Follow ICT
شعار الموقع الاساسى
جايزة 160
جايزة 160

الشركات الناشئة في أرض العرب.. قوة واعدة تحتاج إلى حصانة «الاستدامة»

أعد الملف: تامر إمام وأحمد البرماوي

نجحت الشركات الناشئة في المنطقة العربية خلال السنوات القليلة الماضية في تقديم نفسها بقوة للمستثمرين العالميين والإقليميين، بتحقيقها أرقامًا ومؤشراتٍ إيجابية على جميع المستويات، وتمتُّعها بالعناصر البشرية المؤهَّلة بالتعليم والمعرفة الوافية، إلى جانب إقناعها الأسواقَ -وأيضًا الحكومات- بقدراتها على تعزيز النمو الاقتصادي، ودفع معدلات التشغيل لمستويات قياسية، وذلك في ظل واقعية تسارُع التطور التكنولوجي الذي أصبحت من خلاله الشركاتُ الناشئة من أهم عناصر إنشاء وتطوير المنتجات والخدمات الجديدة التي تحتاجها الأسواق باستمرار، وحل مشاكل الناس في حياتهم اليومية، كما صارت بشكل ملموس طريقَ العديد من الدول للصعود إلى القمة.

وأكد هذا الصعود للشركات الناشئة، بمدلولات الأرقام المتحققة فعليًّا، أنه ليس حالة عابرة أو تجربة اقتصادية خالية من الحياة والديناميكية، بل مثَّل، بلا مبالغة، جيلًا صاعدًا من الرُّوَّاد العرب الباحثين عن التفوق بدوافع وطنية يقودها الطموح والثقة بالنفس، وأيضًا البصيرة التي ترى أن المستقبل يتشكَّل من نسيج الشركات الناشئة والأفكار المبتكرة، وذلك في مواجهة حالة سلبية، يُغَذِّيهَا الكثير حول العالم، مُؤَدَّاهَا أن منطقتنا أرض للصراعات والنزاعات وعدم الاستقرار.

فالشركات الناشئة في المنطقة العربية حظيت بعام استثنائي في عام 2022، لتُكمل سلسال نجاحها الهرمي الذي بدأته بقوة مطلع العِقْدِ الماضي، وذلك رغم اضطراب الاقتصاد العالمي بشكل موسَّع، وتحفُّظ المستثمرين في هذا التوقيت؛ حيث شهد العام أداءً قويًّا للمنظومة بشكل عام، سواء من حيث جولات التمويل أو التوسعات في الخدمات والمجالات الاستثمارية، أو حتى التَّدَافُع المرتبط بالصناعة على مستوى الإعلام والحكومات، وأيضًا توقُّف كثير من الشباب أمام وظيفة “رائد أعمال” بالكثير من الانبهار، وتمنِّي الحصول على اللقب في وقتٍ ما.

وَفْقًا لمجلة فوربس العالمية، فإن 50 شركة ناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا جمعت تمويلات بقيمة 3.2 مليار دولار في عام 2022، بزيادة 6.7% عن عام 2021، وقد تصدَّرَت الإمارات العربية المتحدة قائمة الشركات التي حصلت على تمويل، مع 18 شركة ناشئة مَثَّلَتْ 30.1% من إجمالي التمويل، بينما حلَّت المملكة العربية السعودية في المرتبة الثانية، حيث تمثِّل 29.6% موزَّعة على 12 شركة، ثم مصر التي ضمَّت 11 شركة بتمويلات قدرها 508.5 مليون دولار.

أشارت هذه الأرقام إلى وجود الكثير من الثقة والتفاؤل بمستقبل الشركات الناشئة داخل المنطقة في ظل تسارُع معدلات التمويل، وخروج شركات جديدة للنور، ولكننا في اللحظة الحالية أمام واقع جديد أنتجتْه الأزمةُ الاقتصادية الحالية وتداعياتُها الخطرة التي خرجت للسطح دون سابق إنذار، وهددت سائر المجالات الاقتصادية عالميًّا، وفي القلب منها الشركات الناشئة، التي تعرضت -بنفس مستوى قوَّتها- لعاصفة قوية حَرَّكَتْ سفنَها إلى مساحات جديدة خلال الفترة القليلة الماضية، حيث حدث انخفاض في كل المراحل، سواء الجولات الأولية أو ما بعدها، وهو ما كان متوقَّعًا بعد تراجع تقييمات الشركات الناشئة وتباطُؤ الاقتصادات وارتفاع أسعار الفائدة.

فقد تراجع تمويل الشركات الناشئة في الربع الأول عالميًّا بأكثر من النصف على أساس سنوي إلى 76 مليار دولار 53%، وتسبَّب انهيارُ بنك “سيليكون فالي”، في شهر مارس الماضي، في مزيد من الضغوط على بيئة التمويل المغامر؛ حيث كان لدى البنك أكثر من 20 ألف شركة ناشئة، ليس فقط في الولايات المتحدة الأمريكية، بل كان هناك العديد من الشركات الناشئة في منطقة الشرق الأوسط التي وضعت أموالها في البنك.

وبحسب أحدث تقرير لمنصة الموجز الرقمي المتخصصة في التصنيف، فقد شهدت الشركات الناشئة في منطقة الشرق الأوسط تراجعًا أيضًا في استثمارات صناديق رأس المال المغامر؛ حيث وصلت تلك الاستثمارات إلى 824 مليون دولار في الربع الأول من العام الجاري، بنسبة تراجُع بلغت 20%، خاصةً في مراحل التمويل الأولية، مقارنةً بالفترة المُقَابِلَةِ من عام 2022، وتراجَع عدد الصفقات من 256 صفقة في الربع الأول من 2022 إلى 119 صفقة في الربع الحالي.

