Follow ICT
شعار الموقع الاساسى
جايزة 160
جايزة 160

المتحف المصري الكبير.. عندما تتحدث الآثار بلغة التكنولوجيا

ساعات تفصلنا عن حدث تاريخي ينتظره عشاق الحضارة المصرية في العالم أجمع، حيث افتتاح المتحف المصري الكبير والمقرر انطلاقه في الأول من نوفمبر وسط استعدادات غير مسبوقة.

فعلى مدار أكثر من عقدين من التخطيط والتنفيذ وتكلفة تجاوزت المليار دولار، سعى أحفاد الفراعنة إلى الحفاظ على تراث أجدادهم عبر استخدام وتوظيف الأدوات التكنولوجية الحديثة والمتطورة لخدمة الآثار والحفاظ على عبق التاريخ، فأصبحت الحكاية لا تقتصر على التماثيل والبرديات والكنوز القديمة، بل تمتد لتشمل ثورة رقمية تجعل الزائر يعيش تجربة حضارية غير مسبوقة.

وأضحى المتحف الذي يحوي أكثر من 100 ألف قطعة أثرية ويقدم أضخم عرض للآثار في العالم، يمزج بين عبقرية الفراعنة وابتكارات القرن الحادي والعشرين، ليصبح نموذجًا عالميًا في كيفية توظيف التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في خدمة التاريخ.

الرحلة التفاعلية
منذ اللحظات الأولى لتصميم المتحف المصري الكبير كان الهدف الرئيسي هو تسخير التكنولوجيا الحديثة لخدمة الزائر، وتفسير التراث، وحماية الآثار للأجيال القادمة، فكان التصميم قائمًا على مفهوم “الرحلة التفاعلية”، التي تبدأ قبل دخول الزائر من خلال تطبيقات الهاتف الذكية التي توفر معلومات عن المعروضات، ومسارات الزيارة المقترحة، وحجز التذاكر إلكترونيًا.

أما داخل القاعات، فيتحول كل جناح إلى تجربة رقمية غامرة تمزج بين الإبهار البصري والدقة العلمية.

الذكاء الاصطناعي
أحد أبرز ملامح التميز في المتحف المصري الكبير هو استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي، فعبر تطبيق المتحف الرسمي أو الأجهزة اللوحية المتاحة للزوار، يمكن للنظام أن يتعرف على اهتمامات الزائر سواء كان باحثًا أكاديميًا، أو طالبًا، أو سائحًا يبحث عن تجربة ممتعة ويقترح له جولة مخصصة تناسب اهتماماته ومستوى معرفته.

فعلى سبيل المثال، من يهوى الهندسة المعمارية سيجد توصيات لزيارة قاعات تعرض أدوات البناء والفنون الهندسية في مصر القديمة، بينما يوجه النظام محبي الأساطير إلى تماثيل الآلهة والنصوص الجنائزية، مع شرح مبسط يدمج بين النصوص والصور ثلاثية الأبعاد، فهذه التقنية تتيح لكل زائر أن يعيش تجربة فريدة لا تتكرر، كأن المتحف صمم خصيصًا من أجله.

تقنيات الواقع المعزز

والأمر الأكثر إبهارًا هو توظيف تقنيات الواقع المعزز (AR) والواقع الافتراضي (VR) في قاعات العرض، فبمجرد توجيه الجهاز اللوحي أو الهاتف نحو قطعة أثرية، تنبثق أمام الزائر نسخة رقمية ثلاثية الأبعاد تشرح كيفية استخدامها أو شكلها الأصلي قبل آلاف السنين.

فمثلًا، يستطيع الزائر أن يرى كيف كان العرش الذهبي لتوت عنخ آمون يوم كان في قصره، أو يشاهد عملية بناء الأهرامات بخطواتها المتتابعة وكأنها تجري أمام عينيه. وفي بعض القاعات، تتيح نظارات الواقع الافتراضي الدخول إلى مقبرة رقمية كاملة، حيث يمكن التجول داخلها، وقراءة النقوش، والاستماع إلى شرح صوتي بلغات متعددة.

قاعدة بيانات رقمية ضخمة
علاوة على ذلك، أنشأ المتحف قاعدة بيانات رقمية ضخمة تضم صوراً عالية الدقة ومعلومات تفصيلية عن كل قطعة، تشمل مادتها وتاريخها وأماكن اكتشافها وحالتها الحالية.

ويستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل الصور وقياس أي تغير طفيف في حالة القطع بمرور الزمن، مما يساعد المرممين على التدخل المبكر قبل حدوث أي تلف.

كما تتيح هذه المنصة للباحثين حول العالم الوصول إلى البيانات ودراسة المقتنيات دون الحاجة إلى التعامل المباشر مع القطع الأصلية، وهو ما يعزز التعاون العلمي ويحافظ على التراث من أي خطر.

نسخ رقمية للآثار
واستكمالًا للانجاز، يستخدم المتحف المصري الكبير تقنيات “الرقمنة ثلاثية الأبعاد” لإنشاء نسخ رقمية كاملة لبعض المجموعات الأثرية النادرة، لتكون بمثابة “ذاكرة أبدية” للقطع الأصلية، تحفظ شكلها وتفاصيلها الدقيقة للأجيال القادمة.

وفي المتحف المصري الكبير، لا يكون الزائر متفرجًا فقط، بل شريكا في الحكاية، فالتقنيات التفاعلية تتيح له التقاط صور ثلاثية الأبعاد مع المعروضات، أو المشاركة في ألعاب تعليمية تحاكي مهام المرممين والتنقيبات الأثرية.

تجربة مخصصة للأطفال
ولأهمية معرفة الأطفال والنشء وربطهم بالحضارة المصرية وتاريخ أجدادهم، تم تخصيص تجربة لهم للتعرف على الحضارة المصرية بطريقة ترفيهية تجمع بين اللعب والتعليم، حيث يمكنهم تصميم “نقوش فرعونية رقمية” بأيديهم، أو بناء نموذج مصغر لهرم باستخدام واجهات لمس ذكية.

المتحف الذكي
وبهذه الرؤية، يقدم المصريون للعالم تجربة جديدة في مفهوم “المتحف الحي” الذي لا يكتفي بعرض الماضي، بل يحاور الحاضر ويخاطب المستقبل، فالمتحف لا يسعى لأن يكون فقط وجهة سياحية، بل مركزًا عالميًا للبحث والتعليم الرقمي في علوم الآثار.

وتجرى حاليًا دراسات لإطلاق نسخة افتراضية من المتحف المصري الكبير على الإنترنت، تمكّن الزوار حول العالم من التجول داخله بتقنيات الواقع الافتراضي دون مغادرة منازلهم. وبهذا تتحول الحضارة المصرية إلى تجربة رقمية عالمية، تعبر الحدود واللغات.

The short URL of the present article is: https://followict.news/mael