في مثل هذا اليوم، 19 أغسطس من عام 1998، شهد عالم التقنية لحظة فارقة حينما صادق المعهد الوطني الأمريكي للمعايير (ANSI) على معيار جديد حمل اسم (ATA-4)، أو ما يُعرف رسميًا بـ NCITS 317-1998.
لم تكن هذه مجرد موافقة بيروقراطية، بل إعلانًا عن نقلة نوعية في طريقة تواصل الحواسيب مع وحدات التخزين، فتحت الباب أمام سرعات أعلى وتجارب استخدام أكثر سلاسة.
ومعيار ATA-4 هو الجيل الرابع من معيار AT Attachment، الذي يُستخدم لتوصيل الأقراص الصلبة ومحركات الأقراص الضوئية بالحواسيب. الجديد في هذا الإصدار كان إدخال واجهة ATAPI (Packet Interface)، التي سمحت للأجهزة مثل مشغلات الأقراص المدمجة بالتواصل مع الحاسوب باستخدام أوامر مخصصة، كما قدم معيار Ultra DMA/33، الذي رفع سرعة نقل البيانات إلى 33 ميجابايت في الثانية، وهو رقم كان يُعد مذهلًا في ذلك الوقت.
قبل ATA-4، كانت سرعات النقل محدودة، وكان الاتصال بين الأجهزة أكثر تعقيدًا، لكن هذا المعيار الجديد جعل من الممكن تشغيل أنظمة أكثر كفاءة، وتحسين أداء التطبيقات التي تعتمد على الوصول السريع إلى البيانات، مثل برامج تحرير الفيديو والألعاب، كما ساهم في توحيد طريقة التواصل بين الأجهزة، مما سهّل على المصنعين تطوير منتجات متوافقة دون الحاجة إلى حلول مخصصة لكل نظام.
لم يُولد المعيار ATA-4 فجأة، بل كان ثمرة عمل مكثف من لجنة T13 التابعة لـNCITS، التي راجعت عشرات المسودات قبل الوصول إلى النسخة النهائية، وقد تم نشر الوثيقة الرسمية في أغسطس 1998، لتصبح مرجعًا معتمدًا للمصنعين والمطورين حول العالم.
رغم مرور 27 عامًا، لا يزال ATA-4 يُذكر باعتباره نقطة تحول في تاريخ التخزين الرقمي، فقد مهد الطريق لمعايير لاحقة مثل ATA-5 وATA-6، التي واصلت رفع سقف الأداء، واليوم، ورغم هيمنة واجهات مثل SATA وNVMe، يبقى ATA-4 شاهدًا على كيف يمكن لمعيار واحد أن يعيد تشكيل تجربة المستخدم ويؤثر في صناعة بأكملها.
وفي مثل هذا اليوم من عام 2010، فاجأت شركة إنتل العالم بإعلانها عن صفقة ضخمة قلبت موازين صناعة التقنية: شراء شركة مكافي (McAfee)، عملاق الأمن السيبراني، مقابل 7.68 مليار دولار نقدًا.
لم تكن هذه مجرد صفقة استحواذ، بل كانت إعلانًا صريحًا بأن الأمن الرقمي لم يعد مجرد إضافة، بل أصبح ركيزة أساسية في مستقبل الحوسبة.
قررت إنتل، المعروفة عالميًا بصناعة المعالجات، أن توسّع نطاقها إلى ما هو أبعد من الأداء والكفاءة، فمع تزايد عدد الأجهزة المتصلة بالإنترنت—من الهواتف الذكية إلى السيارات والتلفزيونات وحتى أجهزة الصراف الآلي—أصبح من الضروري أن يكون الأمن جزءًا لا يتجزأ من البنية التحتية التقنية، وهنا جاء دور مكافي، التي كانت آنذاك ثاني أكبر شركة للأمن السيبراني في العالم، وتتمتع بنمو سنوي مزدوج الرقم وهامش ربح تجاوز 80%.
وقال الرئيس التنفيذي لإنتل حينها، بول أوتيليني: “في الماضي، كانت الكفاءة في استهلاك الطاقة والاتصال هي ما يحدد متطلبات الحوسبة. أما الآن، فإن الأمن سينضم إليهما كركيزة ثالثة لما يتوقعه الناس من كل تجربة حوسبة”.
لم يكن هذا التصريح مجرد شعار تسويقي، بل كان تعبيرًا عن تحول استراتيجي في طريقة تصميم الأجهزة والبرمجيات، حيث يتم دمج الأمن في صميم المنتج، لا إضافته لاحقًا.
تضمنت الصفقة تحديد سعر 48 دولار للسهم الواحد من شركة مكافي، بزيادة 60% عن سعر الإغلاق في اليوم السابق، وبذلك أصبحت مكافي شركة تابعة بالكامل لإنتل، تحت مظلة مجموعة البرمجيات والخدمات، حيث تم دمج الأمن مع الأجهزة والبرمجيات لتقديم حماية شاملة للمستخدمين، من الأفراد إلى الحكومات.
رغم أن إنتل باعت لاحقًا جزءًا من مكافي، تبقى هذه الصفقة لحظة فارقة في تاريخ الأمن السيبراني، حين قررت شركة تصنيع رقائق أن تجعل الأمن جزءًا من الحمض النووي للحوسبة الحديثة.