لعب انتشار الحلول الرقمية دورًا كبيرًا في تسريع عجلة الشمول المالي، خاصة عقب تفشي جائحة كورونا والتي ساهمت في التحول الكبير نحو استخدام الأدوات والمنتجات المالية الرقمية، وعلى رأسها محافظ الهاتف المحمول واستخدامها بكثرة في التحويلات والمدفوعات والحصول على القروض والشراء والبيع وغيرها من الخدمات، إذ نجح قطاع التكنولوجيا المالية خلال السنوات الماضية في تشكيل ثورة في الأنظمة المالية العالمية، ونجحت والبنوك وشركات التكنولوجيا المالية في تقديم حزمة متنوعة من الخدمات المالية، والتي ساهمت بدورها في إحداث نقلة نوعية في معدلات الشمول المالي.
الجهود التي تقوم بها الدولة والقطاع المصرفي المصري، حيث التطوير الدائم ودعم مقدمي الخدمات التكنولوجية لخلق بيئة مدفوعات رقميه تساهم في التحول من مجتمع نقدي إلى مجتمع لا نقدي، تؤكد على اهتمام الدولة بدعم وتحقيق الشمول المالي، وسعيها إلى تحقيق تجربة نجاح في الشمول المالي مثل التجربة الكينية، حيث استطاعت كينيا أن تحقق مؤشرات مرتفعه للشمول المالي من خلال استخدام الهاتف المحمول، حيث أحدثت الشركة الكينية الرائدة للهواتف المحمولة “سفاري كوم” انقلابًا في طريقة إنفاق الكينيين لأموالهم وذلك بتشغيل منصة M-PESA التي يمكن من خلالها فتح حسابات وسداد المدفوعات والتحويلات ومنح قروض.
ولتحقيق معدلات مرتفعة للشمول المالي عبر استخدام التكنولوجيا المالية، يجب على الدولة إتاحة الفرصة لدعم الابتكار و التحول الرقمي، ووضع لوائح مواتية وتطبيقات تنظيمية توفر الأمان والحماية للعميل عند إجراء أي معاملات، واستخدام التكنولوجيا المالية كأداة لخفض تكاليف الإعلان عن منتجات و خدمات مصرفية جديدة، إذ تستخدم المؤسسات المالية العالمية في الوقت الحالي بشكل متزايد منصات تطبيقات الهاتف المحمول للإعلان عن منتجاتها و خدماتها المصرفية عبر الإنترنت، مما يستوجب معه استخدام المتاح من التكنولوجيا المالية لتوفير النفقات، وهو ما أدركه البنك المركزي في قانونه الأخير الصادر عام 2020، إذ خصص باباً كاملاً للدفع الإلكتروني وضوابط عمل البنوك وشركات التكنولوجيا المالية.
كما اهتم البنك المركزي بتهيئة البيئة التنظيمية والأطر التشريعية مع التركيز على الشفافية والحوكمة والرسملة، والنهوض بالفئات المستهدفة بالشمول المالي من خلال وضع استراتيجية وطنية موجھة لتعزيز مستويات التعليم والتثقيف المالي والعمل على تقييم وقياس مدى نجاحها، ومراعاة قلة خبرات العملاء الجدد فيما يتعلق باستخدام الخدمات المالية الإلكترونية لمساعدتهم على إدراك حقوقهم ومسؤولياتهم.
ولكن يتبقى بعض العوامل المساعدة لتعزيز الشمول المالي والتي تتمثل في ضرورة إيجاد نظام تعليم مالي متكامل للوصول إلى مجتمع مثقف ماليًا ويعمل على تعزيز وتطوير مستويات الوعي لكافة فئات الشعب ومساعدة المواطنين على اتخاذ قرارات استثمارية سليمة ومدروسة، فيما يتعلق بتعاملاتهم المالية المختلفة بأدنى درجات المخاطر.
استراتيجية البنك المركزي
وفي إطار الجهود المبذولة لتعزيز الشمول المالي في مصر، قام البنك المركزي المصري بصياغة استراتيجية الشمول المالي (2022-2025)، بما يهدف إلى تعزيز الشمول المالي للمجتمع وتحقيق النمو الاقتصادى، وذلك في إطار الجهود المبذولة على مستوى الدولة لتحقيق التمكين الاقتصادي للمواطنين والشركات، بما يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة ورؤية مصر 2030، حيث أُعدت الاستراتيجية على أساس علمي وذلك اعتمادًا على نتائج المسح الميداني للخدمات المالية، الذي نُفذ على عينة ممثلة للأفراد والمشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر “القطاع الرسمي وغير الرسمي”.
