأماكن التعامل معها واحتساب تكلفة إعادة التدوير، خاصة وأن عملية إعادة التدوير في الوقت الحالي تتسم بالعشوائية الشديدة، فكان لابد من إيجاد منظومة متكاملة تحقق أفضل تجربة لأن تكون مصر خالية من المنتجات الضارة التي تخلفها المنتجات الالكترونية بالاضافة لتعظيم العوائد المادية بقدر الإمكان من هذه الصناعة.

المهندس خالد العطار

ولفت إلى أن وزارة الاتصالات باعتبارها المسئولة عن تحديد والتعامل على الأجهزة التي سيتم توريدها للحكومة المصرية في المرحلة القادمة لتحقيق عملية التحول الرقمي، لذا يجب أن يكون هناك خطة طويلة الأجل لإعادة تدوير هذه الأجهزة والأجهزة القديمة التي ستخرج من الخدمة بإحلال الأجهزة الجديدة.

كما أوضح الدكتور طارق العربى مدير مشروع المخلفات الطبية والإلكترونية بوزارة البيئة أن الوزارة تهدف إلى وصول المخلفات الإلكترونية للقطاع الرسمى، حيث أظهرت الإحصائيات التى تم إجرائها أن القطاع الحكومى يتولد منه حوالى 19% والقطاع الخاص حوالى 58% والأسر حوالى 23% .

وأشار إلى أن المشكلة هنا لدى الأسر فى قيامهم بيبع تلك الأجهزة لصغار تجار المنتجات المستعملة لذا فتعمل وزارة البيئة بالتعاون مع الشركاء على إطلاق تطبيق إلكتروني لجمع المخلفات الإلكترونية نظير قسائم تخفيض على منتجات جديدة وظبط عملية المزادات على بيع تلك المخلفات الإلكترونية من الجهات المختلفة ووضع معايير لها كما تم وضع معايير لمنع وصولها للقطاع غير الرسمي الذي يعمل بسياسة الانتقاء حيث يستفيد من الأجزاء ذات القيمة فقط ويتخلص من الأجزاء الضارة بطريقة غير آمنة ويستفيد من الأجهزة الثمينة فقط وتلك المعايير ستضمن التخلص الآمن من الأجزاء الخطرة فى تلك الأجهزة كما ستضمن الاستغلال الجيد والأمثل للأجزاء الثمينة.

وأضاف العربي أنه تم وضع أدلة إرشادية وكتيبات لشركات المحمول وهيئة السلامة الحكومية وتم الالتزام بها مما ساهم في تحقيق الأهداف الموضوعة بل وصلنا لنتائج متميزة تخطت الأهداف المرجوة.

المخلفات الإلكترونية

وأشار مدير مشروع المخلفات الطبية والإلكترونية أن وزارة البيئة قامت بتصميم تطبيق يساعد الأسر على وضع أجهزتهم عليه مقابل قسائم تخفيض لبعض أماكن بيع الأجهزة الإلكترونية مما يساعد في الوصول للأسر بسهولة، كما وصل عدد مصانع تدوير المخلفات الإلكترونية في مصر والتي تعمل بشكل رسمي إلى 7 مصانع بعد أن كان مصنعا واحدا فقط وجاري دخول عدد 5 مصانع أخرى لهذا المجال.

وأكد العربي أن وزارة البيئة بدأت هذا الملف منذ عدة سنوات، بهدف إدارة المواد الخطرة بشكل صحيح، وهو ما دفع الوزارة لتحديد قطاع رسمي يتعامل مع هذه المخلفات بشكل آمن، مشيرًا إلى أن البداية جاءت مع الشركات المنتجة للهواتف المحمولة بأن لا تعطي مخلفاتها الإلكترونية إلا لمصانع معتمدة رسميًا من الوزارة لإدارة المخلفات الإلكترونية.

وأشار العربي أن الوزارة تعلم حاليًا نقاط القوة والضعف في السوق وبدأت وضع سياسات محددة لاستيراد الاجهزة الإلكترونية المستعملة، والتي يجب أن تنطبق عليها مواصفات جودة وتخضع لاختبارات محددة، حتى لا تكون مصر مركز لاستقبال النفايات الخطرة، لافتا إلى وجود حزم سياسات لتمويل الجهات المختصة بالتخلص من المخلفات الخطرة للأجهزة الالكترونية، وأن اللائحة التنفيذية الجديدة للقانون بصدد وضع رسوم بسيطة على كل منتج إلكتروني يباع في السوق المصري حتى يكون المنتج هو المسئول عن تدوير الاجهزة الالكترونية التابعة له.

