من بين كل المقالات السلبية التي كُتبت عن “أمازون” خلال السنوات الماضية، فإن أحدها كان أشد وقعاً، حين انتقدت “مجلة نيويورك” الشركة الأميركية بسبب ما اعتبرته “تحوّلاً نحو الخردة”.
كما رأت أن اندفاع الشركة بقوة لتحقيق النمو جاء على حساب جودة تجربة التسوق التي تقدمها لزبائنها.
لقد تدهورت تجربة التسوق عبر “أمازون” حقاً بسبب موردين لا يرتبطون بها أو بالمنتجين مباشرة ويفتقرون للموثوقية والاعتمادية. هؤلاء الموردون في الغالب علامات تجارية واهية الكثير منها في الصين، واهتمامها بالجودة والاعتمادية سطحي، لدرجة أن ذلك قد يطال عوامل السلامة أحياناً. ونظراً لضخامة حجم “أمازون”، فإن مسألة انعدام الثقة هذه أصبحت مشكلة مستفحلة.
تذكرت هذه المقالة بعدما سمعته هذا الأسبوع عن مبادرة جديدة تعدها “أمازون” لتمكّن المتسوقين عبرها من إعداد صور زائفة بواسطة الذكاء الاصطناعي، لإضفاء جو يضفي تفاصيل من أنماط الحياة. تستخدم هذه الأداة، التي ما تزال في مرحلة تجريبية، صوراً عادية مملّة لمنتج، مثل حماص الخبز، فتقدم صورة أكثر إبهاراً خلال ثوان، فيظهر الحماص على نضد مطبخ مثلاً إلى جانب طعام شهي المظهر. ويمكن استخدام هذه الصور في مواضع الإعلانات على موقع “أمازون”.
هوامش ربح الإعلانات لدى “أمازون” تفوق مكاسبها من تجارة البيع بالتجزئة، وهي في صلب عملها، لذا أصبحت مصدر ربح أساسياً للشركة، فيما ترزح تحت ضغط المستثمرين لتعزيز أرباحها. بيّنت أرقام صدرت في 26 أكتوبر، أن الإعلانات كانت القطاع الأسرع نمواً بين مختلف نشاطات “أمازون” في الربع الماضي، إذ حققت إيرادات قدرها 32 مليار دولار هذا العام.
على عكس جهات أخرى في عالم الإعلان الرقمي، قالت “أمازون” إنها غير قلقة من تأثير التقلبات السياسية على إجمالي مبيعاتها الإعلانية، لأنها فيما تخسر بعض الإعلانات العامة، ومنها إعلانات عبر “برايم فيديو”، إلا أنها لا تواجه مشكلات في مبيعات الإعلانات عبر متجرها.
لقد صُممت أدوات الذكاء الاصطناعي هذه بهدف جني مزيد من الإيرادات من الإعلانات، عبر مساعدة المعلنين على تسريع إنشاء مزيد من الإعلانات من دون أن يضطروا لبذل جهد لالتقاط صور حقيقية.
قالت “أمازون” في مؤتمر صحفي: “يمكن أن يرتفع معدل النقر على الإعلان 40% مقارنة مع الإعلانات التي تظهر فيها صور عادية للمنتجات”.
غاية “أمازون” والمعلنين واضحة. ولكن بالنسبة للمتسوقين عبر الموقع، فإن استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي يزيد من تقويض الثقة. إلا أن الشركة تعارض وجهة النظر هذه، وسأبيّن موقفها تالياً. لكن خلاصة هذا الأمر هو أنه ربما يخلق فرصة لتضليل المستهلك على صعيد جودة المنتج ونزاهة البائع.
اختلاط المؤشرات
بديهي أن “أمازون” ليست متجراً تقليدياً، فلا يمكنك أن تحكم بنفسك على جودة المنتج عبر رؤيته أو لمسه مباشرةً. بدلاً من ذلك، تضطر للاعتماد على مؤشرات غير كاملة، مثلاً هل هذا المنتج من صناعة علامة تجارية أثق بها؟ هل اشتراه كثير من الناس؟ هل الآراء حوله جيدة؟.
