Follow ICT
شعار الموقع الاساسى
جايزة 160
جايزة 160

« أزمة الرقائق الإلكترونية» تصيب صناعة التكنولوجيا بشلل مؤقت.. ومصر تراقب بحذر

لازالت أزمة الرقائق تضرب بقوة صناعة الإلكترونيات على مستوى العالم، حيث تواجه شركات التكنولوجيا الكبرى وشركات السيارات العالمية منذ أشهر صعوبات في التزود بأشباه الموصلات والتي تشمل الرقائق التي تتيح للأجهزة الإلكترونية بالتقاط البيانات ومعالجتها وتخزينها، وهو ما تسبب في إغلاق بعض المصانع من جهة أو تأجيل طرح منتجات عن مواعيدها المسبقة من جهة أخرى.

وتسببت هذه الأزمة في اضطراب كبير في سلاسل الشحن والتوريد على مستوى العالم، خاصة وأن الصناعات المتعلقة بهذه الرقائق أصبحت تمثل القوة الضاربة في حركة الصادرات، حيث تدخل هذه المكونات في صناعة العديد من الأجهزة التي يستخدمها الأفراد حول العالم يوميا وتشهد معدلات استهلاك مرتفعة، كالهواتف الذكية والأجهزة الإلكترونية والمنزلية والترفيهية وأيضا السيارات، وعزز من قوة الأزمة تداعيات جائحة فيروس كورونا التي تسببت في معدلات استهلاك مرتفعة لبعض الأجهزة نتيجة سياسات الإغلاق والبقاء في المنازل، في مقابل تأثيرها السلبي على حركة العمل والتبادل التجاري حول العالم.

والمنتجون الرئيسيون لأشباه الموصلات “تي إس إم سي” التايوانية، وشركتي “سامسونج” و”إس كاي هاينيكس” في كوريا الجنوبية، وشركتي كوالكوم وإنتل في الولايات المتحدة الأمريكية، في حين ركزت القارة الأوروبية الأبحاث في هذا المجال ولا تملك سوى قدرات إنتاج محدودة.

ولم تشهد الأزمة أي تطور إيجابي حتى الآن أو مؤشرات تشير إلى “حل قادم”، بل اتجهت من سيئ إلى أسوأ في ظل تساقط صناع السيارات في العديد من الدول وانضمامهم في الأزمة لكبريات شركات التكنولوجيا العالمية، وإعلانهم عن رفع راية خفض الإنتاج وفقدان الإيرادات.

وكشف وباء كورونا عن جوانب قصور كثيرة في سلاسل الإمداد العالمية في هذه الصناعة، فصناعة استراتيجية مثل الرقائق الإلكترونية، تعتمد بشكل أساسي على 3 شركات فقط، والنتيجة اعتماد مصانع السيارات الكبرى في الولايات المتحدة الأمريكية على رقائق إلكترونية من كوريا وتايلاند، والصين التي تعد أكبر مستورد ومستهلك لأشباه الموصلات في العالم، لا تنتج سوى 16% من الرقائق، ما دفعها إلى التخطيط لإنتاج 70% من احتياجاتها من أشباه الموصلات بحلول عام 2025، إلا أن هذا “الإعلان متأخر”.

الأسباب الحقيقة للأزمة

كشف محللون أن السبب الحقيقي في الأزمة هو زيادة الطلب المفاجئ على أجهزة الكمبيوتر والألعاب الإلكترونية بسبب تداعيات كورونا وسياسات البقاء في المنازل، بما رفع الطلب بشكل كبير على هذه النوعيات من الأجهزة حول العالم مع زيادة عمليات الإغلاق، وهو ما لم يستعد له مصنعي الرقائق الإلكترونية وتسبب في اختلال ميزان الطلب.

وأشار المحللون إلى أن الشركات المصنعة كانت تواجه ضغوطا في الأساس قبل الأزمة نتجت عن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، واتجهت شركة هواوي إلى تخزين كميات كبيرة من أشباه الموصلات تحسب للمستقبل في ظل العقوبات التي فرضتها الإدارة الأمريكية على عدد من الشركات الصينية.

