تظل منظومة تمويل الشركات الناشئة في مصر محل إختبار، في ظل حجم المستهدفات من هذا القطاع الحيوي على مستوى الدولة والتركيز على بناء أساسيات قوية ونماذج أعمال قابلة للتوسع محليا وإقليميا وذات قدرة على جذب الاستثمارات بشكل مستدام، حيث تعزز أليات التمويل المتنوعة مراحل تطور الشركات الناشئة حيث تستخدم هذه الأموال لتطوير المنتجات، وبناء العلامة التجارية، وتوسيع السوق، إلى جانب تغطية رأس المال العامل والذي يتاكل في السنوات الأولي للتأسيس قبل الوصول لنقطة التعادل.
ورغم تصدر مصر دول شمال أفريقيا بتمويلات الشركات الناشئة بقيمة 177 مليون دولار عبر 37 صفقة بالنصف الأول 2025، وأيضا جذبها 2.2 مليار دولار استثمارات منذ 2020 منها 254 مليون دولار في الأشهر الـ 8 الأولى من العام الجاري وفقا لمؤشرين مختلفين، إلا أن الثقة المتزايدة والرهان الاستراتيجي على القطاع يشيران إلى فجوة في رأس المال اللازم لتحقيق أهداف كبرى وبناء هيكل قوي، كون الشركات الناشئة أحد الركائز الأساسية لتحقيق النمو المستدام والوصول لاقتصاد حديث في ظل التحديات العالمية القائمة ومحدودية الفرص.
وبببساطة يعد المشوار الذي تمرّ به أي شركة ريادية ينقسم عادة إلى مرحلتين: المرحلة الأولى هي مرحلة ضبط النموذج التجاري حتى يثير انتباه المستثمرين ومن ثمّ الحصول على تمويل جيد، المرحلة الثانية هي مرحلة ما بعد الحصول على التمويل، واستغلال التدفق المالي لإنشاء الشركة وتوسعتها وتحقيق أرباح متعاظمة منها بأفضل وأسرع الطرق الممكنة، و كلتا المرحلتين لهما أساليب إدارة خاصة، ولهما تحدياتها الخاصة أيضا.
وتولي الدولة أهمية متزايدة لريادة الأعمال والشركات الناشئة باعتبارهما ركيزة أساسية للنمو المستدام، وهو ما تؤكد عليه السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية، التي تستهدف التحول نحو اقتصاد قائم على القطاعات الأعلى إنتاجية عبر تمكين القطاع الخاص، وتعزيز الاستقرار الاقتصادي الكلي، وتطوير السياسات المحفزة للإصلاحات الهيكلية.
الخبراء أشارو إلى إن سد فجوة رأس المال للشركات الناشئة في مصر لا يقتصر على ضخ الأموال فحسب بل يجب أن يشمل تطوير قاعدة قوية من مديري الصناديق المحليين القادرين على إدارة الاستثمارات بفعالية، مشيرين إلى أنه يجب أن نؤمن بأن الاعتماد على مؤسسات التمويل الأجنبية لتغطية 80-90% من نظامنا البيئي لن يكون أمراً مستداماً وذلك إذا أردنا ان نحقق النمو والاستقلالية على المدى الطويل.
ووفقا لتقرير حديث لشركة انطلاق، فإن في مصر لا تزال ديناميكية المرحلة المبكرة تتركز حول مسرعات الأعمال مثل Flat6Labs و AUC Venture Lab، مع تحديد رأس المال عادة عند جولات التمويل الأولي وما قبل السلسلة A، ومع ذلك، لا يزال خط تدفق التوسع يتضاءل بسرعة متجاوزا عتبة المليون دولار. في المقابل، أنشأت شركة Jada السعودية ومبادلة الإماراتية هياكل رأس مال مدعومة سيادية تمكن من الاستمرارية من المرحلة المبكرة إلى المرحلة المتأخرة، وتجذب شركاء محدودين أجانب ومكاتب عائلية إقليمية ومديري صناديق عالميين.
ووفقا للتقرير أدى افتقار مصر إلى مؤسسات داعمة أو أدوات تمويلية مماثلة في مراحل النمو، بالإضافة إلى صعوبات في سوق الصرف الأجنبي وإعادة الأموال إلى الوطن إلى تجزئة رأس مالها وترك شركاتها الناشئة الواعدة تعاني من نقص هيكلي في رأس المال. وما لم يُعالج هذا التفاوت، فإنه يهدد بإدامة دورة يتم فيها الاحتفاء بالمشاريع في مراحلها المبكرة، بينما ينجو القليل منها من طريق الانحدار نحو التنافسية الإقليمية.
