Follow ICT
شعار الموقع الاساسى
جايزة 160
جايزة 160

ديف لي يكتب: مالذي نتحدث فيه حين نناقش تطور الذكاء الاصطناعي؟

منذ ظهور اختبار “لعبة المحاكاة” الذي وضعه عالم الرياضيات آلان تورينغ، تشكل لدينا وعي كامل بأهمية قياس قدرات الحواسيب مقارنةً بعقولنا البشرية المعجزة.

تبدو الطريقة التي ابتكرها رائد الحوسبة البريطاني، المفصلة في ورقة بحثية حملت عنوان “آلات الحوسبة والذكاء” في 1950، بدائية في وقتنا الحالي. لكنها حاولت الإجابة على السؤال الملح: كيف نستطيع التأكد من أن الآلة أصبحت بمثل ذكاء الإنسان (أو أذكى منه)؟

تحديد هذا التقدم أمر ضروري لأي حديث مثمر حول الذكاء الاصطناعي. ينبغي النظر تحديداً في مسألة ما يمكن اعتباره ذكاءً اصطناعياً عاماً (AGI)، أو “عقلاً” قابلاً للتكيف مثل عقلنا استناداً إلى مجموعة من المعايير المشتركة. مع ذلك، يفتقر هذا المصطلح إلى تعريف دقيق في الوقت الحالي، ما يجعل التنبؤات بظهور الذكاء الاصطناعي العام وتأثيره بشكل متزامن مثيرة للقلق بلا داع أو لا تبدي اهتماماً كافياً.

لنأخذ، على سبيل المثال، الانتشار اليائس للتنبؤات حول الذكاء الاصطناعي العام. في وقت سابق من العام الجاري، توقع جيفري هينتون، الباحث البارز في مجال الذكاء الاصطناعي، “دون ثقة كبيرة” أن الذكاء الاصطناعي العام قد يبزغ في غضون خمس إلى عشرين سنة. فيما أسفرت إحدى المحاولات لاستطلاع رأي عينة قوامها نحو 1700 من خبراء التقنية تقديرات زمنية تراوحت بين العام المقبل إلى استحالة حدوث ذلك.

يتمثل أحد أسباب هذه الهوة في كوننا لم نحدد بشكل جماعي عمَّ نتحدث. على سبيل المثال، تشير ورقة بحثية حديثة أعدها فريق “ديب مايند” (DeepMind)، وحدة الذكاء الاصطناعي داخل “جوجل”، إلى أنك “إذا طلبت من مئة خبير في مجال الذكاء الاصطناعي تحديد ما يقصدونه بمصطلح “الذكاء الاصطناعي العام”، فمن المحتمل أن تحصل على مئة تعريف مختلف ويرتبط كل منها بالآخر”.

يعود الفضل إلى شين ليج، أحد المؤلفين المشاركين في الدراسة سالفة الذكر، في نشر مصطلح الذكاء الاصطناعي العام (AGI). يسعى ليج حالياً هو وفريقه إلى وضع إطار معقول يمكن من خلاله قياس وتعريف التقنية الناشئة، وهو تصنيف يمكن استخدامه للمساعدة في تهدئة المخاوف أو تضخيمها وطرح سياق مباشر لغير الخبراء والمشرعين.

وضع الباحثون نموذجاً يحاكي نظام تصنيف قدرات السيارات ذاتية القيادة. وكانت “جمعية مهندسي السيارات الدولية”، المعنية بتطوير منظومة المهنيين في مجال الهندسة في جميع القطاعات، قد حددت ستة مستويات متميزة للقدرة الذاتية في 2014، بدءاً من المستوى “صفر” ممثلاً في السائق البشري الذي يتحكم بشكل كامل في تشغيل السيارة، إلى المستوى “الخامس” ويعني الأتمتة الكاملة لجميع وظائف السيارة في جميع الظروف. لقد أثبت المعيار سالف الذكر جدارته في مساعدة المشرعين على وضع قوانين تنظيم المرور من جهة، والجمهور على استيعاب قدرات سياراتهم من جهةٍ أخرى.

على سبيل المثال، يمكن قيادة السيارة المؤتمتة جزئياً من المستوى الثاني، والذي يعني التحكم في وظائف التوجيه وتغيير المسار والتسارع والتباطؤ في بعض الإعدادات ذاتياً، معظمها على الطرق السريعة، بشكل قانوني اليوم شريطة أن يكون الإنسان جالساً في حالة تأهب لتولي المسؤولية على الفور عند الحاجه.

لكن السيارات ذاتية القيادة من المستوى الرابع أو الخامس مثل السيارات المطورة من قبل “وايمو” (Waymo)، تابعة “ألفابيت” والتي لا تزال قيد التجربة في سان فرانسيسكو، تحتاج إلى إذن خاص لاستخدامها في الأماكن العامة، كما تخضع لرقابة إضافية على أدائها.

سيكون تصنيف تقنية الذكاء الاصطناعي العام أكثر تعقيداً بكثير من تصنيف المركبات ذاتية القيادة، كون الأخيرة مجرد مجموعة فرعية من الأولى. غير أن نظام التصنيف مفيد لتقنية الذكاء الاصطناعي أيضاً. فقد قسم فريق “ديب مايند” أنظمة التقنية الناشئة إلى مجموعتين: محددة وعامة.