ولفتوا إلى أن احتكار هذه الصناعة ضمن عدد قليل من المصانع، حيث تشكل شركات “سامسونج” الكورية، و”إنتل” الأمريكية، و”تي إس إم سي” التايوانية، النصيب الأكبر من هذه الصناعة، وعندما تأثرت هذه الشركات الثلاث تأثرت سوق الرقائق الإلكترونية بالكامل، ويتم الوقوف على  تأثير هذه الشركات الثلاث من معرفة أن 80 % من مصانع السيارات تستورد الرقائق الإلكترونية من الشركة التايوانية “تي إس إم سي”.

“الأزمة متصلة بالجائحة من كافة الجوانب” وفقا للدكتور محمد رياض الأستاذ  بقسم الاتصالات هندسة القاهرة ، حيث يرى أن بداية الأزمة المتعلقة بالرقائق ظهرت بسبب الحاجة الكبيرة لأجهزة التنفس الصناعي وأجهزة الأكسجين، فتم توجيه غالبية انتاج الرقائق وأشباه الموصلات لمصانع انتاج أجهزة التنفس الصناعي لسد الحاجة الكبيرة في الدول التي تعاني من وباء شديد في جائحة كورونا، مشيرا إلى أن الهند تسحب جزء كبير من أشباه الموصلات التي تصنع في الصين في أزمتها الأخيرة وهو ما أدى إلى التأثير بشكل كبير على حجم الإنتاج الموجه لمصانع الإلكترونيات المختلفة خلال الفترة الأخيرة.

الضحية الأولى قطاع السيارات

من جانبها قالت ماتيلدا أوبري أستاذة الاقتصاد في كلية إدارة الأعمال في منطقة نورماندي، أن الضحية الأولى للأزمة هي قطاع السيارات، فبعد تباطؤ العمل في مواقع لشركتي “جنرال موتورز” و”فورد” في الولايات المتحدة أعلنت شركة “هوندا موتورز” إنها ستوقف الإنتاج في ثلاثة مصانع في اليابان لمدة خمسة إلى 6 أيام  خلال مايو الجاري ، وأشارت “بي إم دبليو” أنها ستوقف مؤقتا إنتاج سيارات “ميني”، بينما قلصت “فورد موتور كو” توقعات الأرباح للعام بأكلمه بسبب النقص المضر في الرقاقات، والتي تراه يمتد حتى العام المقبل 2022.

وتستهلك السيارة الواحدة في المتوسط ما بين 50 و150 من هذه الرقائق.

ولفتت، إلى أن هذه الأزمة كشفت أن هذا القطاع يتطلب الكثير من الاستثمارات ، وتحديد نوعية التخصص، بحيث يكون البحث والتطوير تابع لشركات محددة والإنتاج يتبع شركات أخري، وذلك لضمان استدامة الصناعة في تحديد أولياتها وأيضا تطورها، مشيرة إلى أن إنشاء مصنع جديد لإنتاج أشباه الموصلات يستغرق سنتين إلى أربع سنوات، وبالتالي فإن القدرات الإنتاجية الجديدة لن تصل إلى الأسواق قبل 2023 – 2024.

اللواء حسين مصطفي
اللواء حسين مصطفي

من جانبه قال اللواء حسين مصطفى أمين عام رابطة مصنعي السيارات المصرية السابق، أن زيادة الطلب على الأجهزة الالكترونية عموما خلال العام الماضي في ثورة جائحة كورونا تسبب في فجوة تصنيعية بالرقائق خاصة وأن مايصل إلى 60% من الإمدادات العالمية يخرج من مصنع واحد في تايوان.

وأضاف أن تفاقم أزمة قطاع السيارات بشكل خاص جاء بسبب تفضيل الشركات المصنعة للرقائق لقطاع الأجهزة على حساب قطاع السيارات منوها إلى أن  أن قطاع الأجهزة الإلكترونية يستهلك سنويًا رقائق بنحو 470 مليار دولار أمريكي في مقابل 40 مليار دولار بقطاع السيارات.

ولفت اللواء حسين مصطفي، إلى أن خسائر قطاع السيارات بسبب أزمة الرقائق خلال أول 3 أشهر من العام الجاري 2021 بلغ 14 مليار دولار، ومن المتوقع أن يصل إلى 61 مليار دولار بنهاية العام في حالة عدم انتهاء الأزمة .