ولا تزال البيئة التنظيمية في مصر تمثل قيدا رئيسيًا على نمو الشركات الناشئة. فعلى الرغم من وجود إصلاحات متفرقة عبر هيئات مثل الهيئة العامة للرقابة المالية، والبنك المركزي المصري، وهيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات، إلا أن المجموعة الوزارية لريادة الأعمال التي تم تشكيلها مؤخرًا بقرار من رئيس الوزراء، برئاسة وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي أكدت على ضرورة وضع تعريف موحد للشركات الناشئة، بما يتيح تخصيص الموارد الحكومية بشكل أكثر كفاءة وضمان وصول السياسات والحوافز للفئات المستهدفة.
وتشمل الجهود أيضًا العمل على إطلاق منصة حكومية لتسهيل خدمات التسجيل والترخيص للشركات الناشئة بالإضافة إلى مبادرة مالية موحدة تهدف إلى توحيد الجهود بين الجهات الحكومية والخاصة، ومن المقرر أن تنشر المجموعة الوزارية قريبا ميثاق الشركات الناشئة في مصر، والذي يعد خارطة طريق تضم أكثر من 70 إجراء سياسيا لتعزيز بيئة ريادة الأعمال.
“سد فجوة رأس المال في مصر” كانت عنوان لجلسة رئيسية ضمن فعاليات النسخة الثالثة من قمة التقرير السنوى لريادة الأعمال المصري 2025، والتي ركزت على التحديات التي تواجه الشركات الناشئة في جذب رأس المال اللازم للنمو والتوسع على المستويات الإقليمية والعالمية.
أشار د. أحمد عبد الحميد، المدير التنفيذى لشركة كحيلان لإدارة الأصول، إلى أن حجم رأس المال المطلوب لدعم الشركات الناشئة المصرية ليس مليار دولار فقط، بل يتراوح بين 2.5 و3 مليارات دولار، وذلك لضمان قدرتها على المنافسة على المستويين الإقليمي والعالمي وتحقيق النمو المستدام، موضحاً أنه إذا كنا بالفعل نرغب في بناء شركات ناشئة تفوق قيمتها المليار دولار، فعلينا أن نكون صادقين بشأن حجم رأس المال المطلوب لتحقيق هذا الهدف الكبير.

وشدد مايكل لينتس، شريك في جولدن جيت فينشرز، على أن مصر اليوم في موقع مشابه لإندونيسيا قبل عقد من الزمان، حيث يمتلك السوق إمكانات كبيرة؛ ولكنه يحتاج إلى الإقناع والمصداقية لجذب المستثمرين العالميين. وقال: “حتى نتمكن من جذب المستثمرين، يجب أن نحتفي بأبطالنا ونعرض قصص النجاح التي تثبت جاهزية مصر لاستقبال رأس المال طويل الأجل.”
وقال إبراهيم رمضان، شريك في شركة سواري فينشرز: إن سد فجوة رأس المال لا يقتصر على ضخ الأموال فحسب، بل يشمل تطوير قاعدة قوية من مديري الصناديق المحليين القادرين على إدارة الاستثمارات بفعالية. وأضاف: “يجب ان نؤمن بأن الاعتماد على مؤسسات التمويل الأجنبية لتغطية 80-90% من نظامنا البيئي لن يكون أمراً مستداماً وذلك إذا أردنا ان نحقق النمو والاستقلالية على المدى الطويل.
وأوضحت كريمة الحكيم، المدير الإقليمي لشركة بلاج آند بلاي، أن الخطوة الأساسية هي إشراك الشركات الكبرى في التجارب مع الشركات الناشئة، مشيرة إلى أن شراكة واحدة ناجحة يمكن أن تحرر رأس المال الدولي وتغير مسار شركة بالكامل.
استراتيجية مفصلة للشركات الناشئة
تعمل الدولة على تسهيل عمل الشركات الناشئة، ومن ثم زيادة قدرتها على جذب الاستثمارات، وأشار المهندس حسام هيبة، الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، إن الهيئة استطاعت خلال الفترة الماضية تحويل الإجراءات الاستثمارية إلى تجربة رقمية متطورة تتسم بالشفافية والسهولة، ما أتاح الفرصة لتضمين مشروع قانون الشركات الجديد.
