لاشك أن تحويلات المصريين العاملين في الخارج أحد أهم مصادر تدفقات النقد الأجنبي، کما أنها الأکثر استقراراً واستدامة بين الموارد الرئيسية لجذب العملة الصعبة للبلاد، خاصة في أوقات الأزمات الاقتصادية والمالية، مما يجعلها أحد أهم الوسائل التي تخفف أزمة نقص العملات الأجنبية في ظل التأثر بتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، والتشديد النقدي الذي تتبعه أغلب دول العالم، فضلاً عن تراجع قطاع السياحة الذي يعتبر أحد الموارد المهمة للعملة الأجنبية في مصر.
ونظرًا لأهمية هذه التحويلات في الوقت الحالي، تعمل الدولة من خلال البنك المركزي المصري ووزارة الهجرة على وضع محفزات لزيادة تدفقات النقد الأجنبي بشكل عام وتحويلات أموال المصريين العاملين بالخارج بشكل خاص مما يزيد من فرص استقطاب فئات جديدة من العملاء المستهدفين للقطاع المصرفي، وذلك من خلال إجراء التحويلات المالية بالوسائل الرسمية.
ويأتي على رأس هذه المحفزات، تسهيل عمليات تحويل الأموال عبر الأدوات المصرفية الرقمية، متمثلة في محافظ الهاتف المحمول وشبكة المدفوعات اللحظية «إنستاباي» والتي من شأنها تحفيز المغتربين على تحويل الأموال لذويهم بسهولة ودون عناء مع “تحييد سعر الصرف الحالي في السوق السوداء”، مما يسهم في تعزيز هذه التحويلات لمصر، خاصة أن مصر هي أكبر دولة عربية استقبالاً لتحويلات العاملين بالخارج.
فتحويلات المصريين العاملين بالخارج ارتفعت إلى 31.9 مليار دولار بنهاية العام المالي 2021-2022، مسجلةً أعلى مستوى لها، مقارنة بنحو 18.6 مليار دولار خلال العام المالي 2012-2013، أي بنمو 71.5% خلال 10 سنوات، مما يؤكد على أن التطور الرقمي وتوفير سبل إلكترونية متطورة تُحفز العاملين على زيادة تحويلاتهم.
وفي هذا الإطار بحث محافظ البنك المركزي المصري، مع وزيرة الدولة للهجرة وشئون المصريين بالخارج، آليات تعزيز التعاون لتقديم التيسيرات للمصريين بالخارج عبر مختلف الأوعية الادخارية وطرح المحفزات التي تحقق زيادة مشاركتهم في المشروعات القومية بما يحقق أهداف التنمية المستدامة ويسهم في زيادة مساهمة المغتربين في الاقتصاد القومي، والتي سيعززها بالتأكيد المسارات الرقمية التي تم ابتكارها خلال الفترة الماضية من البنوك المصرية وأيضا الشركات العاملة في مجال التكنولوجيا المالية.
وناقش الطرفان عددًا من المبادرات والمقترحات والطلبات التي تم طرحها خلال المؤتمر الثالث للكيانات والمصريين بالخارج، حيث نقلت الوزيرة لمحافظ البنك المركزي طلبات المصريين بالخارج بطرح أوعية ادخارية تستوعب مدخراتهم وتضمن عائد متميز وتوفير تيسيرات في التحويل من الدول التي يقيمون بها على اختلاف تنوع تواجدهم سواء بدول الخليج أو أوروبا والولايات المتحدة ومختلف دول المهجر.
وتتجه البنوك في الوقت الحالي لتوقيع عقود مع شركات استقبال الحوالات مثل شركة «أيباج» وكيل ويسترن يونيون بمصر، وشركة مونى جرام؛ لاستقبال تحويلات المصريين بالخارج؛ من خلال فروع هذه البنوك، إضافة إلى فروع تلك الشركات بمصر.
فهل تتمكن التكنولوجيا من بسط نفوذها على تحويلات المصريين بالخارج، ودمجها في الأوعية الإدخارية والاستثمارية المقرر طرحها خلال الفترة المقبلة، وماهي الحوافز المطلوبة في هذا الاتجاه؟
محمد الإتربي رئيس بنك مصر ورئيس اتحاد البنوك ورئيس اتحاد المصارف العربية، أشار إلى أن البنوك الوطنية حريصة على التعرف على احتياجات المصريين بالخارج وبحث سبل الاستجابة لها وتوفير كافة الخدمات لهم وتشجيعهم للاستثمار في وطنهم الأم، مؤكدًا أن بنك مصر على استعداد تام لتوفير كافة الخدمات للمصريين بالخارج والتيسير في الإجراءات الخاصة للحصول عليها والتي يغلب عليها الرقمنة بكل تأكيد.