كريم غنيم

صناعة الأجهزة الإلكترونية

وأكد كريم غنيم، رئيس مجلس إدارة شركة KMG، المصرية المتخصصة في مجال توزيع الأجهزة الإلكترونية والهواتف المحمولة ورئيس شعبة الاقتصاد الرقمي والتكنولوجيا بالغرفة التجارية بالقاهرة، أن الأزمة العالمية لنقص الرقائق الإلكترونية أثرت بالفعل على السوق العالمي للهواتف الذكية والأجهزة الإلكترونية، والعديد من الصناعات الأخرى التي تعتمد على استخدام هذه الرقائق.

وأضاف غنيم أن الأزمة أثرت في اتجاهين، الأول رفع أسعار بعض مكونات الهواتف الذكية، وعلى رأسها الشاشات، كذلك هناك شركات عالمية مصنعة للهواتف كان لديها مخزون من هذه الرقائق الإلكترونية، وكذلك قدرة مالية كبيرة، واستطاعت شراء احتياجاتها من الرقائق، في حين أن هناك شركات مصنعة لا يتوفر لديها مخزون من هذه الرقائق، ولا تمتلك الإمكانيات المالية لشراء الرقائق، وبالتالي فإننا سنواجه قريبا شركات هواتف تستمر في إنتاجها وقادرة على المنافسة وإطلاق منتجاتها من الهواتف.

محمد فتحي عثمان
محمد فتحي عثمان

التأثير على السوق المصري

قال محمد فتحي عثمان، رئيس مجلس إدارة مجموعة يونيون إير تكنولوجي، أن استمرار أزمة نقص الرقائق عالميًّا سيمثل كارثة لجميع مصنعي الأجهزة الإلكترونية والمنزلية سواءا في مصر أو غيرها من الدول حيث تعتمد الصناعة علي هذه الرقائق منوها إلى إن شركته لديها مخزون من شرائح الرقائق الإلكترونية تكفي حتى شهر أغسطس المقبل.

ولفت إلى ضرورة إيجاد حلول عاجلة لهذه الازمة حتي لايحدث اضطراب أكبر في أسواق الأجهزة والصناعات المعتمدة على هذه الرقائق .

من جانبه أشار خالد سعد الأمين العام لرابطة مصنعي السيارات أن أزمة الرقائق دفعت كبار مصنعي السيارات في مصر إلى خفض الانتاج بسبب تباطؤ توريد الرقائق الالكترونية وأيضا المشكلات التي تواجهها سلاسل الشحن التوريد على مستوى العالم

خالد سعد
خالد سعد

ولفت خالد سعد إلى الأزمة ستؤثر على خطط إحلال السيارات للعمل بالغاز الطبيعي، مع اعتذار العديد من الشركات نتيجة مواجهتها مشاكل في سلاسل التوريد، ومن بينها GB أوتو، والتي اعتذرت عن المشاركة في المبادرة بسبب نقص الرقائق اللازمة لصناعة وحدات التحكم الإلكتروني داخل السيارات ، وهو مايعطل خطة الدولة التي تهدف لتحويل 1.8 مليون سيارة للعمل بالوقود المزدوج “بنزين وغاز طبيعي” حتى 2030 .

وأوضح أن الرقائق الإلكترونية أساسية في تصميم النظام الالكتروني والكهربائي بالسيارات، والنظام الكهربائي بها، مشيرًا أنها تدخل بشكل أوسع في صناعة السيارات الملاكي، علاوة على بعض الفئات من الأتوبيسات الكهربائية.ونوه الأمين العام لرابطة مصنعي السيارات، أن أي نقص في مكون الإنتاج يؤدي إلى خدوث خلل في مراحل الإنتاج، وبالتالي نقص في المعروض أمام العملاء في الأسواق.

وتابع أن نقص تلك الرقائق، يوثر سلباً على السوق المصري بنقص السيارات المعروضة، وأن السوق إذا استمر بتلك الحالة لمدة شهرين، من المتوقع رفع أسعار السيارات لنسبة تصل إلى 13%، ومعها سوق المستعمل أيضا.

