تواصل عملة البيتكوين تراجعها السريع خلال الأسابيع الماضية، حيث تراجعت أول أمس السبت، دون مستوى 18 ألف دولار ووصلت إلى 17749 دولاراً، قبل أن تعاود الارتفاع مجددًا فوق مستوى 19 ألف دولار أمس الأحد، لتنخفض مجددًا بصورة طفيفة خلال تعاملات اليوم الإثنين.
وتكافح أكبر العملات الافتراضية في البقاء أعلى مستوى 20 ألف دولار، لتستمر حالة التذبذب في السوق بعد التقلبات الشديدة التي شهدتها خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي. الأمر الذي يثير تساؤلات حول مستقبل العملة الرقمية لا سيما في ظل انخفاض بقية العملات المشفرة أيضًا.
ومنذ ارتفاع البيتكوين إلى قمة تجاوزت 68 ألف دولار في نوفمبر 2021 لم تشهد العملة الرقمية اتجاها صعوديًا ثابتًا، بل كان التوجه بوضوح إلى الانخفاض، ليبلغ مجموع ما خسره سوق العملات المشفرة بالكامل منذ بداية العام فحسب تريليوني دولار وفقا لتقديرات “سي.إن.بي.سي”.
وتراجعت أيضا عملة الإيثريوم إلى مستوى 897 دولارا لتفقد هي وبيتكوين أكثر من 35% من قيمتهما خلال أسبوع واحد، وتراجعت أيضا كافة العملات المشفرة بنسب متفاوتة مما أثار مخاوف كثيرين من انهيار كامل لها.
ويعود البعض إلى أن الرفع المتتالي لأسعار الفائدة في الولايات المتحدة هو السبب الرئيس وراء التراجع الحاد للبيتكوين بجانب تعرضها لضربات متتالية من رفض منصة “سيلسيوس” لتداول تلك العملات والإقراض التعامل بالعملات الرقمية بعد إقرارها لاستخدامها كضامن واستحواذها على ما قيمته 12 مليار دولار بيتكوين قبل شهر، فضلا عن إيقاف الكثير من الجهات وأبرزها “تسلا” قبل أشهر، التعامل بالعملات الرقمية كوسيلة إيفاء بالثمن.
والشاهد أن نقاط المقاومة السعرية تنخفض باستمرار، فقبل أسبوعين كانت نقاط المقاومة السعرية حول مستوى 21 ألف دولار والآن أصبحت حول مستوى 18 ألف دولار وقبل شهر كانت حول مستوى 30 ألف دولار، ويشير هذا إلى أن الانخفاض في سعر البيتكوين غير مدفوع بمبيعات الذعر فحسب، ولكنه مدفوع أيضا بإعادة تقييم حقيقية لقيمتها.
ونقطة المقاومة السعرية تعني أنه عادة ما لا يتخطى سعر السلعة (العملة) تلك النقطة، لأن المتعاملين يبدأون دون تلك النقطة في اعتبار السلعة أو الأصل أو العملة فرصة لأنها مقيّمة بأقل من قيمتها الحقيقية، ولذلك يقبلون على شرائها، وبذلك يتحول منحنى السعر المنخفض أو المتراجع إلى آخر يتجه للارتفاع.
يشير البعض إلى أن بعض العملات الإلكترونية أصبحت “اسمًا فحسب” وليست قيمة، ومن ذلك عملة “دوجكوين” التي لفت المستثمر الشهير “إيلون ماسك” الأنظار إليها في تغريداته، حيث أصبح سعرها يزيد قليلا على 5 سنتات خلال الأسبوعين الماضيين بما يشير إلى أنها قد تصبح بلا قيمة تماماً قريبًا.
وقد يتفق هذا الأمر مع أن انتعاش بيتكوين وباقي العملات الإلكترونية كان بسبب وجود فوائض مالية في السوق بسبب التوسع في الاقتراض وشيكات التحفيز، ومع غياب مصارف طبيعية يمكنها امتصاص هذه الفوائض يكون من المنطقي أن تتجه إلى وسائل استثمار “مبتكرة” كي تحاول النمو.
