Follow ICT
شعار الموقع الاساسى
سامسونج طولى
جايزة 160

مصر في قلب حركة البيانات.. الكابلات البحرية تشعل معركة النفوذ الرقمي تحت سطح المياه

لم تعد القوة تقاس فقط بحجم الاقتصاد أو عدد السكان، بل أصبحت تقاس بقدرة الدول على التحكم في تدفقات البيانات العابرة للحدود، فالكابلات البحرية الممتدة في قاع البحار والمحيطات، أصبحت اليوم البنية التحتية الرئيسية والأكثر حساسية في الاقتصاد العالمي، حيث تنقل ما يقرب من 99 % من حركة الإنترنت الدولية، وتشكل العمود الفقري لكل ما يرتبط بالاقتصاد الرقمي، من التجارة الإلكترونية والخدمات السحابية، إلى الذكاء الاصطناعي والبنوك والأسواق المالية العالمية.

في هذا السياق، لم يكن الإعلان عن مشروع بلو رامان الذي تقوده شركة جوجل في المنطقة، مجرد خبر عابر، بل إشارة واضحة إلى أن خريطة الإنترنت العالمية تدخل مرحلة منافسة أخرى، تتداخل فيها اعتبارات التكنولوجيا بالسياسة والاقتصاد فالمشروع الذي يستهدف ربط أوروبا بالهند مرورًا بالشرق الأوسط، يعكس رغبة شركات التكنولوجيا العملاقة في تنويع مساراتها بالمنطقة واستغلال المساحات الجغرافية المتاحة التي يمكن أن تشكل بوابات دولية للاتصالات ونقل البيانات.

لكن هذه التحركات، لا يمكن قراءتها إلا في سياق الدور الرئيسي الذي تلعبه مصر في منظومة الكابلات البحرية العالمية بالمنطقة والعالم، نتاج تميز الموقع الجغرافي الذي يربط بين ثلاث قارات عبر شبكة من الكابلات البحرية تتمثل في 20 كابلا بحريا يمرون عبرالمياة الإقليمية المصرية (5 منهم قيد الإنشاء)، تتحرك من خلالهم نحو 90% من البيانات المارة من الشرق إلى الغرب، إلى جانب الاستثمار المبكر من جانب الدولة في البنية التحتية، وخبرة تشغيلية تراكمت على مدار سنوات.

شراكات دولية وإقليمية

فالدولة المصرية شهدت خلال السنوات الأخيرة تحركات متسارعة من جانب الدولة، لعقد شراكات دولية وإقليمية في مجال الكابلات البحرية بما يعزز من فرص استثمار مصر في هذا المجال الحيوي وبما يخدم أهداف التنمية، ويدعم مخططات الدولة لتحويل مصر لمركز إقليمي لمراكز البيانات، والذي يصل حجم سوقها عالميا 125.35 مليار دولار أمريكي في 2024، ومن المتوقع أن يصل إلي نحو 364.62 مليار دولار بحول عام 2034.

هذا الوزن الاستراتيجي تعزز مؤخرًا مع الإعلان عن الانتهاء من الربط البحري المباشر بين مصر والأردن عبر كابل كورال بريدج، الذي تم إنزاله في مدينتي طابا والعقبة. المشروع الذي نفذته الشركة المصرية للاتصالات بالتعاون مع شركة نايتل الأردنية، لم يُنظر إليه من قبل الخبراء كمشروع ثنائي فحسب، بل كحلقة جديدة في استراتيجية أوسع تهدف إلى زيادة كثافة المسارات وتعددها، بما يقلل من مخاطر الانقطاعات ويعزز من مكانة مصر كمركز موثوق لحركة البيانات.

وتُعد الشركة المصرية للاتصالات أحد أكبر مشغلي مسارات الكابلات البحرية عالميًا، حيث تشارك وتشغل مجموعة من أهم أنظمة الربط الدولي التي تمر عبر الدولة المصرية، من بينها كابلات SEA-ME-WE  التي تربط آسيا بأوروبا عبر البحر الأحمر والبحر المتوسط، وكابل AAE-1 الممتد من شرق آسيا إلى أوروبا، فضلًا عن كابل مينا الذي يعزز الربط بين أوروبا والشرق الأوسط والهند. كما تشارك المصرية للاتصالات في كابلات أحدث مثل PEACE وAfrica-1 ، وأعلنت الشركة الشهر الماضي، اكتمال البنية التحتية الرئيسية للكابل البحري 2Africa الذي يضع معياراً جديداً للربط البحري عالمياً.