وأشار إلى أن هناك شراكات استراتيجية تتخذها البنوك المصرية لدعم عمليات تحويل الأموال تيسيرا علي عملاء الجهاز المصرفي، وذلك بعقد شراكات استراتيجية لتحويل الأموال بالتعاون مع مؤسسات تحول الأموال العالمية، وذلك بالتوزاي مع وجود خطوات لزيادة عمليات التحول الرقمي وتعزيز الشمول المالي من خلال تطوير الفروع ووسائل الدفع الالكتروني .
وانضم في سبتمبر الماضي بنك القاهرة إلى مساهمي شركة ايباج وكيل شركة ويسترن يونيون في مصر بعد أن قام بشراء حصة من كل من شركة الأهلي كابيتال القابضة الذراع الاستثمارية للبنك الأهلي وبنك مصر ، ليصبح إجمالي حصة الثلاثة بنوك معا 40% وظلت حصة المساهم الأصلي مجموعة سرهنك 60% ، وتتواجد شركة ايباج في مصر من خلال 144 فرعا منها 38 فرعا مملوكة للشركة، بالإضافة إلى التواجد في50 فرعا داخل البنك الأهلي المصري و56 فرعا بفروع بنك مصر.
ولفت الإتربي إلى أن الدولة تستهدف التحول إلى مركز إقليمي لقطاع التكنولوجيا المالية في المنطقة العربية والإفريقية، وابتكار منتجات رقمية تلائم المصرين في الداخل والخارج لرفع معدلات الشمول المالي وتسريع وتيرة التحول الرقمي، وهو ما يُعتبر ركنًا أساسيًا لرؤية مصر 2030.
وأوضح أن إدخال عناصر التحول الرقمي في منظومة العمل المصرفي، سيساهم بصورة أكبر في تحسين تقديم الخدمات المصرفية والمالية ، وهو مايؤكده دراسة البنك لإنشاء أول بنك رقمي متكامل في مصر.
الخبيرة المصرفية سهر الدماطي، أشارت إلى أن التكنولوجيا تغير الصناعة المصرفية التي نعرفها ، خاصة مع النمو الكبير في الطلب عليها سواءا من الأفراد أو المؤسسات المالية ، وهو مايدعم بالتأكيد تحويلات المصريين بالخارج خاصة مع توافر العديد من المنصات المالية المبتكرة التي تعزز قوتها رقابة البنك المركزي والثقة التي يمنحها لها .
ونوهت إلى الحياة التي يعيشها الأفراد سواءا داخل مصر أو خارجها تتطلب وسائل مالية رقمية عديدة تتناسب مع متطلباتهم ومايدفعهم نحو الثقة في المؤسسات الرسمية والابتعاد عن السوق السوداء للعملة والتي يحظى نشاطها بمرحلة صعود مؤقتة في الوقت الحالي، وستعود إلى الاختفاء مع تدخلات البنك المركزي الأخيرة لضبط سعر الصرف ، وطرح أوعية ادخارية جديدة تتناسب مع تطلعات المصريين بالخارج .
ولفتت سهر الدماطي إلى أن تكنولوجيا التحويلات المالية ساهمت في تعزيز قنوات إرسال الأموال لكل شرائح المجتمع، بسرعة، وتكاليف منخفضة، وتداول آمن و الحفاظ على خصوصية البيانات، مما دعم تنافسية سوق التحويلات المالية للمهاجرين بظهور الشركات الناشئة القائمة على منصات رقمية وشبكات الهواتف الذكية ، ومساهمتها في دعم معاملات التحويلات المالية الدولية مما يؤثر إيجابا على مصادر النقد الأجنبي و المعيشة و التنمية.
