Follow ICT
شعار الموقع الاساسى
جايزة 160
جايزة 160

هل تمارس مصر «السيادة الإلكترونية على البيانات» في طريقها للتحول الرقمي؟

شهدت مصر تغيرات جذرية خلال الفترة الماضية على مستوى خطوات التحول الرقمي، وتسريع معدلات هذا التحول للحاق بالسباق المحموم الذي تشهده المنطقة والعالم لما يسمي “بالسيادة الإلكترونية”، حيث ساهم النمو الكبير والتحول السريع في الطلب على البيانات وزيادة الوعي بأهمية التكنولوجيا خلال السنوات القليلة الماضية في جعل الدولة “أكثر انتباها” لمستقبل تقوده التكنولوجيا وحروب معاصرة تحكمها البيانات.

وأفرزت هذه التحولات إشكالية كبرى متعلقة بـ “توطين البيانات” كموضوع رئيسي دائم على قمة اجتماعات المسؤولين، وفي هذا المعترك لا تقف مصر وحدها بل يشهد العالم تصادمات عنيفة تكاد توجه الصناعة ككل إلى مستويات من التضييق والحد من النمو خلال الفترة المقبلة، فلأول مرة نجد صراع يقوده رئيس دولة مع شركة ويتمثل ذلك في حالة المواجهة التي أحدثها الرئيس الأمريكي السابق ترامب مع تطبيق تيك توك الصيني ورأس القضية كان “البيانات”، ناهيك عن تصادمه الكبير مع هواوي، وأمثلة هذه التصادمات كثيرة ولا عجب في ذلك في ظل ملايين التيرابايت من البيانات التي تعد مرجع السياسات الاقتصادية والاجتماعية حاليا للعالم.

وكشفت جائحة كورونا، الغطاء عن أبعاد جديدة في هذه القضية، حيث تسبب التباعد الاجتماعي في العالم ومصر أيضا في زيادة دخول قطاعات جديدة إلى “دائرة البيانات الافتراضية” كقطاعات التعليم والصحة وغيرها، بما دفع الحكومات إلى تبني خطط للحفاظ على بيانات المواطنين داخل الحدود وإصدار قوانين تلزم الشركات الدولية والمحلية بإيواء بياناتها محليا، خاصة بعد موجه التضاربات الخاصة ببيانات المواطنين على شبكات التواصل الاجتماعي واستخدامها في أغراض سياسية وتجارية وصلت إلى محاكمات واستجوابات لرؤساء الشركات المسؤولة عن هذه الشبكات في العديد من الدول.

وفقا لتقرير صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات المعد بواسطة Market Research Future، فإن أعلى استثمارات في مجال حماية البيانات شملت القطاعات الحكومية، والمصرفية والمالية وقطاع التأمين، والرعاية الصحية، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وتلا ذلك قطاع السلع الاستهلاكية والتجزئة، والتعليم، ووسائل الإعلام والترفيه، نظراً لما تضمه هذه القطاعات من بيانات هامة، وهو ما يشير إلى مدى حجم نمو البيانات على مستوى العالم.

مسارين متناقضين

تجد الحكومات حاليا – ومنها مصر – نفسها أمام مسارين متناقضين إلى الأمام، إما “السيادة الإلكترونية” أو”التحول الرقمي” وعدم التضييق على البيانات، فهل السياسات الوقائية للحفاظ على البيانات لا تعيق التحول الرقمي، أم أن الحال قد ينتهي بعدم تحقيق أي منهما؟

محمد سليمان
محمد سليمان

محمد سليمان باحث غير مقيم في برنامج Cyber التابع لمعهد الشرق الأوسط، أكد على ضرورة مناقشة القضية بنظرة إقليمية وليس دراسة بمنظور محلي للدولة المصرية، حيث تتشابه المسألة والنهج الذي تتبعه حكومات المنطقة في مسألة السيادة الإلكترونية والحفاظ على بيانات مواطنيهم، و يبدو أن حكومات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تتجنب نهج الولايات المتحدة تجاه خصوصية البيانات لصالح نموذج اللائحة العامة لحماية البيانات الأوروبية (GDPR) حيث تسن المنطقة مجموعة جديدة من اللوائح المتعلقة بمعالجة بيانات المستهلك.

