محمد أمين: قطار الذكاء الاصطناعي انطلق ولن يستطيع أحد إيقافه.. ومن الذكاء استغلاله وتأهيل البنية التحتية له
أصبح الذكاء الاصطناعي أعظم تحول تشهده البشرية منذ الثورة الصناعية، وهو في طريق صعوده وتطوره، سيحمل دولا إلى مصاف القوى العظمى، كما سيخلف وراءه آخرين في مواجهة مصير غير مضمون.
هكذا وصف محمد أمين، نائب الرئيس الأول لمنطقة أوروبا الوسطى والشرقية والشرق الأوسط وأفريقيا بشركة دِل تكنولوجيز اللحظة الفاصلة التي يمر بها العالم جراء تقنيات الذكاء الاصطناعي، باعتبارها تحولا جذريا وليس مجرد تطور تقني، منوها إلى أن التقديرات تشير إلى أنه بحلول عام 2030 سيتحول أكثر من ثلث الاقتصاد العالمي إلى اقتصاد رقمي وبالتالي الدول التي تتحول رقميًا وتؤسس لوجود قوي في مجال الذكاء الاصطناعي ستكون الأغنى.
وأشار إلى أن المشهد العالمي الجديد يتشكل الآن، والمنافسة الحقيقية هي على البنية التحتية والبيانات، وليست على رأس المال فقط منوها إلي أن الذكاء الاصطناعي هو فرصة تاريخية لإعادة تعريف دورنا كمنطقة في العالم وعلى الحكومات أن تخلق البيئة الخصبة للاستثمار في البنية التحتية والمواهب الشابة
بدايةً، كيف تنظر إلى حجم التحول الذي يحدثه الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد العالمي؟
نحن أمام تحول جذري وليس مجرد تطور تقني. تشير التقديرات إلى أنه بحلول عام 2030، سيتحول أكثر من ثلث الاقتصاد العالمي إلى اقتصاد رقمي. هذه ليست مجرد أرقام، بل هي إعادة هيكلة كاملة لموازين القوى الاقتصادية. الدول التي تتحول رقميًا وتؤسس لوجود قوي في مجال الذكاء الاصطناعي ستكون الأغنى، بينما سيتخلف من يفوت هذه الفرصة. المشهد العالمي يتشكل الآن، والقطار قد غادر المحطة، والمنافسة الحقيقية هي على البنية التحتية والبيانات والكوادر البشرية، وليست على رأس المال فقط.
وماذا عن ترتيب الدول في هذا السباق العالمي؟
حاليًا، الولايات المتحدة تحتل المركز الأول تليها الصين مباشرة. والمثير للفخر أن الإمارات العربية المتحدة تحتل المركز الخامس على مستوى العالم، وهو إنجاز عربي يبعث على الأمل. هذا يثبت أن السباق ليس حكرًا على القوى العظمى التقليدية. المفتاح ليس توفر الأموال فقط، فكثير من الدول الغنية لا تملك حصة مؤثرة في خريطة الذكاء الاصطناعي العالمية. السر يكمن في الرؤية الاستراتيجية والاستثمار في رأس المال البشري وتطوير البنية التحتية الضرورية.
تحدثت عن البنية التحتية، لماذا تعتبر مركزية لهذا الحد؟
لأن مراكز البيانات الحالية ليست مؤهلة لتشغيل أو استضافة تطبيقات الذكاء الاصطناعي المستقبلية. هذا هو السؤال الذي يشغل كل قادة التقنية اليوم. في “دل تكنولوجيز”، نعمل على تطوير منتجات جديدة للبنية التحتية مخصصة لمراكز البيانات المتطورة التي تستطيع مواكبة هذه المتطلبات. فالبنية التحتية هي العصب الذي سيرتكز عليه كل شيء، وهي فرصة لأوكد أن نشاط البحث والتطوير في “دل تكنولوجيز” لم تنخفض نفقاته واستثماراته، على الرغم من الاتجاه العام لدى كثير من الشركات العالمية بضرورة تخفيض النفقات.
وكيف ترتبط البيانات بهذه المعادلة؟
البيانات هي “بنزين” الذكاء الاصطناعي. هي الوقود الذي يغذي النماذج لاتخاذ قرارات سليمة. يمكنك رؤية التطور اليومي في نماذج مثل “شات جي بي تي”، هذا التطور يحدث بفضل تغذيتها المستمرة ببيانات جديدة. لذلك، قد نرى دولًا تشتري أحدث الأجهزة ولكنها لا تحرز تقدمًا يذكر بسبب افتقارها إلى البيانات الهيكلية (Structured Data) الغنية والموثوقة التي تُدرب هذه النماذج. بل يجب أن نطمح إلى أكثر من ذلك، فالدول العربية عليها مسؤولية الخروج من حالة المتلقي السلبي، وتغذية النماذج بمفردات ثقافتها لضمان تمثيل دقيق وآمن لها في الفضاء الرقمي.