وأكدت على إن وجود إطار عمل جديد للتعاون بين الجهات التنظيمية المالية في الموضوعات المتعلقة بالابتكار من شأنه أن يساعد على بناء قدرات مؤسسية وتعزيز ظروف إطار العمل المتكامل إقليميا من أجل التوسع في تكنولوجيا التمويل عبر الحدود، والمتعلقة بالشمول والاستقرار والنزاهة واعتبارات الحماية. وقد ظهرت بالفعل مبادرات دولية لأطر جديدة للتعاون على نطاق يتجاوز النطاق الإقليمي لاختبار و تجربة أو لتعزيز تقنية البلوك تشين وحلول التكنولوجيا المالية
من جانبه قال الخبير المصرفي محمد عبد العال ،أن دخول البنوك المصرية فى شراكات مع شركات الحوالات الرقمية أصبح ضرورة في الوقت الحالي لدعم تحويلات المصـريين العاملين بالخارج وتيسير الإجراءات عليهم، مؤكدا على أن العديد من البنوك بخلاف التحويلات المالية المبتكرة يجب أن تقوم أيضا بتوفير العديد من المنتجات البنكية التي تساهم في جذب ودائع المصريين بالخارج عن طريق الفروع أو المراسلين،ومكاتب التمثيل بالخارج، إلى جانب توفير سبل فتح الحسابات وتسهيل إجراءاتها بطريقة مرقمنة والبعد عن الروتين في كافة التعاملات.
وأكد على ضرورة التوسع فى خدمات الإنترنت البنكي بكافة مجالاته المتطورة عبر التطبيقات الذكية والمنصات المتطورة، وذلك لكي يتمكن أى عميل بنكي من التحكم في حسابه من الخارج ومتابعة أرصدته وأيضا من إنشاء الشهادات المالية بالجنية المصري والدولار، والقيام بكافة العمليات المصرفية المتعددة عن بعد.
وأشار محمد عبد العال، إلى أنه من الضرورى أيضا إتاحة بعض الحسابات التى تعمل على تشجيع العاملين بالخارج على إيداع العملة الأجنبية بطريقة رقمية وذلك عن طريق منحهم متوسط سعر بين سعر البيع والشراء المعلن من البنك وبصورة أتوماتيكية عند التحويل من الخارج إلى هذه الحسابات، والتى يمكن فتحها بأسماء ذوى المصريين العاملين بالخارج.
من جانبه قال إبراهيم الشربينى، رئيس قطاع التحول الرقمى فى بنك مصر، إن القطاع المصرفي المصري يضع تحسين تجربة العميل على قائمة أولوياته سواء داخل مصر أو خارجه ، لافتا إلى أن العديد من البنوك العاملة في السوق المحلية بدأت خلال السنوات الاخيرة في تفعيل نظام البيج داتا وأيضا الاندماج داخل المنظومات المالية الرقمية العالمية، والتي يساعد على تلبية متطلبات كل عميل وفقًا لاحتياجاته الضرورية.
وأشار إلى أنه خلال 2021 فقط شهدت مصر 20 شركة ناشئة جديدة في مجال التكنولوجيا المالية وزيادة في التمويل بنسبة 300%، وهو مايشير لنمو هذه الصناعة ومايمكن أن تحدثه في ملف تحويلات المصريين بالخارج ، خاصة مع دمج الأوعية الادخارية الجديدة المقرر طرحها داخل المنظومة المالية الرقمية مع استهداف دول بعينها.
ويتركز معظم المصريين المقيمين بالخارج، فى كثير من الدول العربية بنحو 5 ملايين، بنسبة %68، وتستحوذ السعودية على نحو 3 ملايين مصرى يعملون هناك، بينما تأتى دول الأميركيتين فى المرتبة الثانية.
ونوه إبراهيم الشربينى، أن التحول الرقمي يساهم بشكل كبير في أن تصبح كل مؤسسة مالية قادرة على تقديم خدمات لعملائها بطريقة أسهل وأسرع وأمن، موضحًا أن بنك مصر بدأ منذ 3 سنوات في رحلة التحول الرقمي بوضع قائمة بكل الخدمات المقدمة لعملاء البنك سواء الأفراد أو الشركات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة وقام بدراستها من كافة الجوانب، وبناء على ذلك وضع قائمة بالخدمات ذات الأولوية للتحول الرقمي وبدأ في العمل عليها واحدة تلو الأخرى وهو مايتطلب فعله مع المصريين في الخارج عبر دراسة الخدمات الرئيسية التي يحتاجونها وتفعيلها في أقرب وقت.
