ذات يوم ليس ببعيد، كنت أتجول مع ابن عمي في منطقة الزمالك، أحد أحياء القاهرة الصاخبة، متوجهين إلى أقرب متجر لبيع شرائط الكاسيت والفيديو.
في داخل المتجر الصغير، تصفحنا الشرائط المعروضة، وشاهدنا مالكه جالسا على مكتبه في إحدى زواياه، محاطا بكوم مكدس من شرائط الكاسيت، متابعا بعينيه حركتنا داخل متجره، وكأنه يحثنا على الشراء سريعا لإفساح مكان للآخرين.
بالنسبة إلينا، كان هذا المتجر مكانا مألوفا، نغذي من خلاله فضولنا عبر تصفح ملصقات أغلفة شرائط الفيديو، ونتابع من خلاله الفرق الموسيقية الناشئة التي تشق طريقها نحو الشهرة، ونلقي نظرة على أحدث الأفلام.
لا يزال تذكر لحظات متاجر الكاسيت وشرائط الفيديو الصغيرة، التي انتشرت وقتها، يثير لدي السعادة والحنين إلى الماضي.
عندما أنظر إلى حياتنا اليوم، يبدو من الجنون الانتظار لمدة قد تصل إلى 6 أشهر للحصول على شرائط الفيديو والكاسيت للأعمال الفنية التي يتم إنتاجها عالميا، مثلما كان يحدث قديما. لقد قطعنا شوطا طويلا بعيدا عن الماضي، وإن كنت أظن أننا ما زلنا في البداية.
خلال العقد الماضي، أصبح المحتوى السحابي والبث المباشر هو الأكثر شيوعا. لقد اتجه بعض أكبر منتجي الترفيه ومشغلي منصات التواصل الاجتماعي إلى تقديم المحتوى الخاص بهم في بث مباشر عبر الإنترنت.
لقد حققنا في السنوات العشر الأخيرة تقدما سريعا في الترفيه المنزلي، أنتج لنا نتفليكس Netflix وiTunes، مما أدى إلى جذب ملايين المشتركين. لم تكن هذه التطبيقات ممكنة مع شبكات الأمس، بينما اليوم يتم بث كميات هائلة من المحتوى.
تم إنشاء نتفليكس Netflix في عام 1997، وبعد 20 عاما تقريبا، أغلق أكبر متجر تأجير عالمي، بلوكباستر Blockbuster، آخر متجر له، وكذلك حدث مع متجر تأجير الحي.. الآن، لا وجود لشرائط الكاسيت سوى لدى هواة جمع التحف المنقرضة والقديمة.
تبنت نتفليكس Netflix مبكرا عروض البث في عام 2007، وجعل ذلك منها عملاقا في عالم الترفيه كما هي اليوم. كان نموذج عملها مثيرا منذ البداية، وجعل من الممكن، وبأسعار معقولة، استهلاك المزيد من المحتوى في فترة زمنية أقصر. أعطى هذا للعملاء قيمة أفضل، وأصبح في إمكانهم الاختيار الفوري من بين المعروض، ومهدت الطريق لمستقبل الترفيه كما نعرفه اليوم. يعتمد المزيد والمزيد من الناش الآن على الترفيه الفوري، الذي يمكنهم الوصول إليه من خلال هواتفهم الذكية.
في السنوات الـ15 الأخيرة، تغيرت تركيبة الصناعة بشكل كبير، ووصلت الخدمة إلى كل شخص متصل بالإنترنت، في عصر نعيشه من الاتصال الفائق، الذي لم يشكل فقط الطريقة التي نتفاعل بها، والطريقة التي نستهلك بها المحتوى، بل الطريقة التي نعيش بها.
لتوضيح هذه النقطة، فكر في عدد التطبيقات التي تستخدمها اليوم مقابل بضع سنوات مضت.
تمثل فئة الشباب في مصر اليوم ما يقرب من 50% من إجمالي عدد السكان، وتتميز هذه الفئة باستعدادها الدائم وسلوكها المختلف مقارنة بسلوك المستهلك التقليدي القديم، فبحسب تقرير صادر عن “ماكينزي آند كومباني”، يقضي هؤلاء المستخدمون الرقميون الشباب في المتوسط 315 دقيقة على الإنترنت يوميا (في مقابل 126 دقيقة للعملاء فوق 25 عاما).
بالإضافة إلى الشعبية الرقمية بين الشباب، هناك أيضا اتجاه للوصول إلى الإنترنت عبر الجوال فقط. على سبيل المثال، يصل حوالي نصف مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي النشطين إلى حساباتهم من خلال هواتفهم الذكية فقط.
تساهم هذه الاتجاهات معا –الوصول الرقمي والمحمول- في استراتيجية متنامية بشكل كبير للشراكات بين شركات الاتصالات وشركات توفير المحتوى الصوتي والفيديو والوسائط الأخرى عبر الإنترنت OTT (Over-the-Top).