وأشار التقرير إلى أنه رغم تلك التراجعات، فإن الاستثمارات في الشركات الناشئة قد أعطت مؤشرًا إيجابيًّا؛ حيث نَمَتْ بأكثر من 80% في المنطقة خلال الربع الأول من العام الجاري مقارنة بالربع الأول من 2021، وحصدت السعودية 42% من الاستثمارات في الربع الأول من 2023، تليها مصر بـ 34%، ثم الإمارات بنحو 20%.

 

وكشفت هذه الأرقام عن ضرورة إجراء مراجعات عاجلة بشأن منظومة الشركات الناشئة في المنطقة العربية بجميع مراحلها؛ لتعزيز مناعتها ضد المخاطر المحيطة والمحتملة التي فرضتْها الاضطرابات العالمية الأخيرة ، وذلك بدءًا من الجامعات، وكيفية توفير البيئة المثالية لتكوين أجيال من رُوَّاد الأعمال في مراحل حياتهم المبكرة، وصولًا إلى إنشاء شركات ذات مقوِّمات وإمكانيات تساهم في دفع النمو الاقتصادي، وتتحصَّن ذاتيًّا لتَكون أكثر قوةً في مواجهة التداعيات الاقتصادية وتغيرات الأسواق وأنماط الاستهلاك، حيث لا يوجد شيء مضمون في عالم ريادة الأعمال.

كما أظهرت الأرقام ضرورة إعادة النظر في الإيجابيات والسلبيات التي أفرزتْها تجربة ريادة الأعمال في المنطقة، وإجراء المزيد من الدراسات حول ما يمكن فعله بشكل أفضل في جوانب عديدة، تشمل الحَوْكَمَة والمساءلة، والتسهيلات والحوافز، والتكامل بين الدول العربية، وإتاحة البرامج الفنية والتمويلية لعدد أكبر من الحالمين بريادة الأعمال كمستقبل وفرصة تحتاج لجهد كبير، وليس كصورة باسمة وثراء سريع.

استطلاع: 6 محاور رئيسة تَحْكُمُ مستقبل الشركات الناشئة حتى 2023

استطلعْنا بشكل خاص آراء 20 رائدَ أعمالٍ وقياديًّا لشركات ناشئة في عدد من الدول العربية، شملت بشكل محدد (مصر، والإمارات، والسعودية، والمغرب، والأردن)؛ للاطلاع على أهم العوامل والاتجاهات التي سيكون لها تأثير واضح على مستقبل منظومة الشركات الناشئة وريادة الأعمال في المنطقة العربية وفقًا للأوضاع الاقتصادية الحالية، وحدَّدْنا المدة الزمنية لهذا المستقبل حتى 2030؛ لاعتبارات تتعلَّق باتصال هذا التاريخ بالكثير من الرؤى والاستراتيجيات المستقبلية للعديد من الدول العربية.

ومثَّلَت هذه العينة، التي تم استطلاع آراء أفرادها، تخصصاتٍ متنوعة، شملت (التكنولوجيا المالية، التجارة الإلكترونية، الذكاء الاصطناعي)؛ لاعتبارات تتعلق بقيادتها لنمو الشركات الناشئة في المنطقة، وتزايُد معدلات التمويل الخاص بها.

وفي قراءة دقيقة لهذه الآراء، توقَّفْنا عند عدد من الاتجاهات التي مثِّلت أبرز المسارات التي ستحكم مستقبل الشركات الناشئة في المنطقة، وسيكون لها تأثير واضح على طبيعة المستوى الذي ستصل إليه الشركات، خاصة مع التطورات الاقتصادية المتلاحقة، والتغيرات السريعة على مستوى الأعمال وحركة رؤوس الأموال، وهي كالتالي:

– التكامل بين أسواق المنطقة

صنعت كل دولة عربية تجربتها الخاصة في الشركات الناشئة، ونَظَّمَتْ ما يُطلق عليه النظام البيئي “الإيكوسيستم” الخاص بها بشكل منفرد؛ لتعزيز قدرات القطاع، لكن هناك فجوات عديدة تتعلق بالنظام البيئي المتكامل بين الدول العربية، وهو ما  يحتاج إلى قراءة جديدة تتناسب مع طبيعة المرحلة، على أن يتضمَّن هذا النظام الوضع الراهن في مجال الشركات الناشئة بالمنطقة، والتحديات والصعوبات التي تُواجِه القائمين على بناء الأنظمة البيئية لريادة الأعمال، كالتمويل واللوائح التنظيمية، وأفضل السبل لاجتذاب الشركات والمستثمرين، والقطاعات الأكثر ازدهارًا، وفرص التكنولوجيا بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

ويتطلب هذا المحور المزيد من المناقشات والتفاعل بين الجهات الحكومية في الدول العربية، خاصة الإمارات ومصر والسعودية، حيث تشير المؤشرات إلى قيادتهم لنموِّ القطاع في المنطقة، ويحمل كل منهم العديدَ من المميزات التي تشكِّل هيكلًا متكاملًا لبناء نظام بيئي متكامل أكثر استدامة وتفاعلًا للشركات الناشئة.

