في أوائل عام 2017، تحدثت عن الفرص الاستثمارية القادمة في التقسيط، وعن الاهتمام والإقبال الكبير من الناس عليها، وكان الأمر شديد الغرابة وقتها وأنا أعطي مثالا عن قرب إقبال الناس على تقسيط سلع مثل الأحذية أو الملابس، وقد حدث أن اتجهت بالفعل العديد من الشركات والكيانات إلى بيزنس التقسيط!
كان الأمر متوقعا بشدة من تجارب بلاد أخرى، يعرف فيها على مدى واسع ما يسمي “اشتر الآن.. ادفع لاحقا” (BNPL)، ثم جرى تطبيقه في مصر، ومنها ما حقق نجاحا كبيرا مثل “فاليو” valU، وهو أحد التطبيقات المصرية التي تم اختيارها ضمن قائمة فوربس لأفضل 15 تطبيق للتكنولوجيا المالية في الشرق الأوسط.
في 2018، تحدثت عن سوق تقسيط المستعمل، وقد بدأ تحرك السوق بالفعل تجاهه، وفي 2019 تحدثت عن التداخل فيما بين ما تحدثت عنه من قبل وبين التكنولوجيا وبرامج الولاء Loyalty Scoring والنقاط Points.
في 2020، واجهنا جائحة كورونا “كوفيد-19″، وشهدنا ازدهارا في قطاعات مثل التكنولوجيا المالية والتجارة الإلكترونية واللوجستيات، كما شهدنا سقوطا في قطاعات أخرى مثل الشركات التي تقدم خدماتها وجها لوجه وسلاسل الإمداد وإنتاج الرقاقات الإلكترونية.
ولا أبني توقعاتي هنا على رأي شخصي فقط، وإنما على أرقام ونتائج وتجارب أخرى حدثت في بلاد شبيهة مثل إندونيسيا والبرازيل.
إنني أرى أن التقسيط أصبح مبالغا فيه داخل مصر، وأننا وصلنا إلى مرحلة جدية من الخطورة، ففوائد التقسيط في الوضع الحالي مرتفعة للغاية لا تتناسب مع قدرة معظم المقبلين على الخدمة.
يقع المواطن البسيط المتطلع لرفاهية تفوق إمكانياته ضحية لما يسمى “سلوك الشراء النفسي” Psychological Buying Behavior، عندما يقتنع بأن اقتناء سلعة بالتقسيط أفضل له من شرائها نقدا، فهو ينظر لقيمة القسط الواحد القادر على سداده شهريا، بينما يغفل –على سبيل المثال- المصاريف الإدارية المضافة عليه عند التأخر في تسديد الأقساط، والقيمة السعرية المبالغ فيها للسلعة نفسها الخاضعة للتقسيط.
إذا كان التقسيط مفيدا، يرضي رغبتك في شراء سلعة تتجاوز إمكانياتك، فهو في المقابل قد يكون فخًا عانت منه بلاد كثيرة من المبالغة في الإقبال عليه Over lending.
إن مواطن “التقسيط” يدفع من جيبه الثروة التي تحققها الشركات، سواء من الفوائد أو النسبة التي يتم تحصيلها من المتاجر والبائعين، ويتحملهما المواطن في النهاية.
اللي فات تقسيط.. واللي جاي تربيط!
في رأيي البسيط، يجب علينا جميعا أن نتعلم “التربيط”، وأقصد بها الأدوات التي تصل بنا إلى قرار الشراء والبيع الصحيح، وهي 4 أدوات:
الادخار أو “التحويش”: فمن الأفضل الادخار وشراء السلعة نقدا بدلا من التقسيط أو “الشراء الآن والدفع لاحقا”.
التقييم: فلا بد من وجود كيان أو أكثر لتقييم قدرة المستهلك على سداد الأقساط، وفائدة التقييم الصحيح مزدوجة للمستهلك والبائع، فالأفضل لهما أن تتم المعاملة بينهما دون خسارة لأي من الطرفين.
النصيحة الصادقة: ومصدرها كيانات موثوق بها، تنصح المستهلك بطريقة الشراء الصحيحة، وتنصح البائع بطريقة البيع الصحيحة.
العلاقات الشخصية: وهي نصائح الأصدقاء والأقارب الموثوقين وتجاربهم الشخصية، التي تصنع جزءا مهما من قرار الشراء.
أرجوكم.. قللوا تقسيط.. زودا تربيط!
تحليل يكتبه: محمد أبو النجا نجاتي
رائد أعمال واستشاري تأسيس شركات ناشئة