بين البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي.. «بافكس 2025» مظلة جديدة تعزز قفزة البنوك المصرية نحو المستقبل
في ظل انطلاق فعاليات معرض ومؤتمر بافيكس الثاني عشر لتكنولوجيا المدفوعات والشمول الرقمي، يكتسب الحراك الرقمي في القطاع المصرفي المصري زخماً لافتاً، ليكون الحضور والمؤتمر منصة استراتيجية للحوار المؤسسي حول التحول الرقمي في عالم المال والقطاع المصرفي، إذ لم تعد الرقمنة رفاهية تكنولوجية بل أصبحت ركيزة أساسية لتطوير البنية التحتية المالية، وتعزيز الشمول المالي، ودفع الابتكار من خلال التكنولوجيا المالية والذكاء الاصطناعي.
الرقمنة في البنوك أصبحت واقعاً ملموسًا، حيث وفر بافيكس الذي انطلقت فعالياته تحت رعاية البنك المركزي المصري وضمن فعاليات معرض كايرو اي سي تي 2025، فضاءً فعالًا للجهات الفاعلة في النظام المصرفي للتباحث في خارطة الطريق الرقمية، وتبادل الخبرات، واستكشاف أوجه التعاون بين البنوك وشركات التكنولوجيا الناشئة، حيث يسلط الضوء على كيفية دمج الحلول الرقمية في العمليات البنكية اليومية، وفتح المجال أمام إنشاء نماذج أعمال جديدة تعتمد على التكنولوجيا لتوسيع نطاق الخدمات المالية.
وفي قلب هذا التحول، احتلت التكنولوجيا المالية والبيانات الضخمة “Big Data” والذكاء الاصطناعي مكانة محورية، فالتكنولوجيا المالية تحرر البنوك من الأطر التقليدية، مما يمكّنها من تقديم أدوات دفع متقدمة، محافظ رقمية، قروض فورية، وخدمات ائتمانية ذكية، خاصة في ظل ما أحدثه الذكاء الاصطناعي من ثورة حقيقية في عالم المال؛ حيث غيّر شكل صناعة المصارف من خلال أنظمة تحليل البيانات، تقييم المخاطر الائتمانية بدقة أعلى، والتنبؤ بسلوك العملاء، بجانب تحسين تجربة العميل عبر روبوتات المحادثة والمساعدين الرقميين.
في مصر، تحولت هذه الرؤية إلى استراتيجية وطنية واضحة، يقودها البنك المركزي المصري بدعم من القيادة السياسية وجهود المجلس القومي للمدفوعات الذي يترأسه الرئيس عبد الفتاح السيسي، إذ نجح البنك المركزي في تعزيز جهود التحول نحو مجتمع رقمي، وخفض استخدام أوراق النقد خارج القطاع المصرفي ودعم وتحفيز استخدام الوسائل والقنوات الإلكترونية في الدفع بديلاً عنه، مع تطوير نظم الدفع القومية وخلق نُظم دفع آمنة وذات كفاءة عالية، والعمل على تحقيق الشمول المالي، بهدف دمج أكبر عدد من المواطنين في النظام المصرفي، وهو ما أسفر عن وصول معدلات الشمول المالي في مصر إلى 76.3% بنهاية يونيو الماضي ، ووصولا لانطلاق أول بنك رقمي متكامل في مصر، يقدم جميع خدماته حصريا عبر القنوات والمنصات الرقمية.

وبلغ عدد المواطنين الذين يمتلكون ويستخدمون حسابات نشطة تتيح لهم إجراء معاملات مالية – سواء عبر البنوك أو البريد المصري أو محافظ الهاتف المحمول أو البطاقات مسبقة الدفع، نحو 53.8 مليون مواطن من إجمالي عدد السكان البالغين (15 سنة فأكثر) والبالغ 70.5 مليون مواطن، مقارنة بنسبة 74.8% في ديسمبر 2024، حيث ترتكز استراتيجية البنك المركزي على مجموعة من المحاور الرئيسية والممكنات لتحقيق أهدافها، من بينها تنويع المنتجات والخدمات المالية المصرفية وغير المصرفية لتلبية احتياجات مختلف الشرائح، إضافة إلى تهيئة البيئة التشريعية والرقابية لضمان دمج جميع فئات المجتمع في النظام المالي الرسمي.
المشاركون في المؤتمر، أكدوا على أن هذه المؤشرات والتوجهات ترسخ مكانة مؤتمر بافكس الذي لم يعد مجرد تجمع تقني، بل نقطة محورية تجمع بين صناع القرار المصرفي، المستثمرين في التكنولوجيا المالية، منظمات الحكومة، وخبراء الذكاء الاصطناعي، ومنصة تسمح بمراجعة التجارب، واستكشاف التحديات مثل الأمان الرقمي والتنظيم، ورسم ملامح مستقبل مصرفي رقمي ذكي.
