تعد عملية بناء أبراج المحمول في مصر من أكثر الأمور تعقيدا في قطاع الاتصالات المصري، لما تحتاجه من تكاليف استثمارية ضخمة وتصريحات من جهات عديدة والحصول على الكثير من الموافقات، إلى جانب الكثير من التحديات البيئية والمجتمعية التي تواجه عمليات بناءها رغم الضمانات الصحية التي تلتزم بها الشركات، ويراقبها بالتزام شديد الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات.
وهو ما دفع الكثير من شركات الاتصالات العاملة في السوق المحلية خلال السنوات الماضية إلى اتباع سياسات أحادية في تنفيذ العديد من الأبراج على مستوى الجمهورية، ومواجهة الكثير من المشكلات على الأرض سواء من بعض الأجهزة الحكومية أو حتى في مواجهات مباشرة مع بعض الأفراد رغم الحصول على التراخيص اللازمة، والنتيجة حدوث مشكلات عديدة في جودة الخدمة ببعض المناطق نتيجة عدم تغطيتها بالشكل المناسب أو إزالة بعض الأبراج من الأحياء، وهو ما دفع الرؤساء التنفيذيين للشركات التصريح علنا بأن المسألة “تتخطى قدراتهم في هذه المشكلات”.
الحلول اتجهت إلى تفكير الشركات في بيع بعض من أصولها على هيئة أبراج تقوية، لاعتماد نموذج التأجير ومشاركة الأبراج في نسبة من عملياتها التشغيلية لتحسين جودة الخدمة، لضمان التشغيل السلس للبنية التحتية للاتصالات التي تعد أبرز عناصرها أبراج الاتصالات لضمان الاتصال غير المنقطع على مدار الساعة، أو حتى تفكير الدولة في إنشاء شركة خاصة لإنشاء أبراج المحمول الجديدة.
ويمثل ملف تطوير البنية التحتية للاتصالات اللاسلكية أحد البنود الهامة في جدول أعمال القيادة السياسية، فالرئيس عبد الفتاح السيسي كلّف في منتدى أفريقيا للاستثمار نهاية عام 2019 بضرورة إنشاء 20 ألف برج محمول في مصر لتحسين جودة خدمات الاتصالات في أقل وقت ممكن، وفي أعقاب هذا التصريح شهد الرئيس ووزير الاتصالات العديد من المقابلات مع الرؤساء التنفيذيين لكبرى شركات الاتصالات العالمية العاملة في مصر لمناقشة هذا الملف الحيوي، حيث من المتوقع إنشاء شركة متخصصة فى مجال تدشين أبراج المحمول خلال الفترة المقبلة كحل مثالي!
وكشفت مصادر رفيعة المستوى لـ FollowICT أنه يتم الآن الإسراع في (ملف أبراج المحمول)، حيث تم تشكيل مجلس إدارة خاصة لشركة «أبراج مصر» وهي الشركة التي ستكون مهمتها إعادة تنظيم وضبط منظومة أبراج المحمول للشركات العاملة في السوق المصري، وتم تشكيل مجلس إدارة الشركة برئاسة الدكتور محمد سالم وزير الاتصالات الأسبق وممثلين عن الجهات المالكة للنسب المذكورة، وأن شركة (أبراج مصر) وضعت تصور شامل وكامل لشكل أبراج المحمول في السوق المصري في المرحلة المقبلة، على أن تكون مسئولية بناء وإدارة أبراج المحمول من اختصاصات الشركة الجديدة وتكون هي المالكة للأبراج ومن ثم تقوم بتأجيرها لشركات المحمول الأربعة العاملة في السوق المصري.
وبحسب مخطط شركة أبراج مصر، الذي تنفرد FollowICT باستعراض تفاصيله، فإن التصور الذي وضعته يقضي باستقطاب شركة أجنبية ذو خبرات كبيرة في هذا المجال وتكون شريك بنسبة 80% من الشركة التي سيتم تأسيسها لامتلاك وإدارة وتأجير أبراج المحمول في مصر، وتكون الـ20% المتبقية ملكًا لشركة أبراج مصر، وبالفعل تقدمت 3 شركات عالمية بعروض لشركة أبراج مصر، إلا أن شركة منهم تم استبعادها وجاري فحص الشركتين الأخرتين وفقًا للاشتراطات الفنية والأمنية.
وأشارت المصادر، إلى أن الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات أصدر تصوّر كامل بالمواصفات الفنية والشروط الواجب توافرها في الشركة التي ستدير منظومة الأبراج في مصر، خاصة وأن توجيهات سيادة الرئيس السيسي بأن تكون هناك جهة واحدة مسئولة عن الأبراج ولا تبني كل شركة أبراجها بنفسها ما يحقق عدالة في وصول الخدمات للجمهور في مناطق محرومة، بجانب المساهمة في خفض نفقات الشركات على بناء الأبراج وتوفير استثماراتها لتحسين وتجويد الخدمات المقدمة للجمهور.
