بين حين وآخر تفجعنا الحياة بصدمة الموت المفاجئ لأحد أحبائنا، تُفقدنا التوازن والقدرة على الاستمرار، تجعلنا غير قادرين على القبول رغم الاستسلام لقضاء الله، وتجعلنا نُشِيحُ بوجوهنا عن كل ما هو معتاد من متاع الحياة الدنيا، فما الحياة بين الناس إلا صُحبة صالحة، ورفقاء درْب يحملون وجهًا واحدًا، وقلوبًا نابضة بالخير والعطاء غير المحدود، لنتخطى معهم صدمات هذا العالم.
وما بين لحظة الفراق وأخرى نعيشها، تحمِّلنا الحياة بذكريات هولاء الراحلين لننسخها ونتناقلها لتظل عالقة في أذهان الأحياء؛ حتى لا ينسوا المارِّين من هنا، بجميل الأعمال وإرث الشرف وعظيم الاحترام.
وهنا ننسخ سيرة أحد هؤلاء الراحلين الذين قَلَّ أن نرى مثلهم في حياتنا كصحفيين، وهو محمد العزب، رئيس قطاع الإعلام بالشركة المصرية للاتصالات، الذي وافتْه المَنِيَّة الأربعاء الماضي عن عمر يناهز 45 عامًا، عقب أزمة صحية مفاجئة دخل على إثرها المستشفى، ليودع الحياة في سن مبكرة، لكن بسيرة عطرة طيبة، ومسيرة حكمتْها المهنية والأخلاقيات الرفيعة تخطَّت 20 عامًا من العمل في قطاع الإعلام والعلاقات العامة.
حقَّق محمد العزب المعادلة الصعبة في منصبه؛ حيث تميز بمهاراته العالية في التواصل والإقناع، وبقدرته على بناء العلاقات مع مختلف وسائل الإعلام المصرية والإقليمية، مما جعله ينال احترام وتقدير الجميع من زملاء وزميلات، ومن قيادات الشركة والعاملين فيها، وكذلك من مختلف وسائل الإعلام، وجعله ذلك أحد أبرز الشخصيات في مجال الإعلام والاتصالات في مصر خلال السنوات الأخيرة.
فالراحل كان مهتمًّا برحلة الحياة ودوره المؤثر فيها، بالكثير من العمل والجهد، والعديد أيضًا من المواقف التي لا تُنسى؛ فقد كان يحب أن تكون صورة العمل على أفضل وجه قبل التقاطها وتنفيذها على أرض الواقع، سواء من القائمين على تنفيذها من فريق العمل الذي يترأسه وأصدقائه من الصحفين، أو من سيتأثرون بها من أطياف كثيرة داخل المجتمع.
«اللقطة الحلوة» التي صرخ بها أحد زملائه المقربين في جنازته المهيبة التي حضرها المئات، بقوله “حتى في موتك يا عزب عملت أحلى لقطة”، كانت تعبيرًا عن امتنانه الصادق لحجم المشاركين الكبير في توديعه من مسئولين وقيادات وإعلاميين بنحيب وبكاء على فراق حبيب، وبدعاء صادق له بالمغفرة من رب العالمين، وبالصبر لأهله ومحبيه، وبلحظات صمت وتأمل لتذكُّر الراحل ومواقفه التي لا تُنسى.
وصَدَقَ من قال: «ما غاب وجه الراحلينَ بفقدهم… لكن بوجه الراحلينَ نغيب».
مهنية محمد العزب برزت في مواقف عديدة؛ حيث شارك (بحكم منصبه بقيادة الإعلام والعلاقات العامة بالمصرية للاتصالات) في التعبير باحترافية عن هُوِيَّة الشركة، التي طالها العديد من التحولات الاستثنائية خلال السنوات الأخيرة على جميع المستويات التشغيلية والتجارية والتسويقية، فعزَّز من حضورها على المستوى الإعلامي والصحفي، لتتصدر أحاديث القنوات التلفزيونية وصفحات الجرائد والمواقع الإلكترونية، من خلال نَهْجٍ تنظيمي متميز قائم على الانفتاح والسلاسة والعمل الجماعي وأيضًا العاطفة، لتقديم قيمة مستدامة وبناء نموذج يُشار إليه بالتميز.
وكان دائم الحضور في العديد من المواقف العملية وأيضًا الحياتية، بطاقةٍ إنسانية غلبت على مفاهيم العلاقات العامة التي يحكم الكثيرَ منها المصلحةُ، فاندفع بمجاله إلى مساحات عمل جديدة، وتمكَّن من بناء هالة إيجابية حول صورة المؤسسة التي يمثِّلها لكسب تأييد واسع لها من الجمهور المستهدف، مما صعَّب التأثير فيها سلبيًّا أو زعزعة صورتها؛ كون قطاع العلاقات العامة والإعلام هو خط الدفاع الأول لأي مؤسسة أو شركة ترغب في بناء علامة تجارية قوية.
مَارَسَ محمد العزب مهام عمله بالكثير من الاحترام للعمل الصحفي والإعلامي، عبر تأسيس علاقات عامة تَكَامُلِيَّة لا تخضع لمصالح شخصية، ولا تحرِّكها لغة المصالح الفَجَّة، وهو ما عزَّز من العلاقة بين الإعلاميين والشركة المصرية للاتصالات، وتمكَّن الطرفان من تشكيل وعيٍ جمعي للمجتمع بأهمية التحول الرقمي، والتعريف بطبيعة عمل الشركة وأهدافها الحيوية التي تسعى لتنفيذها.
وقبل أن ننهي فيض الكلمات عن الفقيد العزيز، فإن مَنْ لا يشكر الناسَ لا يشكر الله، لذلك وجب علينا توجيه الشكر لكل العاملين بقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وفي مقدمتهم الدكتور/ عمرو طلعت، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، الذي حرص على الحضور ومتابعة الموقف منذ الدقائق الأولى لدخول محمد العزب للمستشفى وحتى وفاته، ثم الجنازة والعزاء، والشكر موصول أيضًا لقيادات الشركة المصرية للاتصالات، الحاليين والسابقين، الذين ضربوا مثالًا للإخلاص والوفاء تجاه شخص تجاوزت علاقتهم معه مرحلة الزمالة لتصل إلى الصداقة، بل أبعد من ذلك لتصل إلى الأُخُوَّة.
ومن منطلق أن صحفيي قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات جزء أصيل داخل هذه المنظومة، فإننا لا نملك إلا أن نعزي أنفسنا في فقدان محمد العزب، الذي سيظل نموذجًا فريدًا ومحلًّا للذكرى الطيبة، كما نثق أن المنظومة الاحترافية لقطاع الإعلام داخل الشركة المصرية للاتصالات ستستمر في العمل بفاعلية وبجهد أكبر؛ تخليدًا لذكرى الراحل الذي كان أكبر المدافعين عن أعرق كيان في قطاع الاتصالات المصري، الشركة المصرية للاتصالات.
محمد العزب… شرفٌ لنا أن تبقى في ذاكرتنا.
فريق عمل منصة FollowICT