ووفقا للخبراء،فإن التحركات الأخيرة من جانب جوجل وبعض الشركات العالمية لفرض واقع جديد في المنطقة أمر مستبعد فمنطقة شرق المتوسط والبحر الأحمر ستظل نقطة اختناق استراتيجية لحركة البيانات العالمية، وأن مصر ستبقى عنصرًا مركزيًا في أي خريطة مستقبلية للكابلات البحرية ، حتى مع ظهور مسارات جديدة، مؤكدين على أن تنويع المسارات لا يعني إلغاء المسارات القائمة بل زيادة مرونة الشبكة العالمية وتقليل المخاطر.

خريطة البيانات العالمية

وأشاروا إلي أن أي حديث عن تجاوز مصر في خريطة البيانات العالمية يتجاهل التعقيدات الهائلة المرتبطة بإنشاء بدائل كاملة للمسار المصري، سواء من حيث التكلفة أو الوقت أو التحديات السياسية والتنظيمية، منوهين إلي أن المشروعات البديلة، مهما بلغت ضخامتها، ستظل في حاجة إلى التكامل مع المسارات المصرية، خاصة مع التوسع الكبير لمصر في مراكز البيانات وخططها الطموحة في هذا المجال حيث يشهد عدد مراكز البيانات في مصر نموا هو الأكبر في أفريقيا، وتشير تقديرات إلى أن حجم سوق مراكز البيانات في مصر قد ينمو بشكل هائل ليصل إلى أكثر من 1.14 مليار دولار بحلول 2030 بمعدل نمو سنوي مركب يتجاوز 128%..

وهي الرؤية التي أكدها الدكتور عمرو طلعت وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في أكثر من مؤتمر ، حين شدد على أن مصر تُعد أحد أهم مراكز عبور البيانات عالميًا، ونقطة التقاء رئيسية للكابلات البحرية بين آسيا وأوروبا وأفريقيا، مشيرًا إلى أن الدولة لا تتعامل مع هذا الواقع باعتباره معطًى ثابتًا، بل كفرصة استراتيجية تعمل على تعظيمها من خلال التوسع في مراكز البيانات وتحديث البنية التحتية الرقمية.

هذا التوصيف يتقاطع مع ما أورده مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء في تقارير حديثة، حيث وصف مصر بأنها إحدى الدول الإفريقية الرائدة كمركز رئيسي للكابلات البحرية، مستندًا إلى بيانات تُظهر أن 37 من أصل 38 دولة إفريقية ساحلية تمتلك كابلات بحرية، مع تمركز الثقل الأكبر في دول محددة، على رأسها مصر، إلى جانب جنوب إفريقيا وكينيا ونيجيريا وجيبوتي. غير أن الفارق، بحسب محللي المركز، يكمن في أن مصر لا تمثل مجرد نقطة وصول للقارة الإفريقية، بل بوابة عبور رئيسية بين ثلاث قارات، وهو ما يمنحها وزنًا استراتيجيًا مختلفًا.

أما مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) في واشنطن، فقد تناول في إحدى دراساته حالة مصر باعتبارها نموذجًا فريدًا في منظومة الكابلات البحرية، موضحًا أن البلاد تجمع بين الجغرافيا والخبرة التشغيلية والاستقرار النسبي للبنية التحتية، وهو ما يجعلها شريكًا ضروريًا للشركات العالمية، حتى في ظل سعي هذه الشركات إلى تنويع مساراتها، و هذا التحليل يكتسب أهمية خاصة لأنه يصدر عن مؤسسة بحثية تنظر إلى الملف من زاوية جيوسياسية بقدر ما تنظر إليه من زاوية تقنية.