وأشاروا إلي أن مستقبل التكنولوجيا المالية في مصر تبدو واعدة جدا في ظل البيئة التنظيمية الاستباقية، وتناغم عمل القطاع المالي والمصرفي مع الشركات المعنية الممثلة في شركات التكنولوجيا المالية بكافة تخصصاتها وشركات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، لتطوير حلول مبتكرة تلبي متطلبات كافة شرائح العملاء، وذلك عبر دمجهم بين الخبرات والقدرات المصرفية والمالية المشتركة، واستعانتهم بالتقنيات الحديثة، خاصةً في تحليل البيانات والذكاء الاصطناعي.
طفرة في المعاملات الرقمية
وفي هذا الصدد، قال محمد عامر القائم بأعمال وكيل المحافظ لقطاع العمليات المصرفية ونظم الدفع، إن العالم يشهد تحولًا غير مسبوق في القطاع المالي تقوده التكنولوجيا المالية والذكاء الاصطناعي، وهو ما يجعل التحول الرقمي أداة رئيسية للنمو وتعزيز الكفاءة والشفافية.
أوضح أن البنك المركزي يمضي بخطى ثابتة لمواكبة هذه المتغيرات من خلال استراتيجية شاملة لتطوير نظم الدفع الوطنية وتوسيع استخدام الخدمات المالية الرقمية بما يدعم بناء مجتمع أقل اعتمادًا على النقد.
واستعرض عامر أبرز إنجازات البنك المركزي خلال السنوات الأخيرة، ومن بينها نمو استخدام الخدمات المصرفية عبر الإنترنت والهاتف المحمول ليصل عدد مشتركيها إلى 18 مليون مشترك وتنفيذ 114 مليون معاملة بقيمة 11.7 تريليون جنيه بنهاية 2024، فضلًا عن إصدار أكثر من 43.5 مليون بطاقة “ميزة” حتى يونيو 2025، كما ارتفع عدد مستخدمي شبكة المدفوعات اللحظية وتطبيق «إنستاباي» إلى 16 مليون عميل بتنفيذ أكثر من 1.1 مليار معاملة بقيمة 2.4 تريليون جنيه.

وأضاف أن عدد المحافظ الإلكترونية “ميزة ديجيتال” وصل إلى 55.5 مليون محفظة بإجمالي معاملات تجاوز 1.8 تريليون جنيه حتى يونيو 2025، إلى جانب نجاح المنصة الوطنية لترميز البطاقات في تفعيل خدمات الدفع اللاتلامسية، ومنها خدمة Apple Pay التي تجاوزت معاملاتها 40 مليون معاملة بقيمة تفوق 32 مليار جنيه منذ إطلاقها وحتى يونيو 2025، مع العمل حاليًا على استكمال تفعيل الخدمة على أنظمة Android.
وأشار عامر إلى التقدم المحرز في مشروع التعرف الإلكتروني على هوية العملاء eKYC باعتباره ركيزة لبناء هوية مالية رقمية وطنية تتيح الحصول على الخدمات المصرفية إلكترونيًا دون الحاجة لزيارة الفروع، مؤكدًا أن البنك المركزي يتبنى نهجًا متوازنًا في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لضمان الابتكار والحماية والاستقرار.
وكشف عن تطوير نموذج التقييم الائتماني السلوكي بالتعاون مع شركة I-Score باستخدام البيانات البديلة وتقنيات الذكاء الاصطناعي، بما يسهم في توسيع قاعدة المستفيدين من التمويل وتعزيز الشمول المالي، إلى جانب تطوير أنظمة الرقابة المصرفية SupTech لرفع كفاءة الإشراف ودعم اتخاذ القرار في الوقت الفعلي.
تنمية العنصر البشري
وفيما يتعلق بتنمية العنصر البشري، أشار عامر إلى إطلاق عدد من المبادرات لتأهيل الكوادر الشابة، من بينها مبادرة FinYology التي نفذت أكثر من 900 مشروع بمشاركة 19 ألف طالب من 30 جامعة، ومبادرة Digital Academy لتدريب العاملين بالقطاع المصرفي، وبرنامج البكالوريوس في العلوم المصرفية المقرر بدء تطبيقه في الجامعات من العام الدراسي 2025/2026.
كما أكد دعم البنك المركزي لمنظومة ريادة الأعمال من خلال المختبر التنظيمي للتكنولوجيا المالية وصندوق Nclude لتمويل الشركات الناشئة، إلى جانب مبادرة “رواد النيل” التي تقدم دعمًا فنيًا للشركات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر.