تعد الثورة الرقمية فرصة لنماذج الأعمال الحالية في صناعتنا، فعلى سبيل المثال، وخلال السنوات الأخيرة، قامت اتصالات Etisalat بتغيير خطط أسعارها الأساسية إلى خطط أسعار أكثر تفصيلا، تتضمن العديد من الخيارات، والتي يمكن للعميل إدارتها والتحكم فيها رقميا وبسلاسة.
تكمن الفكرة في الاستفادة من القنوات الرقمية لتمكين العميل من المزيد من الخيارات الفورية، وفقا لعادات الاستهلاك الخاصة به، دون الحاجة إلى اتباع أي من الطرق التقليدية.
لقد انتهت الأيام التي اعتاد فيها مقدمو خدمات الاتصالات بيع خدماتهم على أساس توفير وقت تحدث غير محدود أو بيانات فائقة السرعة. الآن، يتعلق الأمر بالتجارب التي تدمج عروض خدماتنا الأساسية مع الترفيه، مما يوفر نهجا أكثر دقة لاكتساب العملاء والاحتفاظ بهم.
في اتصالات مصر، نعمل على تطوير خدمات OTT الخاصة بنا، والتي توفر طريقا أسرع إلى السوق.
وخير مثال على ذلك، اتصالات ميوزيك Etisalat Music، وهو تطبيق بث رقمي للاستماع إلى أحدث الموسيقى، يوفر ملايين الأغاني العربية والعالمية. يتيح تطبيق الويب والجوال للمستخدمين بث الموسيقى المفضلة لديهم، بأفضل الأسعار، ودون استهلاك باقات الإنترنت الخاصة بهم، مما يوفر ميزة تنافسية أمام تطبيقات بث الموسيقى الأخرى، والتي تتطلب اشتراكات شهرية بلا إعلانات أو شراء ألبومات.
اليوم، لا نقدم خدمات مثل اتصالات للموسيقى والأخبار والتلفزيون والرياضة فحسب، بل نعمل باستمرار على تحسينها وجعلها أكثر تركيزا على العملاء. هذه رحلة مستمرة مع توقعات العملاء المتطورة باستمرار.
تعد الشراكات بين مقدمي الخدمات ومشغلي OTT بمثابة مكسب لجميع الأطراف، لأننا نستفيد بشكل متبادل من الانتشار الكبير لكل منا. نحن نواصل السعي لتحقيق النمو الرقمي من خلال الاستفادة من ميزة البنية التحتية لدينا، وقاعدة العملاء مع مكتبات المحتوى المتميزة لدى شركائنا OTT، بينما يحصلون هم على زيادة في عدد مستخدميهم وإيراداتهم.
يتسفيد المستهلك كذلك بأن أصبح لديه خيار الوصول إلى مجموعة متنوعة من المحتوى من خلال الباقات الحالية من مزود الخدمة الخاص به.
نحن في النهاية، لسنا فقط موفرين لمنتجاتنا وخدماتنا الرقمية، ولكننا أيضا عوامل تمكين للقطاعات الأخرى، من خلال توفير البنية التحتية الأساسية للاتصالات، التي لا غنى عنها لنمو صناعات الاقتصاد الرقمي، ما ينتج عنه زيادة الطلب على الوصول إلى إنترنت النطاق العريض.
ولا زال دفع الفواتير المباشرة هي لب العديد من الشراكات بين شركات الاتصالات وشركات المحتوى OTT، لأن الدفع ببطاقات الائتمان لا يزال غير متوفر على نطاق واسع لجميع المشتركين.
لقد قمنا بتوفير خيار دفع رسوم الاشتراك لشركائنا، مثل منصة WATCH iT، كجزء من الاشتراكات الشهرية لباقات المكالمات أو الإنترنت، كجزء من توفير المزيد من الخيارات أمام عملائنا.
في النهاية، يتم تشكيل خدماتنا حسب طلب العملاء، وهم مفتاح هذه المعادلة.
لطالما اعتقدت أن سر تميزنا في اتصالات مصر هو تركيزنا على الاحتفاظ بالعملاء. نحن لا نبحث فقط عن طريقة لجذبك إلينا، من خلال توفير خيارات مختلفة، مثل خطط الأسعار والباقات المتدرجة أو الهدايا والحوافز، ولكننا نعمل جديا على الاحتفاظ بك.
نقوم بذلك من خلال الاستثمارات المستمرة في شبكتنا وخدماتنا ومهارات موظفينا، ونعمل جاهدين على أن نكون أفضل يوما بعد يوم، ليس فقط في مصر، ولكن في مجموعة اتصالات ككل. هكذا نجحنا في أن نكون ضمن أفضل 25 علامة تجارية عالمية للعام الخامس على التوالي.
في الاقتصاد الرقمي، يكون الاتصال مهم حقا. الآن هو الوقت المناسب لنا جميعا لتعظيم قيمتنا وتنمية أصولنا وتوسيع نطاق عروضنا من خلال الشراكات والابتكار والإبداع. الإمكانيات هائلة!
* كاتب المقال هو الرئيس التنفيذي لشركة اتصالات مصر، والمقال منشور بالإنجليزية في دورية الغرفة الأمريكية للتجارة في مصر Amcham Business Monthly.