Follow ICT
شعار الموقع الاساسى
جايزة 160
جايزة 160

سعد على الحاج يكتب: الذكاء الاصطناعي..ماذا عن المشهد التقني؟

لعلنا نتساءل بداية عما يقصد بالجانب التقني لمشهد الذكاء الاصطناعي. إنه الجانب الذي يختص بالمنجزات التقنية التي تقدمها الجهات المتخصصة، بما يشمل ما توفره من معطيات على أرض الواقع من جهة، وما تقوم به من تطوير يسعى إلى تحديث معطيات سابقة، أو إلى ابتكار معطيات جديدة غير مسبوقة من جهة أخرى.

ويستفيد هذا الجانب بالطبع من معطيات جانب البحث والتطوير، في مشهد الذكاء الاصطناعي ، لكنه يتميز عنه في التوجه نحو الاقتراب أكثر من المتطلبات المحسوسة والكامنة على أرض الواقع، وسنعتمد في طرح مشهد هذا الجانب على حقائق تقرير ستانفورد.

لعل من أبرز منجزات الذكاء الاصطناعي تلك التي ترتبط بموضوع تمكين الحاسوب، أو الآلة، من الرؤية. ويعرف هذا الموضوع على أنه “تعليم الآلة ما يلزم لكي تستطيع رؤية الصور الثابتة، والصور المتحركة، واستيعاب مضامينها”. ويشمل ذلك تطوير الآلة بحيث تستطيع تنفيذ مهمات متعددة.

تتضمن هذه المهمات: القدرة على تمييز الصور وتصنيفها، وعلى كشف الوجوه وتعريف أصحابها، وعلى كشف الخداع، والخداع العميق، عند الحاجة، وعلى تجزئة مكونات الصور موضوعيا وتحليلها، بما يشمل الصور الطبية الخاصة بتشخيص الأمراض، إضافة إلى القدرة على إبداء أسباب نتائج تحليل الصور، وغير ذلك.

لعل من أهم تطبيقات مهمات رؤية الآلة المستخدمة، المتوافرة على أرض الواقع، والخاضعة للتطوير المستمر، كلا من: القيادة الآلية للمركبات، والنظر في التجمعات الجماهيرية واستيعاب مكوناتها، والتشخيص الطبي، وتحليل ما يجري في الألعاب الرياضية وتحكيمها، وتطوير ألعاب الفيديو، وغير ذلك.

ولا تقل أهمية موضوع تمكين الآلة من معالجة اللغات الطبيعية، عن أهمية موضوع تمكينها من الرؤية. ويعرف هذا التمكين على أنه اكتساب الآلة، بمعنى الأنظمة الحاسوبية، القدرة على فهم النصوص.

وتشمل المهمات التي يجري العمل عليها لتحقيق ذلك: فهم اللغات وعلى رأسها اللغة الإنجليزية الأكثر انتشارا وتداولا حول العالم، والقدرة على تلخيص النصوص، وعلى كشف المشاعر في مضامينها، والقيام بالاستدلال اللغوي، وتنفيذ مهمات متعددة بشأنها في وقت واحد، إضافة إلى التمكن من الترجمة بين اللغات الإنسانية آليا، وغير ذلك

من أهم تطبيقات مهمات معالجة اللغات الطبيعية، المستخدمة والخاضعة للتطوير المستمر، ما يعرف بالنماذج اللغوية. وشهد عام 2022 ظهور عدد من هذه النماذج، لعل أشهرها نموذج “المحاور المدرب تشات ـ جيبيتي” الذي أطلق في نوفمبر 2022، من قبل شركة “العين المفتوحة ـ أوبن ـ آي”، ونال شهرة كبيرة وهو متوافر حاليا وخاضع للتطوير المستمر في مواجهة منافسات من نماذج أخرى ظهرت، وربما نجد مزيدا منها في المستقبل.

هناك موضوعات في الذكاء الاصطناعي تهتم باستخدام قدرات هذا الذكاء في تفعيل نشاطات بعض الموضوعات العلمية، وتعزيز تقدمها البحثي. ومن ذلك موضوع الإسهام في علوم الاندماج وتوليد الطاقة، عبر خوارزميات ذكاء اصطناعي قادرة على التعلم واكتشاف إجراءات أفضل للتعامل مع بلازما الهيدروجين في الأجهزة المعالجة لشؤون الاندماج.

من الموضوعات الأخرى الخاصة بتفعيل التقدم العلمي، موضوع معالجة الجداول واكتشاف خوارزميات جديدة، غير مسبوقة، تتمتع بفاعلية أكبر في التطبيقات العلمية المختلفة. ثم هناك موضوع قيام الذكاء الاصطناعي بتصميم شرائح جديدة من الدوائر الإلكترونية تفوق في كفاءتها الشرائح المتوافرة حاليا. يضاف إلى ذلك موضوع إسهام الذكاء الاصطناعي في اكتشاف أدوية جديدة غير مسبوقة، عبر دراسة حالات مختلفة لمضادات الجسم البشري.

يضاف إلى ما تقدم موضوعات تختص بإيجاد وسائل للارتقاء بالإمكانات العامة لقدرة الذكاء الاصطناعي على التعلم. وهناك، في هذا المجال، منتج يقوم بتعزيز قدرة هذا الذكاء على تعلم المهارات العامة، عبر إضافة وسائل خاصة تعرف بعملاء التعلم إلى تكوينه، حيث تقوم هذه الوسائل بتنفيذ النشاطات اللازمة لتحقيق هذا الارتقاء. وتجدر الإشارة أيضا إلى أن هناك وسائل حاسوبية مادية خاصة تستطيع العمل على تفعيل أداء عمليات التعلم، ومن ذلك وحدات معالجة الأشكال، ووحدات معالجة الرموز. وتسهم هذه الوحدات في تسريع تدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي.

لعل من المناسب النظر، ليس فقط إلى ما يقدمه الذكاء الاصطناعي، بل إلى الأثر التقني البيئي السلبي الناتج عن استهلاكه الطاقة، بما في ذلك الطاقة اللازمة لتعليم أنظمته وتدريبها. ويقاس هذا الأثر عادة على أساس حجم الكربون الذي تبثه أنظمة الذكاء الاصطناعي، أثناء نشاطاتها واستخدامها للطاقة.

ليس فيما سبق صورة كاملة للمشهد التقني للذكاء الاصطناعي على مستوى العالم. لكن فيه إبراز لمعالم رئيسة فيه. شملت هذه المعالم معطيات ترتبط برؤية الآلة للصور الثابتة والمتحركة، وتطبيقاتها المختلفة، مثل القيادة الذاتية. وتضمنت هذه المعالم تمكين الآلة من اللغات الطبيعية وتطبيقاتها، مثل النماذج اللغوية التي تأخذ طريقها إلى الانتشار. وبرزت في المعالم أيضا، إسهامات الذكاء الاصطناعي في التقدم العلمي في مجالات مختلفة، مثل مجالات الطاقة المستندة إلى الاندماج. وكانت هناك معالم أخرى مهمة أيضا. والأمل من الشباب، ومن الباحثين، التوجه نحو استيعاب مزيد من المعطيات التقنية للذكاء الاصطناعي، واتخاذ موقف الفعل والإسهام فيها، وليس فقط الانفعال والتأثر بها.

سعد علي الحاج

أستاذ في كلية علوم الحاسب والمعلومات – جامعة الملك سعود

deel