وأشار عامر، إلى أن جهود التحول الرقمي أسهمت في ارتفاع معدلات الشمول المالي للأفراد إلى 76.3% في يونيو 2025 مقارنة بـ27.4% عام 2016، بمعدل نمو تجاوز 214%، إلى جانب زيادة تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة بنسبة 395% خلال الفترة نفسها.
أكد أن مخرجات المؤتمر ستسهم في مواصلة دعم التحول الرقمي وتطوير القطاع المالي بما يعزز مكانة مصر في الاقتصاد الرقمي العالمي.
من جانبه، أكد أسامة كمال، رئيس شركة تريد فيرز إنترناشونال والمنظِّم لمعرض Cairo ICT، أن معرض ومؤتمر PAFIX أصبح منصة رئيسية تقود الحوار حول مستقبل التحول الرقمي المالي في مصر والمنطقة. ووجّه كمال الشكر إلى معالي محافظ البنك المركزي المصري على رعايته الكريمة للحدث، قائلاً:
“يأتي انطلاق معرض ومؤتمر PAFIX هذا العام في وقت يشهد فيه قطاع التكنولوجيا المالية تطورًا غير مسبوق، وهو ما يعزز من أهمية هذا الحدث في دعم رؤية الدولة وتعزيز الشمول المالي. يحمل PAFIX هذا العام نفس شعار Cairo ICT 2025: الذكاء الاصطناعي في كل مكان – AI Everywhere، لنستعرض من خلاله أحدث التطورات في قطاع المدفوعات الرقمية، ونطرح توصيات مستقبلية يقودها البنك المركزي المصري.”
ويستمر معرض ومؤتمر PAFIX 2025 في استضافة جلسات نقاشية وورش عمل متخصصة بمشاركة قادة الصناعة وخبراء التكنولوجيا المالية محليًا وإقليميًا، لمناقشة مستقبل الاقتصاد الرقمي ودور الذكاء الاصطناعي في تطوير منظومة المدفوعات في مصر

وتطرق المشاركون في الجلسة الأولى للمؤتمر، خلال حلقة نقاشية بعنوان «كود أحمر أم كود ذهبي؟ كيف يُعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل الـDNA المالي» إلى ضرورة التعامل بحذر ووعي مع التحولات التكنولوجية القادمة، وفي مقدمتها الموجة المتسارعة للذكاء الاصطناعي، مع التأكيد على أهمية الاستعداد الجاد لهذه المرحلة لاستثمار الفرص وتفادي المخاطر.
الطفرة الرقمية
أوضح أيمن حسين، وكيل أول محافظ البنك المركزي لتكنولوجيا المعلومات، أن مصر تشهد طفرة غير مسبوقة في تبني الخدمات المالية الرقمية، مع وصول حجم المعاملات المالية عبر الإنترنت إلى نحو 12 تريليون جنيه سنويًا.
أشار إلى أن التطور التكنولوجي خلق موجة تحول متسارعة تؤثر في احتساب الجدارة الائتمانية، استخدام البيانات البديلة، وتوظيف نماذج الـMachine Learning لتوسيع إمكانية الحصول على التمويل، خاصة لمن يفتقرون إلى تاريخ ائتماني تقليدي.
أكد حسين أن نماذج التمويل المضمّن Embedded Finance أصبحت جزءًا أساسيًا من التجارة الإلكترونية، وأن البنك المركزي يطور Sandbox لتجربة أدوات التمويل البديل بالتعاون مع الهيئة العامة للرقابة المالية.
تجارب عملية
ومن جانبه قال يحيى أبو الفتوح، نائب الرئيس التنفيذي للبنك الأهلي المصري، إن الذكاء الاصطناعي أصبح عنصرًا أساسيًا في تحسين أداء الإدارات المختلفة، من الموارد البشرية إلى التشغيل الداخلي، مشيرًا إلى تجربة عملية داخل البنك أظهرت قدرة النظام على تحليل بيانات العملاء واقتراح منتجات جديدة بدقة عالية في التفعيل والتحويل.

أكد أبو الفتوح، أن الذكاء الاصطناعي يُستخدم لفهم تفضيلات العملاء وسلوكهم الشرائي، كما أن الاستثمار في هذا المجال أصبح كبيرًا جدًا، وقد يصل لبعض المشاريع إلى 10 ملايين دولار، وهو ما يدفع القطاع نحو موجة اندماجات واستحواذات لضمان استدامة التكلفة والتكنولوجيا.