وصرح هيبة، بأن قانون الشركات الجديد سيتم عرضه على البرلمان الجديد في دورته الأولى، على نص يُلزم الجهات الحكومية بإنجاز جميع الموافقات المطلوبة إلكترونياً، وفي فترة زمنية لا تتجاوز 20 يوم عمل، وهي نفس الفترة التي تلتزم بها الحكومة لمنح الموافقات للشركات الحاصلة على الرخصة الذهبية، مشيرا إلى أن الشركات الناشئة هي الأكثر استفادة من تيسير إجراءات الاستثمار، حيث كانت الأكثر معاناة من طول مدة التأسيس وصعوبة الإجراءات، مقارنةً بالشركات الأعلى قيمة الأقدر على التحمل، لكن الأن أصبح الجميع يتمتع بتجربة رقمية مُبسطة تلتزم بأفضل الممارسات الدولية.

وأشار هيبة إلى أن الوحدة الدائمة لدعم ريادة الأعمال والشركات الناشئة، والتي تستضيفها الهيئة، تقوم بجهود كبيرة في بناء جسور التواصل بين كافة الجهات المعنية بتحسين بيئة ريادة الأعمال، حيث تعمل الوحدة على تحويل الأهداف الاستراتيجية للدولة لآليات محددة لتحسين أداء هذا القطاع متسارع النمو.
وأكد الرئيس التنفيذي للهيئة أنه، بعد إعداد قواعد بيانات باحتياجات وفرص النمو للشركات الناشئة، ودراسة تجارب أكثر من عشرين دولة في دعم الشركات الناشئة، تقوم الهيئة بوضع استراتيجية تضم أهداف مُفصلة للقطاع من حيث العدد المستهدف للشركات الجديدة، ومعدل نموها، والأنشطة الأولى بالدعم.
فرص بالسوق المصري
ويقول تامر عازر، الشريك في Shorooq Ventures: حدث تعثر خلال الفترة الماضية، ولكن المقومات الحقيقية لم تتغير، ومازال هناك كثيرون يحاولون بناء شركات ويستطيعون بناء شركات كبيرة، ولكن المقومات الحقيقية للسوق والمجال لم تتغير، وحاليا الاقتصاد المصري مفتوح ومليء بالفرص وهناك فرص تكون أكثر جاذبية مثل التكنولوجيا المالية، وحاليا التكنولوجيا الحيوية التي بدأت تنمو بشكل كبير في مصر، بعد وجود خريجين كثيرين من جامعة زويل، وأهم شيء للمستثمر هو إتاحة البيانات والصورة الكاملة، فعندما يكون لديّ مفهوم عن مقومات الاقتصاد واعلم كيف يسير الاقتصاد ومعلومات أكثر عن الشركات استطيع أفهم ما هي المجالات التي يمكن أن استثمر فيها، والتي تنمو بشكل سريع، وبالتالي نفتح المجال لمستثمرين أكثر للاستثمار في قطاعات لم يكن يعلمون عنها أي شئ، فأساس قرار الاستثمار هي المعلومات ونحن كمستثمرين نرى أن مثل هذه التقرير يمنحنا الفرصة الكافية لأخذ قرارات صحيحة وأسلم ، أنا كمستثمر كلما كان لديّ معلومات أكثر كلما قللت المخاطر التي تواجهني، فكلنا يجب أن نحصل على قرارات بناء على معلومات.
ويشير عازر إلى أن تجدد اهتمام المستثمرين بالشركات الناشئة المصرية يعود إلى عدة عوامل مترابطة، حيث يُمثل سكان مصر الكبار، والشباب، والمتمرسون في مجال التكنولوجيا، سوقًا محليًا كبيرًا متشوقًا للحلول المبتكرة. وقد أدت هذه الميزة الديموغرافية إلى ظهور شركات ناشئة تُعالج التحديات المحلية بأساليب قابلة للتطوير ومدعومة بالتكنولوجيا. علاوة على ذلك، أدى التزام الحكومة المصرية بالإصلاحات الاقتصادية ودعمها لبيئة ريادة الأعمال إلى تحسين مناخ الأعمال. وقد أدت المبادرات الهادفة إلى تبسيط تسجيل الأعمال، وتقديم حوافز ضريبية، وتعزيز فرص الحصول على التمويل، إلى خفض حواجز دخول الشركات الناشئة وزيادة جاذبيتها للمستثمرين.

وأضاف أنه من التطورات المحورية اعتماد البنك المركزي المصري لسياسة سعر صرف مرن في مارس 2024. وقد ساعدت هذه الخطوة على استقرار العملة، وتقليص الفجوة بين أسعار السوق الرسمية والموازية، واستعادة ثقة المستثمرين من خلال السماح لقوى السوق بتحديد قيمة الجنيه المصري. لقد جعلت هذه الإصلاحات النقدية المشهد الاستثماري أكثر قابلية للتنبؤ وجاذبية للمستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء، ويدل الارتفاع الأخير في استثمارات الشركات الناشئة في مصر على أكثر من مجرد طفرة مؤقتة؛ بل يعكس نضج بيئة الأعمال. فالأسس التي وُضعت على مدى العقد الماضي، من خلال تطوير البنية التحتية، والتحسينات التنظيمية، وتنمية المواهب، تُثمر الآن نتائج ملموسة.
