Follow ICT
شعار الموقع الاساسى
جايزة 160
جايزة 160

«الصحافة المتخصصة في التكنولوجيا».. هل تبدأ ألفية جديدة تعيد فيها اكتشاف نفسها؟

شكلت الصحافة المتخصصة في التكنولوجيا هويتها الحقيقية مع بداية بلورة صناعة تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات في مصر في بدايات الألفينات مع تأسيس وزارة الاتصالات في عام 1999، وكانت الذراع الرئيسي لدعم القطاع على مستوى الرأي العام وبناء مجتمع معلومات بشكل عام، يعي أهمية الاعتماد على الحلول التكنولوجيا وثورة الاتصالات لتحسين القدرات التنافسية للمؤسسات، وتطوير الخدمات المقدمة للمواطنين.

ومرت الصحافة التكنولوجية خلال 20 عاما بمجموعة من النجاحات وأيضا التحديات، تتلائم مع قوة تأثيرها واشتباكها في القضايا الرئيسية للقطاع، حتى تحوّل دورها من مجرد ناقل للأحداث إلى صانع، وتمكنت من تخريج عشرات الصحفيين المتخصصين من النطاق الضيق المتمثل في التوعية والتثقيف العلمي، لتشمل أيضاً التحليل الجاد والدقيق للقضايا الوطنية المهمة التي لها صلة بتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات عبر صفحات متخصصة ومنصات إلكترونية فتحتها لها الجرائد الكبرى في مصر إيمانا منها بواقع “قطاع يرسم شكل المستقبل”.

وتشهد المهنة حاليا، ما يطلق عليه أربابها، بداية “ألفية جديدة”، والتي تحمل تحديات بالجملة متعلقة بالأدوات التحريرية المستخدمة، ووسائل التمويل الإعلاني، وكيفية الفصل بين التحرير والترويج، إلى جانب التطورات التي شهدتها الصحافة بشكل عام لتعتمد على المنصات الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي وأدوات رقمية مستحدثة، بما يشير إلى ضرورة تحديد أجندة أولويات تعزز من المهنة وتدفعها لآفاق تتناسب مع المعطيات التي فرضتها وستفرضها التكنولوجيا.

«فالسحر أحيانا كثيرة يمكن أن ينقلب على الساحر»، حيث يجد المحرر التكنولوجي نفسه يقرأ المحتوى لا أن يكتبه بنفسه، لتفسح الساحة بشكل مفرط لبيانات الشركات والمدونات الموجهة، على حساب الصحافة التحليلية المحايدة والأخبار المباشرة التي يحصل عليها الصحفي مباشرة من مصادره، لتغيب الكفاءات المؤهلة وراء الستار ويكتب عليها لبعض السنوات «مغلقة للتحسينات».

أحمد عصمت

«تعزيز المعايير المهنية هي الأساس والركن الآمن للحفاظ على مكتسبات الصحافة التكنولوجية المتخصصة» وفقا لـ أحمد عصمت المدير التنفيذي لمنتدى الإسكندرية للإعلام، واستشاري تكنولوجيا الإعلام والتحول الرقمي، مشيرا إلى ضرورة إحداث تطور في آليات الكتابة والعرض لتعتمد على المنصات الإلكترونية التي تمكن المحرر من استخدام الصور والفيديوهات بشكل أكثر احترافية، وهو ما يتلائم مع الطبيعة الحالية للقارىء الذي أصبح يعتمد على الصحافة الرقمية كمصدر رئيسي للمعلومات وعلى رأسها المحتوى المتعلق بقطاع التكنولوجيا والاتصالات، وبالتوازي يجب على المؤسسات الصحفية الاهتمام أكثر بتأسيس صحافة متخصصة في قطاع التكنولوجيا لها رسالة واضحة المعالم والأهداف ورؤية جديدة عميقة تتبناها وتساهم فيها.

وقالت مروة صلاح مديرة العلاقات العامة فى مجموعة هواوى لأجهزة المستهلك بمصر، إن الصحافة المتخصصة في مجال التكنولوجيا بالفعل تحتاج إلى تطوير نفسها بشكل مستمر، والسوق المصري بدأ يشهد هذا التطور في الفترات الأخيرة، فبعض الصحف بدأت تعتمد على استخدم “المالتي ميديا” مثل الفيديو والسوشيال ميديا في نشر الأخبار خاصة الأخبار الصغيرة والسريعة منها، وأصبح من الصعوبة بمكان أن نتحدث عن التكنولوجيا بالكتابة فقط، وهذا يتضح بشكل أكبر في المراجعات للمنتجات الخاصة بالمستهلكين، فكلما تنوعت مصادر عرض المحتوى وتم تدعيمها بالصوت والفيديو زاد التفاعل والتأثير.

