هل اجتازت الكرة التي سبقت هدف اليابان في مرمى إسبانيا خط الملعب أم لا؟ لم يهدأ الجدل حول هذه الحادثة وغيرها من الحالات الكروية التي كان للتكنولوجيا الكلمة الفصل في حسمها، وأعاد إلى الأذهان النقاش الذي لم يخفت حول دور التكنولوجيا المتزايد في لعبة كرة القدم.
فهذه اللعبة التي طالما اعتبرت لعبة الفقراء وذلك لانخفاض كلفة ممارستها في الحواري والزقاق دون الحاجة إلى معدات باهظة الثمن، أصبحت اليوم صناعة تحكمها قواعد السوق ولم تسلم هي من تسلل التكنولوجيا إلى كافة تفاصيلها سواء من خلال دورها في تجهيز اللاعبين وتحليل المباريات وصولا إلى إدارة هذه المباريات وتقرير مصيرها.
فمن كان يحلم يوماً أن يحدد علم الزوايا أو ظل الأشياء نتيجة مباراة كرة قدم، أو أن تزود هذه الكرات الجلدية بمجسات وأن توضع الكرات على أجهزة الشحن كما لو كانت هاتفاً محمولاً، ناهيك عن مراقبة أداء اللاعبين وجهدهم من خلال ما يوفره علم البيانات الكبرى والذكاء الاصطناعي من معلومات عن حركاتهم وسكناتهم وخطوط مسيرهم وسرعاتهم.
من كان يتخيل يوما أن تعمد فرق كرة القدم إلى التعاقد مع محللي بيانات وعلماء رياضيات وفيزيائيين، وأن تصبح هناك مختبرات عملاقة مختصة في هذا المجال تقدم خدماتها للفرق الكبرى مقابل مبالغ طائلة.
شاهدت قبل أسابيع فيلماً يستند إلى قصة واقعية يُدعى «كرة المال»، ويعرض قصة لجوء نادي «أوكلاند أثليتيكس» للبيسبول، إلى عالم بيانات لمساعدته من خلال تحليل أداء اللاعبين إلى تكوين فريق منافس بكلفة منخفضة وكانت النتائج باهرة بحيث هرعت معظم فرق الدوري الى الاستعانة بعلم البيانات في اختيار اللاعبين والمفاضلة بينهم وتحديد اسعارهم، لكن لم يتوقع أحد أن تنجح هذه الطريقة في لعبة أكثر تعقيداً من البيسبول مثل كرة القدم، المعروفة بكونها لعبة عاطفية تعتمد على الموهبة والشغف والشخصية والحرية وهذه تتعارض مع العلوم الجافة والقواعد الصارمة.
لقد بدأت بالفعل التكنولوجيا في تغيير فلسفة كرة القدم وتحويلها من لعبة تعتمد على الموهبة والفن إلى أخرى تحكمها قواعد صارمة وخطط وتحركات محسوبة وهذا ما سيؤدي حتماً إلى جعلها لعبة للخاصة ولأصحاب الحظوظ والقدرة المالية والتكنولوجية، ولن يكون دور اللاعبين من البيئات الفقيرة بعيداً عن دور مصارعي روما القديمة الذين كانوا يُصطادون صغاراً من المستعمرات ليتم تدريبهم في روما ليخوضوا مباريات مصارعة ضارية ضد بعضهم البعض أو ضد الوحوش الضارية.
ينتج لاعب كرة القدم خلال المباراة الواحدة ملايين نقاط المعلومات التي يمكن تحليلها من خلال ما يوفره علم الذكاء الاصطناعي لرسم صورة متكاملة عن إمكانيات هذا اللاعب، ونقاط قوته وضعفه وتطوره خلال الموسم ووسائل توظيفة لصالح الفريق، وهذا ما دفع نادي ليفربول الانجليزي إلى الاستعانة بخبير من جامعة كامبريدج لمراقبة أداء لاعبيه؛ أما نادي أرسنال فقد استعان بعالم بيانات من شركة فيسبوك. وبدورها عمدت بعض الجامعات الى استغلال هذا الطلب المتزايد على هذه الخدمة فعمدت إلى استحداث برامج ماجستير في تحليل البيانات الكبرى في كرة القدم.
مع صافرة نهاية كل مباراة في مونديال قطر سيحصل كل لاعب على تحليل لحركاته داخل الملعب مع حساب لسرعة انطلاقه، والمساحة التي قام بتغطيتها والكرات التي قام بتسديدها ودقة تمريراته مع فيديوهات قصيرة تدعم هذه المعلومات، وقد لا يرتاح بعضهم لهذا النوع من الرقابة اللصيقة، لكنهم سيكونون مجبرين على التعامل معها كأمر واقع في عالم أصبح للتكنولوجيا فيه اليد الطولى.