أصبح استخدام تطبيقات المحمول لسحب ودفع وتحويل الأموال أمرًا واقعًا في السوق المصرية، أسوة بالعديد من دول العالم، في مقابل الاستغناء عن حمل بطاقات البنوك التقليدية، خاصة وأن الصناعة المصرفية تتجه كليًا نحو التحول الرقمي في ظل عالم سريع التطور والتغير، وذلك للحفاظ على قوتها وسط منافسة شرسة مع مزودي الخدمات المصرفية الرقمية البديلة، وصراع قوي على جذب العملاء وتلبية احتياجاتهم الذي يزداد طلبًا يومًا بعد يوم بمرونة وسلاسة وسرعة غير مسبوقة.
فالتحول الرقمي في القطاع المصرفي بشكل خاص، لم يعد رفاهية يمكن الاستغناء عنه، بل على العكس يحتاج بناء منظومة رقمية متكاملة، لتعزيز ألياته ولضمان سلامة سياسته المالية والتشغيلية، وهو ماأكده عدد كبير من قادة القطاع في مصر، بمعرفة ويقين يشيران إلى أن البنوك بشكلها التقليدي في المرحلة الأخيرة للإنقراض، وتعمل البنوك حاليا على إعادة إختراع نفسها بشكل كامل لملائمة مايحدث على المستوى التكنولوجي، في سلسلة من القرارات والتحركات التي بدأت منذ فترة ، ويبدو أنها مستمرة للوصول لقمة التحول الرقمي.
ومواكبة لهذه التغيرات، أعلن البنك المركزي المصري،منذ أيام، اعتماد القواعد المنظمة لخدمات ترميز بطاقات الدفع على تطبيقات الأجهزة الإلكترونية بما يتيح إجراء معاملات الدفع اللاتلامسية باستخدام التطبيقات عبر هذه الأجهزة، وذلك في إطار تنفيذ استراتيجية المجلس القومي للمدفوعات برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي لدعم التحول للاقتصاد الرقمي.
ويأتي إصدار القواعد الجديدة استمراراً لجهود البنك المركزي الاستباقية في تعزيز التطور الرقمي، حيث يتيح الترميز إمكانية تسجيل بطاقات الدفع على تطبيقات الأجهزة الذكية، واستخدامها لإتمام عمليات الدفع على نقاط البيع الإلكترونية، أو الشراء عبر الإنترنت بطريقة سهلة ومؤمنة ومبتكرة، كما سيسمح إصدار القواعد المنظمة لخدمات ترميز البطاقات على تطبيقات الأجهزة الإلكترونية بتفعيل خدمات العديد من الشركات الدولية مثل “أبل باي وسامسونج باي وغيرها من الخدمات” وكذا شركات التكنولوجيا المالية، والذي بدوره سيؤدي إلى خلق فرص هائلة لتقديم حلول مالية مبتكرة تتوافق مع متطلبات العملاء.
وستساعد المنظومة الجديدة أيضًا على تقليل الوقت والتكاليف التي تتحملها البنوك العاملة بمصر في إتاحة الخدمة، وكذا تمكين البنوك المصدرة من رقمنة بطاقات الدفع باختلاف أنواعها.
بوابة «Followict» تستعرض في التقرير التالي تفصيلاً مبسطًا لشرح آلية ترميز البطاقات، وأهمية إصدار القواعد المنظمة لها، ودور هذه الخطوة الهامة من البنك المركزي في مكافحة غسيل الأموال، وتأثيرها المحتمل على بطاقات البنوك الائتمانية، مع رصد أراء خبراء وقيادات البنوك المصرية حول أهمية هذا القرار ومدى جاهزية البنوك المصرية لتنفيذه.
الدفع عبر المحمول
أصبح الدفع عبر الموبايل هو الطريقة الأسهل والأسرع والأكثر استخدامًا للأجيال الشابة، خاصة وأن الموبايل أصبح الشيء الوحيد الذي لا يمكن الاستغناء عنه أو التحرك بدونه، لذا تعمل البنوك على تقديم كل ما فيه راحة العميل، لذا أعلن البنك المركزي عن اعتماد القواعد المنظمة لخدمات ترميز بطاقات الدفع، وهو المصطلح الذي يعني استبدال بيانات البطاقة الفعلية «بطاقات الائتمان البنكية» برمز فريد يسمى «الرمز Token»، وهو رمز فريد يتم إنشاؤه عشوائيًا وصالح للاستخدام مرة واحدة، وبذلك يتم حماية البيانات الحساسة للبطاقات البنكية، والاعتماد على البيانات الرمزية، خلال عمليات الدفع بهذه البطاقات.