وأشار إلى أنه في حين أن مستويات الاستثمار الحالية مُشجعة، إلا أنها تُمثل اتجاهًا أوسع نحو التنمية المُستدامة والاندماج في اقتصاد الشركات الناشئة العالمي، وليست طفرةً عابرة. وتشير مرونة النظام البيئي وقدرته على التكيف إلى مسار واعد للشركات الناشئة المصرية في السنوات القادمة.
تسهيلات للمستثمرين
من جانبها تقول داليا إبراهيم، رئيس مجلس إدارة EdVentures، أي قرار سليم يتم بناءه على المعلومات وخصوصا في مجال الاستثمار، فكلما كان هناك معلومات سليمة وصحيحة وكافية كلما كان القرار صحيحا، وفي مصر لا نصل إلى المعلومات بسهولة، والشركات التي تستطيع الحصول على هذه المعلومات يكون لديها قوة أكبر، ولذلك معظم الشركات التي تقوم بالبحث وتدفع مبالغ كبيرة في ذلك تستطيع أن تعرف الطريق الصحيح، وأنا كمستثمر المعلومات مهمة جدا، وإذا أردت ضخ الأموال في مجالات معينة فوجود المعلومات ينير لي القطاعات التي بها فجوات وسببها، وبالتالي استطيع تحديد فرصتي في الاستثمار بشركة معينة في هذا المجال بشكل أكبر.
وأضافت أن هناك قوانين جديدة يتم تعديلها وتسهيلات للمستثمرين والشركات الناشئة لتأسيس شركاتهم بشكل سليم، فكل ذلك يدعم المستثمرين المصريين للاستثمار في رواد الأعمال بمصر وتشجيع المستثمرين الأجانب برؤية واضحة وبيانات واضحة، مشيرة إلى أن المستثمر المصري إذا حصل على المخاطرة يستطيع جذب المستثمر الأجنبي ويتشجع للاستثمار بشكل أفضل في ظل وجود بيانات واضحة.

وأضافت أن التعليم يظل الاستثمار الحقيقي الذي يغير مستقبل الأفراد والدول قبل التمويل، موضحة أن التعليم ليس مجرد مدرسة أو جامعة، ولكنه رحلة عمر ومشوار حياة كامل، وأشارت إلى أن العالم مقبل على تغييرات جوهرية قد تؤثر على نحو 390 مليون وظيفة عالمياً خلال سنوات قليلة، وهو ما يحتم ضرورة ربط التعليم باحتياجات سوق العمل وتوظيف طاقات الشباب في المحافظات باعتبارهم جواهر حقيقية تحتاج إلى الدعم، ما يوفر المواهب اللازمة لدعم الشركات الناشئة.
استثمارات عالية
ويشير عمرو اللبودي، محلل استثماري أول في فلك ستارت ابس، إلى أن رواد الأعمال يكون لديهم أفكار جيدة، ولكنها تتطلب استثمارات عالية بسبب التكنولوجيا التي يقدموها ويحتاجون إلى بناءها، ولكن على رائد الأعمال أن يبدأ بمنصة لا تحتاج إلى استثمار كبير وخطوة خطوة ينفذ فكرته وتنمو، بدلا من عمل فكرة متكاملة ويرفض المستثمر ضخ الأموال معه إلا بعد أن تثبت الفكرة نجاحها في السوق بسبب الاستثمار الكبير الذي تتطلبه، ويحتاج إلى بناء مشروعه خطوة خطوة، هذا بالإضافة إلى أننا نحتاج إلى تعليم الطلاب في الجامعات معنى الاستثمار وكيف يكون الطالب جاهزا للجلوس أمام مستثمر ويبني منتجه، فالتوعية مهمة حتى يكون هناك فكر يبنون عليه، والمستثمرون يحتاجون إلى شخص جاهز للتحدث معه، ويبدأ ذلك من الجامعات، ويكون هناك توعية ومسابقات للطلاب لبناء وتنمية الموهبة التقنية والإدارية لديهم، وريادة الأعمال يتم تدريسها في الجامعات للتفكير خارج الصندوق، ولكن الطلاب يحتاجون إلى تعلم كيفية التعامل مع المستثمر وكيفية تقييم الشركة.