الشركات الناشئة المصرية
الشركات الناشئة

– بناء نماذج أعمال مستدامة

كشفت الأزمة الاقتصادية الحالية عن ضرورة تشجيع الشركات الناشئة في المنطقة على التركيز على بناء نماذج أعمال مستدامة ومنتج قوي، بدلًا من السعي وراء الاستثمار في رأس مال المخاطر فقط؛ حيث أظهرت التداعيات الأخيرة كيف فشلت الشركات الناشئة ذات الإمكانات الضئيلة في النمو؛ لأنها اعتمدت بشكل متهوِّر على تمويل الاستثمار.

وهذا لا يعني أن الاستثمار في الشركات الناشئة غير ضروري أو غير مهم، بل يعني الكشف عن الحاجة إلى التوازن وإعادة تشكيل العقلية؛ حيث يكون المنتج والسوق هو محورَ التركيز، بالإضافة إلى التركيز على المجالات التي تلبِّي الاستدامة، وتلتزم بمسارات بيئية قوية، خاصةً مع الاهتمام الكبير للدول العربية بهذا الشأن؛ حيث استضافت مصر قمة المناخ “COP27″، وتستعد الإمارات لاستقبال “28COP”، وسيصبح رأس المال الجريء أكثر اهتمامًا بالاستثمار في الشركات الناشئة المستدامة لتلبية هذا الطلب، وربما الاستفادة من الأسواق والفرص الجديدة.

– تنوُّع التمويل

هَيْمَنَتْ على الشركات الناشئة في المنطقة -لفترة طويلة- التمويلاتُ الراغبة في جَنْي عوائد ضخمة في فترة قصيرة، مما أثَّر بالسلب على أعمال الشركات وبناء هَرَمِهَا التشغيلي والفني، وأصبح التنافس على هذه النوعية من التمويلات كسباق نجاح، وذلك على الرغم من أن هذا التمويل يمكن أن يأتي من مجموعة متنوعة من المصادر، ويمكن استخدامه لأي غرض يساعد على بدء التشغيل من الفكرة إلى الأعمال الفعلية، غير أن تسليط الضوء، حتى بالنسبة للشركات الناشئة، يكون أكثر على المستثمرين الرأسماليين والمُلاك، وقد أثَّر هذا على العديد من الشركات الناشئة لبناء نماذج أعمالهم.

والجانب السلبي لهذا النوع من نماذج الأعمال هو أن العديد من رُوَّاد التكنولوجيا ومؤسسي الشركات الناشئة يصرفون النَّظَرَ عن التركيز على المنتج ومدى انتشاره في الأسواق؛ لأنهم ببساطة إما يبرِّرون الاستثمار في شركاتهم بأفكار خاطئة، وإما يُعيدون تعريف عملياتهم لتناسب توقعات المستثمرين، وإما يجتذبون استثمارًا جديدًا، وعندما يحدث أي تغيرات على مستوى السوق يعاني المنتج وتدخل الشركة في مشكلات هيكلية.

– تعزيز بيئة التعليم

هناك قصور واضح في برامج حاضنات الأعمال في المدارس والجامعات التي تعزِّز بيئة ريادة الأعمال في العديد من الدول العربية، مما يجعل تأثيرها الفعلي غيرَ ملموس على مستوى السوق وتغيراته المستمرة، مما يحتاج إلى التوسُّع في برامج ريادة الأعمال، وأيضًا التعريف بها، والتكامل فيما بينها، وعدم العمل في جزر منعزلة؛ وذلك لتبادُل المعرفة والتجارب التعليمية المختلفة التي تناسب كل سوق وما يمتلكه من عناصر بشرية، خاصة مع التنوع الكبير الذي تحظى به الدول العربية من حيث اختلاف الثقافات والبيئة الحياتية والتحديات أيضًا، مما يشكِّل ثراءً معرفيًّا تجب مشاركته.

كما يجب أن تشمل هذه البرامج تنوُّعًا في الطرح المقدَّم للطلاب؛ لاستيعاب طبيعة المرحلة الحالية، سواء في برامج التدريب على بدء أعمال الشركات الناشئة وطبيعتها، وطرق التسويق، والحصول على التمويلات، وتبنِّي ثقافة الابتكار؛ حيث يتطلب تعزيز بيئة ريادة الأعمال تبني ثقافة الابتكار في المجتمع بشكل عام، وتشجيع الروح الريادية والتفكير الإبداعي في المدارس والجامعات والمؤسسات التعليمية.

شركات التكنولوجيا الناشئة

– قوة الابتكار

لبناء شركات ناشئة ناجحة في المنطقة، يجب على رُوَّاد الأعمال التركيز على تطوير أسواق جديدة تخدم الأشخاص الذين لا توجد لهم منتجات، أو لا يملكون القدرة على الوصول للمنتجات الحالية؛ حيث إن حساسية الأسعار لا تزال مرتفعة مع تزايُد معدلات التضخم، وإيجاد هيكل التكلفة المناسب للوصول إلى المجتمع يتطلب أمورًا أكثر بكثير من مجرد الاستفادة من التكنولوجيا المناسبة أو امتلاك فكرة جيدة.

ومن أجل تطوير أسواق جديدة ومَنْح أصحاب الدخل المتوسط الوصولَ إلى منتجات جديدة، من المهم اتِّباع نهج شامل طويل الأجل لعملية الابتكار، بدلًا من محاولة “إصلاح” هذه الأسواق من خلال جلب نماذج أعمال ناجحة من دول أخرى، كما يجب تنفيذ عملية الابتكار من الداخل، مع مراعاة ديناميكيات الأعمال والكفاءة عبر الصناعات، وإيجاد نماذج تشغيلية يمكنها العمل بسلاسة عبْر بيئات متعددة القطاعات، وتَرْتَكِنُ إلى بحوثٍ مستفيضة تتعلَّق بالمستهلكين، ونهجٍ لبناء النظام الإيكولوجي.

