ريادة الأعمال نشاط إبداعي، البعض يصنفونه حالياً كأهم نشاط إبداعي ويقارنوه بكتابة القصص وتأليف الموسيقى.
لكن هذا النشاط له قواعد ومبادئ يمكن تعلمها وتطبيقها وبالتالي تصل الشركات الناشئة لمكانة كبيرة وتحقق أهدافها،
من أهم القواعد في هذا المجال قاعدة التأكد من صحة الفكرة.
ومن أجل الوصول لهذا التأكيد على صحة الفكرة ووجاهتها هيا بنا نفكر في لحظة البداية التي تأتي لأي رائد أعمال، نسميها لحظة “وجدتها” أو يوريكا مثلما قال أرشميدس حينما وجد حل لمشكلة التأكد من التاج الذهبي.
“لحظة ما تأتيك فكرة قوية وجبارة لتسيطر على فكرنا ومشاعرنا وتجعلنا نهرع لنحكيها للعائلة و الأصدقاء، تقريباً بتحرمنا من النوم لأيام طويلة وتجعلنا لا نكاد نتوقف عن التفكير فيها و بالتالي نجري من أجل التنفيذ في أسرع وقت، ثم بعد شهور من العمل الجاد والدؤوب، تكتشف فجأة إنك ضيعت شهور من عمرك وأنت بتبني شيء عظيم جداً ويعمل بكفاءة لكن للأسف، لا يوجد له زبائن”.
وهنا نتذكر كلمة توماس أديسون الخالدة: أي شيء لا يمكن بيعه لا يهمني اختراعه، فالبيع دليل الحاجة والاستخدام دليل النجاح.
لذلك فالتساؤل المهم، هل من الممكن تجنب ذلك المصير من البداية؟
الإجابة هي “نعم” ولكن كي يمكننا تجنب هذا فلابد أولاً أن نقاوم تلك الرغبة الملحة والمستمرة في سرعة التنفيذ ونأخذ لحظات من التفكير ولبرهة من الزمن في السؤال الوجودي القائل: هل هذه النسخة من فكرتك تستحق الوقت والمجهود والموارد؟ هل هذه مشكلة تستحق أن نبحث لها عن حل؟
إذا لم نسأل هذا السؤال ونبحث له عن إجابة فنحن قد وضعنا العربة أمام الحصان أو بمعنى آخر قلبنا الترتيب الطبيعي لبدء شركات ناشئة.
ولذلك فنحن نحتاج لما يطلق عليه التأكد من الفكرة.
لابد من العمل طبقا لخطوات محددة ودقيقة، هذه الخطوات تتلخص في:
– إنشاء خطة للبحث
– التأكد من صحة الفرضيات مع الخبراء
– البحث عن العملاء
– كتابة عرض تقديمي للمصعد (Elevator Pitch)
وبما أن الهدف الرئيسي هو إنقاذ أثمن ما نملكه من موارد كبشر وهو الوقت وكذلك المجهود والمال، فإن المتوقع إنجازه بعد تحقيق الأربعة خطوات السابقة هو:
– معرفة المنافسين وتحديد كيف يمكن تقييمهم
– صقل الفكرة وتحسينها بعد الحصول على رأي الخبراء والعملاء المحتملين
– تحوير الفكرة بما يجعلها جذابة بالنسبة للمستثمرين
ولنبدأ بالخطوة الأولى وهي إنشاء خطة البحث، فخطة البحث لابد أن تجيبك عن ثلاثة أسئلة جوهرية:
هل فعلاً المشكلة التي تحاول حلها مؤلمة بما يكفي للعملاء بما يجعلهم يرغبون في استخدام ما تقدمه لهم؟
هناك العديد من المشكلات التي تبدو مؤلمة ولكن بدراستها عن قرب سنجد أنها ليست مؤلمة بما يكفي ويمكن التعايش معها، هذه النوعية من المشاكل لا يمكن ان تؤدي لبناء شركات ناشئة
هل يوجد منافسين حاولوا أو يحاولون حالياً حل نفس المشكلة؟ وهل يمكننا منافستهم؟
هل يوجد سوق كبير بما يكفي كي يمكن للشركة النمو من خلاله؟ هل الفرصة كبيرة بما يكفي؟
أما خطوات إنشاء خطة للبحث فيجب أن تكون كما يلي:
– وضع أهداف البحث
– إيجاد مصادر موثوق منها
– تقييم نتائج البحث
ولنبدأ بوضع أهداف البحث
أهداف البحث لابد أن تتركز في الإجابة عن هذه الأسئلة:
ما المشاكل التي ستقوم شركتي الناشئة بحلها؟ وما مدى المعاناة المترتبة على هذه المشكلة؟
من هم الفئات التي تعاني من هذه المشكلة أشد معاناة؟
من يحاول هذه المشكلة من المنافسين في السوق وما مدى قوتهم؟
ولنبدأ بالسؤال الأول وهو أهم سؤال، ماهي المشكلة التي ستقوم بحلها وما مدى المعاناة في هذه المشكلة؟
إن نظرنا فيما حولنا من أدوات وأجهزة وبرامج كفيل بأن يعطينا فكرة عن كل مشكلة تسببت في أيجاد هذا الحل، لماذا بحثنا عن التليفون؟ كي نحل مشكلة التواصل عن بعد، لماذا اخترعنا السيارة، كي نحل مشكلة تعب حيوانات الجر مثل الحصان، ولماذا بحثنا عن الأنترنت؟ كي نحل مشكلة البحث عن المعلومات.