وقال الدكتورمحمد رياض استاذ متفرغ بقسم الاتصالات هندسة القاهرة أن معظم القطاعات المرتبطة بالرقائق تأثرت في مصر ولكن النسبة الأكبر كانت للاجهزة الصحية، وهو ما دفعنا للبحث عن مصادر بديلة حتى وإن كانت بأسعار أعلى.

هل لدى مصر فرصة لتصنيع الرقائق

أكد اللواء حسين مصطفى، أن مصر أمامها فرصة كبيرة للدخول في عالم صناعة أشباه الموصلات حيث يتكلف إنشاء مصنع واحد متوسط من 3 إلى 5 مليار دولار، وهو مايحتاج إلى تكاتف من الشركات التي يمكن أن تدخل هذه الصناعة تحت رعاية الحكومة، في حين أشار “خالد سعد” إلى أنه من الصعب أن تدشن الدولة مبادرة لتصنيع الشرائح الالكترونية فى المصانع المصرية، نظرا لتعقد تصنيعها، متوقعا ارتفاع أسعار السيارات المحلية في الفترة المقبلة نظرا لقلة المعروض من السيارات.

ولفت الدكتورمحمد رياض إلى أن أهم الدروس المستفادة للسوق المصري من هذه الازمة،  هو ضرورة  أن يكون لنا التصميمات الخاصة بنا، لأن صناعة أشباه الموصلات مكلفة والمصنع الواحد يتكلف حوالي 2 مليار دولار، لذلك اقترحنا وجود مركز وسيط بين التصميمات اللي يتم تنفيذها في مصر ومن ثم يتم تصديرها للشركات والمصانع التي تنتج اشباه الموصلات في الخارج، والحل المصري هو التصميم المحلي، وقد تساهم مبادرة «مصر تصنع الالكترونيات» في هذا الحل خاصة وأنها تستهدف الوصول إلى حجم انتاج بـ 45 مليار دولار بحلول 2030 .

ونوه إلى أن توطين هذه الصناعة في السوق المصري ليس أمر واقعي حيث يعني نقلها من الخارج إلى مصر، إلا ان فمصر تتميز بوجود باحثين وخريجين مبدعين لديهم أفكار يمكن تحويلها إلى منتجات، ونحتاج إلى مصانع لتحويل تلك الافكار الى منتجات بدلاً من أن تظل حبيسة الادراج في رسائل علمية، مشيرًا إلى أن الازمة الاخيرة دفعت مصر لابتكار تصميم لأجهزة التنفس الصناعي وجاري اختبارها حاليا بالتعاون مع وزارة الصحة ومن انتاج مصانع الانتاج الحربي.

ولعل مايبدو أن السؤال الملح الآن هو طريقة إيجاد حل لهذه الأزمة، فعلى الرغم من أن أشباه الموصلات أو الرقائق الإلكترونية ليست مكلفة أو معقدة التصنيع ، إلا إنه لا يمكن الاستغناء عنها في كثير من الصناعات.

فوفقا لمقابلة أجراها بات جيلسنجر الرئيس التنفيذي لشركة إنتل خلال مايو الجاري ، من المتوقع استمرار أزمة الرقائق الإلكترونية لأعوام أخرى حيث بدأ الطلب في التزايد في وقت سابق من العام الجاري بعد أن أدت عمليات الإغلاق في 2020 إلى زيادة مبيعات الأجهزة التكنولوجية. ومن المتوقع أن يتسارع الطلب بشدة هذا العام مع ظهور تكنولوجيات جديدة ومع ذلك فإن استثمار الشركات فيها لا يتناسب مع العرض الحالي في الأسواق

وأعلنت شركة «إنتل» في وقت سابق أنها مستعدة لاستثمار ملياري دولار لبناء مصانع للرقائق الإلكترونية في الولايات المتحدة، مستندة إلى قرار الحكومة الأميركية الذي يدعم هذه الصناعات من ناحية حوافز البحث والتطوير وكذلك الحوافز الصناعية. كما أعلنت كذلك شركة «تي إس إم سي» أنها سوف تستثمر أكثر من 100 مليار دولار خلال الأعوام الثلاثة المقبلة في تطوير مصانعها وزيادة إنتاجيتها.