– النظر في الأفق

الاستفادة من التجارب العالمية عنصر بارز لضمان استدامة منظومة ريادة الأعمال في المنطقة، خاصةً في الأسواق الثرية، كالولايات المتحدة الأمريكية، التي خضعت لجميع اختبارات النجاح والفشل في عمر الشركات الناشئة، ويوجد العديد من الأمثلة التي بدأت من الصفر حتى الوصول إلى شركات “أُحَادية القرن” تتجاوز قيمتها المليار دولار.

ولا نقصد هنا نسخ تلك التجارب كما هي، ولكن فهمها كحالات يشكِّل وَعْيًا وقدرة على تحليل وفهم واقع أسواقنا التي تبدو مختلفة تمامًا عن “سيليكون فالي”، لذا فإن كيفية تصميم الشركات وإطلاقها وتمويلها يجب أن تبدو مختلفة، وبشكل يتَّبع أسلوبًا علميًّا عالميًّا، فالاستراتيجية الشائعة التي نراها في الأسواق الناشئة بشكل متكرِّر هي محاولة تكرار نماذج الأعمال التي عملت سابقًا في البلدان المتقدمة دون نظرة فاحصة لها، وإعادة تركيبها لتناسب طبيعة أسواق المنطقة.

خبراء: الشركات الناشئة بالمنطقة تحتاج لتغيير الحمض النووي المنظِّم

قدَّم عدد من القيادات التنفيذية والخبراء في مجال ريادة الأعمال مجموعةً من التوصيات لتعزيز المرور الآمن للمستقبل من أجل الشركات الناشئة بالمنطقة العربية في ظل الأوضاع العالمية الحالية، وذلك من جوانب عديدة تشمل تغيير ما يُطلق عليه “الحمض النووي المنظِّم للشركات”، والذي يشمل الهُوِيَّة والاستراتيجية المنظِّمة لعمل الشركة، إلى جانب الحَوْكَمَة، والدعم الحكومي، والتسهيلات والحوافز المقدَّمة، وتشكيل القيادات التنفيذية القادرة على الإدارة، إلى جانب إتاحة البرامج الفنية والتمويلية الملائمة لتركيبة وفلسفة العرب في العمل والإنجاز.

عمر المنير
عمر المنير

عمر المنير، مؤسس ورئيس تنفيذي في شركة سيجما فتا، قال إن الأزمة العالمية الحالية فَرَضَتْ تغيراتٍ كبيرةً على أهداف الشركات الناشئة وعملها بشكل عام، فيما يتعلق بالنموِّ والرِّبْحِيَّة وترتيب الأوليات؛ وذلك لامتصاص تداعيات الأزمة، التي يُعَدُّ أبرزها تقلُّص رؤوس الأموال الجريئة، لافتًا إلى أن الأزمة كشفت عن الحاجة إلى التوازن على مستوى التوظيف، وأيضًا الإنفاق وإعادة تشكيل العقلية الإدارية، بحيث يكون المنتج والسوق هو محورَ التركيز لتحقيق عوائد تضمن استدامة أعمال الشركات.

الأولية للاستدامة

وأشار إلى أن الشركات الناشئة التي تعطي الأولوية للاستدامة والمنتج القوي في مسار نموِّها من المُرَجَّح أن تحقِّق نجاحًا طويل الأجل، وتوفِّر أيضًا غطاءً للتغلب على التحديات التي تأتي في المراحل المبكرة والمتوسطة من النمو.

ولَفَتَ عمر المنيري إلى أن الأزمة الحالية ستفرض تغيراتٍ أيضًا على المجالات التي ستركِّز عليها الشركات الناشئة في المنطقة؛ حيث ازْدَهَرَ في السنوات الأخيرة النظامُ البيئي الناشئ للتكنولوجيا المالية في المنطقة بوَتِيرَة ملحوظة، وشهدت المنطقة زيادةً كبيرة في عدد الشركات العاملة في هذا القطاع، وزيادةً ملحوظة في جولات التمويل، غير أن الذكاء الاصطناعي، وما سيترتب عليه من تغيرات على مستوى الاقتصاد بشكل عام، سيقود عملَ وأفكار الشركات الناشئة في المنطقة حتى عام 2030، وذلك في ظل قُدرة هذه التكنولوجيات على دعم عمل المؤسسات بالتخطيط الجيد والاستباقي وتوفير النفقات، وأيضًا تعزيز الموارد والتَّحَوُّط ضد المَخَاطِر.

وأكد أن أهم احتياج لقطاع الشركات الناشئة في المنطقة خلال المرحلة الحالية يتمثَّل في ضرورة دعم الحكومات لهذا القطاع بالكثير من الحوافز والسياسات الميسّرة التي تتفهم طبيعة عمل هذه الشركات، وأيضًا توفير فرص استثمارية في مشروعاتها بدلًا من الاستعانة بالشركات الأجنبية، خاصة إن كانت الشركات في المنطقة قادرةً على تقديم نفس المستوى والكفاءة، مشيرًا إلى ضرورة أن تتكامل الجهات الحكومية المَعْنِيَّة في المنطقة العربية، وأن تَخْرُجَ بمبادراتٍ فاعلة في هذا الشأن؛ لتسهيل دخول الشركات العربية في أسواقها، والاطلاع على خريطة الفرص الموجودة.