وكشفت المصادر أن المخطط يقضي بأن تتقدم الشركة الجديدة بعروض مالية لشركات لشراء أبراج المحمول التي تمتلكها الشركات حاليًا، بجانب أنها ستكون مسئولة عن توحيد بناء الأبراج الجديدة في السوق المصري والمدن الجديدة، وذلك بهدف تحسين الشكل العام للأبراج المنتشرة في السوق المصري، وتوزيع الخدمات بشكل عادل وفقًا للكثافة السكانية.
وأكدت المصادر أن الشركة الجديدة ستكون معها كافة الموافقات والتراخيص والتسهيلات التي تستلزم بناء الأبراج في كافة المدن والقرى المصرية، مما يخفض من وقت بناء الأبراج التي كانت تأخذ وقتًا طويلًا مع شركات المحمول، وتحفّظ المصدر على ذكر اسم الشركتين اللتين تقدمتا بالعروض، مؤكدًا أنهما شركات عالمية ولهما خبرات كبيرة في هذا المجال.
ومن هنا، تطرح FollowICT التساؤل الأهم.. هل تنهي هذه الخطوات إرث الماضي وهل تكون حلا مثاليا للشركات؟
مصادر بشركات المحمول رحبت بفكرة وجود شركة تقوم بمهام بناء الأبراج التشاركية، مؤكدين على أنه في حالة تم إطلاق الشركة سيدرسون عروض الأسعار للإيجار، وكذلك عروض بيع الأبراج الحالية التي تمتلكها شركات المحمول والبالغ عددها في المتوسط بين 25 و 30 ألف، وذلك وفقًا للاستثمارات التي تم ضخها في الأبراج المبنية حاليًا بالمقارنة مع عوائد الاستثمار المتوقعة منها بشكلها الحالي.
وأكدوا أن مشاركة الأبراج بين الشركات يحمل الكثير من الفوائد الاستثمارية والتشغيلية، وسيدفع الصناعة إلى مستويات أفضل على مستوى تقديم خدمات عالية الجودة، بتكلفة أقل، مستشهدين بالشراكة الناجحة بين المصرية للاتصالات واتصالات مصر، حيث تقدم المصرية للاتصالات خدمات المحمول عبر شبكة شركة اتصالات مصر بعدما قامت بتوقيع اتفاقات تجارية معها تتعلق بالتجوال المحلي وخدمات الصوت الدولية وذلك لمدة خمس سنوات.
وتستثمر شركات الاتصالات العاملة في السوق المحلية نحو 20 مليار جنيه سنويًا لتطوير وتحديث البنية التحتية لشبكاتها، ويبلغ متوسط تكلفة إنشاء محطة واحدة للمحمول ما بين 60 و100 ألف دولار، بينما ارتفعت أسعار إيجارات متر الأراضي التابعة لوزارة الموارد المائية والرى والمخصصة لإقامة محطات بث شبكات التليفون المحمول بنسبة 1100% لتصل إلى 3 آلاف جنيه سنوياً للمتر الواحد.
ووفقا لتقارير لجولدمان ساكس تصل نسبة مشاركة الأبراج بين شركات المحمول في أوروبا إلى 20 %، ومن المتوقع أن ترتفع تلك النسبة إلى الضعف خلال السنوات المقبلة مع التحركات التي شهدها قطاع الاتصالات في دول القارة من عمليات بيع الشركات لأبراجها خلال عام 2020 كحل استثماري لتوفير سيولة مالية ولإدارة هذه الأبراج بكفاءة، وترتفع نسبة المشاركة في أبراج المحمول إلى 70% في دول أمريكا الشمالية خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وكندا.
وطالبت المصادر بضرورة تسهيل تراخيص إنشاء أبراج المحمول التى تواجه معضلات كبيرة خلال الفترة الحالية وذلك كحل عاجل لحين إنشاء الشركة المنتظرة، خاصة في ظل نمو السوق العرضي ، ودخول العديد من المدن الجديدة وشبكات الطرق.
في لقائه مع الرئيس السيسي في ديسمبر الماضي، أوضح نك ريد”، الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب لمجموعة “فودافون” العالمية، أن “فودافون” سوف تستشرف فرص إجراء تجربة تشغيلية للجيل الخامس (5G) من شبكات المحمول بالعاصمة الإدارية الجديدة، نظراً للبنية التحتية الحديثة بها، وكذلك لاستضافتها جامعة “مصر المعلوماتية” التي تعد الوحيدة من نوعها في الشرق الأوسط وأفريقيا.