وتسببت أزمة كورونا في تطور كبير في المحتوى المرئي بسبب التواجد في المنزل وفقا لمروة صلاح،  بما ساعد في منح كثير من مقدمي المحتوى كالصحفيين المتخصصين أن يتفرغوا لتقديم فيديوهات، وإن كانت ليست كثيرة بالقدر الكافي لكنها بداية جيدة، ونتمنى أن نرى تطور أكبر لكي يصلو إلى شرائح الشباب وأكبر قاعدة شعبية.

وقالت مي أباظة الشريك المؤسس لشركة بابليسست إنك للعلاقات العامة، أن مهارات المعرفة بالتكنولوجيا متاحة لدى الكثير من المحررين المتخصصين في التكنولوجيا، لكن ما زالت مهارات النشر غير مكتملة، وإن كان بعض الصحفيين يقوم بها لكنها على نطاق ضيق، مؤكدة على أن  الصحافة حاليًا تحتاج إلى “one man show” يخلق المحتوى بداية من الخبر حتى الفيديو المصور ومونتاجه بسرعة، وهو الأمر الذي يؤدي إلى زخم وتنوع في المحتوى.

ونوهت إلى إن قطاع الاتصالات المصري يضم أكبر مجموعة من الصحفيين المتخصصين المتطورين بسبب اطلاع معظمهم على تطورات التكنولوجيا على المستوى المحلي والدولي منذ أكثر من 20 عاما، وكان ذلك بسبب تعاون قوي حدث بين الصحفيين وشركات القطاع الخاص المقدمين للتكنولوجيا والاتصالات، ومن ثم بدأ الصحفيين يستثمروا في معرفتهم وظهر ذلك من قدراتهم المتطورة في تغطية الأخبار والفاعليات المتخصصة.

مروة صلاح

حول المهارات المطلوبة للصحفي المتخصص في التكنولوجيا، أكدت مروة صلاح، أنه ينبغي أن يكون لديه معرفة دقيقة بالمنتجات المتعلقة بالمستهلكين، فهي منتجات تحتاج لمن يستعرضها أن يكون لديه شغف كبير بتجربة المنتج حتى يستطيع الكتابة عنه بصورة كاملة، وأن يكون مطلع على السوق العالمي، لأن التكنولوجيا تتطور بشكل سريع جدًا، وأن يكون لديه حس صحفي في كيفية اختيار الموضوعات التي تتناسب مع المستهلك المصري والمنتجات المتاحة له في السوق المحلي.

وأضافت على سبيل المثال الدول الأوروبية والأمريكية متطورة فيما يتعلق بالاعتماد على وسائل الدفع الإلكترونية، وتقريبًا استخدام الكاش بدأ يتلاشى، في حين أن مصر ما زالت في مرحلة البداية في هذا المجال، لذلك فإن استعراض أحدث ماوصلت إليه التكنولوجيا في مجال الدفع الالكتروني عالميًا يعد ظلم للقاريء ويشعره بفجوة كبيرة، كذلك فيما يتعلق بالمنتجات القابلة للارتداء، ما زال المستهلك النهائي لا يشعر بأهميتها وتأثيرها على حياته اليومية وإنجاز أعماله، وهو الأمر الذي يحتاج إلى نوع معين من التوعية من صحافة متخصصة تقدم محتوى بشكل جذاب.

وأشار أحمد عصمت استشاري تكنولوجيا الإعلام والتحول الرقمي، أن الصحافة التكنولوجية تخاطب الأجيال الجديدة من الشباب والمراهقين وبالتالي  يجب أن تراعي التحول بشىء من الحداثة،  حيث أن هؤلاء الشباب والجيل القادم أصبح يعرف كل شيء عن الاتصالات والتكنولوجيا لأنه تربى وتعايش معها، لذلك تحتاج الصحافة لتقديم نوع من المحتوى أبعد وأقيم من التي يعرفها الآن، مع تقديم حلول مختلفة، فعلى سبيل المثال بدلاً من أن نتحدث عن صفقات تكنولوجيا الخامس، نحتاج إلى من يشرحها بشكل مفصل منذ بدايتها، الأمر ينطبق على كابلات الفايبر أو الالياف الضوئية وأهميتها ومقارنتها مع النحاسية وغير ذلك من القضايا الرئيسية.