أسواق تَقُودُ المنطقة

ونوَّه عمر المنيري بأن الأسواق التي تقود المنطقة في قطاع الشركات الناشئة هي الإمارات ومصر والسعودية؛ حيث يمتلك كل سوق منهم مميزات تنافسية تخدم منظومة الشركات الناشئة بها؛ فالإمارات بدأت في مرحلة مبكرة من فَهْمِ طبيعة الشركات الناشئة، وأفسحت المجال والسياسات التي تدعم نمو هذا السوق للوجود على أرضها، سواء بابتكار شركات محلية، أو جذب رواد أعمال من الخارج وتوفير الظروف الملائمة لهم؛ لتعزيز أعمال شركاتهم والانطلاق للخارج، والنماذج عديدة في هذا المجال، فهي تُشبه كثيرًا السوق الأمريكي الذي يُعَدُّ مصدرَ إلهام في هذا المجال، أما السوق المصري فيمتلك الكفاءة اللازمة من حيث توافر الأفكار والعناصر البشرية، وأيضًا التكنولوجيا والأسعار الرخيصة، خاصةً بعد انخفاض العملة، بينما تتميز المملكة العربية السعودية بتوافر الخطط التمويلية والاستثمارية الكبيرة، والفرص المناسبة لنموِّ الشركات الناشئة.

باسل مفتاح
باسل مفتاح

من جانبه، قال باسل مفتاح، الشريك العام في صندوق إنكلود للتكنولوجيا المالية، إن الأزمة الاقتصادية الحالية التي يمرُّ بها العالم لها تأثير واضح بالتأكيد على قطاع الشركات الناشئة في العالم ككل، والمنطقة بشكل خاص؛ كونه قطاعًا ما زال يؤسس لبداياته، رغم النجاحات التي حقَّقها خلال الفترة الماضية، خاصة في أسواق الإمارات والسعودية ومصر، وتُعَدُّ هذه الأزمة هي الأكبر التي تمرُّ بها هذه الشركات خلال العشر سنوات الماضية، مما يجعلها تحتاج بالضرورة إلى أساليب جديدة في الإدارة وسياسات العمل لتتناسب مع مُعْطَيَات الأزمة التي تشهد انكماشًا واضحًا في التمويل المغامر العالمي والمحلي، إلى جانب السياسات النقدية المتشدِّدة التي تتَّبعها البنوك المركزية، والتي ستوجِّه رؤوس الأموال للأوعية الأكثر أمانًا.

وأضاف أن الأزمة ستساهم في تأسيس نماذج جديدة لسوق الشركات الناشئة على مستوى الشركات، وأيضًا الأفكار والقطاعات المستهدفة، بالإضافة إلى السياسات التي تتَّبعها الحكومة لتحفيز عمل الشركات الناشئة، مشيرًا إلى أن الشركات على سبيل المثال يجب أن تُوَازِن بين الإنفاق وتحقيق العوائد على المستويين القصير والمتوسط، وليس البعيد، في ظل ضبابية واضحة للاقتصاد العالمي بشكل كامل.

مصادر تمويل بديلة

وأشار باسل مفتاح، إلى أن الشركات أيضًا يجب أن تعمل على مصادر تمويل بديلة، خاصة أن جولات التمويل ستستغرق أوقاتًا أكبر تصل إلى عام، وأيضًا إعادة النظر فيما تقدمه من خدمات لابتكار منتجات جديدة أكثر رواجًا وتحقِّق إيرادات أعلى، خاصة أن الأزمة تفرض نفسها على السوق الاستهلاكي، وستخلق أنماطًا جديدة وفرصًا من ناحية، وستسبِّب صدمة لخدمات ومنتجات أخرى، مؤكدًا ضرورة وجود خطط مَرِنَة للشركات تشترك في وضعها القياداتُ التنفيذية، وأيضًا الموظفون في الإدارات العليا، لتكون أقرب للواقع وأكثر قدرةً على التنفيذ.

ولفت إلى ضرورة أن تفكِّر الشركات العربية أيضًا في اختراق الأسواق الخارجية خلال هذا التوقيت، خاصة التي تتمتع بمعدلات نمو وطلب مرتفعة؛ وذلك لضمان عوائد بالعملات الصعبة يمكن أن تُحْدِثَ تَوَازُنًا لها في سياستها المالية والتشغيلية، خاصة أن هذه الضغوط والمخاطر “مؤقتة” بشكل أو بآخر، وبالتالي يجب الاستعداد لتحركات رؤوس الأموال.

محمد عكاشة
محمد عكاشة

محمد عكاشة، مؤسس صندوق ديسربتيك، والعضو المنتدب السابق لشركة فورى للمدفوعات، أكد أن قطاع الشركات الناشئة في المنطقة العربية يحظى بالكثير من الحراك خلال الفترة الحالية، في ظل وجود مقوِّمات النجاح بوجود فئات كبيرة من الشباب (؜أقل من 40 سنة)، ووجود بِنْيَة تَحْتِيَّة متطورة، إلى جانب التركيز الكبير من جانب الحكومات على تقديم كامل الدعم لهذا القطاع الحيوي، مشيرًا إلى أن التحديات الحالية جزء من الصناعة بشكل عام، ويجب التعامل معها من هذا المنظور، والاستعداد لما بعد هذه المرحلة.