كما أنه خلال عامي وباء كورونا، كانت هناك مساحة كبيرة للغاية للأموال الهادفة إلى المضاربة والربح السريع على حساب الأموال الساعية للاستثمار، وتشير دراسة لجامعة “ستانفورد” إلى أن أكثر من 70% من ارتفاع سعر البيتكوين جاء بسبب عمليات مضاربة مستمرة وليست بسبب حقائق العرض والطلب على العملة المشفرة.
ولذلك فإنه مع انكماش السوق وتراجع مستويات الفوائض المالية المستعدة للمغامرة، تراجعت أسعار العملات المشفرة بسبب تراجع السيولة المالية الكبيرة من الأسواق، والتي زادت بفعل دخول الكثير من غير المحترفين في مجال الاستثمار (بفعل ضخ تريليوني دولار في أيدي الأمريكيين بشكل مباشر كتعويضات لخسائر كورونا)، فضلا عن توسع عمليات المضاربة.
كما شهدت سوق الأسهم ارتفاعًا كبيرًا بسبب التدافع الكبير من الأمريكيين على شراء الأسهم، والتي كانوا يرونها في اتجاه صعودي مستمر بالتالي كانت جاذبة للمستثمرين كان الأمر كذلك مع البيتكوين التي كان سعرها مستمرًا في الصعود، لذا ارتأى كثيرون الاستثمار فيها بمثابة “صفقة رابحة” وبالتالي ارتفعت أسعار العملة المشفرة بشدة خلال عامي الوباء (2020 و2021).
ويحذر تقرير لمركز “بيو” لاستطلاعات الرأي من أن البيتكوين تبدو أكثر تغلغلا في الاقتصاد الأميركي مما يعتقد كثيرون، حيث إن 16% من الأمريكيين سبق لهم أن تعاملوا أو استثمروا أو قاموا بتعدين العملة المشفرة، بما يوحي بوجود تأثير “حقيقي” لها في الاقتصاد.
ولكن بعض المقارنات التي بدأت تظهر بين سوق العملات المشفرة وأسواق أخرى تشير إلى ضعف تأثير سوق العملات الرقمية على الاقتصاد الحقيقي، ومن ذلك الإشارة إلى أن حجم سوق العملات المشفرة حاليًا لا يتخطى تريليون دولار، بينما يبلغ سوق الإسكان الأمريكي قرابة 43 تريليون دولار (كقيمة أصول لكليهما وليس قيمة تداول).
كما أن إجمالي القروض الممنوحة بضمان عملات مشفرة لا يتخطى 205 ملايين دولار بما يشير إلى أن تحولها حتى لقيمة صفرية لن يكون له تأثير كبير على الاقتصاد الأمريكي الذي يبلغ حجم ناتجه المحلي الإجمالي 21 تريليون دولار.
ولذلك فاق تراجع بيتكوين توقعات كافة الخبراء الذين أشارت غالبية توقعاتهم إلى انخفاض تدريجي يصل بالعملة إلى ما دون 20 ألف دولار نهاية العام وليس منتصفه كما هو حادث، كما أن وجود بدائل أفضل مشابهة مثل منتجات “إن.إف.تي” ساهم في تغذية الاتجاه المتراجع للعملات الرقمية.
وعلى الرغم من أن قيمة البيتكوين قد لا تصبح “صفرًا”، لكن خسارة بعض المستثمرين لـ75% من قيمة أصولهم فيها (إذا اشتراها بسعر 68 ألف دولار وباعها دون 18 ألفا) تعطي انطباعاً عن سوق “هابط بلا حدود” بما يجعل مستقبلها ضبابيًا ويجعلها مثارًا للمضاربة والتلاعب أكثر من الاستثمار الطبيعي.