إعداد دورات تدريبية باستمرار لتنمية وتطوير مهارات الصحفيين المتخصصين في التكنولوجيا يشارك فيها كوادر صحفية ومتخصصون في السوشيال والانفو، أصبحت ضرورة وفقا لمي أباظة لزيادة عدد الصحفيين المحترفين، لنجد صحفي في تخصصات محددة في الصناعة ، كصحفي متخصص في الذكاء الاصطناعي والروبوتات، أو في التكنولوجيا في قطاع السيارات أو القطاع الطبي أو التعليم ، بما يضمن تغطية جادة وعلمية للأحداث والتطوارت التي يشهدها الحراك التكنولوجي الذى يحدث في كل نقطة بالعالم ، بما يشكل وعي مجتمعي صحيح حول أبز المستجدات.

العلاقة بين الصحافة وشركات التكنولوجيا ومؤسسات العلاقات العامة تحتاج إلى تغيير في المفاهيم، لتحقيق التكامل بالشكل المطلوب وفقا أحمد عصمت، مؤكدا على ضرورة ألا تقتصر العلاقة على البيانات الصحفية والتصريحات المقتضبة، بل تحتاج إلى أن تكون شراكة يساعد فيها كل طرف للآخر، وأن تكتب الصحف بشكل مستقل حتى تتعلم الشركات من أخطائها، على سبيل المثال في مصر نحتاج إلى تحقيقات معمقة وموسعة حول لماذا شبكات المحمول في مصر سيئة؟ نحتاج إلى معرفة العلاقة بين الشركات المتنافسة في القطاع وعلاقتهم مع الحكومة، حتى نفهم طبيعة العلاقة، نحتاج إلى فهم أسباب انقطاع الإنترنت المتكررة ونحن في أمسّ الحاجة للتحول الرقمي، لذلك دور السياسات الإعلامية يجب أن تتغير من الشركات وتكون مبنية على خدمة المجتمع وتمكينه من المعرفة والقوة والأدوات المساعدة لمعيشة حياة كريمة لأن التكنولوجيا والاتصالات لم تعد رفاهية كما أن المجتمع يسدد ثمنها، والصحفي هو الضابط لهذه العلاقة بما يحقق المصلحة للناس وللشركات.

وقالت مروة صلاح، أن معايير الشفافية لدى الشركات تختلف من شركة إلى أخرى سواء كانت عالمية أو محلية، ولكن الشفافية واتاحة البيانات أصبحت أكثر من ذي قبل بسبب تنوع وسائل الاعلام، والبيانات الصحفية بدت في الفترة الأخيرة تزيد بسبب تطور التكنوولوجيا وخاصة فيما يتعلق بالبيانات المتعلقة بأجهزة المستهلك، وأغلب الشركات تسعى للتواصل مع الصحافة بشكل أكبر وأسرع، ليس بالضرورة للنشر ولكن لإطلاعهم على كل ما هو جديد في العالم.

بينما تري مي أباظة  أن الشركات والوكالات الوسيطة يحتاجون إلى تطوير الذي يقدموه للصحافة، ويجب أن يكون هناك حوار مستمر بين الشركات ورؤساء التحرير والصحفيين حول نوعية المحتوى الذي يهتم القاريء به، خاصة وأن كل المحتوى المقدم من الشركات يكون قابل للنشر بالصيغة الخبرية أو الخدمية، أما المحتوى الدعائي فهو يخاطب الصناعة والقطاع.

ولفتت إلى أن كل شركة لها سياسة إعلامية ومتحدثون رسميون، وتوقيت محدد لخروج المعلومات ونوعها، وهذا يحدده حجم الشركة وأسهمها في البورصة ومقرها أوروبا أم أمريكا أم الصين وحجم أعمالها في مصر، وبالتالي يتحدد القرارات من الداخل أو الخارج، وهذه معايير تحدد العلاقة بين الصحافة والشركة وبالتالي حجم التعامل بشفافية، ولكن الصحيح أن التصريحات يجب أن تخرج من مسؤوليين يتمتعون بالدقة وشمول المعرفة ويكونو ملتزمين بسياسات التواصل الخاصة بالشركة، لذلك بعض الردود تحتاج إلى توقيت محدد.

حول ظهور مايعرف بالمدونين في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وهل هم في تكامل أم منافسة مع الصحفيين المتخصصين، أكدت مروة صلاح على عدم وجود منافسة، حيث أن شرائح الجمهور المستهدفة بين الطرفين مختلفة، وإن كان بعضهم مشتركين، فالصحفيين لديهم قدرات ومهارات متنوعة ومختلفة خاصة مع تطور الصحافة باستخدام الفيديو والصور، أما المدونين فتخصصاتهم محدودة في المراجعات ويخاطبون مستهلكين محددين بشكل مباشر وغير ملتزمين بقواعد مؤسسية مثل الصحافة، واختلاف المستهلكين يجعل لكل محتوى منهم جمهور، وفي النهاية كلاهما هام ومطلوب.

