من تأخر تسليم السيارات إلى نقص المعروض من الأجهزة المنزلية إلى الهواتف الذكية الأكثر تكلفة، تواجه الشركات والمستهلكون في جميع أنحاء العالم حاليا تفاقم لأزمة نقص رقائق أشباه الموصلات، التي شلّت العديد من القطاعات الحيوية وتكافح الشركات في جميع أنحاء العالم لزيادة الإنتاج، ويعتقد المحللون الذين يتتبعون صناعة الرقائق العالمية أن النقص سيستمر حتى عام 2022، مما يؤدي إلى انقطاع الإمدادات لفترات طويلة عبر مختلف القطاعات، في حين يعتقد بعض الخبراء أن النقص في الرقائق يمكن أن يستمر لفترة أطول.
وتعد صناعة السيارات العالمية الأكثر تضرراً من الأزمة، حيث أثرت على أكبر مصنعي السيارات في العالم بما في ذلك فورد ودايملر وفولكس فاجن، واقترح كبار المديرين التنفيذيين في جميع هذه الشركات علنًا أنه ليس لديهم فكرة محددة حول موعد حل النقص في الرقائق، مشيرين إلى أنه وضع معقد حيث أن الطلب على السيارات مرتفع، لكن تأخر الإنتاج يؤدي إلى خسائر فادحة لشركات صناعة السيارات.
ويستهلك قطاع الأجهزة الإلكترونية العالمي من “أشباه الموصلات” ما قيمته 470 مليار دولار أمريكي سنويًا، في مقابل 40 مليار دولار بقطاع السيارات، ووفقًا لبحث أجرته مجموعة «سسكويهانا فاينانشيال» فإن مقدار الوقت الذي تستغرقه الشركات المتعطشة للشرائح لسد الطلبات قد امتد إلى أكثر من 20 أسبوعًا، مما يشير إلى أن النقص يزداد سوءًا.
وتعتمد بشكل رئيسي صناعة السيارات والأجهزة الالكترونية على مصانع الرقائق الإلكترونية في مناطق جنوب شرق آسيا،والولايات المتحدة الأمريكية، حيث يعد المنتجون الرئيسيون لأشباه الموصلات “تي إس إم سي” التايوانية، وشركتي “سامسونج” و”إس كاي هاينيكس” في كوريا الجنوبية، وشركتي كوالكوم وإنتل في الولايات المتحدة الأمريكية، في حين ركزت القارة الأوروبية الأبحاث في هذا المجال ولا تملك سوى قدرات إنتاج محدودة، بينما لم توطن الدول الناشئة هذه الصناعة داخل أسواقها ومنها مصر والتي وصلت إليها الأزمة في خفض حجم إنتاج السيارات المصنعة محليا والتأثير السلبي على خطط توطين صناعة السيارات محليا، ونقص الورادات من السيارات للعديد من العلامات التجارية.
وطرحت هذه الأزمة العديد من التساؤلات حول إمكانية توطين صناعات الرقائق الإلكترونية في مصر ؟ وهل يمكن أن تكون مصر سوقًا لهذه المنتجات للقارة الإفريقية؟
دراسة شاملة
قال النائب حسانين توفيق، عضو لجنة الاتصالات في مجلس الشيوخ، أن الدولة بأجهزتها المعنية مطالب منها القيام بدراسة شاملة حول إمكانية توطين صناعة الرقائق الإلكترونية في مصر، لاعتماد العديد من الصناعات الإلكترونية عليها، إلا أنه أكد على أنها صناعة حيوية تحتاج إلى استثمارات ضخمة، مما يتطلب وجود حوافز استثنائية وغير مسبوقة من الحكومة لجذب الشركات العالمية في هذا المجال للاستثمار في مصر، أو عبر الشراكة مع الحكومة في مشروعات ضخمة بنظام الشراكة بين القطاعين العام والخاص “PPPs”.
ولفت إلى أن هذه الصناعة أصبحت أمن قومي في ظل عالم سريع التطور نحو التكنولوجيا، والظروف والتداعيات التي فرضتها جائحة كورونا على هذه الصناعة والتأثير على سلاسل الإمداد، يما يشكل تهديدا مباشرا على الدولة المصرية يجب أن تنتبه إليه وتعمل على استكشاف الفرص في هذا المجال حتى لا تتعطل أي خطط متعلقة بتوطين صناعة الإلكترونيات أو السيارت بشكل خاص.
فرصة اسثمارية
واتفق معه اللواء حسين مصطفى أمين عام رابطة مصنعي السيارات المصرية السابق، حيث أشار إلى أن مصر تمتلك فرصة استثنائية للدخول في صناعة الرقائق الإلكترونية حيث يتكلف إنشاء مصنع واحد متوسط من 5 إلي 6 مليار دولار، وهو مايحتاج إلى تكاتف من الشركات التي يمكن أن تدخل هذه الصناعة تحت رعاية الحكومة.