وباعتبارها متحدثة باسم الشركة في مصر، أكدت نهى سعد أن لقاء رئيس شركة فودافون العالمية عالمية بالرئيس السيسي تطرق إلى حصول الشركة على وعود على أعلى مستوى بالحصول على دعم من الدولة ووزارة الاتصالات والجهاز القومي لتنظيم الاتصالات لحل مشكلة أبراج المحمول والتي تواجه الشركة ووصلت إلى أن بناء برج يستغرق بين 6 إلى 8 أشهر.
فالمهندس حازم متولي، الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب لشركة اتصالات مصر، أكد أن الشركة تواجه صعوبات إدارية وفنية في بناء الأبراج الجديدة على مستوى الجمهورية، معقبا “إن ملف مشكلات جودة خدمة المحمول لو كان بيد الشركات لانتهت وتم حلها”.
وأشار إلى أن عدد محطات أبراج المحمول التابعة للشركة يتجاوز حاليا أكثر من 8 آلاف، مبينا أنه من الصعوبة حل جميع مشكلات العملاء التي تتعلق بعوامل كثيرة منها تغطية وسرعة الشبكة نفسها.
وتوافق معه محمد عبد الله الرئيس التنفيذى لفودافون مصر، والذي أشار إلى أن الشركة تواجه مشاكل في بناء أبراج المحمول لتحسين مستوى الخدمة وهي الحصول على تراخيص لبناء أبراج جديدة لتوفير التغطية اللازمة لمشتركيها، وكذلك طول مدة إصدار التراخيص، وعدد الموافقات اللازمة لإنشاء البرج الواحد والتي تصل إلى 24 موافقة في بعض الأحيان تستغرق نحو عام.
وأضاف عبد الله، أن هناك مشاكل أخرى تتعلق برفض بعض الأهالي إنشاء الأبراج في حين أنها تشتكي من ضعف الخدمة، مشددا على ضرورة توعية المواطنين بأهمية إنشاء الأبراج لتحسين مستوى الخدمة.
وهذه التصريحات تتوافق مع مناقشات الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء مع الدكتور عمرو طلعت، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الأسبوع الجاري، والخاصة بخطة التوسع فى إنشاء أبراج جديدة، بما يضمن رفع كفاءة خدمات التليفون المحمول المقدمة للمواطنين بمختلف مناطق الجمهورية، سواء بالمحافظات أو المدن الجديدة، وذلك وفق مجموعة من الضوابط المحددة التى يتم تطبيقها فى هذا الشأن، منوهاً إلى ما يتم تقديمه من تيسيرات لإجراءات الحصول على تراخيص لإقامة تلك الأبراج.
وفي رسالة مقتضبة لنشرة FollowICT، أكدت الشركة المصرية للاتصالات على أنها تحرص على مد كابلات الفايبر إلى جميع أبراج المحمول، مشددة على أن معظم الأبراج حاليا تم مد كابلات الفايبر إليها لتحسين خدمات الاتصالات المقدمة وذلك في إطار رؤية الشركة الطموحة للعمل على تحسين مستوى الخدمات المقدمة للعملاء والاستفادة من الطلب غير المسبوق على خدمات الاتصالات وبشكل خاص خدمات البيانات من خلال تقديم منتجات مميزة ذات قيمة عالية لعملاء الشركة من الأفراد والشركات.
“ضرورة ضبط منظومة أبراج المحمول في مصر بحزمة قرارات ضرورة قصوى” وفقا للدكتور خالد شريف مساعد وزير الاتصالات الأسبق، والذي أكد أن المنظومة تعاني من العشوائية وعدم التجانس ولم تعد الحل الأمثل بصريًا وبيئياً، فمصر لديها 4 شركات للمحمول وكل شركة منهم تبني محطاتها بشكل مستقل وبالتالي نجد كثير من الأبراج قريبة من بعضها في كثير من المناطق الحيوية وأصبحنا نعيش في غابات من الأبراج.
وقال إن الأبراج يجب أن تكون تشاركية للشركات الأربعة، ما يوفر استثمارات ويحسن من مستوى الخدمة ويساهم في تقليل التلوث البصري للأبراج، مؤكدًا أنه حان الوقت للخروج من الحلول الكلاسيكية للأبراج بشكلها الضخم والتي تغطي مساحات من 5 إلى 6 كيلو متر مربع والاتجاه إلى نشر الخلايا الصغيرة ومحطات التقوية ذات التغطيات والارتفاع المنخفضة التي تغطي مساحات تصل إلى 300 متر مربع، وبتكثيف الاعداد وتقليل الارتفاعات سوف تتحسن الخدمات.