شركات مليارية «يونيكورن»

وأكد عكاشة، أن الدول العربية حاليًّا تمتلك سيولة مالية لا تملكها معظم دول العالم، وبالتالي تجتذب كثيرًا من الشركات الناشئة من كل أنحاء العالم للعمل بها، والحصول على التمويل السخي، مما يتطلب استغلال هذه الفرصة عبْر التنسيق المتبادل بين حكومات الدول العربية، ووضع خريطة شاملة لتعزيز عمل هذا القطاع، سواء عبر دخول شركات جديدة أو تعزيز الشركات الموجودة بالفعل، والتي اقتربت من أن تكون شركات مليارية (يونيكورن).

وتوقَّع صندوق المستثمرين السعوديين المغامرين، وهو أكبر صندوق استثمار جريء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أن تشهد المنطقة ظهور نحو 45 شركة ناشئة مليارية (يونيكورن) خلال السنوات المقبلة حتى عام 2030، مشيرًا إلى أن المنطقة ستشهد ظهور عشرات الشركات المليارية، بإجمالي قيمة متوقعة تصل إلى 100 مليار دولار، بناءً على تحليل منظومة ريادة الأعمال في المنطقة، كما توقَّع التقرير أيضًا أن تشهد المنطقة خلال العِقْد الحالي ظهورَ شركات “ديكا كورن”، تتجاوز قيمتها السوقية 10 مليارات دولار، خاصة في دول الخليج، التي تشهد تسارعًا كبيرًا في تأسيس الشركات التقنية الضخمة التي تمتدُّ أنشطتها لتشمل عدة أسواق في المنطقة والعالم.

علي الشلقاني
علي الشلقاني

التعلم من الأخطاء

علي الشلقاني، الرئيس التنفيذي لشركة كايرو إنجلز للاستثمار، أكد أن أهم المحاور التي يجب أن تعمل بها الشركات الناشئة بالمنطقة هو التعلُّم من التجارب العملية للأزمة على الشركات الناشئة التي تَعَرَّضَتْ لمشكلات هيكلية، كشركة كابيتر المصرية، وقبلها سويفل، والقائمة تطول، وذلك لتصحيح مسار الشركات الناشئة؛ حيث اندفعت الشركات لسنوات وراء الحصول على الأموال كمعيار حاكم ورئيسٍ للنمو والتوسع في الإنفاق، في ظل تمكُّنها من جذب قاعدة كبيرة من العملاء، وذلك على حساب القيمة الفعلية والعائد على رأس المال، وهو ما جعل الكثير منها غير قادر على الصمود أمام الأزمة الحالية التي تسببت فيها الحرب الروسية الأوكرانية، ودعوات التوتر العالمي، التي تسبَّبَتْ في انحسار حركة رأس المال المغامر بشكل كبير.

وأشار إلى أن السوق العالمي والمحلي المتعلق بالشركات الناشئة في مرحلة ترقُّب في الوقت الحالي؛ لإحداث تعديل في فلسفة إدارة الشركات، لنجد سياسات تسريح الموظفين وتعديل شروط العمل مع عملاء الشركات وخفض التكاليف معايير رئيسة لضمان التدفقات النقدية، وتحقيق الربحية على المدى القصير والمتوسط، وهي معادلة صعبة بالتأكيد، وستحتاج لجهود من هذه الشركات وإداراتها التنفيذية.

ولَفَتَ إلى أن الشركات في المنطقة العربية يجب أن تتبنَّى سياسات مرنة لتعديل نموذج عمل الشركة، وخطتها وطريقة تشغيلها، والتكيُّف مع الظروف الحالية؛ اتساقًا مع رؤية وأهداف الشركة الاستراتيجية، بخلاف الشركات الكبيرة التي يتعذَّر تعديلُ طريقة عملها أو خطوط إنتاجها التي صُمِّمَتْ لمنتج محدد، منوهًا بأن الشركات التي تعمل في مجال توصيل الطعام والسلع الاستهلاكية ستكون أكثر عُرْضَةً للمخاطر خلال الفترة المقبلة.

وأكد علي الشلقاني أن قطاع ريادة الأعمال في المنطقة يمرُّ حاليًّا بمرحلة يُطْلَقُ عليها “الغربلة”، وهو أمر طبيعي في جميع الأسواق الناشئة بالعالم، وأنه من المعتاد فشل الشركات وتصفية أوضاعها وخروجها من السوق في مرحلةٍ ما، مشيرًا إلى أن الشركات الناشئة تغيَّرت أجندتها لتتلاءم مع الأوضاع الجديدة التي فرضتها كورونا والأزمة الروسية الأوكرانية، بحيث أصبح تحقيق الأرباح العاجلة هدفًا عاجلًا وليس مؤجلًا في ظل تغيُّر فلسفة المستثمرين في هذه الشركات، والذين كانوا يبحثون في وقت سابق عن تعظيم العلامة التجارية وتعزيز العوائد وتحقيق مستهدفات الأرباح على المدى المتوسط والبعيد في مقابل تضخُّم الشركة من حيث عدد العملاء والانتشار.

الذكاء الاصطناعي يجيب عن الأسئلة الأهم

وفي محاولة للتعرف على مستقبل الشركات الناشئة بالمنطقة العربية، وأهم الأسواق والمجالات التي ترتكز عليها، وقراءة الفرص والتحديات من وجهة نظر محايدة، غَلَبَنَا الفضول للتعرف على رأي الذكاء الاصطناعي في هذه المسألة، ووجَّهْنا 4 أسئلة لتطبيق Chat GPT، تحمل إجاباتها أهم الدلالات لمستقبل قطاع الشركات الناشئة بالمنطقة العربية.