في المقابل، كشفت تحليلات وول ستريت جورنال حول مشروع بلو رامان أن المشروع لا يستهدف بالضرورة إقصاء مسارات قائمة مثل مصر، بقدر ما يسعى إلى تقليل المخاطر الجيوسياسية وزيادة المرونة التشغيلية، فالصحيفة نقلت عن محللين أن أي مسار جديد في المنطقة سيظل مرهونًا بالحصول على موافقات تنظيمية معقدة، وبالاستقرار الإقليمي، وهو ما يجعل الاعتماد الكامل على مسار واحد، مهما كان جديدًا، خيارًا محفوفًا بالمخاطر.

وتتجاوز قوة مصر في ملف الكابلات البحرية دورها التقليدي كنقطة عبور، لتصل إلى قلب الصناعة ذاتها، بعد دخولها رسميًا مجال تصنيع الكابلات البحرية عبر إنشاء أول مصنع من نوعه في المنطقة بمدينة دمياط، باستثمارات تقترب من 500 مليون دولار، بالشراكة بين وزارة النقل والشركة القابضة للنقل البحري وشركة السويدي إليكتريك. هذا المشروع يجعل مصر سادس دولة عالميًا تمتلك هذه القدرة الصناعية المتقدمة، والأولى في الشرق الأوسط وأفريقيا، ويستهدف تصدير كامل إنتاجه للأسواق الدولية، بما يعزز موقعها كمركز إقليمي لسلاسل إمداد البنية التحتية الرقمية والطاقة.

مراكز البيانات العملاقة

ويتكامل هذا التحول مع التوسع المتسارع في مراكز البيانات العملاقة التي تنفذها مصر، والتي تسجل أعلى معدلات نمو في أفريقيا، لتنتقل البلاد من مجرد ممر لحركة البيانات إلى منصة متكاملة لاستضافتها ومعالجتها، في خطوة تضيف قيمة اقتصادية واستراتيجية حقيقية وتدعم قدرتها على الحفاظ على ريادتها في سوق الكابلات البحرية العالمي.

من جانبه أكد الدكتور حمدي الليثي، نائب رئيس غرفة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات السابق، أن مصر تمتلك مقومات فريدة تؤهلها لتكون مركزًا عالميًا لحركة البيانات، مستندة إلى موقعها الجغرافي الاستثنائي الذي جعلها تاريخيًا ممرًا ملاحيًا عالميًا عبر قناة السويس، ويمنحها اليوم فرصة مماثلة في عالم الكابلات البحرية وتبادل البيانات.

وأوضح الليثي أن الموقع الجغرافي لمصر يؤهلها لتكون من أهم مقرات ومسارات الكابلات البحرية على مستوى العالم، مشيرًا إلى وجود خطوات وتحركات جادة من الدولة خلال الفترة الأخيرة لزيادة عدد هذه الكابلات وتعزيز البنية التحتية الرقمية. إلا أنه شدد في الوقت نفسه على أن المرحلة المقبلة تتطلب تهيئة مناخ استثماري جاذب، خاصة فيما يتعلق بالتشريعات المنظمة وقوانين حماية وتداول البيانات، لافتًا إلى أن هذه القوانين باتت عنصرًا حاسمًا في قرارات الشركات العالمية عند اختيار مقراتها ومسارات استثماراتها.

وأضاف أن مصر قادرة على استثمار هذه المزايا في تأسيس مراكز بيانات عملاقة، على غرار نموذج قناة السويس، ليس فقط كممر لعبور الكابلات، وإنما كمركز يقدم خدمات ذات قيمة مضافة. وأشار إلى أن تقديم خدمات إضافية مرتبطة بالكابلات البحرية يمكن أن يحول مصر إلى معبر رئيسي للبيانات، لا سيما نحو القارة الأفريقية التي تمثل سوقًا واعدة في مجال تكنولوجيا المعلومات، مؤكدًا أن الكفاءات البشرية المصرية قادرة على تحقيق عوائد تعادل عشرة أضعاف العائد الناتج عن مجرد مرور الكابل عبر الأراضي المصرية.