وتوقع وصول الخسائر المباشرة الناجمة عن نقص الرقائق الإلكترونية بقطاع السيارات فقط إلى ما يتجاوز الـ 60 مليار دولار عالميا حتى الآن، متوقعا بدء الخروج من الأزمة بشكل تدريجي في النصف الثاني من العام المقبل مع الاتجاه لإنشاء مصانع جديدة ببعض الدول من خلال شراكات استثمارية.
ونوه اللواء حسين مصطفى إلى أن أزمة كورونا تسببت في زيادة الطلب على الأجهزة الالكترونية خلال العام الماضي والنصف الأول من العام الجاري مما تسبب في في فجوة تصنيعية بالرقائق خاصة وأن مايصل إلى 60% من الإمدادات العالمية يخرج من مصنع واحد في تايوان، وهو مادفع الكثير من الدول لتغيير خطط الانفاق والاستثمار في هذا المجال.
الاستثمارات الجديدة
وتخطط المؤسسة الدولية الصينية لتصنيع أشباه الموصلات SMIC استثمار 8.87 مليار دولار فى بناء مصنع فى شنغهاى لتوفير احتياجاتها المحلية من الرقائق، بينما أعلنت شركة إنتل الأمريكية اعتزامها استثمار 20 مليار دولار لبناء مصنعين جديدين لإنتاج الرقائق وتتوقع بدء أعمال التصميم والإنشاء في المصنعين الجديدين خلال العام الحالي.
على النقيض قال المهندس خالد سعد الأمين العام لرابطة مصنعي السيارات، إنه من الصعب أن تدشن الدولة مبادرة لتصنيع الشرائح الالكترونية فى المصانع المصرية، نظرا لتعقد تصنيعها، بالإضافة إلي صغر حجم معدلات إنتاج السيارات المصرية مقارنة بالسوق العالمي، لافتا إلى التحركات الاستثمارية للشركات لحل هذه الأزمة تتركز في التوسع بالصناعة في الدول الكبري ولم نشهد تحركا واحدا اتجاه الأسواق الناشئة وهذا طبيعي في ظل التكلفة الاستثمارية الكبيرة وتوافر سلاسل الإمداد والاستهلاك.
ولفت إلى أن الأزمة أثرت بشكل مباشر على العديد من المبادرات المتعلقة بصناعة السيارات ومنها إحلال السيارات للعمل بالغاز الطبيعي، حيث اعتذرت العديد من الشركات نتيجة مواجهتها مشاكل في سلاسل التوريد، ومن بينها جي بي أوتو التي تعد من أكبر شركات السيارات في مصر، والتي اعتذرت عن المشاركة في المبادرة بسبب نقص الرقائق اللازمة لصناعة وحدات التحكم الإلكتروني داخل السيارات، وهو مايعطل بالتأكيد خطة الدولة التي تهدف لتحويل 1.8 مليون سيارة للعمل بالوقود المزدوج “بنزين وغاز طبيعي” حتى 2030 ، كما أن الأزمة دفعت كبار مصنعي السيارات في مصر إلى خفض الانتاج بسبب تباطؤ توريد الرقائق الالكترونية.
وتابع خالد سعد ،أن نقص تلك الرقائق، يوثر سلباً على السوق المصري بنقص السيارات المعروضة، وأن السوق إذا استمر بتلك الحالة لمدة شهرين، من المتوقع رفع أسعار السيارات لنسبة تصل إلى 13%، ومعها سوق المستعمل أيضا.
وطرح الدكتور محمد رياض استاذ متفرغ بقسم الاتصالات هندسة القاهرة، رؤية حول الأزمة تتعلق بإنشاء تصميمات خاصة بنا للوحات الإلكترونية وتصديرها للخارج للشركات الكبرى كمرحلة أولى لجذب انتباه الشركات العالمية للسوق، بالإضافة إلى العمل على استقطاب شركات السيارات العالمية وشركات تصنيع الاجهزة الالكترونية للسوق المصرية، وأيضا التوسع في انشاء شركات محلية في هذه المجالات لخلق حالة طلب كبيرة على الرقائق في المستقبل ومن ثم الاتجاه نحو إنشاء مصانع كبرى للرقائق الإلكترونية أما في الوضع الحالي فالأمر ليس واقعيا .
استمرار الأزمة
وتوقعت شركة “فليكس” ثالث أكبر شركة في العالم لصناعة الإلكترونيات هذا الشهر، استمرار أزمة نقص الرقائق لمدة عام إضافي على الأقل.
وقالت لين توريل كبيرة مسؤولي المشتريات وسلاسل التوريد في “فليكس”، إن الصناعات التي تعتمد على أشباه الموصلات أجّلت توقعاتها لحين انتهاء أزمة نقص الرقائق، مشيرة إلى أنه مع تلك المستويات القوية للطلب، أتوقع تعافي قطاع الرقائق على مدى الفترة من منتصف وحتى نهاية 2022، كما يتوقع البعض استمرارها في عام 2023”.