على سبيل المثال، يمكن أن يتمتع أحد تطبيقات الذكاء الاصطناعي المحددة بقدرة خارقة على أداء وظيفة بعينها مثل طي البروتين، لكنه لا يستطيع كتابة قصة قصيرة بسيطة. يجب أن يُظهر النظام قدرته على أداء “مجموعة واسعة من المهام غير المادية، بما في ذلك القدرات ما وراء المعرفية مثل تعلم مهارات جديدة” كي يصنف ذكاءاً اصطناعياً عاماً، وفقاً لشركة “ديب مايند”.

يضع تصنيف أنظمة الذكاء الاصطناعي العام مستويات لقياس قدرات الأنظمة مقارنة بالقدرات البشرية من حيث الذكاء. فمثلاً، يجب أن يكون الذكاء الاصطناعي العام “مساوياً أو أفضل إلى حد ما من الإنسان غير الماهر” في المستوى الأول أو “الناشئ”. وتعد روبوتات الدردشة الشهيرة مثل “تشات جي بي تي” اليوم مثالاً جيداً في هذا الصدد.

يتطلب المستوى الثاني، أو”الكفء”، أداء المهام بنفس كفاءة أعلى 50% من البالغين المهرة، بينما لم يصل أي نظام ذكاء اصطناعي عام إلى المستوى الثاني بعد، حسبما قرر فريق “ديب مايند”. من هنا، تصور الفريق أن تفوق قدرة الانظمة في مستوى “المحترف” قدرات 90% من البشر المهرة، و”الموهوب” 99%، و”الخارق” 100%.

مع ذلك، لن تكون هذه المستويات وحدها كافية لحصر قدرة الذكاء الاصطناعي العام أو مخاطره. إن احتمال أن تتصرف آلة تتمتع بقدر كاف من الذكاء بشكل مستقل عن البشر، بل وربما ضدهم، هو أحد المخاوف الكبرى عند من تؤرقهم المخاطر الوجودية التي ينطوي عليها تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي. أحد الأمثلة على ذلك هو ما فعله الكمبيوتر “هال 9000” في سلسلة أفلام “A Space Odyssey” حين منع قائد المركبة الفضائية من العودة إليها واستغنى عنه قائلاً: “آسف يا ديف، أخشى أنني لا أستطيع ذلك”.

لذلك، يطبق فريق “ديب مايند” تصنيفاً إضافياً لقياس مستويات استقلالية الذكاء الاصطناعي، والذي يبدأ من المستوى الأول ممثلاً في تحكم البشر في عمل الأنظمة بشكل كامل وأتمتة المهام العادية، وحتى المستوى الخامس الذي يعني ابتكار نظام ذكاء اصطناعي مستقل تماماً وقادر على العمل دون رقابة بشرية.

يساعدنا فهم هذه المستويات على تصنيف المخاطر على نحو أفضل ودرءها بناء على ذلك. في هذا السياق، لا تحظى مطورة أنظمة ذكاء اصطناعي عام من المستوى الأول مثل “تشات جي بي تي” باهتمام تنظيمي كبير. بينما يتوقع الباحثون أن يؤشر ظهور نظام الذكاء الاصطناعي العام من المستوى الرابع بحسب تصنيف الاستقلالية، أو “المحترف”، لبداية التشريد الجماعي للعمالة و”تراجع التميز البشري”.

لن يساهم المعيار المتفق عليه في الحماية من الضرر المجتمعي وحسب، بل سيكون مفيداً بشكل خاص في تبديد المحاولات المراوغة للمبالغة في تقدير كفاءات تطبيقات الذكاء الاصطناعي كحيلة تسويقية. على سبيل المثال، لقد ساعد مقياس “جمعية مهندسي السيارات الدولية” لتقييم أنظمة القيادة الذاتية في توصيف “السائق الآلي” المزعوم تطويره من قبل “تسلا” بشكل أكثر دقة كنظام مؤتمت جزئياً من المستوى الثاني وحسب.

ولكي يعمل النظام سالف الذكر، سينبغي خضوعه لاختبارات مناسبة وصارمة لتحديد المستوى الملائم وفقاً لهذا المقياس. لم تُحدَد طبيعة هذه الاختبارات بعد، لكن الباحثين قالوا إنها يجب أن تغطي قدرات إنجاز العمليات الرياضية والمنطق المكاني والذكاء الاجتماعي وغيرها، ما سيجعلها أشبه بسباق خماسي لتقييم أنظمة الذكاء الاصطناعي ولمعايير يجب متابعتها وتحسينها بنفس القوة والانتظام، شأنها في ذلك شأن الأنظمة التي يسعون لقياس كفاءتها.

سيخفف التصنيف المناسب بعض المخاوف ويجلب قدراً من الاتزان الذي تشتد الحاجة إليه أثناء عقد النقاشات حول الذكاء الاصطناعي العام. كما سيكون في مصلحة الجميع وجود تعريفات واضحة تغطي تلك المساحة بين الاستخدامات “المعتدلة” و”إبادة الجنس البشري”.

ديف لي

كاتب العمود التكنولوجي في بلومبرج أوبينيون

deel