الدكتور حمدي الليثي
الدكتور حمدي الليثي

ونوه الليثي إلى أن الدولة المصرية تأخرت نسبيًا في الانطلاق بمجال مراكز البيانات العملاقة خلال السنوات الماضية، إلا أن الفرصة ما زالت قائمة للحاق بالركب وتحويل مصر إلى مركز إقليمي مؤثر، شريطة الإسراع بتهيئة البيئة العامة للاستثمار وتكامل الجهود بين الجهات المعنية.

وفيما يتعلق بالمنافسة الإقليمية، شدد نائب رئيس غرفة الاتصالات السابق على أنه لا توجد دولة مؤهلة حاليًا لمنافسة مصر في هذا المجال إذا ما تم تبني الخطوات الصحيحة، مؤكدًا أن الوضع الجغرافي والبنية الأساسية يؤهلان مصر لتكون في الصدارة إقليميًا وعالميًا مع مزيد من التركيز والاهتمام. وأشار إلى أن توجه الشركة المصرية للاتصالات نحو عقد شراكات استراتيجية وإطلاق كابلات بحرية جديدة يسهم بشكل رئيسي في تلبية احتياجات العملاء الدوليين، ويحد في الوقت ذاته من فرص المنافسين الإقليميين.

ولفت إلى أن دراسات دولية عدة ترصد تصاعد حدة المنافسة في ملف الكابلات البحرية بالمنطقة، في ظل تحركات تقودها دول مثل المغرب وقطر وإسرائيل، التي تسعى كل منها لاستغلال موقعها الجغرافي لتعزيز دورها في صناعة واستضافة البيانات. وأوضح أن هذا التنافس يأتي مدفوعًا بسعي الشركات العالمية إلى تنويع مسارات الكابلات، وتخفيف الضغط والتكدس في بعض المناطق، والبحث عن بدائل أقل تكلفة وأكثر أمانًا.

إنشاء كابلات جديدة

وأكد الليثي على حتمية التعامل مع ملف الكابلات البحرية بمنهج ديناميكي، يقوم على التوسع المستمر في إنشاء كابلات جديدة لمواكبة النمو المتسارع في الطلب، خاصة في المنطقة والقارة الأفريقية. كما شدد على ضرورة إعداد دراسات دقيقة تحدد البدائل الممكنة في حال تعرض أي كابل للقطع، على أن تشمل هذه الدراسات حسابات علمية تتعلق بحجم الاستخدام الحالي والمتوقع، ومعدلات التطور، وزيادة أعداد المشتركين، والتوسع في التطبيقات الرقمية المستخدمة من قبل المواطنين.

وأشار إلى أهمية التكامل بين الشركات العاملة في قطاع الاتصالات لتعزيز قوة واستدامة البنية التحتية المصرية وفقًا للمعايير العالمية، مع ضرورة إتاحة مساحة أكبر للقطاع الخاص للمشاركة في تطوير الشبكات ومد كابلات الألياف الضوئية. وأكد أن الشركة المصرية للاتصالات بذلت جهودًا كبيرة في هذا المجال، إلا أن التطوير المستمر لهذه الشبكات يتطلب استثمارات ضخمة تُقدر بمليارات الدولارات على المدى الطويل.

واختتم الدكتور حمدي الليثي تصريحاته بالتأكيد على أن الدولة شهدت خلال الفترة الماضية نشاطًا إيجابيًا في تدشين مراكز البيانات العملاقة، التي تمثل أحد أهم عناصر تعظيم العوائد المرتبطة بالكابلات البحرية، من خلال تقديم خدمات القيمة المضافة عبر مساراتها. وأوضح أن الدراسات تشير إلى أن عدد مراكز البيانات في مصر يشهد أسرع معدل نمو في أفريقيا، مع توقعات بأن يتجاوز معدل النمو السنوي المركب 12% بنهاية عام 2025، مقارنة بمتوسط عالمي يبلغ نحو 6.4%، وهو ما يعكس فرصة حقيقية لتعزيز مكانة مصر كمركز إقليمي وعالمي للبيانات.