فمصر، على سبيل المثال، وافقت على قانون حماية البيانات الشخصية رقم 151 في فبراير 2020، والذي يحظر نقل البيانات الشخصية إلى المستلمين الموجودين خارج مصر إلا بإذن من مركز حماية البيانات المصري.

تابع “أيضًا في عام 2020، أصدرت الهيئة الوطنية السعودية للأمن السيبراني (NCA) مسودة وثيقة لضوابط الأمن السيبراني السحابي (CCC)، والتي تحدد الحد الأدنى لمتطلبات الأمن السيبراني للحوسبة السحابية، وكجزء من الاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني لدولة الإمارات العربية المتحدة، تستعد الإمارات لإطلاق قانون بيانات وطني يشبه القانون العام لحماية البيانات، ومن المتوقع أن يتم إقراره خلال الأشهر المقبلة، نفذت المناطق الحرة في مركز دبي المالي العالمي (DIFC) وسوق أبوظبي العالمي (ADGM) بالفعل قوانين حماية البيانات المماثلة للائحة العامة لحماية البيانات.

ولكن في حين أن المنظمين في الاتحاد الأوروبي أبلغوا بشكل مقنع أن اللائحة العامة لحماية البيانات تهدف إلى حماية خصوصية المواطنين الأوروبيين عبر الولايات القضائية، فإن حماية الخصوصية لم تكن محور تركيز حكومات الشرق الأوسط. ومع ذلك يمكن استخدام النهج المتمحور حول السيادة الإلكترونية لتنظيم البيانات في أنشطة إنفاذ القانون.

حماية بيانات المواطنين

وأكد محمد سليمان على أن الحاجة إلى حماية بيانات المواطنين تعد أمرًا مشروعًا من جانب الدول العربية ومنها مصر، لكن التركيز المفرط على لوائح البيانات التقييدية التي تركز على السيادة الإلكترونية قد يضر بطموحاتهم في أن تصبح مراكز تقنية على المدى القصير.

وأشار إلى أن مصر قامت بعمل كبير لتحديث بنيتها التحتية الرقمية، والاستثمار في قوتها العاملة الرقمية، وإقامة شراكات مع شركات التكنولوجيا الكبرى، وبناء مدن ذكية لتضع نفسها كمراكز تقنية إقليمية ومع ذلك في الوقت نفسه، تبنت نهجًا يركز على السيادة الإلكترونية في لوائح البيانات بناءً على معاملتها للفضاء السيبراني باعتباره ركيزة أساسية لسيادة الدولة.

الدكتور محمد حجازي

الدكتور محمد حجازي استشاري تشريعات التحول الرقمي، ورئيس لجنة التشريعات والقوانين بوزارة الاتصالات السابق، يؤكد على ضرورة التوافق مع مجموعة القواعد والمعايير التنظيمية العالمية اللازمة لتمكين الاقتصاد الرقمي، في ظل الخطط التنفيذية التي تتبناها القيادة السياسية لتحويل مصر لممررقمي عالمي يساهم في تعزيز التحول للاقتصاد الرقمي، وتعظيم أنشطة التجارة الإلكترونية، وزيادة النفاذ للخدمات الرقمية المختلفة بما يساعد على تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

وأشار إلى أنه من الضروري ، أن تكون تلك القواعد واللوائح التنظيمية محفزة وتخلق بيئة تمكينية لنمو السوق المحلي وتعزيز التجارة الدولية بالإضافة إلى زيادة كفاءة وفعالية تكلفة الخدمات المقدمة للمواطنين، ودعم صناعة القرار بدلا من صياغة قواعد تنظيمية معوقة للتحول للاقتصاد الرقمي.