وحملت الأسئلة الكثير من الأفكار والتوصيات؛ حيث شملت أبرز الأسواق التي تشهد نموًّا في قطاع الشركات الناشئة، وتوصيف الأوضاع الحالية لبيئة ريادة الأعمال، وأهم المجالات التي سيرتكز عليها عمل الشركات خلال السنوات المقبلة، بالإضافة إلى الاطلاع على أهم التحديات التي فرضتها الأزمة العالمية الحالية.

أهم الأسواق؟

تُعَدُّ مصر والسعودية والإمارات من أهم الأسواق العربية في هذا القطاع الحيوي؛ حيث تسعى تلك الدول إلى دعم الشركات الناشئة واحتضانها كجزء من استراتيجياتها الاقتصادية لتعزيز التنمية وتنويع مصادر الدخل، وتحظى المنافسة بين هذه الدول بمزايا وتحديات مختلفة؛ حيث تسعى إلى تعزيز مكانتها كمراكز عالمية لريادة الأعمال وجذب المستثمرين والمواهب العالمية.

وتسعى الدول الثلاثة إلى تحسين البيئة التشريعية والتنظيمية وتوفير البنية التحتية والتمويل والدعم اللازمين للشركات الناشئة؛ حيث تمتلك كل دولة نقاط قوة وخبرات فريدة، وتعمل على استغلالها لجذب المستثمرين وتعزيز التنافسية في المنطقة وعلى المستوى العالمي.

تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي

فالإمارات تُعتبر واحدة من أفضل الوجهات في العالم لريادة الأعمال؛ حيث توفِّر بيئة عمل ملائمة، وسهولة في إنشاء وتشغيل الشركات الناشئة، كما تتمتع ببِنْيَةٍ تحتية حديثة ومرافق لوجستية متطورة، مما يسهِّل عمليات الشحن والتصدير، ويعزِّز إمكانية الوصول إلى الأسواق العالمية، كما تُولي الإمارات اهتمامًا كبيرًا لتطوير الابتكار والتكنولوجيا، وتستثمر في قطاعات مثل التكنولوجيا المالية، والذكاء الاصطناعي، وتكنولوجيا النانو، مما يوفِّر فرصًا للشركات الناشئة في هذه المجالات، وتقدِّم دبي وأبو ظبي رؤيةً استراتيجية لتطوير قطاع ريادة الأعمال والابتكار؛ حيث تأسست “مؤسسة دبي للمستقبل” و”مبادرة دبي للابتكار” لتعزيز الابتكار ودعم الشركات الناشئة، كما تتوفَّر في الإمارات مناطق حرة ومناطق تكنولوجية؛ مثل: “دبي للإعلام” و”منطقة معرض دبي للابتكار” لاستضافة الشركات الناشئة وتوفير بيئة ملائمة لنموِّها.

كما أن مصر من أكبر الأسواق في المنطقة؛ حيث تتمتع بإمكانية الوصول إلى سوق ضخم ومتنوع يضمُّ أكثر من 100 مليون نسمة، مما يوفِّر فرصًا كبيرة للشركات الناشئة للنمو والتوسع، وتتمتَّع بقاعدة عريضة من الشركات الناشئة والمبتكرة، فالحكومة المصرية أطلقت مبادرات مثل “رؤية مصر 2030″ و”استراتيجية الشباب وريادة الأعمال” لتعزيز بيئة ريادة الأعمال ودعم الشركات الناشئة، وتقدِّم مصر العديد من البرامج والمبادرات للتمويل المبتكر وتدريب رواد الأعمال وتوفير البِنْيَة التحتية اللازمة.

بينما تسعى السعودية إلى تحقيق رؤية 2030 التي تهدف إلى تحويل الاقتصاد السعودي، والاعتماد أكثر على الابتكار وريادة الأعمال وتشجيع الشركات الناشئة عبْر تقديم الدعم والتسهيلات اللازمة؛ حيث تمَّ إنشاء “الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة” (منشآت) لدعم الشركات الناشئة وتمويلها وتوفير الخدمات اللازمة، كما تمَّ إطلاق مبادرات مثل “مبادرة مستقبل الاستثمار” و”مبادرة ستارتب السعودية” لتشجيع ريادة الأعمال واستقطاب المستثمرين.

وَضْع الشركات بالمنطقة؟

قطاع الشركات الناشئة في المنطقة العربية يشهد تطورًا ملحوظًا في الفترة الحالية من حيث حجم النمو والتأثير، وفي السنوات الماضية شهد القطاع حراكًا قويًّا وزيادة في عدد الشركات الناشئة وحجم الاستثمارات الموجهة إليها. وفيما يلي بعض الملاحظات حول وضع القطاع في المنطقة العربية:

– زيادة عدد الشركات الناشئة: حيث شهدت المنطقة العربية زيادة كبيرة في عدد الشركات الناشئة في مجملها، وظهرت مجموعة متنوعة من الشركات الناشئة في مجالات مثل التكنولوجيا والتجارة الإلكترونية والصحة والتعليم والطاقة المتجددة وغيرها.

– زيادة حجم الاستثمارات: فالمنطقة العربية شهدت زيادة كبيرة في حجم الاستثمارات الموجَّهة إلى الشركات الناشئة، وتزايدت قيمة الصفقات التمويلية، وجذبت المزيد من الاستثمارات الوطنية والأجنبية، مما يعكس زيادة الثقة في القطاع، والاعتراف بإمكانياته الكبيرة.