وارتكزت استراتيجية الشمول المالي على أربعة محاور أساسية يتم العمل عليها بشكل مستدام، تتمثل في التثقيف المالي وحماية حقوق العملاء، والتنوع في المنتجات والخدمات المالية (المصرفية وغير المصرفية) طبقًا لاحتياجات العملاء، علاوة على تهيئة بيئة العمل للمشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر وريادة الأعمال، والخدمات المالية الرقمية، وذلك في إطار حرص البنك المركزي، على التعاون مع كافة مؤسسات الدولة، بهدف إتاحة الخدمات المصرفية لكافة فئات المجتمع- بعدالة وجودة وتكلفة مناسبة -وتمكينهم اقتصاديًا، بالإضافة إلى حوكمة الرقابة على الكيانات المصرفية بما يدعم قوة الجهاز المصرفي، ويعزز النمو الاقتصادي المستدام، ويساهم في متابعة تطور نسب حصول المواطنين والمؤسسات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة على الخدمات المالية والتمويل من خلال تحديد مجموعة من المؤشرات المتعارف عليها دوليًا.
كما قام البنك المركزي بزيادة عدد فعاليات الاحتفال بيوم الشمول المالي والتي تستهدف الترويج من أجل فتح حساب مصرفي لكل مواطن، لتتضمن احتفالية المرأة، اليوم العربي للشمول المالي، احتفالية الشباب، احتفالية الفلاح، احتفالية الادخار، و احتفالية الأشخاص ذوي الهمم، والتي تقوم خلالها البنوك بالتواجد خارج فروعها وعرض المنتجات المصرفية الملائمة، وفتح حسابات للعملاء الجدد بدون مصاريف وبدون حد أدنى، وإصدار البطاقات للعملاء وتشجيعهم على تفعيلها واستخدامها في معاملات الشراء، واستخدام المحافظ الإلكترونية.
الجهود المذكورة من قبل البنك المركزي المصري والعديد من أجهزة الدولة المختلفة وعلى رأسها وزارة الاتصالات والمجلس القومي للمدفوعات، إلى جانب البنوك المصرية وشركات التكنولوجيا المالية، أسفرت عن تعزيز معدلات الشمول المالي خلال الفترة الماضية، والتي ارتفعت من 27.4% في عام 2016 إلى نحو 64.8% بنهاية عام 2022 بنمو يتجاوز 147% خلال 6 سنوات، إذ وصل إجمالي المواطنين الذين لديهم حسابات في البنوك أو البريد المصري، أو محافظ الهاتف المحمول أو البطاقات مسبقة الدفع إلى 42.3 مليون مواطن من إجمالي المواطنين (في الفئة العمرية 16 سنة فأكثر) والبالغ عددهم 65.4 مليون مواطن.
وساهمت جهود القطاع المصرفي المصري في استقطاب شرائح المجتمع المختلفة ضمن المنظومة البنكية، إذ نجحت البنوك في الوصول إلى نحو 18.3 مليون سيدة، حيث أظهرت المؤشرات حدوث طفرة في عدد السيدات اللاتي يمتلكن حسابات مالية في نهاية 2022، بمعدل نمو 210% مقارنة بعام 2016، فضلاً عن ارتفاع أعداد البطاقات مسبقة الدفع إلى 43.8 ألف بطاقة لكل 100 ألف مواطن محققة معدل نمو 31% خلال الفترة من 2020 إلى 2022، لتصل إلى 28.6 مليون بطاقة بنهاية العام الماضي.
تكامل «المركزي» مع شركات الاتصالات
وإدراكًا من البنك المركزي بأهمية الهاتف المحمول في تعزيز الشمول المالي، نجحت جهوده بالتعاون مع شركات الاتصالات في وصول عدد محافظ الهاتف المحمول إلى نحو 30.4 مليون محفظة هاتف محمول بنهاية 2022، بمعدل 46.5 ألف محفظة لكل 100 ألف مواطن محققة معدل نمو 54% خلال عامين، فضلاً عن تطور أعداد نقاط الإتاحة المالية والتي تشمل كل من فروع البنوك، والبريد المصري، ومؤسسات التمويل متناهي الصغر، بالإضافة إلى ماكينات الصراف الآلي، ونقاط البيع الإلكترونية، ومقدمي خدمات الدفع، لتصل إلى 793 ألف نقطة بمعدل 1214 نقطة لكل 100 ألف مواطن بمعدل نمو 107% خلال الفترة من 2020 إلى 2022، وهو ما يؤكد أن القطاع المصرفي بالتعاون مع أجهزة الدولة نجحا في تسخير كافة الإمكانيات والأدوات اللازمة لتعزيز الشمول المالي خلال السنوات الأخيرة.
