ليست هناك مبالغة، بأن أزمة انهيار بنك “سيليكون فالي”، ستحدث هزة ثقة في عمليات التمويل على مستوى العالم بشكل كامل خاصة للشركات الناشئة، مع تعذيتها بارتفاع أسعار الفائدة والتضخم المرتفع بعناد كبير، في ظل الإضطرابات الاقتصادية الحالية والتي تغذيها الصراعات المفتوح بين الغرب والشرق.
فالمؤشرات الحمراء سيطرت على كثيرا من البورصات العالمية خلال الأيام الماضية في أعقاب تخوف الأسواق الكبير من سيادة حالة الهلع بين المودعين في بنوك كثيرة رغم التطمينات الرسمية بفرض حالة استقرار في الأسواق، ليبقى التساؤل عن تأثير الأزمة مستقبلًا على الشركات الناشئة وعمليات التمويل الخاصة بها.
وفقًا لتقرير تمويل Crunchbase في فبراير الماضي، انخفض التمويل للشركات الناشئة في السوق الأكبر (الولايات المتحدة) بنسبة 63٪ من 48.8 مليار دولار في العام السابق ، وانخفض التمويل في المرحلة المتأخرة بنسبة 73٪ على أساس سنوي ، وانخفض تمويل المرحلة المبكرة بنسبة 52٪ عن هذا الامتداد ، وسيغذي هذه النسب بالسالب الأحداث الأخيرة وسط ترقب غالبية المتعاملين لأزمة مالية جديدة تنطلق من الولايات المتحدة
ومازال هناك حالة من الترقب وسط مجتمع الشركات الناشئة في مصر مثل كل العالم، بسبب التغيرات التي فرضت على النظام الاقتصادي العالمي وأزمة بنك سليكون فالي بأمريكا، وقبل تلك الأزمة كان هناك أزمة في الاستثمارات بتلك الشركات، والتي قد تتفاقم بسبب الأوضاع الأخيرة، فقد أشارت تقارير غربية إلى أنه يمكن أن يؤدي انهيار بنك متخصص في تمويل الشركات الناشئة وشركات التقنية الناشئة إلى تداعيات عديدة على هذه الشركات والاقتصاد بشكل عام، فعادة يمكن أن يؤدي إلى تقلص تمويل الشركات الناشئة، حيث يعتمد الكثير منها على التمويل من بنوك متخصصة.
وإذا حدث انهيار لأحد هذه البنوك، فسيتقلص تمويل هذه الشركات، مما قد يؤدي إلى تعطل عملياتها أو تقلصها، كذلك قد يؤدي تقلص تمويل الشركات الناشئة إلى تباطؤ نمو هذه الشركات، مما يؤثر على الاقتصاد بشكل عام، ويؤثر على فرص التوظيف والاستثمار. فما الذي يمكن أن تفعله الشركات المصرية الناشئة وسط كل ذلك؟، وما هي آليات التمويل الأفضل للشركات الناشئة في مصر حاليا بعد أن جمعت الشركات المصرية استثمارات بقيمة 517 مليون دولار العام الماضي؟.
تجارب بالخارج
هناك بعض التجارب الدولية للتعامل مع الأزمة، ففي دول جنوب شرق آسيا على سبيل المثال، قال دافيد غودي الشريك الإداري في شركة Jungle Ventures التي تنشط في الاستثمار في الشركات الناشئة في تلك المنطقة، إن أزمة بنك سيليكون فالي وانعكاسها على عملية جمع الأموال تستدعي المتابعة، لكن من المستبعد أن تكون له انعكاسات. مؤكدا إلى أن بنك سيليكون فالي كان المصرف الرئيسي الذي تتعامل معه شركته، مشيرًا إلى أنه كان يحول حصة كبيرة من الودائع الموجودة لدى SVB للبنوك الموجودة جنوب شرق آسيا، وفي سنغافورة على الخصوص، وهو ما جعل تأثير انهيار البنك الأميركي على شركته محدودًا.
وعند سؤاله عما إذا كانت هذه الأوضاع تُصعِّبُ عملية جمع الأموال، قال غودي إن الصناديق في المنطقة تتمتع برأس مال جيد.
واعتبر فيني لوريا، الشريك الإداري في شركة Golden Gate Ventures أن ما حدث لبنك SVB يشكل فرصة للأسواق في المنطقة، حيث دفع المستثمرين إلى الشروع في التفكير في تنويع المؤسسات البنكية التي يتعاملون معها، وأضاف لوريا أنه في ظل هذه الأوضاع، فإن الفرصة متاحة لمنطقة جنوب شرق آسيا للتألق.
وفي المملكة السعودية تشير بعض التقارير إلى أن هناك آليات للشركات الناشئة للحصول على التمويل، سواء من خلال شركات رأس المال الجريء أو المستثمرين المستقلين أو من خلال التمويل الجماعي، أو من خلال الاقتراض المباشر من أي من هذه الأطراف أو من البنوك التجارية، ولكن ارتفاع معدلات الفائدة يرفع تكلفة رأس المال الجريء، وبالتالي سترتفع حصص الملكية المطلوب من رواد الأعمال التخلي عنها، بل حتى عمليات التمويل الجماعي سترتفع تكلفتها.