ولتوصيل الفكرة بشكل أسهل، نفترض أنك تريد إجراء عملية دفع أو مشتريات عبر الإنترنت باستخدام بطاقة الائتمان الخاصة بك، هنا يتم تحويل بيانات البطاقة إلى رمز مميز عبر مزود خدمة الرمز المميز، وإرسالها إلى البنك المتلقي أو بنك التاجر، ليحل محل بيانات معالج الدفع الفعلي، ويتم إنشاء بيانات بطاقة الائتمان ذات الرموز المميزة عشوائيًا.
يستخدم التاجر هذا الرمز المميز لطلب التفويض بخصم القيمة من شبكات بطاقات الائتمان الخاصة بك، مثل Visa أو أمريكان إكسبريس، ولأن البنك الخاص بالعميل يحتفظ ببيانات الدفع الفعلية داخل خزانة آمنة للرموز، وبمجرد توفير الرمز المميز من جهة إصدار بطاقة الائتمان ومطابقته مع رقم حسابك، سيتحقق البنك من المعاملة، ويقوم فعليًا بتنفيذها.
وبعد نجاح عملية الدفع، تنتهي صلاحية الرموز التي تم إنشاؤها من أجل هذه العملية، ويتم إنشاء رموز عشوائية جديدة في جميع المعاملات التالية، حتى لو تمت من خلال نفس التاجر، وهو ما يوفر للمستهلكين مجموعة واسعة من طرق الدفع، بما في ذلك الدفع عبر المحافظ الرقمية وخدمات الدفع الأكثر شهرة عالميا، مثل Google Pay وApple Pay وAndroid Pay وBuy Now وPay Later، وصولا إلى الدفع اللاتلامسي عبر تقنية الاتصال قريب المدى NFC.
كما يلعب التحول نحو استخدام المدفوعات الرقمية وتوفير الآمان الكامل لها، دورًا كبيرًا في الحد من عمليات غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، حيث أن العمليات الرقمية تُظهر حقيقة الحركات المالية والاقتصادية بين جميع الأطراف، وهو ما يجعل هناك رقابة تامة من قبل البنك المركزي والجهات الرقابية الأخرى على جميع التحويلات والعمليات التي يتم إجراؤها من قِبل المواطنين.
هذه الخطوة من شأنها أيضًا مساعدة البنوك على تحسين كفاءة وفعالية عملياتها، من خلال تبسيط العمليات وأتمتة المهام، وتحسين تجارب العملاء، كما أنها تساعد البنوك على تقليل التكاليف وزيادة الربحية، وتوفير تكاليف إصدار البطاقات الائتمانية وتقليل اعتمادها على العمالة اليدوية وخفض تكاليف التشغيل.
وفي هذا الصدد قال حازم حجازي نائب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لبنك البركة مصر، إن سبل الدفع شهدت تطورات كثيرة طوال الخمسين سنة الماضية، بداية من الدفع النقدي إلى البطاقات الائتمانية ثم الكروت اللا تلامسية، وصولًا إلى تمكين العملاء من الدفع عن طريق تطبيقات الهاتف المحمول حاليًا.
ولفت إلى أن البنك المركزي المصري قام بإصدار القواعد المنظمة والأطر الفنية لترميز البطاقات عبر الأجهزة الإلكترونية بهدف إتاحة أحدث أساليب الدفع الإلكتروني العالمية، مشيرًا إلى أن آلية ترميز البطاقات تعني ببساطة قيام العميل بتسجيل بيانات بطاقات الائتمان والخصم وغيرها من أنواع البطاقات الأخرى على الموبايل أبلكيشن والذي يتولى من خلاله بعد ذلك القيام بعمليات الدفع وسحب الأموال بمجرد اقتراب الموبايل من ماكينات الدفع في المتاجر والأماكن المختلفة، وبالتالي يمكنه الاستغناء عن حمل بطاقات الدفع.
اختفاء البطاقات الائتمانية
وتوقع «حجازي» أن تختفي البطاقات الائتمانية خلال السنوات القليلة المقبلة مع تطبيق آلية الترميز الجديدة وبدء استخدام الموبايل في تنفيذ المدفوعات والعمليات المالية المختلفة.
