Follow ICT
شعار الموقع الاساسى
سامسونج طولى
جايزة 160

إدريس لكريني يكتب: إلى أين يأخذنا الذكاء الاصطناعي؟

أسئلة كبيرة تراودنا ونحن نتابع التطورات التكنولوجية والرقمية المتسارعة في الوقت الراهن: فإلى أين يحملنا الذكاء الاصطناعي؟ وما فرصه وما تحدياته؟ وهل سيختفي كثير من المهن في المستقبل؟ وكيف سينعكس الأمر على حياة الإنسان وعلى علاقاته الاجتماعية بشكل عام، وعلى حقلي التعليم والبحث العلمي بشكل خاص؟

بدأ الذكاء الاصطناعي في اختراق عدد من الحقول والمجالات خلال السنوات الأخيرة، بالصورة التي خلّف معها مخاوف من أن يخرج عن نطاق التحكم والسيطرة، ويلغي دور الإنسان، خصوصاً أن هناك الكثير من المهن التي تراجعت أو بدأت في الاندثار بفعل تطور الذكاء الاصطناعي. وفي خضم هذه التطورات، تطرح الكثير من التحديات أمام منظومتي التعليم والبحث العلمي، ومدى قدرتهما على التفاعل الإيجابي مع التحولات التكنولوجية والمجتمعية، ومع متطلبات سوق الشغل، والاستفادة من الإمكانات والفرص التي يتيحها الذكاء الاصطناعي، بما يدعم تحويل التحديات والمخاطر التي يطرحها إلى فرص حقيقية تعزّز الإبداع والتنمية.

وإذا كان التعليم هو الرافد الأساسي من روافد تكوين النشء وصناعة المستقبل، وكسب رهانات التنمية، فإن البحث العلمي بحقوله المختلفة هو مدخل حيوي لعقلنة القرارات، ومواجهة مختلف الإشكالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والبيئية والأمنية..والواقع أن التطورات الرقمية والتكنولوجية فتحت مجالات واعدة أمام قطاعي التعليم والبحث العلمي، عبر توفير المعلومات والبرامج وتيسير سبل البحث، ووضع البيانات والرسوم التوضيحية. ومع ذلك يطرح الذكاء الاصطناعي إشكالات متعددة أمام هاتين المنظومتين، سواء تعلق الأمر بالمسّ بأخلاقيات البحث العلمي، والمبالغة في الاعتماد على خدماته عند إنجاز البحوث والتقارير العلمية، أو باحتمالات إلغاء دور الأستاذ والحد من الإبداع والاجتهاد.

إن تحويل هذه التحديات إلى فرص، يقتضي الانخراط في إعداد جيل قادر على اقتحام المستقبل بجاهزية، كما يتطلب الأمر تمكينه من مهارات تفرضها هذه التحولات، عبر تطوير المناهج، بما يتيح له كسب المعارك الاستراتيجية، واقتحام وظائف جديدة عابرة للحدود وللتخصصات ومنفتحة على المستقبل.

لا يخلو توظيف استثمار الذكاء الاصطناعي والاستفادة من خدماته بشكل بنّاء من تحديات مختلفة، يمكن إجمالها في تكلفته الباهظة وعدم وجود ثقافة مجتمعية كافية تدعم توظيفه خدمة للتنمية وتحسين جودة الحياة، إضافة إلى النقص في التكوين، ووجود اختلالات مجالية وإدارية تحول دون ولوج فئات واسعة من المجتمع إلى الخدمات الرقمية بشكل عام، علاوة على أن الفضاء الرقمي الذي أصبح يزخر بمعلومات غزيرة لا تخلو من تناقضات ومغالطات، كما لا تخفى المخاطر التي تطرحها الجرائم الرقمية (القرصنة، والمسّ بالحياة الخاصة، والاحتيال، والتزوير، والابتزاز والتجسس، والسرقات العلمية..) في هذا الصدد.

وفي هذا السياق، شهدت مدينة مراكش أشغال مؤتمر علمي نظمه أخيراً مختبر الدراسات الدولية وتحليل الأزمات والسياسات بشراكة مع مؤسسة «هانس زايدل» حول موضوع «الذكاء الاصطناعي ومستقبل التعليم والبحث العلمي»، بمشاركة عدد من الباحثين والخبراء من المغرب ومصر وتونس وليبيا والأردن والولايات المتحدة الأمريكية والسنغال وساحل العاج. وقد تنوعت محاور اللقاء بين رصد إمكانيات إدماج الذكاء الاصطناعي في عمليتي البحث والتعليم، وعلاقة ذلك بأخلاقيات البحث العلمي، إضافة إلى الذكاء الاصطناعي ودوره في صناعة القرارات والسياسات، وفي استشراف المستقبل، مع طرح مجموعة من التجارب الدولية والممارسات الفضلى في هذا الإطار، قبل التطرق لعلاقة الذكاء بالجرائم الرقمية.

وقد خلصت أشغال المؤتمر إلى مجموعة من النتائج والتوصيات التي اعتبرت في مجملها أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يدعم جهود التنمية بمفهومها الإنساني الشامل، إذا ما تم توظيفه بشكل سليم، كما أكدت على أهمية تطوير الإطار القانوني المؤطر للذكاء الاصطناعي، بما يدعم عقلنة توظيفه والحيلولة دون خروجه عن نطاق التحكم والسيطرة بارتكاب جرائم رقمية.

ومن جانب آخر، دعا المشاركون إلى إرساء استراتيجيات وطنية وإقليمية تضمن إدماج الذكاء الاصطناعي بشكل عقلاني وبنّاء في مجالي التعليم والبحث العلمي، وإلى تكوين العنصر البشري بصورة تساير هذه التطورات، وتتيح استثمارها في تجويد مناهجهما ومخرجاتهما، بالإضافة إلى تعزيز البنى التحتية التي تضمن الولوج إلى التكنولوجيا داخل المجتمع، وتخصيص ميزانيات واستثمارات مهمة في هذا الخصوص.

إدريس لكريني

كاتب ​وباحث أكاديمي

The short URL of the present article is: https://followict.news/3obu