وتابع، أن الفترة المقبلة ومع التوسع في الخدمات المالية المقدمة للمصريين في الخارج، يجب أن يتعاون كافة اللاعبين الرئيسين في صناعة التكنولوجيا المالية مع بعضهما لتحقيق التحول الرقمي المنشود، خاصة وأن البنك المركزي المصري يقوم بدور استراتيجي هام في فتح هذا التعاون ودعم المنظومة بأكملها خلال الفترة الماضية.
ولعب البنك المركزي المصري خلال السنوات الأخيرة دورًا كبيرًا في تأسيس أركان النظام المالي الرقمي في مصر، وتنفيذ خطة شاملة لتعزيز عملية التحول الرقمي وتطبيق الشمول المالي، مدعومًا بإرادة القيادة السياسية الداعمة للنهوض بالدولة، وبناء جمهورية جديدة يحظى فيها المواطن بحياة كريمة وبأدوات مالية رقمية تسهم في تسهيل حياته، وتساعد على دمج الاقتصاد غير الرسمي داخل المنظومة الرسمية.
ونجح «المركزي» في الفترة الأخيرة وتحديدًا منذ تأسيس المجلس القومي للمدفوعات، في تحقيق طفرة غير مسبوقة في التحول الرقمي، حيث تم تنفيذ أكثر من مليار معاملة إلكترونية بقيمة 2.8 تريليون جنيه خلال العام الماضي 2021 كما أطلق البنك المركزي مؤخرًا، شبكة المدفوعات اللحظية والتي تمثل طفرة غير مسبوقة في المعاملات المالية والمصرفية بالسوق المصري، حيث أنها تمكن المواطنين من تنفيذ معاملاتهم المالية وتحويلاتهم المصرفية بين مختلف الحسابات في كافة البنوك بشكل لحظي، وهو ما من شأنه أن يلعب دورًا كبيرًا في عملية التحول إلى مجتمع لا نقدي وتعزيز الشمول المالي.
ووفقًا لمسح أجرته AdvantEdge Digital ، وهي وحدة تابعة لمجموعة CUNA Mutual Group، وجدت أن 3 من كل 10 أشخاص سيتركون مزودي الخدمات المصرفية التقليديين إذا وجدوا تجربة مصرفية أفضل عبر الهاتف المحمول في مكان آخر، وهو ما يؤكد أن التغيير لن يحدث بعد 5 أو 10 سنوات، ولكنه يحدث الآن، حيث ارتفع عدد الأشخاص الذين يقولون إنهم يخططون لتغيير مؤسستهم المالية التقليدية خلال عام أو عامين على الأكثر من 12% سنويًا إلى 22%.
وأشار تقرير لشركة Cornerstone Advisors، أن حجم التهديد الذي يشكله مقدمي الخدمات الرقمية للبنوك التقليدية ارتفع من 14% خلال 2020 إلى 28% خلال العام الحالي، بالإضافة إلى ارتفاع التهديد الذي تمثله شركات التكنولوجيا المالية مثل PayPal و Credit Karma – من 29% إلى 36% خلال 2021.
ويربط الكثير من الناس الموجة الحالية لنمو التكنولوجيا المالية والبنوك الجديدة بجائحة «كورونا»، والتي أدت بالفعل إلى تسريع وتيرة التحول، إلا أن توقعات المستهلكين هي التي غيرت من قواعد اللعبة حتى قبل ظهور الوباء، حيث أن شخصًا واحدًا من كل شخصين يعتمد الآن على الموقع الإلكتروني الخاص بمؤسسته المالية أو تطبيق الهاتف المحمول الخاص بهم، من خلال استخدام أحد هذه الخدمات مرة واحدة على الأقل في الأسبوع، مقارنة بـ 32% قبل عامين ، وفقًا لـ CUNA Mutual.
وأوضح التقرير أن 46% من مستهلكي الخدمات المصرفية يفضلون إجراء تجربة رقمية بالكامل، كما أنهم لم يقوموا بزيارة أي فرع للبنك خلال الأشهر الثلاثة السابقة، وهو ما يحتم على البنوك أن تفكر الآن، ليس فقط في التحكم في الضرر، ولكن أيضًا في استراتيجيات الحفاظ على عودة المستهلكين إلى منصاتهم الرقمية.