وطالب الدكتور خالد شريف بتحسين استغلال كبائن الـ MSAN التي تملكها الشركة المصرية للاتصالات، وتحسين جدواها الاقتصادية من خلال ربطها بالخلايا الصغيرة Small cells لشبكات المحمول، خاصة وأن الشركة المصرية للاتصالات ممتنعة عن توصيل كابلات الفايبر لأبراج المحمول، وإذا تم توصيل شبكات المحمول بكابلات الفايبر ستحدث نقلة كبيرة في جودة الخدمات المقدمة للجمهور بسبب رفع كفاءة الأبراج.
وأشار إلى أن الشركة المصرية للاتصالات يجب أن تدرك أنها مقدم للبنية الأساسية لكافة الشبكات التي تعمل في مصر وربط شبكات المحمول بكابلات الفايبر لن يمثل ميزة تنافسية لشركات المحمول على الشركة المصرية للاتصالات، خاصة وأن المصرية للاتصالات لديها ترخيص ببناء الأبراج بجانب تقديمها للبنية الأساسية.
الدكتور عثمان لطفي أستاذ الهندسة بجامعة القاهرة وعضو مجلس إدارة الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات سابقا، يرى أن أبراج المحمول في مصر تمثل مشكلة دائمة بسبب عدم التنسيق في بنائها ما يؤثر بشكل كبير على الشكل العام وعلى جودة الخدمات خاصة في المناطق السكنية ذات الكثافات العالية، مشيرًا إلى أن تطور التكنولوجيا يتجه إلى Mini Cells والـ Micro Cells، وهو ما يعني انخفاض الاعتماد على الأبراج الضخمة بشكلها التقليدي ونشر أوسع للتغطية على متوسطات الارتفاع المنخفضة.
وأضاف أنه مع دخول الجيل الخامس ستحتاج شركات المحمول إلى تغيير معداتها من على المحطات الحالية ولكن الأمر يرتبط بنوع الترددات المتاحة وقت إطلاق الجيل الخامس وحتى الآن الرؤية في هذا الملف غير واضحة في السوق المصري، مؤكدًا أن الابراج التشاركية ستكون حلا مثاليا في ظل الظروف الاقتصادية التي يمر بها العالم حاليًا من تخفيض النفقات وتمنح الشركات قدرة أكبر على الانتشار.
على جانب موازي، بدأ الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات منذ شهور في وضع خريطة على مستوى الجمهورية لنشر خدمات الاتصالات ومحطات تقوية المحمول على الطرق الجديدة، وأيضا المدن الجديدة في ظل استراتيجية الدولة المتنامية لإنشاء بنية التحتية للاتصالات تتوافق مع أعلي المعايير الدولية، وعلى رأس هذه المدن العاصمة الإدارية الجديدة.
ويختص جهاز تنظيم الاتصالات، وفقاً للمادة السادسة بقانون الاتصالات، بوضع القواعد الفنية المتعلقة بالسلامة الصحية والبيئية الواجبة الإتباع عند تركيب وتشغيل واستخدام شبكات الاتصالات ومتابعة تنفيذها وتشغيلها، وذلك طبقاً للمعايير التى يتم وضعها بالاتفاق مع الوزارات والجهات المعنية بالدولة، وتصدر بهذه المعايير قرارات من الوزراء المعنيين ورؤساء الجهات المشار إليها.
وبالفعل شكّل الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات بالتعاون مع وزارات الصحة والسكان والبيئة، لجنة متخصصة لدراسة تأثير تعرض الإنسان للموجات الكهرومغناطيسية من محطات وأبراج التليفون المحمول ووضع الضوابط اللازمة لتركيب هذه الشبكات داخل الكتلة السكانية، وانتهت اللجنة بأن المنظمات الدولية المتخصصة قامت بوضع حدود مسموح بها لقيمة كثافة القدرة الصادرة من الأشعة الكهرومغناطيسية التى يمكن للعنصر البشرى التعرض الآمن لها تتراوح بين 0.40 إلى 0.57 مللى وات/سم2 على بعد مسافة تتراوح بين 3.47 إلى 4.46 متر، واعتمدت اللجنة قيمة كثافة القدرة (0.4 مللى وات/سم2 على بعد 6 متر لزيادة الأمان.
ولا يتم تشغيل أي محطة محمول، إلا بعد قيام جهاز تنظيم الاتصالات بواسطة مهندسين متخصصين على أعلى مستوى علمي بمعاينة هذه المحطات، والقيام بالقياسات الفنية اللازمة لتحديد مطابقة المحطات للبروتوكولات الموضوعة وإعطاء شهادات معتمدة بالمطابقة.