تجربة العملاء
وقال محمد الخوتاني، النائب الأول للرئيس والمدير العام لسيلزفورس في الشرق الأوسط، إن الذكاء الاصطناعي يعيد تعريف تجربة العميل ويزيد الإنتاجية دون استبدال العنصر البشري، مشددًا على ضرورة التعاون بين الجهات التشريعية والبنوك ومزودي التكنولوجيا لضمان استخدام آمن للبيانات.
وأشار رضا هلال، العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لنتورك إنترناشيونال في إفريقيا، إلى أن نجاح أي مشروع AI يبدأ من بنية تحتية قوية وقدرة على إدارة الأحداث الطارئة، مع تعزيز الشمول المالي في مصر وتحسين التمويل المدمج وخدمات Nano Finance.
كما لفت محمد كريم، رئيس مجلس إدارة ISCORE، إلى أن الإنفاق على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي أصبح ضرورة استراتيجية للمؤسسات، مؤكدًا أن زيادة الإنفاق الرأسمالي اليوم ستخفض التكاليف التشغيلية مستقبلًا، وأن ISCORE توسع خدمات Managed Services لتقديم حلول ائتمانية متقدمة للشركات دون الحاجة لبنية تحتية خاصة.
شراكات البنوك والفنتيك.. مستقبل الخدمات المالي
كما شهدت جلسة «البيئات الرقابية التجريبية والتوفيق بين الشركاء… مساران متكاملان لابتكار المستقبل في مصر» نقاشًا عميقًا كشف حجم التحول الجاري داخل القطاع المالي، وأعاد رسم معالم العلاقة بين البنوك وشركات التكنولوجيا المالية (FinTech).
وبعد سنوات اتسمت فيها المعادلة بالحذر والتردد، بات التعاون اليوم خيارًا استراتيجيًا لا يمكن تجاوزه في ظل الواقع الرقمي الجديد، وسط بيئة تنظيمية مرنة يقودها البنك المركزي المصري.
واتفق الخبراء على أن التحول الرقمي العالمي المتسارع، وما يفرضه من منافسة شرسة على مستوى الابتكار، يجعل استحالة استمرار أي مؤسسة مالية بمعزل عن شركات الفينتيك، حيث تغيّرت قواعد العمل تمامًا، ولم يعد القطاع المالي يعتمد على الفروع أو النماذج التقليدية، بل على الذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات، والأتمتة الذكية، والتجارب الرقمية الكاملة.

ومع هذا التغيّر، أصبحت البيئات الرقابية التجريبية – Regulatory Sandbox منصة استراتيجية تسمح للبنوك وشركات الفينتيك باختبار الأفكار والمنتجات الجديدة، والتعامل مع المخاطر داخل مساحة آمنة قبل التوسع في السوق، وهي خطوة اعتبرها المتحدثون نقلة جوهرية في مسار الابتكار داخل القطاع المالي المصري.
تحول البنوك المصرية
في بداية النقاش، قدم معتز مطاوع، رئيس قطاع التجزئة المصرفية والمدفوعات الرقمية ببنك مصر، رؤية دقيقة حول طبيعة التحول الذي شهدته البنوك خلال السنوات الأخيرة. وقال إن التحول لم يكن مجرد تحسين أو تطوير في الخدمات، بل تغيير جذري في فلسفة القطاع ذاته.
وأوضح مطاوع أن مشهد السوق قبل 4–5 سنوات كان قائمًا على تشابه المنتجات المصرفية واعتماد البنوك على انتظار العملاء داخل الفروع، دون مبادرات حقيقية لتغيير قواعد المنافسة. لكن دخول شركات الفينتيك بنماذج أعمال سريعة ومباشرة قلب المشهد؛ فقد أجبرت البنوك على إعادة التفكير جذريًا في كيفية تطوير منتجاتها والوصول إلى العملاء في الوقت المناسب.
وأشار مطاوع إلى الدور المحوري للبنك المركزي المصري في بناء منظومة داعمة للابتكار، وخلق إطار رقابي مرن يتيح بناء الشراكات ويخفف من مقاومة المخاطر التقليدية داخل البنوك. وأضاف:
«المركزي لم يراجع الملفات فقط، بل ساعدنا على فهم لماذا نحتاج الابتكار، وكيف نضع حلولًا مسؤولة ومتوافقة مع المعايير».
وأكد أن العقبة الأكبر لم تكن في الشركات الناشئة أو الجهات التنظيمية، بل داخل البنوك نفسها؛ حيث تعمل إدارات الالتزام والمخاطر وفق معايير صارمة، وكان فهمها لنماذج أعمال الفينتيك – التي تتحرك بسرعة وتختبر أفكارها باستمرار – تحديًا تطلب جهدًا كبيرًا. وهنا تظهر أهمية البيئة الرقابية التجريبية في بناء مساحة تقوم على الفهم المشترك ما بين الطرفين.