«Followict» استطلعت أراء مجموعة من المصرفيين حول رؤيتهم لدور البنك المركزي في تعزيز الشمول المالي، والذين أشاروا إلى أن توجيهات البنك المركزي المصري للبنوك والتوسع في إطلاق المنتجات الرقمية وتطبيقات الموبايل والإنترنت البنكي ساهمت بقوة في تعزيز نسب الشمول المالي والتي وصلت إلى 64.8% بنهاية العام الماضي.
قالت سهر الدماطي الخبيرة المصرفية، أن تطبيق الشمول المالي أصبح أولوية لكافة البنوك العاملة في مصر لطبيعة المرحلة الحالية والتحولات التي حدثت على مستوى التكنولوجيات المتقدمة المتاحة وأيضا على مستوى الوعي الكبير لدى المجتمع وتداخل كافة الأفراد في أعمال البنوك وماتوفره من خدمات مالية متنوعة وهو مايتضح بقوة في الأرقام الأخيرة لمعدلات الشمول المالي.
تكامل تام بين أطراف المنظومة
وأشارت إلى أن تعزيز الشمول المالي في مصر وإن كانت التكنولوجيا عنصرا حيويا فيه، إلا أنه يحتاج لمذيد من التكامل بين البنك المركزي والبنوك ، والحكومة أيضا عبر تبني خطوات إضافية لتحقيق نقلة نوعية في الاقتصاد المصري بتطبيق الشمول المالي خاصة مع التحركات الإيجابية الأخيرة في هذا الملف وتغير العقلية الجمعية بشكل كبير ، بالإضافة إلى إتخاذ الحكومة خطوات جادة عبر ربط موظفيها بالبنوك من خلال دفع الرواتب عبر البطاقات الإلكترونية وتوقيع اتفاقيات مع العديد من الشركات الرائدة لتقديم العديد من الخدمات المالية.
وأكد الدماطي ، على إن التحول الرقمي أصبح هوية عالمية وليس ممارسة أو سياسة قاصرة وتعد الدولة المصرية من أبرز الدول في المنطقة التي سارعت في التحول التكنولوجي على كافة المستويات خاصة في القطاع المصرفي والمالي، وتطويع التقنيات المتقدمة لخدمة أهداف التنمية المستدامة وإنعاش الافتصاد القومي.
وأكدت على أن الخطوات التالية من هذا المسار الإبجابي نحو الشمول المالي الكامل يحتاج بالضرورة إلى زيادة نشر ثقافة الشمول المالي واستخدمات التكنولوجيا المالية ومايمكن أن تحدثه من تسهيل لحياة الأفراد في كافة الفئات وأيضا تحقيق فائدة مباشرة للدولة بإحكام الرقابة على حركة الأموال وربط الإقتصاد غير الرسمي بالمنظومة الرسمية.
وتوقعت سهر الدماطي، نموا كبيرا في معدلات الشمول المالي المبني على التكنولوجيا خلال السنوات المقبلة، في ظل تحركات البنك المركزي المصري الإيجابية في هذا الملف سواء على مستوى السياسات أو إتاحة ممارسة التكنولوجيا من جانب البنوك ويتضح ذلك في رخص البنوك الرقمية المزمع خروجها خلال الفترة المقبلة، وفي ظل أيضا النمو الكبير في أعداد عملاء البنوك مع توسع القطاع المصرفي في برامج التمويل المختلفة .
أهداف التنمية المستدامة
الدكتور أحمد شوقى الخبير المصرفي، قال إن استراتيجية البنك المركزي المصري للشمول المالي نجحت خلال السنوات الأخيرة في تعزيز نسب المشمولين ماليًا، لتصل النسبة إلى 64.8% بنهاية 2022 مقابل نحو 33% في عام 2017، مشيرًا إلى أن تعزيز الشمول المالي يسهم في تحقيق العديد من أهداف التنمية المستدامة، وعلى رأسها القضاء على الفقر والجوع وتحسين الأوضاع الصحية ومستوى المعيشة للمواطنين.