وأضاف أن قانون تنظيم المخلفات سينص على وضع سياسات تحفيزية للمواطنين، لكي يسلموا أجهزتهم القديمة إلى أماكن التجميع للتخلص من الأجزاء الخطرة بالطرق الآمنة، موضحًا أن الوزارة بصدد إطلاق تطبيق إلكتروني يوضح عملية استبدال المنتجات الإلكترونية القديمة بقسائم شراء وحوافز تخفيض على الأجهزة الجديدة، كما تم الاتفاق مع شركة فودافون على أن تخصص بعض فروعها لتكون مراكز تجميع للأجهزة الإلكترونية القديمة الصغيرة مثل الموبايل واللاب توب والتابلت وبدورها فودافون سوف تمنح العملاء حوافز على محافظ فودافون كاش منها إضافة رصيد.

وأشار إلى وجود 7 مصانع مرخصين في الوقت الحالي لإعادة تدوير المخلفات الالكترونية بالاضافة إلى 5 مصانع أخرى جاري تقنين أوضاعهم للتعامل مع المخلفات الالكترونية.

الدكتور حسام علام

من جانبه أوضح الدكتور حسام علام، المدير الإقليمي للنمو المستدام بمركز البيئة والتنمية للإقليم العربي وأوروبا (سيداري)، أن المخلفات الإلكترونية تمثل منجم ذهب لمصر غير مستغل، حيث أن أي مخلفات إلكترونية فيها معادن ثمينة مثل الذهب والبلاتين والنحاس والألومنيوم والفضة وبها أيضا مواد خطرة مثل الزئبق والرصاص، مشيرًا إلى أن مصر قامت بدراسة على مدار 10 سنوات بين 2004 و2014 حول حجم الأجهزة التي دخلت مصر في هذه الفترة وتبيّن أن حجم النفايات المقدرة منها حوالي 9 طن ذهب، بما يقدر بـ300 مليون دولار ما يعني منجم دهب، وكل تلك الكميات أهدرت على الدولة في ظل أنها يمكن أن تمثل رصيد استراتيجي للدولة.

وأكد أن المشكلة في إعادة التدوير للمخلفات الالكترونية أنه يتم في مناطق عشوائية، وبدون رقابة، لذلك يتم حاليًا عقد ورش عمل وتدريبات للمصانع المعتمدة وهناك مناطق فرز سيتم تحديدها داخل المناطق التكنولوجية الجديدة تحت إشراف شركة سيلكون واحة المسئولة عن المناطق التكنولوجية، مشيرًا إلى أن المرحلة الحالية مرحلة دعم التعاون بين القطاع الخاص والحكومي لتمكين كافة الجهات من أن تحقق أرباح من هذه المنظومة.

وشدد علام على أن مصر قادرة على أن تكون مركز إقليمي لتدوير المخلفات الإلكترونية على مستوى إفريقيا والدول العربية، ومنطقة قناة السويس وشرق التفريعة يمكن أن تكون مناطق تقام فيها صناعة عالمية تحت مظلة اتفاقيات مثل -الكوميسا وأغادير.

عالميا، كشف تقرير حديث للأمم المتحدة، أنه تم إنتاج 52.7 مليون طن من النفايات الإلكترونية تتكون من الهواتف وأجهزة التلفزيون والطابعات وغيرها من الأدوات في جميع أنحاء العالم في عام 2019، والتي تم إعادة تدوير أقل من خمسها، ويعادل وزن النفايات ما يصل إلى 350 سفينة سياحية بحجم Queen Mary 2، وهو ما يكفي لتشكيل خط يزيد طوله عن 75 ميلاً.

وارتفعت النفايات الإلكترونية العالمية بنسبة 21% في خمس سنوات فقط، من 43.6 مليون طن في عام 2014 إلى 52.7 مليون طن في العام الماضي ، وحذرت الأمم المتحدة من أن الرقم سيصل إلى 72.8 مليون طن بحلول عام 2030، وهو ما يقرب من الضعف في غضون 16 عامًا فقط.

على الرغم من أن 71 % من سكان العالم مشمولون بشكل من أشكال سياسة أو تشريعات أو لوائح بشأن النفايات الإلكترونية، يجب بذل جهود أكبر في التنفيذ.