واختتم مطاوع تأكيدًا بأن مستقبل القطاع المالي سيشهد اندماجًا أكبر بكثير بين البنوك وشركات التكنولوجيا المالية، وأن المؤسسات القادرة على بناء شراكات ناضجة ستتقدم الصفوف في ظل دخول تقنيات جديدة مثل الذكاء الاصطناعي والتحليل التنبؤي وإدارة البيانات الضخمة.

ثقة المستخدمين أولاً
قدم أحمد وادي، الرئيس التنفيذي لشركة MoneyFellows، واحدة من أكثر الشهادات العملية ثراءً حول تأثير الإطار التنظيمي التجريبي على الشركات الناشئة. وأكد أن الانضمام للبيئة الرقابية لم يكن خطوة للحصول على تراخيص، بل كان نقطة تحول استراتيجية.
وقال وادي: «لاحظنا ارتفاعًا كبيرًا في ثقة العملاء فور الإعلان عن دخول الشركة الإطار التنظيمي… الناس أصبحت تتعامل معنا بثقة واطمئنان أكبر».
وأوضح أن قوة شركات الفينتيك تعتمد بالكامل على ثقة المستخدمين في أمان البيانات وسلامة المعاملات، وأن وجود الشركة تحت مظلة تنظيمية رسمية يعزز هذا الشعور فورًا.
وأشار إلى أن البيئة الرقابية تتيح اختبار المنتجات الرقمية في بيئة واقعية لكن محكومة، بما يقلل الأخطاء ويتيح بناء عمليات أكثر نضجًا. كما تمكن الشركات الناشئة من فهم المتطلبات الرقابية قبل دخول السوق، وتحسين مستوى الاحترافية، والحصول على اعتراف تنظيمي محلي ودولي.
واعتبر وادي أن البيئة الرقابية خلقت لغة مشتركة بين البنوك والشركات الناشئة، مما سهّل التعاون والشراكات. وأشار إلى أن نجاح الفينتيك يعتمد على تدريب المستخدمين تدريجيًا، وأن MoneyFellows – كونها من أكبر التجمعات الرقمية عالميًا – تستفيد من التجربة المصرية لبناء منظومة مالية رقمية متكاملة.
نجاح شراكات محلية
عرضت سمر رفعت، رئيس قطاع التكنولوجيا المالية وشراكات الشركات الناشئة ببنك SAIB، واحدة من أهم التجارب العملية في الجلسة، حيث استعرضت قصة تعاون البنك مع شركة ناشئة مصرية متخصصة في الذكاء الاصطناعي.
وأوضحت رفعت أن انطلاقة التعاون جاءت من تحديات حقيقية داخل محفظة القروض، خاصة المتعلقة بالـ NPLs والمخصصات الائتمانية ACLs، وسلوك المحافظ الائتمانية Behavior Patterns.
وقالت إن السؤال الأول داخل البنك كان هو: لماذا لا نطور الحل داخليًا؟ ولماذا لا نستعين بشركة عالمية؟ ولماذا نختار شركة ناشئة محلية؟
لكن التجربة أثبتت أن الشركات المصرية الناشئة تمتلك خبرات تقنية متقدمة، وفهمًا أعمق للسوق، وسرعة ومرونة في بناء الحلول، إلى جانب قدرتها على التفاعل اللحظي مع متطلبات البنك.
وأضافت أن فريق Matchmaking داخل بنك SAIB رشّح شركة Synapse Analytics، وبعد سلسلة تجارب أولية POC، جاءت النتائج إيجابية للغاية وغيرت قناعات الإدارات الداخلية.
وقالت رفعت: «واجهنا مقاومة طبيعية من بعض الإدارات التي فضّلت التعاقد مع Vendor عالمي، لكن البيانات أثبتت تفوق النموذج المحلي»موضحة أن إدارة المخاطر كانت من أكثر الإدارات التي تغيرت قناعاتها بعد رؤية نتائج التحليل الذكي للبيانات، خاصة في مجال كشف الاحتيال Fraud Monitoring.
وكشفت أن الحلول المطورة داخل البنك تجاوزت السوق المصري، وأصبحت اليوم مستخدمة في أكثر من 6 دول تشمل المكسيك والسعودية والعراق ودولًا أوروبية، مؤكدة أن التعاون بين البنوك والشركات الناشئة قادر على إنتاج حلول عالمية المستوى.