كيف سيؤثر هذا التحول على الوظائف والإنسان بشكل عام؟
الذكاء الاصطناعي سيلغي الحاجة إلى العديد من الوظائف، خاصة الروتينية، مثل إدخال البيانات، والترجمة العامة، وخدمة العملاء المتكررة. ولكن، في المقابل سيخلق وظائف جديدة ويعيد تشكيل المهن التقليدية. الفرق سيكون في طبيعة المهارات.
في مجال البرمجة، مثلا، يمكن للذكاء الاصطناعي الآن كتابة 70% من الكود الذي كان المبرمج يكتبه. لكن هذا لا يقلل من قيمة المبرمج، بل يرفعها. لقد تحول من “كاتب كود” إلى “قائد وموجه للذكاء الاصطناعي” ومبتكر للحلول. الذكاء الاصطناعي يحرر الإنسان من الأعمال الروتينية ليعيده إلى أهم ميزة منحها الخالق له: الابتكار والاختراع. إنه يعيدنا إلى فطرتنا الإبداعية.
وماذا عن مستقبل التعليم في ظل هذه المتغيرات؟
شكل التعليم النظامي سيتغير جذريًا. كثير من الدول والشركات الكبرى ستعتمد على نهج الدراسة والتعلم الحر عبر الإنترنت. نحن نرى اليوم أن العديد من محترفي الذكاء الاصطناعي حول العالم ليسوا بالضرورة خريجي تخصصات أكاديمية تقليدية. لذلك، تعليم النشء أساسي لبناء جيل قادر على فهم واستخدام الذكاء الاصطناعي. يجب أن نبدأ من الآن في إدخال هذه المفاهيم في المناهج، وخلق بيئة تشجع على التعلم المستمر والفضول الفكري.
في رأيك، ما هي أولويات المنطقة العربية، ومصر على وجه الخصوص، للاستفادة من هذه الفرصة؟
هناك عدة أولويات لا غنى عنها:
- استراتيجية موحدة لمراكز البيانات: لا يمكن أن يكون لكل وزارة أو بنك أو مؤسسة خطته المنعزلة. المطلوب هو استراتيجية وطنية موحدة لمراكز البيانات تتكامل فيها الجهود. بدون هذا التكامل، سنظل نتخبط ولن نتمكن من اللحاق بدول مثل الإمارات والصين.
- الاستثمار في الشباب: مصر بلد كبيرة ولديها إمكانيات بشرية هائلة، والشباب تحت سن الثلاثين هم المحرك الرئيسي لأي تحول. يجب أن نستغل هذه الطاقة، ونطبق أفكارهم، ونمنحهم فرصًا حقيقية بعيدًا عن الشعارات.
- خطط مرحلية واضحة: الأهداف طويلة المدى مثل “رؤية 2030” جيدة، لكنها لا تكفي وحدها. يجب أن تكون لدينا خطط تراكمية ذات مؤشرات أداء دقيقة لكل مرحلة. بناء المستقبل يشبه بناء كوبري، تضع الأساس ثم الأعمدة ثم الرصف، خطوة بخطوة.
- تعزيز الأمن السيبراني المعتمد على الذكاء الاصطناعي: الأمن السيبراني لم يعد ترفًا. الذكاء الاصطناعي يستخدم الآن في الهجوم والدفاع على حد سواء. أي مؤسسة لا تدمج الذكاء الاصطناعي في منظومتها الدفاعية ستكون عرضة للاختراق. الأمن السيبراني يجب أن يكون ركيزة موازية للتحول الرقمي، وليس خطوة لاحقة.
كلمة أخيرة تود توجيهها لصناع القرار والشباب في العالم العربي؟
الذكاء الاصطناعي هو فرصة تاريخية لإعادة تعريف دورنا في العالم. على الحكومات أن تتحول من التلقي إلى الفعل، وأن تخلق البيئة الخصبة للاستثمار في البنية التحتية والمواهب الشابة. وعلى الشباب، أن يدركوا أن مستقبلهم لا يرتهن بالشهادات التقليدية وحدها، بل بقدرتهم على التعلم المستمر والابتكار واستغلال الأدوات الجديدة لتحقيق رؤاهم. المستقبل ملك لأولئك الذين يملكون الشجاعة للمشاركة في صنعه، وليس مجرد التلقي من الخارج.