مع مرور الوقت، تسببت “أمازون” باختلاط تلك المؤشرات جميعاً، إذ إن العلامات التجارية كثيراً ما تكون مجهولةً تماماً، فيما يمكن للبائعين أن يدفعوا المال لجعل منتجاتهم تبدو أكثر رواجاً، كما أن منظومة تقييمات العملاء لطالما تعرضت للتلاعب.
سيتسبب الذكاء الاصطناعي التوليدي بإزالة مزيد من المؤشرات التي تدل على وجود ما يعيب المنتج. فالمنتجات عالية الجودة على “أمازون” قابلة للتمييز عن المقلّدة، لأن استخدام برنامج تعديل الصور بطريقة سيئة يكشف الفرق. إلا أن صورة زائفة بها عوامل مأخوذة من أنماط الحياة، قد تعطي المنتج مظهراً احترافياً. أنا أفضل البائع القادر على التسويق لمنتجه بشكل ملائم بواسطة صور حقيقة، والذي يبذل جهداً لإعدادها.
كما تتوفر حالياً أداة لتوليد مواصفات وشروحات للمنتجات بواسطة الذكاء الاصطناعي، وهذا تطور سيزيد صعوبة الكشف عن المنتجات الرديئة، فقد كانت الركاكة والأخطاء اللغوية مثلاً من الأدلة التي تكشف رداءة المنتج، إلا أن الذكاء الاصطناعي يستطيع تنقيحها بلحظة واحدة.
منزلق خطر
أكدت لي “أمازون” أن الصور المولدة بالذكاء الاصطناعي التي تظهر استخدامات المنتجات في الحياة الحقيقية، ستكون مخصصة للإعلانات فقط، وليست لإدراجات المنتجات. لكنني لا أجد فارقاً في ذلك من الناحية الأخلاقية.
تقول الشركة أيضاً إنها تعتمد سياسة مشددة على صعيد إدارة الإعلانات، لكنها لم تفصح عن الإجراءات الإضافية التي ستتخذها لضمان عدم استخدام أداة الذكاء الاصطناعي بطريقة تعطي انطباعاً مغلوطاً عن المنتج، مهما كان احتمال ذلك ضئيلاً.
كما أنها ترى أن كون المنتج حقيقي فيما أن المشهد المحيط به مولد بالذكاء الاصطناعي، فإن الزبائن سيكونون على ثقة بأنهم يحصلون على المنتج الذي دفعوا ثمنه (كما أن لديها سياسة إرجاع جيدة إن لم يرق لهم المنتج).
تبدو هذه بداية منزلق خطر، ففي النماذج التي عرضتها “أمازون” لم ترد أي إشارة في صور المنتجات تفصح أنها معدّة بواسطة الذكاء الاصطناعي. وقد أبلغتني الشركة أنها ما تزال تدرس الطريقة المناسبة لتشير إلى ذلك، مع أنه كان لا بدّ من توضيح هذا الأمر من أول يوم على أقل تقدير.
غالباً ما يردد مؤسس “أمازون” جيف بيزوس أن المبدأ الذي تستند إليه شركته هو تقديم أفضل تجربة لزبائنها. لكن هذا الأمر يجعلني أتساءل عن الزبائن الذين تهتم بهم “أمازون” حالياً؟.
إن اتساع دور الإعلانات في الحفاظ على أرباح “أمازون”، يعني أن الشركة بدأت تتصرف تماماً كما تتصرف شركات التقنية العملاقة في الاعتماد على الإعلانات. وفي نظر تلك الشركات، فإن الزبون ليس أنا وأنت، بل شركات لديها ميزانيات للتسويق.
إذا ما أرادت “أمازون” أن تقوم بخطوة لصالح المستهلكين، فعليها أن تصر على أن تكون كل الصور حقيقية وأصلية، وأن تستخدم الذكاء الاصطناعي لتكشف وتمنع كل الصورة الزائفة، لا أن تشجع على هذا النوع من الصور، لأنها بهذه الطريقة تستزيد من المنتجات الرديئة.
ديف لي
كاتب العمود التكنولوجي الأمريكي في بلومبرج أوبينيون