تصنيف البيانات والمعلومات

تابع  الدكتور محمد حجازي “تأتي سياسة تصنيف البيانات والمعلومات كأحد أهم العوامل لتعزيز الوصول للاقتصاد الرقمي، فيجب وضع وصياغة القواعد التنظيمية لحماية البيانات والمعلومات للمستخدمين الذين يتعاملون عبر المنصات الإلكترونية، حيث تعد البيانات وقود الاقتصاد الرقمي، وهو ما يستلزم التوافق مع المعايير الدولية في هذا الشأن وصياغة سياسة واضحة لتصنيف البيانات بما يشجع على توسيع الخدمات الرقمية في مجال التجارة وعلى الأخص في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بما يضمن استخدام التكنولوجيات الناشئة مثل الحوسبة السحابية وسلاسل الكتلة والذكاء الاصطناعي والتي تدعم وتعزز القدرة التنافسية للشركات المصرية، وتساهم في زيادة ربحيتها وتقليل تكلفتها. فلا يمكن الوصول إلى الاستخدام والاستفادة القصوى من التكنولوجيات الناشئة بدون وجود رؤية وسياسة واضحة تعمل على تصنيف البيانات وتحديد مستويات تداولها والتعامل معها مع مراعاة ابعاد الامن القومي”.

ولفت إلى ضرورة النظر إلى الاعتبارات القانونية المتعلقة بالبيانات الشخصية، حيث تعد أكثر تعقيداً نظراً لارتباطها لتشريعات متعددة وعابرة للحدود، لذا يعد التناغم بين التشريع المصري والتشريعات الدولية المتعلقة بحماية وخصوصية البيانات الشخصية أحد أهم عوامل تهيئة المناخ للاقتصاد الرقمي، حيث أن عدم التناغم مع اللائحة الأوروبية لحماية البيانات الشخصية GDPR سيجعل الشركات ومراكز البيانات معرضة لغرامات مالية كبيرة نتيجة عدم امتثالها واتفاقها مع القوانين الدولية. وذلك يجب إعادة النظر في قانون حماية البيانات الشخصية المصري، وتعديله بما يتواكب مع التشريعات الدولية، وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بنقل البيانات عبر الحدود وإزالة العوائق التنظيمية في هذا الصدد.

الدكتور شريف هاشم

مفهوم الخصوصية

“الجدل الدائر على خصوصية البيانات في الدول واقعي جدًا”، وفقا للدكتور شريف هاشم مدير المكتب التنفيذي لمركز الاستجابة للطوارئ السيبرانية “CERT” سابقا، مشيرا إلى أن الشركات العالمية تستفيد بشكل كبير من التطبيقات التي تقدمها للمستخدمين على مستوى العالم، كما أن مفهوم الخصوصية للمستخدمين بدأ يتغير فبرغم القلق من التجسس إلا أننا كمستخدمين نستفيد من تلك التطبيقات التي تسهل علينا مهام كبيرة، فباتت التطبيقات تطلب منك موافقة على اجراءات محددة حتى لا يتم الرجوع عليها قانونا فيما بعد، وما يمكن أن يكون مقبولاً في أمريكا قد لا يقبل في أوروبا والعكس، لذا يجب أن يحدث مناقشة مستمرة في مصر حول صياغة التشريعات المتعلقة بتأمين البيانات وكيفية التعامل مع الشركات الكبرى التي تتطلع على بيانات المصريين.

وأشار إلى أن الشركات العالمية تتعامل مع الدول كل وفقًا لحجمه، فكلما ارتقيت بصناعة التكنولوجيا، وكلما أصبحت سوقًا كبيرًا ، تستطيع التفاوض مع الشركات الكبيرة حول ملف توطين البيانات محليا، لافتا إلى أن البنية التحتية في مصر تشهد تطورا كبيرا جدًا وهي قادرة على استيعاب التحول الرقمي الذي تقوم به الدولة في السنوات الأخيرة، وكثير من تلك المنظومة يعتمد على الحوسبة السحابية ومربوط عليها كاميرات مراقبة وأنظمة مختلفة كلها متصلة بالانترنت، وهذا يعني الاحتياج لمنظومة تأمين قد تكلف مصر مليارات وتخصيص عناصر وكوادر مدربة للتعامل مع هذا المنظمة بشكل احترافي، والتوافق مع الشركات العالمية حول نوعية البيانات التي يمكن استضافتها في الخارج.

عمرو فاروق

ويرى المهندس عمرو فاروق، العضو المنتدب لمجموعة MCS القابضة، أن متابعة الرئيس السيسي للمشروعات التي تتم في التحول الرقمي، واجتماعاته المتكررة مع الدكتور عمرو طلعت وزير الاتصالات، تؤكد أن حجم البيانات والمراكز ضخمة جدًا والقرار أصبح بناء على بيانات دقيقة، وهو ما يستلزم تأمين لتلك البيانات والمعلومات بخطوات مدروسة وتشريعات توائمية لاتعطل هذا النمو.