لننظر معاً على مجموعة من الشركات في مصر ونسأل هذا السؤال، لماذا وجدت هذه الشركة وما المعاناة التي وجدوا من أجل حلها؟
– فوري: لحل مشكلة الطوابير والزحام في دفع الفواتير
– سويفل: لحل مشكلة ازدحام المواصلات العامة وعدم انتظام مواعيدها
– طلبات (أطلب): لحل مشكلة الزحام المروري والاحتياج للنزول من المنزل لشراء وجبات جاهزة
أما السؤال الثاني فهو سؤال عن حجم السوق بالأساس، فالسؤال عن الفئة الأكثر تضرراً بالمشكلة سيؤدي حتماً لسؤال عن حجم الفئة المستهدفة وهذا السؤال يبدأ بالإجابة عن “حجم السوق الذي يمكن الوصول له” Total Addressable Market.
وهنا نبدأ بالبحث في إحصائيات السوق، وأهم مصادرنا في مصر هي الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء و ده الحقيقة كنز مدفون و مليء ببيانات رائعة لكنها تحتاج لبحث موسع وأحياناً البحث في احصائيتين أو ثلاثة، كمثال فأنا أردت البحث عن إحصاء دقيق لحجم المتعطلين من خريجي كليات التربية في مصر خلال الخمسة سنوات الأخيرة، فكان لابد من البحث في احصائيتين مختلفتين، أحدهما هي إحصائية خريجي الجامعات و سنجدها في باب احصائيات التعليم العالي و التدريب و البحث العلمي، بينما الإحصائية الأخرى كانت إحصائية حجم الوظائف المتاحة لخريجي التعليم العالي في مجال التعليم و كانت موجودة في باب سوق العمل و الهجرة و بدمج بيانات الأحصائيتين وصلت للأرقام المطلوبة.
ميزة الأرقام إنها لا تكذب وتعطي صورة حقيقية لحد كبير عن حجم أي سوق، ولذلك لابد من تفصيص أي سوق لمكوناته وتقدير حجم كل شريحة ثم البدء في وضع حجم معقول للمستهدف في كل شريحة.
ولابد من الحذر من الغلطة الشائعة وهي اننا نقدر حجم المستهدف بنسبة ١٪ من السوق، في الحقيقة ده اسمه استسهال وكسل من رواد الأعمال، أحياناً ١٪ بتكون رقم صعب واحياناً سهل جداً وأحياناً مستحيل في أول ٣ سنين، ولكي أعطيكم مثال لهذا، حتى اليوم هناك شركات لتصنيع أجهزة المحمول لم تصل نسبتها في السوق العالمي ل ١٪ مع إن حجم مبيعاتها بالملايين!.
حجم المستهدف من السوق لابد أن يبنى من أسفل لأعلى، يعني لابد من تقدير حجم قوتك العاملة وحجم ما يمكنك صرفه وعمل تقدير لحجم ما يمكنك الوصول له بناء على قدراتك والعرف في السوق من ميزانيات الحصول على عملاء Customers Acquisition Cost.
أما السؤال الأخير في أهداف البحث فيجب أن يتمحور حول المنافسين في السوق
فإذا كنت قد وصلت لمشكلة تستحق الحل، فالغالب أن هناك شخص ما أو جهة ما قد توصلت لذلك أيضاً، وهنا يجب عليك البحث بدقة من هم هؤلاء؟
المنافسة شيء جيد، لأنها تعني في الغالب أن هناك بالفعل مشكلة تستحق الحل، أصاب بالقلق عادة عندما يأتيني رائد أعمال ليقول إنه بلا منافس!! في الغالب هو لم يبحث جيداً، جوجل موجود لهذه المشكلة، أرجوك ابحث بدقة واستخدم كلمات بحث مناسبة ومتعددة
وبمجرد التعرف إلى المنافسين عليك البحث عن تفاصيل أكثر، ربما كانوا قد أغلقوا من سنين أو حديثاً وفي الغالب هذا ليس بخبر جيد!! فربما سبب الأغلاق أن المشكلة لا تستحق الحل أو أن السوق غير موجود بالأساس، ولو وجدتهم لايزالون في السوق فعليك بالبحث عن كيفية حلهم للمشكلة فربما كانوا يستخدمون تقنية مختلفة وربما كان أفضل مما تنويه أو ربما كان أسوأ!!
تحليل سوات SWOT هنا مناسب، حيث يمكنك تحليل مصادر قوتهم Strength وكذلك نقاط ضعفهم Weakness وكذلك فرصهم Opportunities و الأخطار التي تواجههم Threats ومقارنتها بما لديك جيداً.
وتجنب أكثر الأخطاء شيوعاً هنا وهو إهمال المنافسين من عالم ما قبل التكنولوجيا أو اهمال منافسين في مجال آخر ولكنهم يقدمون حل للمشكلة
من أشهر أمثلة ذلك، عندما أهملت كوداك المنافسين من شركات لم تكن في مجال منافستهم، وكان ذلك سبباً لتدميرهم، فإهمال الديجيتال كاميرا من سوني وكانون و نيكون، دمر كوداك التي كانت تنظر فقط لأجفا و فوجي فيلم كمنافسين!.
وبذلك نكون قد أجبنا على أهم ثلاثة أمثلة في هذا الجزء من البحث وهو تحديد أهداف البحث، وفي المقال القادم نستعرض كيفية إيجاد المصادر الموثوقة للبحث وكيفية تقييم نتائج البحث.
تحليل كتبه: تامر أحمد
خبير واستشاري ريادة الأعمال
شريك مؤسس لشركة ArabCBT