-التأثير الاقتصادي والاجتماعي: أصبحت الشركات الناشئة في المنطقة العربية مصدرًا مهمًّا للابتكار والتشغيل وخلق فرص العمل، كما تساهم هذه الشركات في توفير حلول مبتكرة للتحديات الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة، بما في ذلك توفير الوظائف للشباب وتعزيز التنمية المستدامة.

– دعم حكومي متزايد: تتَّجه الحكومات في المنطقة العربية نحو دعم ريادة الأعمال والشركات الناشئة من خلال إنشاء برامج ومبادرات مبتكرة، وتقدِّم الحكومات التسهيلات المالية والقانونية والتقنية والتدريبية للشركات الناشئة؛ لتعزيز نموها وتطويرها.

وعلى الرغم من هذا التطور، فلا تزال هناك تحديات تُوَاجِه الشركات الناشئة في المنطقة العربية، مثل نقص التمويل والبنية التحتية الضعيفة والتحديات القانونية والتنظيمية، ومع ذلك، يُتوقع أن يستمر النمو والتأثير الإيجابي للشركات الناشئة في المنطقة العربية في السنوات القادمة.

الشركات الناشئة في مصر
الشركات الناشئة

المجالات الواعدة؟

في المنطقة العربية، هناك عدة مجالات تمثِّل مُرْتَكَزًا رئيسًا لصعود الشركات الناشئة خلال الفترة المقبلة، بالإضافة إلى التكنولوجيا المالية التي شهدت نموًّا كبيرًا في السنوات الأخيرة، فإن هناك أيضًا تركيزًا متزايدًا على التكنولوجيا والابتكار؛ حيث تُعتبر مجالًا مهمًّا لصعود الشركات الناشئة في المنطقة، ويشمل ذلك مجالات مثل: الذكاء الاصطناعي، وتحليلات البيانات، والتقنية النانوية، والتكنولوجيا البيوميديكال، وإنترنت الأشياء، وغيرها، وهذه المجالات توفِّر فرصًا كبيرة للابتكار وتطوير حلول جديدة للتحديات الاقتصادية والاجتماعية.

كما تشمل المجالات أيضًا الطاقة المتجددة والاستدامة، خاصة مع تزايُد الاهتمام بالاستدامة البيئية، والتجارة الإلكترونية التي تُتِيحُ فرصًا كبيرة للشركات الناشئة لتطوير منصات، وتحسين تجربة التسوق عبر الإنترنت، وتطوير حلول الدفع الرقمية، بالإضافة إلى الرعاية الصحية؛ حيث تُتيح الفرص للشركات الناشئة لتطوير حلول صحية مبتكرة مثل التكنولوجيا الطبية، والرعاية الصحية عن بُعد، والتطبيقات الصحية الذكية، إلى جانب قطاع السياحة والضيافة الذي يشهد نموًّا مستدامًا في المنطقة، كما تُتَاحُ فرص للشركات الناشئة لتطوير منصات حجز الفنادق وتجارب السفر المبتكرة، وتوفير خدمات رقمية متقدمة للسياح.

أبرز التحديات؟

الأزمة العالمية الحالية فرضت العديد من التحديات والصعوبات على قطاع الشركات الناشئة في المنطقة العربية وفي جميع أنحاء العالم، ومن بين هذه التحديات:

– تراجع الطلب وتباطؤ النمو الاقتصادي: تأثَّر العديد من الشركات الناشئة بتراجع الطلب على منتجاتها وخدماتها؛ نتيجة لتراجع النشاط الاقتصادي في العديد من القطاعات، وهذا التراجع يمكن أن يؤثِّر سلبًا على عمليات النمو والتوسُّع للشركات الناشئة.

– صعوبات التمويل ونقص التمويل الاستثماري: قد يواجه رواد الأعمال صعوبة في الحصول على التمويل اللازم لتشغيل وتوسيع شركاتهم الناشئة، وقد تكون المؤسسات المالية أكثر تحفُّظًا في تقديم القروض والاستثمارات، مما يزيد من صعوبة الحصول على التمويل الضروري.

– تأثير التغيرات الاقتصادية والسياسية: قد تؤثِّر التحولات الاقتصادية والسياسية الناجمة عن الأزمة الحالية على بيئة ريادة الأعمال بشكل عام، وقد تحدث تغيرات في السياسات الحكومية، وتقلُّبات في أسعار العملات والأسواق، وتغيرات في السلوكيات والاحتياجات الاستهلاكية.

– عدم اليقين وعدم استقرار السوق: تَتَّسِمُ الأزمة العالمية الحالية بالعديد من التحولات والتغيرات السريعة والمفاجئة، وهذا يؤدي إلى عدم اليقين وعدم استقرار السوق، مما يجعل من الصعب التخطيط واتخاذ القرارات الاستراتيجية بثِقَة لدى رواد الأعمال.

ومع وجود صعوبات التمويل، يمكن أن تكون هناك تحديات إضافية تتعلق بقدرة الشركات الناشئة على تحقيق نموٍّ مستدام، وتوسيع نطاق أعمالها. ومع ذلك، فإن التحديات والصعوبات ليست حَجَرَ عَثرة غير قابل للتغلب عليه. وقد تستجيب الحكومات والمؤسسات المالية والمجتمع بشكل عام من خلال توفير برامج دعم وتمويل مخصصة للشركات الناشئة، وتيسير الإجراءات القانونية والتنظيمية، وتعزيز بيئة الابتكار والتجارب الجديدة.