وشدد فاروق، على أن مصر لديها إجراءات تأمين وسياسة تأمينية واضحة للتعامل مع منافذ الخطورة والاختراق، ولكن تكنولوجيا التأمين هي في النهاية وسيلة لتطبيق السياسة الأمنية الكاملة والمتكاملة، ولكن كيفية اختيار التكنولوجيا التي تمنحني أفضل نتائج، لذلك يجب دراسة دورة العمل بالكامل للنظام المستخدم للتأمين، وهناك مواصفات قياسية عالمية حسب كل قطاع، مثلا البنوك لها مواصفات والصحة لها مواصفات وشركات الاتصالات لها مواصفات ولكل قطاع يجب مراعاة مواصفاته بشكل واضح.

استنزاف الموارد

من جانب آخر، وفقا لدراسة لمركز أبحاث مورجان ستانلي قد تضر متطلبات توطين البيانات بشركات التكنولوجيا الدولية العاملة في الأسواق من خلال تحويل مواردها من نقل البيانات بكفاءة عبر الحدود نحو إنفاق الملايين لإنشاء مراكز سحابية محلية بدلاً من ذلك، وعادةً ما تحتفظ شركات التكنولوجيا الكبيرة ببيانات المستخدم في مراكز بيانات كبيرة متصلة بالسحابة في مواقع استراتيجية على مقربة من قاعدة عملائها ونقاط تبادل الإنترنت، ويمكن أن تؤدي هذه المتطلبات الجديدة إلى زيادة التكاليف على الشركات من خلال إلزامها ببناء مراكز بيانات جديدة في كل سوق دون عائد ذي مغزى للمستخدمين.

مراكز الداتا سنتر
مراكز الداتا سنتر

ووفقا للدراسة لا يقتصر تأثير توطين البيانات على الضغط الإضافي على موارد الشركة فقط فالقيود المفروضة على حركة البيانات عبر الحدود تحد أيضًا من الوصول إلى رأس المال والاستثمار وتقلل من قدرة البنوك والحكومات على تقييم الجدارة الائتمانية للمقترضين وحظر الأنشطة الاحتيالية، على سبيل المثال ، قال مايكل ميباخ ، كبير مسؤولي المنتجات في ماستر كارد، إن قوانين توطين البيانات في الهند “تزيل القدرة على رؤية العالم الأوسع” ، مما يعني أن المقرض في سوق ما لن يكون قادرًا على الوصول إلى السجلات المالية من سوق آخر ، مما يجعل من الصعب اتخاذ قرار إقراض مستنير.

التأثير السلبي ووقف الابتكارات

الباحث محمد سليمان أكد أن مسألة توطين البيانات محليا ستؤثر أيضا على جهود الشمول المالي خاصة الملف المتعلق بخدمات تحويل الأموال عبر الهاتف المحمول من دولة إلى أخرى بهدف تعزيز التجارة، وستكون جهود خدمة الأموال عبر الهاتف المحمول بين الدول مرتبطة بتسهيل نقل البيانات عبر الدول ، وسيثبت توطين البيانات المرتكز على السيادة أنه عقبة في النهاية.

وأشار سليمان إلى أن في السعودية والإمارات ومصر باعتبارهم الأكثر نموا في الطلب على التكنولوجيا، قد تعيق متطلبات توطين البيانات الشركات المحلية وقدرات الشركات الناشئة على تسخير قوة تحليلات البيانات – عن طريق نقل بياناتهم بحرية عبر الحدود – لتعزيز منتجاتهم ، وتحسين تجارب المستخدمين ، وتعزيز قدرتها التنافسية . بالإضافة إلى ذلك ، من المرجح أن تضعف متطلبات توطين البيانات اهتمام الشركات الدولية بالأسواق الثلاثة وتحد من وصول العملاء إلى الخدمات والتقنيات الرقمية الرائدة. ونتيجة لذلك ، يمكن أن يقف النهج الحمائي للبيانات في نهاية المطاف في طريق خطط وطموحات البلدان الثلاثة لتشجيع الابتكار ، وأن تصبح في النهاية مراكز تقنية إقليمية وعالمية.