الدكتور محمد عزام
الدكتور محمد عزام

من جانبه قال الدكتور محمد عزام، خبير تكنولوجيا المعلومات، أن معركة الكابلات البحرية لا يمكن فصلها عن التحول العالمي نحو اقتصاد قائم على البيانات، موضحًا أن الدول لم تعد تتنافس فقط على مرور البيانات عبر أراضيها، بل على امتلاك القدرة على إدارتها وتخزينها وتحليلها وتحويلها إلى قيمة اقتصادية وسيادية، مؤكدا أن الخطوات التي اتخذتها مصر خلال السنوات الأخيرة في ملف مراكز البيانات تعكس إدراكًا متقدمًا لطبيعة هذا التحول، خاصة أن عددًا محدودًا من دول العالم يمتلك بنية معلوماتية متكاملة قادرة على استيعاب هذا الحجم المتنامي من البيانات.

وأضاف أن التوسع في إنشاء مراكز البيانات، بالتوازي مع تعزيز مسارات الكابلات البحرية، يمنح الدولة قدرة أكبر على التخطيط الاستراتيجي، واستشراف التحديات المستقبلية، واتخاذ قرارات مبنية على تحليل البيانات، فضلًا عن بناء سيناريوهات للتعامل مع الأزمات، مؤكدا على أن توطين البيانات داخل الحدود المصرية لم يعد خيارًا تقنيًا فقط، بل يمثل أحد مكونات الأمن القومي، في ظل تصاعد أهمية البيانات كأصل استراتيجي، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على سرعة وجودة الخدمات الرقمية، ودفع مسار التحول الرقمي وزيادة الصادرات التكنولوجية.

وجاء أبرز هذه الخطوات في افتتاح الرئيس السيسي العام الماضي مركز البيانات والحوسبة السحابية الحكومية بطريق العين السخنة، ومركز البيانات الرئيسي للدولة ومركز البيانات التبادلي بالتعاون مع ما يزيد على 30 شركة عالمية متخصصة، وتوقيع الحكومة مراسم توقيع عقد الأرض الخاصة بإنشاء مركز كيميت للبيانات داخل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس بتكلفة مليار دولار لتقديم خدمات الحلول السحابية وإنترنت الأشياء والتحول الرقمي

فرصة حقيقية

ولفت عزام أن الربط العضوي بين الكابلات البحرية ومراكز البيانات العملاقة يمثل حجر الزاوية في الحفاظ على الريادة المصرية في هذا الملف، موضحًا أن الكابلات بدون مراكز بيانات متطورة تظل مجرد مسارات عبور، بينما تتحول إلى مصدر قوة حقيقية عندما ترتبط بمنصات قادرة على الاستضافة والمعالجة وتقديم الخدمات السحابية، مؤكدا على أن مصر تمتلك فرصة حقيقية للتحول من مجرد ممر لحركة البيانات العالمية إلى مركز إقليمي لتجميعها وإعادة توزيعها، خاصة مع الموقع الجغرافي الفريد الذي يضعها في قلب حركة البيانات بين الشرق والغرب وأفريقيا.

وأكد  عزام أن مراكز البيانات باتت عنصرًا محوريًا في صياغة الاستراتيجيات الوطنية بمختلف القطاعات، من الصحة والتعليم إلى الخدمات الحكومية والمالية، فضلًا عن دورها في دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة وقطاع الأعمال، عبر تقديم خدمات الاستضافة والحوسبة السحابية، بما يسهم في تحسين جودة الخدمات الرقمية وجذب الشركات الدولية الباحثة عن بنية تحتية مستقرة وقريبة من الأسواق الناشئة.

وفيما يتعلق بالشق البشري، شدد خبير تكنولوجيا المعلومات على أن نجاح هذه المنظومة المتكاملة، التي تجمع بين الكابلات البحرية ومراكز البيانات، يتطلب استثمارًا مستمرًا في تأهيل الكفاءات البشرية، لافتًا إلى أن هذه الصناعة تعتمد على كوادر مدربة في مجالات متقدمة مثل أمن المعلومات، وتطوير التطبيقات، وإدارة الشبكات، وتحليل البيانات.

ولفت عزام إلى أن أحد المستهدفات الرئيسية لمراكز البيانات والحوسبة السحابية الحكومية يتمثل في الربط والتكامل بين الجهات الحكومية المختلفة ضمن شبكة وطنية موحدة، تعتمد على مسارات الكابلات والألياف الضوئية، بما يتيح توفير بيانات اقتصادية واجتماعية وتكنولوجية محدثة لصناع القرار في القطاعين العام والخاص، ويسهم في رفع كفاءة الإدارة الحكومية وتحسين جودة السياسات العامة.