لفت إلى أن البنك المركزي جعل هدف الشمول المالي على رأس أولويات البنوك عبر التقليل من العديد من المستندات والبيانات التي تطلبها البنوك لفتح الحسابات للعملاء، خاصة محدودي الدخل وأصحاب المهن والحرف البسيطة، الذين يمثلون طبقه عريضة من المجتمع المصري، الأمر الذي يشجعهم على التعامل مع البنوك والاستفادة من الخدمات المالية والمصرفية لهم.
وأشار أحمد شوقى، إلى سعى البنك المركزي في إطلاق العديد من المبادرات التمويلية بفوائد مدعمة وعلى رأسها تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر بنسبة لا تقل عن 25% من إجمالي محافظ التمويل، حيث تجاوزت التمويلات الممنوحة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة 400 مليار جنيه بنهاية 2021، منها 143.8 مليارجنيه للمشروعات الصغيرة، 92.4 مليار جنيه للمشروعات المتوسطة، وهو ما يستقطب العديد من شرائح المجتمع ويسهم في تعزيز الشمول المالي.
ونوه بأن توجه البنك المركزي نحو تقديم مجموعة من التيسيرات لتسهيل عملية فتح الحسابات للمواطنين البسطاء وأصحاب الحرف اليدوية تحت مسمى (نشاط اقتصادي)، إلى جانب إطلاق العديد من التطبيقات الرقمية مثل إنستاباي، كلها أدوات ساعدت في مجملها وتساعد في زيادة معدل الشمول المالي.
زيادة التثقيف المالي
وحول الآليات المطلوبة لتعزيز الشمول المالي، أشار «شوقي» إلى أن تحقيق الشمول المالي يتطلب في المقام الأول ضرورة زيادة التثقيف المالي، فالمواطن الواعي يُعتبر أكثر إدراكاً للمخاطر والمكاسب والمميزات المرتبطة بالمنتجات المالية ، كما يحتاج زيادة نسبة الشمول المالي إلى تقديم مجموعة شاملة من الخدمات المالية التى تلائم رغبات واحتياجات كافة المواطنين ، حيث أكدت العديد من الدراسات علي أهمية الشمول المالي في تحقيق النمو الاقتصادي، وأظهرت بأن الشمول المالي له أثر ايجابي على النمو الاقتصادي ، ووجود علاقة سببية بين مؤشرات الشمول المالي والنمو الاقتصادي .
ومن جانبه قال هانى حافظ الخبير المصرفي، إن توجيهات البنك المركزي المصري للبنوك بزيادة فعاليات الشمول المالي، بالإضافة إلى التوسع في إطلاق المنتجات الرقمية وتطبيقات الموبايل والإنترنت البنكي والمحافظ الإلكترونية ساهمت بقوة في تعزيز نسب الشمول المالي والتي وصلت إلى 64.8% بنهاية العام الماضي.
وحول أبرز المعوقات التي تمنع البنوك من تعزيز الشمول المالي، قال “حافظ” إن المعوقات تتلخص في عدم الانتشار الجغرافي الجيد للمؤسسات المالية في كافة أنحاء مصر، وعدم وجود منتجات تناسب احتياجات الأفراد، إلى جانب ارتفاع تكلفة بعض المنتجات المالية، وارتفاع نسبة الأمية المالية التي تعد أبرز العوائق التي تواجه البنوك.
وأضاف أن البنك المركزي يستهدف من إطلاق استراتيجية الشمول المالي، التغلب على هذه المعوقات، فضلاً عن حماية حقوق عملاء البنوك، وتعزيز الثقة في القطاع المصرفي، مما يؤدي إلى زيادة القدرات المالية للمواطنين، وتشجيع ريادة الأعمال والمشروعات الناشئة.
وأشار هانى حافظ، إلى أن زيادة معدلات الفائدة خلال الفترة الماضية صاحبة زيادة في أعداد عملاء البنوك بشكل كبير، مما يستدعي ضرورة الاستفادة من هذه الزيادة عبر زيادة برامج الشمول المالي سواء من الناحية الفنية أو حتي المجتمعية عبر استهداف فئات محددة، وتعزيز التوسع الجغرافي في نوعية الخدمات المالية المطروحة، مع تخصيصها في بعض الأحيان لمجتمعات معينة لكي تناسب طبيعتهم وتوجهاتهم من يعزز بقوة من معدلات نمو الشمول المالي وتحقيق مستهدفات الدولة المصرية بضم الجميع لمنظومة مالية موحدة يسهل متابعتها ورصد كافة التغيرات التي تحدث في المجتمع تكنولوجيا مما يعزز من السياسات والبرامج التمويلية والخدمات المالية بشكل عام .