وأضاف أن البنوك المصرية جاهزة لبدء تطبيق هذه الآلية خلال وقت قريب عقب إجراء بعض التعديلات البسيطة على أنظمتها التكنولوجية، مشيرًا إلى أن الهدف من كل التطورات السابقة هو تقليل استخدام الكاش والبطاقات.
وحول فرض رسوم على البطاقات الإئتمانية، أوضح الرئيس التنفيذي لبنك البركة مصر، أنه من المتعارف أن بطاقات الخصم المربوطة بحسابات العملاء في البنوك والبطاقات مسبوقة الدفع وبطاقات المرتبات والمعاشات وبطاقات ميزة ليس عليها رسوم إلا في حالة استعمال ماكينة بنك آخر حيث يتم تطبيق عمولة بحد أقصى 5 جنيهات على عملية السحب.
وأوضح أن البطاقات التي يتم فرض رسوم على السحب من خلالها هي بطاقات الائتمان فقط، وذلك لتشجيع العملاء على استخدامها في المشتريات وتقليص عمليات السحب النقدي من خلالها، مشيرًا إلى أن عدد البطاقات الصادرة عن البنوك يصل إلى 56 مليون بطاقة من بينهم 4 ملايين بطاقة ائتمان (مشتريات) هي التي يطبق عليها رسوم عند السحب النقدي سواء من ماكينة البنك المصدر للبطاقة أو ماكينات البنوك الأخرى، بينما 52 مليون بطاقة لا يتم فرض رسوم عليها عند السحب من البنك المصدر للبطاقة، ولا تتجاوز هذه الرسوم 5 جنيهات في حالة استخدام ماكينات بنوك أخرى.
جاهزية البنوك
ومن جانبه قال وليد ناجي، نائب رئيس البنك العقاري المصري العربي، إن اعتماد قواعد ترميز البطاقات الوطنية من قبل البنك المركزي المصري سيتيح لعملاء البنوك استخدام الهواتف المحمولة في عمليات الدفع الإلكتروني بدلًا من استخدام البطاقات الائتمانية.
ولفت إلى الهدف من ترميز بطاقات الدفع على تطبيقات الأجهزة الإلكترونية، يتمثل في إجراء كافة المعاملات اللاتلامسية باستخدام الموبايل مثل تفعيل خدمات مثل Apple أبل باي وسامسونج باي، كما أنها تسمح لعملاء البنوك بإتمام المعاملات لحظيًا، سواء في عمليات الدفع عبر نقاط البيع الإلكترونية، أو الشراء عبر الإنترنت بطريقة سهلة ومؤمنة.
وأشار وليد ناجي إلى أن ترميز بطاقات الدفع الإلكترونية يسهم في تعزيز عملية التحول الرقمي والحد من استخدام الكاش، مما يسهم في تعزيز الشمول المالي، مؤكدًا على ضرورة جاهزية البنوك لهذه الخطوة، وشبكات الدفع مثل فيزا وماستركارد، بالإضافة إلى شركة بنوك مصر والتي ستقوم بدور أساسي في هذه العملية لأنها ستقوم بتوفير «الرمز» داخل المنظومة.
وأكد «ناجي» أن ترميز البطاقات الإلكترونية موجود في العديد من دول العالم منذ سنوات، حيث أنها تستخدم تكنولوجيا NFC، مشيرًا إلى أن الخاصية ينطبق عليها حدود الدفع للبطاقات اللاتلامسية والتي تبلغ نحو 600 جنيه كحد أدنى لإدخال الـpin، وهو ما يسهم في توفير المجهود وأمان أكثر للمواطنين.
ومن جانبها قالت سهر الدماطي، الخبيرة المصرفية والنائب السابق لرئيس بنك مصر، إن ترميز بطاقات الدفع على تطبيقات الأجهزة الإلكترونية يساعد في إجراء المعاملات اللاتلامسية عبر الهواتف الذكية دون استخدام الكارت البنكي، ويتيح تفعيل خدمات مثل Apple Pay وSamsung Pay .
وأشارت إلى أن الهدف من ترميز بطاقات الدفع على تطبيقات الأجهزة الإلكترونية، هو تأمين العمليات التي تتم من خلال هذه البطاقات، وهو ما يسهم بدوره في الرقابة والاطلاع على معاملات الأفراد ويحد من عمليات غسيل الأموال.
ولفتت إلى سعي البنك المركزي المستمر لتشجيع استخدام البطاقات وتعزيز ثقافة الدفع الإلكتروني، موضحةً أن البنية التحتية للبنوك جاهزة لاستقبال مثل هذه الخدمات.