تريد عاصمة النفط في العالم أن تتحول إلى الطاقة الكهربائية وأن تصبح نظيفة. للقيام بذلك، فهي تضع يدها على المعادن المهمة للبطاريات وتستحوذ على حصة في سلسلة توريد السيارات الكهربائية.
ويجب لهذه الخطوات أن تضع البلدان والشركات التي تستعد للإعلان عن خطط طموحة إلا أنها لا تفعل الكثير لجعلها حقيقة واقعة في حالة تأهب قصوى.
بينما يلوح النقص في الأفق، وتحاول الشركات تأمين موارد باهظة الثمن في محاولة لتوسيع حجم التصنيع، استقطبت المملكة العربية السعودية شركات تعدين الليثيوم وصانعي البطاريات لبدء العمليات، وسد فجوة حرجة. حيث تريد الدولة أن تكون 30% من السيارات على طرق عاصمتها كهربائية بحلول نهاية هذا العقد.
وقالت شركة كيماويات وتكنولوجيا البطاريات الأسترالية “إي في ميتالز جروب” إنها بدأت تطوير مصانعها لمعالجة أحادي هيدرات هيدروكسيد الليثيوم – وهو مركب رئيسي للبطاريات – مما يعمق خططها في المملكة.
كما عملت الشركة مع شركائها على مدى العامين الماضيين على دراسات الجدوى، حيث تُخطِّط المنشأة الآن لإنتاج مواد كيمياوية عالية الجودة للمواد الكاثودية في حزم الطاقة، وهو مكوّن مهم يحاول صانعو السيارات الكهربائية الحصول عليه. علاوةً على ذلك، أعلنت شركة أسترالية أخرى هي “أفاس جروب”، أنها وقعت اتفاقية في فبراير لتصنيع السيارات الكهربائية وبطاريات الليثيوم مع المملكة.
إلى جانب هذه الالتزامات، أعلنت وزارة الصناعة والثروة المعدنية في المملكة عن مشاريع بقيمة 6 مليارات دولار كجزء من دفعة أكبر لتعزيز صناعة التعدين. كما أنها تعالج ما يقرب من 150 طلب ترخيص استكشاف وتنقيب من شركات أجنبية.
كذلك وقعت الحكومة اتفاقية لشراء ما يصل إلى 100,000 سيارة كهربائية على مدى 10 سنوات من شركة “لوسيد جروب”، وهي شركة تصنيع السيارات الكهربائية التي يمتلك صندوق الثروة السيادية للبلاد حصة فيها؛ كما تُخصص المملكة أكثر من 3 مليارات دولار في التمويل والحوافز لإنشاء مصنع على مدى العقد ونصف المقبل.
من جانبها تجري مجموعة “فوكسكون تكنولوجي جروب” ، وهي أكبر شركة لتجميع أجهزة “أيفون” (iPhone)، محادثات لإنشاء منشأة بقيمة 9 مليارات دولار يمكن أن تصنع رقائق وأجزاء السيارات الكهربائية.
وفي الواقع، يُعد إنشاء مرافق التصنيع والمعالجة داخل حدود المملكة خطوة حكيمة وعقلانية؛ حيث لن يساعد ذلك في نهاية المطاف على خفض التكاليف فحسب، بل سيضمن على الفور – والأهم من ذلك – أن تصبح الأمة جزءاً رئيسياً من سلسلة قيمة السيارات الكهربائية العالمية.
حتى الآن، وإلى جانب الصين وشركات تصنيع البطاريات العملاقة فيها، تمكَّن عدد قليل من الدول الأخرى من تحقيق حجم التصنيع.
الجدير بالذكر أنّ السعودية تمتلك الموارد ورأس المال والقناعة – وهذا هو بالضبط ما ينقص العديد من الشركات والبلدان. وهي تستخدم الآن ميزتها الخاصة بسعر النفط والطلب لإجراء تحوّل يكافح الآخرون لتحقيقه. كما يُضيف موقعها الجغرافي إلى ذلك، مما يسمح لها بتزويد أوروبا والحصول على موارد من الصين وأستراليا.
وبدأت المملكة في تقييم وإصدار تراخيص التعدين بسرعة للاستفادة من مواردها المعدنية، بقيمة محتملة تُقدر بـ 1.3 تريليون دولار. يُقارن ذلك بالولايات المتحدة، حيث تم تعليق التصاريح وانخفضت الموافقات على خطط الاستخراج هذه إلى أدنى مستوياتها في عدة سنوات.
وفي الوقت نفسه، يمكن للمملكة أن تُطور مواردها الخاصة أيضاً، حيث أصبح الليثيوم في المنتجات الثانوية المحلية حول حقول النفط مصدراً رئيسياً للمعدن مع اتساع عجز العرض. يعمل الباحثون الآن على طرق فعالة اقتصادياً لإزالة الليثيوم ومعالجته في شكل نقي بدرجة كافية لاستخدامه في البطاريات.
يُذكر أنَّ تقدم السعودية في مواد البطاريات، حيث يؤدي النقص إلى رفع التكاليف وتضغط معركة الشركات على اللوائح الخضراء للمضي قدماً، إلى تحويل ما يمثل تهديداً كبيراً لاقتصادها إلى فائدة طويلة الأجل.
مما لا شك فيه أن الأوان قد فات تقريباً بالنسبة للولايات المتحدة وأجزاء من أوروبا للحاق بالركب. حيث تتطلع أماكن أخرى في الشرق الأوسط أيضاً إلى الانتقال بعيداً عن اعتمادها الاقتصادي على النفط نحو تكنولوجيا أكثر اخضراراً.
في هذا الصدد، استقطبت أبوظبي مؤخراً شركة لتعدين الليثيوم من أجل بناء مرافق في منطقة خليفة الصناعية لاستخراج المعدن واستعادة المنتجات الثانوية ذات القيمة من معادن الليثيوم والميكا والفوسفات.
بالتالي، لا ينبغي أن يكون الأمر مفاجئاً في حال انتهى المطاف قريباً بالشركات والدول وهي تُبادل اعتمادها على النفط السعودي بمواد أساسية للبطاريات، مثلما اضطرت إلى فعل ذلك مع الصين.
كاتبة عمود في وكالة بلومبرج وصحفية سابقة في وول ستريت جورنال.