وهو ما أكد عليه أحمد عصمت المدير التنفيذي لمنتدي الإسكندرية للإعلام، واستشاري تكنولوجيا الإعلام والتحول الرقمي، بأن العلاقة بين الصحفيين والمدونين تكاملية ولكل منهم ملعب مختلف، ولكن المنافسة حاليًا بين الصحافة وما يطلق عليهم الانفلونسرز، الذين لا يقدمون المعلومة بشكلها الكامل، وهنا يعود الدور للصحافة لتوضيح الحقيقة كاملة.

وفصلت مي أباظة الشريك المؤسس لشركة بابليسست إنك للعلاقات العامة، درجة التكامل بين الطرفين، حيث أشارت إلى أن الصحافة التكنولوجية التي تخاطب المستهلك النهائي ليست متطورة بالشكل الكامل، وبالتالي المدونون يخاطبون هذه الشريحة من المستهلكين بشكل مباشر، بينما الصحافة المتخصصة تخاطب القطاع من الناحية الاقتصادية وتخاطب الوكلاء والموزعين والشركات والجهات الحكومية، لذلك تظل حتى الآن العلاقة بينهما متوازنة إلى أن يستطيع كل طرف منهم القيام بما يقوم به الطرف الآخر.

مي أباظة

وأكدت على أن المستقبل للصحافة المتخصصة بسبب تطور التكنولوجيا السريع، خاصة وأن هناك العديد من المصطلحات يحتاج الناس إلى معرفتها وشرحها، مثل انترنت الاشياء والحوسبة السحابية والقيادة الذاتية للسيارات فجميعها مفاهيم جديدة وتكون وسيلة تبسيطها للمستهلك هي الصحافة المتخصصة، بالاضافة إلى أن التكنولوجيا القادمة تحتاج لتمارين وممارسة لتبسيط المفاهيم للناس شرح كيفية تأثيرها على القطاعات الأخرى.

وتعد مسألة التمويل أحد المشكلات الرئيسية التي تتعرض لها الصحافة المتخصصة في التوقيت الحالي ، وهو ما يتطلب وفقا للعديد من خبراء الإعلانات إلى المزيد من التطوير على مستوى التنوع في المحتوى المنشور وأيضا ابتكار منصات رقمية جديدة تعتمد على إبراز تفاصيل الخدمات التكنولوجية المختلفة وهو ما يشكل وعيا لدى شركات التكنولوجيا في أهمية هذه المنصات، وبالتالى توجيه جزء من الميزانية السنوية لهذه المنصات الهامة.

وأكدوا على أن مسألة الاختيار أصبحت انتقائية بشكل كبير خاصة مع ذيادة أعداد المنصات الإعلامية والصفحات المتخصصة بالقطاع ، في مقابل تخفيض الحملات الإعلانية الموجهه للصحافة بشكل عام، بما يتطلب اتباع سياسات اعلامية أكثر تطورا تفرض نفسها بالمقارنة بالمنافسين ، وهو مانراه في العديد من وسائل الاعلام العالمية التي ابتكرت منتجات صحفية جديدة لذيادة إيراداتها كالنشرات التكنولوجية ، والتطبيقات الخبرية، وتقديم محتوى مرئي وإحصائي متطور ومؤثر.

وأشاروا إلى أن المحتوى المناسب سيجذب أي شركة للإعلان في أي وسيلة نشر سواء ورقية أو رقمية، خاصة وأن القاريء يذهب للمحتوى المتميز، ومازال هناك شريحة من الجمهور وأصحاب وقيادات شركات لديهم اهتمام بالتواجد في الصحف الورقية كمعلنين.

وأكدوا على أن جائحة كورونا فرضت تغيرات كبيرة على مستوى الوعي المجتمعي بأهمية تكنولوجيا المعلومات والقراءة عنها، ليس فقط في الأجيال الجديدة وإنما الأجيال الأكبر عمرا ، خاصة مع خطة التحول الرقمي والشمول المالي التي تتبناها التحول الرقمي، بما يشكل فرصة للصحافة المتخصصة في التكنولوجيا في إعادة إكتشاف نفسها، للتتوافق مع سياسات الحكومة والشركات الرامية إلى زيادة الوعي لدى المستخدمين بما يشكل مصلحة مشتركة يمكن البناء عليها للمستقبل في السياسات الإعلامية والإعلانية.