وتوقعت شركة ثري إم كو (3M) في مؤتمر نظمته “مورجان ستانلي”هذا الأسبوع، على لسان مديرها المالي مونيش باتولاوالا أن تستمر أزمة نقص أشباه الموصلات التي عطَّلت مصانع السيارات عالمياً حتى 2022، وضاعفت الشركة تقديراتها السابقة للانخفاض في إنتاج السيارات الجديدة في النصف الثاني العام الجاري، وسيكون الانخفاض على أساس سنوي 6% بارتفاع عن توقعات سابقة عند 3%.
أزمة الرقائق
واضطر صانعو السيارات مثل “تويوتا موتور” و”جنرال موتورز” و”فولكس واجن” إلى الإعلان خلال الأيام الماضية عن تقليص الإنتاج بسبب نقص الرقائق، وخفَّضت “تويوتا” الأسبوع الماضي توقعات إنتاجها السنوي بسبب القيود وانتشار حالات الإصابة بفيروس كورونا في جنوب شرق آسيا.
كما قالت “جنرال موتورز” إنها تتوقع أن يزداد الوضع سوءاً العام الجاري قبل أن يتحسن في عام 2022، بينما حذَّر المدير التنفيذي لشركة “فولكس واجن” من أن النقص قد يستمر لسنوات.
وكانت شركة الإلكترونيات اليابانية توشيبا كورب قالت إنها لن تتمكن من تلبية الطلب على الرقائق الإلكترونية، المستخدمة في تنظيم انتقال الطاقة، لمدة عام آخر وحتى نهاية 2022 في أفضل الأحوال، ما يمثل تحذيرا جديدا لشركات صناعة السيارات والآلات الصناعية التي تعاني بالفعل.
من جانبه قال باتريك أرمسترونج، رئيس قسم المعلومات في شركة مدراء الاستثمار Plurimi ، إن النقص سيؤثر على مجموعة واسعة من القطاعات ، حيث تستخدم السلع الإلكترونية عددًا من الرقائق أكثر بكثير مما كانت تستخدم من قبل ، وبينما قامت شركات تصنيع الرقائق بتسريع جهودها لإنتاج المزيد من أشباه الموصلات ، أشعر أن الطلب سوف يفوق العرض حتى عام 2023 على الأقل. ومع ذلك، سيوفر الربع الأخير من السنة المالية 2022مزيدًا من الوضوح بشأن النتيجة النهائية.
ارتفاع قادم في الأسعار
من المتوقع أن تواجه معظم شركات صناعة السيارات خسائر فادحة جديدة خلال الشهور القادمة بسبب تأخيرات الإنتاج الناجمة عن نقص الرقائق، وقد تعاني المبيعات في مصر أيضًا حيث قد يضطر العديد من شركات صناعة السيارات إلى زيادة أسعار سياراتهم بسبب قلة التوافر وارتفاع أسعار الرقائق.
وتشير تقارير إلى أن قطاع السيارات العالمي في طريقه لفقدان قرابة 7 ملايين سيارة كان مقررًا إنتاجها بنهاية العالم الجاري، ذلك بسبب شح سلاسل إمدادات الرقائق الإلكترونية، وتحتاج السيارة الواحدة من 50 إلى 150 شريحة إلكترونية، ويتوقف على تلك الرقائق 40 % تقريباً من مكونات السيارة”.
وأثرت تداعيات أزمة الرقائق الإلكترونية على العديد من وكلاء العلامات التجارية فى السوق المصرية ، حيث تراجع المعروض لعدد كبير من الموديلات خاصة التى تشهد طلبًا واسعًا ، وقام العديد من الوكلاء بالغاء الحجوزات على العديد من الطرازات المستوردة في انتظار لانتظام عمليات التوريد من الشركات المصنعة، مما سيؤثر بشكل سلبي على وتيرة نمو مبيعات سوق السيارات المحلية.
وقال أحد وكلاء السيارات أن أزمة الرقائق الإلكترونية أصبحت تؤثر بشكل كبير على كافة الطرازت فى السوق المصري وهو ماوضح بشكل كبير فى شح المعروض من الطرازات خاصة التي تتمتع بشعبية لدى المستهلك المصري ، لافتا إلى الطرازات الرائجة تتركز في فئات السيارت الكورية والصينية والتي تتميز بالأسعار المنخفضة في مقابل نظيرتها الأوروبية مع اقتراب تشابه الجودة في بعض الموديلات.
وأشار إلى أن بعض الوكلاء يواجه أزمة مذدوجه، كسيارات أوبل التابعة لمنصور ، والتي ضربت أزمتها الأخيرة المتعلقة بأوبر أسترا مبيعات هذه الفئة بشكل كامل ، مع تعرض العشرات من العملاء المالكين لسيارات أوبل استرا الجديدة لمشكلات ميكانيكة متعلقة بالموتور، مما خلق انطباع بدخول السوق في مشكلات عديدة متعلقة بنقص الرقائق أو مشاكل في التصنيع لدي الشركات الأم.