Follow ICT
شعار الموقع الاساسى
جايزة 160
جايزة 160

يمنى عمران تكتب: كيف نحمي أطفالنا على الإنترنت في عصر ChatGPT؟!

“لا تربوا أولادكم كما رباكم آباؤكم، فقد خُلقوا لزمان غير زمانكم”.. مقولة منسوبة للإمام عليّ رضي الله عنه، وفي صياغةٍ مشابهة نسبت تارةً لأرسطو وتارة لأفلاطون.

وبعيدًا عن صاحب المقولة ومدى صحتها وتداولها منذ أفلاطون وحتى يومنا هذا، فهي ربما لا تنطبق على عصرٍ كما تنطبق على عصرنا اليوم، وجيله من الأطفال وآبائهم.

فأطفال اليوم رقميون بالميلاد digital natives، وُلدوا وعاشوا في بيئةٍ رقمية محاطون بالألعاب “الإلكترونية”، ويتواصلون مع أقرانهم عبر “وسائل التواصل الاجتماعي”، وبفضل عزلة الوباء العالمي تلقوا دروسهم “عبر الإنترنت”، وتحدثوا مع أقربائهم في البلاد البعيدة عبر “الـ video calls”.

كل احتياجات أطفال اليوم يمكن تلبيتها – فورًا- من خلال “تطبيقات” (Apps) للتسوق والتعلم والدردشة وتبادل الصور والملفات والمعلومات. واقعهم “افتراضي” (Virtual) و”معزز” (Augmented)، وآفاق مستقبلهم لم تكن أبدًا أرحب مما هي عليه اليوم.. ولكن فقط لكل متقنٍ لأدوات عالم اليوم الرقمي.

هذه الظروف، التي يحياها أطفال اليوم، مختلفةٌ تماماً عن الظروف التي عاش فيها آباؤهم، والفجوة بينهم يتفاوت حجمها بتفاوت قدرِ حظ الآباء من التعليم والتمكُّن من أدوات التكنولوجيا الحديثة.

فمشهد الطفل الذي يشرح لوالديه كيفية استخدام تطبيق ما لم يعد غريبًا على الأنظار، وفكرة تفوق الطفل على والديه في مضمار التكنولوجيا أصبحت فكرة مقبولة بل ومثيرة للإعجاب في معظم الأحيان.

كل هذه المعطيات هي انعكاس طبيعي لعصر الثورة الصناعية الرابعة Industry 4.0، الذي أصبحنا جميعًا نعيشه ونشهد تطوراته المتسارعة، بل ونعيش في عوالمه الافتراضية، وتقنياته من الذكاء الاصطناعي (AI)، وتعلم الآلة (ML)، وإنترنت الأشياء (IoT)، التي باتت تؤثر على جميع مناحي حياتنا تقريباً دون استثناء.

ولأن الأمر لم يعد اختياريًا، والتطور فيه أصبح ذا سرعة هائِلة، فمن الضروري أن يتم تحديث آليات التفاعل مع الأطفال، سواء من الآباء والأمهات أو المعلمين، ومن قبلهم صنَّاع القرار في الحكومات والمشرعين، والشركات التكنولوجية التي تطرح منتجاتها وتتربح من استخدام الأطفال للتكنولوجيا.

فقد أصبح الأطفال شريحةً مهمة مستهلكة لكل ما هو رقمي، ليس فقط من حيث عددهم، بل أيضًا من حيث كثافة هذا الاستخدام. وهنا لا يجب الركون إلى الانبهار بتمكُّن الأطفال من استخدام التقنيات الحديثة وتعلمهم السريع لها، ففي نهاية الأمر هم أطفال، ولا يزالون من أكثر الفئات عرضة للمخاطر، لا سيما في ضوء عدم وجود حدودٍ للمحتوى الذي قد يتعرضون له خلال أنشطتهم الرقمية اليومية. والحوادث في هذا الشأن لا حصر لها وتتراوح بين الجرائم الصريحة والمهدِّدة للحياة في بعض الأحيان، إلى التعرض إلى القيم غير السوية التي حتمًا لا نريد أن نعاني من تداعياتها لاحقًا.

ولعل أحدث الأمثلة على ذلك هو برنامج Chat GPT، والذي أطلقته في نوفمبر الماضي شركة Open AI الأمريكية، والذي يعتمد كليةً على الذكاء الاصطناعي، فيتحاور مع المستخدم ويجيب على ما يطرح عليه من أسئلة بشكل مفصل، ويستطيع هذا البرنامج أن ينتج نصوصًا أشبه بالنصوص البشرية من خلال تعلم خوارزميات تقوم بتحليل عددٍ هائل من البيانات، ويعمل بصورة تشبه الدماغ البشري، كما يمكنه إنتاج محتوى من الألف إلى الياء بدون الاقتباس المباشر من مصادر أخرى.

ويستخدم هذا البرنامج في كتابة المقالات والقصائد والقصص الجديدة، بأي أسلوب يتخيله المستخدم، ولك أن تتخيل أثر مثل هذا البرنامج بقدراته الهائلة على العملية التعليمية على سبيل المثال، وإمكانية استخدامه كأداة للغش والخداع خصوصًا بين طلبة المدارس، وتأثيره بعيد المدى على أخلاقيات الطلاب واعتمادهم الكلي على الذكاء الاصطناعي وما يستتبعه ذلك من ضمور تدريجي للذكاء البشري!

وبرغم كثرة المخاوف التي تثيرها تقنيات الثورة الصناعية الرابعة، التي يعد ChatGPT واحدًا منها فقط، فإن هذه التقنيات كغيرها سلاحٌ ذو حدين، وتحمل طيَّ تحدياتها ومخاطرها الكثير من الفرص التي يمكن من خلالها استخدام تقنيات الثورة الصناعية الرابعة لحماية الأطفال، كاستخدام الذكاء الاصطناعي لحماية الأطفال على وسائل التواصل الاجتماعي لمنع تواصلهم مع الغرباء على سبيل المثال، أو استخدامه كأداة لفلترة التنمر السيبراني cyber bullyingـ وبالتالي وأد الكثير من المخاطر قبل تعرض الأطفال لها مثل الاستغلال الجنسي أو الابتزاز الذي قد يودي بحياة الطفل المتعرض له.

لكن مطوري مثل هذه البرمجيات قد يواجهون بعض الصعوبات لتعارضها مع قوانين حماية البيانات الشخصية الصارمة، لا سيما في الدول الأوروبية. ولهذا فمن المهم دعم المنصات العالمية التي تطرحها منظمات مثل اليونسكو واليونيسف، والتي تتناول حوكمة استخدامات تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي، ورفع الوعي بضرورة تضمين الأطفال بها، لضمان سلامتهم وحفظ حقوقهم.

وحيث يحتفل العالم اليوم (7فبراير) بـ”اليوم العالمي للإنترنت الآمن” تحت شعار “معاً من أجل إنترنت أفضل”، فلعلها فرصة مناسبة لطرح أهمية رفع الوعي المجتمعي بهذه القضايا والنظر إليها بعين الاعتبار من قِبَل كافة الأطراف المعنية، وإيلائها الاهتمام اللازم، وإدراك ضرورة مواكبة السرعة التي تتطور بها تقنيات الثورة الصناعية الرابعة بإجراءات تتكيف معها وتقي من تداعياتها لا سيما بالنسبة للأطفال.

تحليل كتبته: يمنى عمران

باحثة في العلوم السياسية