أما في الهند فلديها تجربة مهمة، من حيث العمل على زيادة مشاركة المستثمرين في تمويل الشركات الناشئة إلى 9500 مستثمر، بعد أن كان عددهم 1000 فقط في عام 2015، وأطلقت مؤخرا Inc42 لتسريع الاقتصاد التكنولوجي والشركات الناشئة في الهند MoneyX، وهو المؤتمر الاستثماري الأول للشركات الناشئة في الهند في مايو القادم، حيث يلتقي أكثر من 450 من كبار المسئولين والمستثمرين المختارين بعناية لمناقشة الرؤى والاتجاهات التي تشكل مستقبل استثمارات الشركات الناشئة في الهند، وذلك لخلق أكثر من 500 مستثمر جديد كل عام.
الجولات المعتادة ودور البنوك
إبراهيم رمضان، الشريك في شركة رأس المال المخاطر Sawari Venture قال: الشركات في المرحلة المبكرة لا تزال في الحاجة إلى جولات التمويل المعتادة من زيادة رأس المال والسندات القبلة للتحويل، أما ما بعد ذلك فعلى الشركات الأكبر حجما الحصول على التمويل المناسب لحاجة الشركة من زيادة رأس المال أو تمويل في صورة الدين، والذي للأسف لا يتواجد بنسبة كافية من داخل مصر (بالجنيه المصري)، وكان متوفرا من الخارج بالعملات الأجنبية، حيث ستواجه الشركات صعوبات في السداد إذا حصلت على الدين بالدولار من الخارج، ولذلك نأمل أن يكون للبنوك في مصر دورا في ذلك.
وأضاف”بشكل عام كان حصول الشركات الأكبر حجما على الاستثمارات يعتمد على المستثمرين الدوليين، ولكنهم الآن لا يرغبون في ضخ أموالهم في مصر بنفس الوتيرة لعدم فهم الدورة الاقتصادية في مصر، ولذلك على المستثمرين المتواجدين في المنطقة أن يقودوا المسيرة، وعليهم أن يضخوا أموالهم في الشركات. وهذا التوقيت هو أفضل توقيت لضخ تلك الأموال في الشركات الناشئة، فعشوائية التقييمات في طريقها للاختفاء والشركات التي لديها تقييمات مبالغ فيها ستجد صعوبة في الحصول على استثمارات، والشركات الجيدة هي التي ستفرض نفسها وتنمو حتى في الظروف الاقتصادية المتعثرة عالميا.
صندوق تابع للدولة
ومن جانبه قال رفيق دلالة، العضو المنتدب لشركة Intercap Capital: لقد مررنا بمثل هذه الظروف الحالية والأوضاع الاقتصادية، فقد حدث ذلك في 2000، وفي 2008، والأمور أخذت وقتها وعادت إلى طبيعتها، وأنا لست قلقا، ولكن ما زاد من الأمر هو وضع مصر الاقتصادي الحالي، وأرى أن الشركات الناشئة هي الأمل الوحيد في السوق الآن، فمصر كانت الأولى أو الثانية في المنطقة من حيث الاستثمارات، وحاليا هناك حرص كبير من المستثمرين المغامرين وصناديق رأس المال المخاطر، ولكن التقييمات انخفضت بصورة كبيرة، وفي نفس الوقت إذا كانت الصناديق كانت تختار شركة من 20 شركة لتمويلها، فالآن تختار شركة من 50، فالاختيار سيكون أصعب.
ونوه إلى أت هناك حلول يمكن الاعتماد عليها من أجل زيادة الاستثمارات في الشركات الناشئة، فما يجعل أسواق السعودية والإمارات وقطر مستقرة بالنسبة للشركات الناشئة وتمويلها هو أن هناك صناديق استثمار تابعة للدولة، حيث تضخ الدولة أموالها لتشجيع الشركات الناشئة، فإذا فعلت الدولة لدينا ذلك ستعطي حركة للسوق، ونحن لدينا “ايتيدا” تساعد الشركات الناشئة، ويجب أن ينظر الصندوق السيادي إلى تلك الشركات، فيجب أن تضع الدولة بعض الأموال في صندوق موجه للشركات الناشئة، بجانب أهمية أن يكون هناك منطقة مخصصة للشركات الناشئة يمكن إنشاءها في القرية الذكية، ويكون بها ممثلين للصناديق والشركات الاستثمارية، ويكون لها قانونا الخاص مثل المناطق الحرة، فكل ذلك سيفرق كثيرا، خصوصا أننا لدنيا إمكانيات عالية وأفكار رائعة، ويمكن أن يكون لدينا شركات تكنولوجية كبيرة، فشركة مثل جوجل قيمتها يساوي الناتج القومي لمصر في خمس سنوات، فلو لدينا شركة واحدة مثلها يمكن أن يفرق معنا كثيرا، ونحن لدينا القدرات والميزات التنافسية الجيدة.