وأشار إلي أن امتلاك بنية قوية من الكابلات البحرية ومراكز البيانات يفتح الباب أمام مصر لتكون وجهة إقليمية لتصدير التكنولوجيا عالية القيمة، خاصة في ظل الدعم السياسي الواضح لتوطين الصناعات الرقمية وتقديم حوافز استثمارية للشركات العالمية والمحلية. كما يشدد على أهمية التوسع في الاستثمار بتقنيات الذكاء الاصطناعي، التي تعتمد في جوهرها على البيانات وقدرات المعالجة، موضحًا أن الإنفاق العالمي في هذا المجال يقترب من 100 مليار دولار سنويًا، ما يجعل من امتلاك بنية تحتية متكاملة للبيانات شرطًا أساسيًا لدخول هذه المنافسة، وليس مجرد خيار إضافي، وهو ما يعزز من فرص مصر في الحفاظ على موقعها المتقدم في معركة النفوذ الرقمي تحت سطح البحر.

سلسلة القيمة الرقمية

وفي السياق ذاته، أكد المهندس محمد عبد الفتاح، خبير التكنولوجيا وأمن المعلومات، أن التحدي الحقيقي أمام مصر لا يتمثل فقط في الحفاظ على دورها كممر رئيسي للكابلات البحرية، بل في قدرتها على الانتقال إلى مرحلة أعلى من سلسلة القيمة الرقمية وتعمل على استباق التحولات عبر شراكات دولية ذكية، وبيئة تنظيمية جاذبة، واستثمارات مستدامة في البنية التحتية الرقمية ذات القيمة المضافة العالية.

ولفت إلي أن التوسع المصري في إنشاء مراكز البيانات يمثل خطوة نوعية متقدمة للحفاظ على مكانة مصر كدولة رائدة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ودعامة أساسية لدورها المحوري في منظومة الكابلات البحرية الإقليمية والدولية منوها إلي إلى أن مراكز البيانات والحوسبة السحابية التي أطلقتها مصر أسهمت في رفع وزنها الاستراتيجي إقليميًا، ليس فقط كممر لعبور البيانات، وإنما كدولة قادرة على استضافتها وتأمينها وفق أعلى المعايير الدولية.

وأوضح عبد الفتاح ، أن هذه المراكز أُنشئت لضمان تطبيق أفضل ممارسات حوكمة البيانات، واعتمدت على أحدث النظم والمعايير الهندسية العالمية، بما يجعلها متوافقة مع كبرى مراكز البيانات الدولية، وبسواعد مصرية مدعومة بخبرات عالمية، بهدف الحفاظ على بيانات المواطنين والمؤسسات داخل الحدود الوطنية ، مؤكدا أن تصميم هذه المراكز وفق أحدث المعايير الدولية عنصر لا غنى عنه في ظل الاعتماد المتزايد على الكابلات البحرية كعصب رئيسي لحركة البيانات العالمية، وما يرتبط بها من مخاطر تشغيلية وأمنية.

وفيما يتعلق بالعائد الاقتصادي، شدد عبد الفتاح على أن الاستثمار في مراكز البيانات المتصلة بالكابلات البحرية يحقق مكاسب مباشرة وغير مباشرة يصعب تجاهلها، موضحًا أن الاعتماد على أحدث تقنيات الحوسبة يسهم في تقليل فاتورة الإنفاق بالعملة الأجنبية التي كانت تتجه إلى الخارج لاستضافة البيانات، إلى جانب خلق فرص عمل تكنولوجية متخصصة، وتعزيز سلاسل القيمة المحلية في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات كما يمنح مصر قدرة أكبر على التحكم في أحد أهم موارد العصر الحديث، وهو ما يرسخ موقعها كلاعب رئيسي في معركة النفوذ الرقمي التي تُدار اليوم تحت سطح البحر.

 

 

 

 

 

.

The short URL of the present article is: https://followict.news/d1y8