اتجهت مصر للاعتماد على مفهوم (الحوسبة السحابية)، باعتبارها أصبحت أقل تكلفة وأكثر قابلية للتأمين، لذلك قامت الدولة بمجهود كبير على مدار العامين الماضيين لبناء أكثر من حوسبة سحابية لخدمة البيانات الحكومية والعملاء وكافة البيانات التي لها بُعد أمن قومي، ويحسب للرئيس السيسي، اهتمامه الكبير بخطة التحول الرقمي الكاملة التي يقوم بها بداية من البنية التحتية التي جعلت من مصر سوق كبير أمام الشركات العالمية، لذلك يجب أن يتزامن مع هذا التطور تطبيق معايير تأمين قوية لعدم اختراق البيانات من داخل الأراضي المصرية.
بتلك الجملة بدأ المهندس عمرو فاروق، العضو المنتدب لمجموعة MCS القابضة، حواره مع Follow ICT للحديث حول تأمين البيانات وأهميتها، بجانب مناقشة عدة محاور أخرى على النحو التالي:
كيف تقيم اهتمام الدولة المصرية بأهمية البيانات والمعلومات في المرحلة الأخيرة؟
مصر في مرحلة جديدة جدًا، وأصبح لدينا تغيير في الفكر، وأصبحت للمعلومات أهمية قصوى، وصانع القرار أصبح يؤمن بأهمية المعلومات، وظهر ذلك في مشروع التعداد السكاني، وتوحيد قواعد البيانات، وإقامة بنية رقمية جيدة، وإنشاء مراكز للحوسبة السحابية في العاصمة الإدارية، ويتبقى تعديل التشريعات التي تتناسب مع خطة التحول الرقمي حتى يكون هناك تكامل حقيقي لصناعة البيانات.
وتسير مصر على خطين متوازيين، التحول الرقمي والتكامل بين قواعد البيانات، وأول مشروع قام بتنفيذه الرئيس كان تعداد الرقمي للأسر والمباني، والأراضي ونتج عنه حصر شامل ودقيق من خلال 40 ألف جهاز تابلت، ما مكن مصر من الحصول على المعلومة في وقتها المناسب.
كل ما حدث كان نتيجة استثمار وحجم أعمال كبير تم في السوق المصري، والآن أصبح حجم الأعمال في قطاع تكنولوجيا المعلومات الذي يتم في السوق المصري يساوي حجم الأعمال الذي يتم في دول الخليج بالكامل باستثناء دولة السعودية، فنجد أن الدولة تنفذ مشروعات تكلفتها تصل 400 مليون دولار للمشروع، ويحسب للدولة، أنها خلال فترة قصيرة من الزمن كانت لديها خطة لاستضافة البيانات على الحوسبة السحابية.
مع تنامي حجم البيانات في السوق المصري وتركيز الدولة على دمجها داخل المنظومة الاقتصادية، أصبحت الحاجة ملحة لتأمين هذه البيانات ضد أي أخطار، فما هي التكنولوجيات الرئيسية للتأمين؟ وكيف تقيم الدولة فاعلياتها؟
متابعة الرئيس السيسي للمشروعات التي تتم في التحول الرقمي، واجتماعاته المتكررة مع الدكتور عمرو طلعت وزير الاتصالات، تؤكد أن حجم البيانات والمراكز ضخم جدًا والقرار أصبح بناء على بيانات دقيقة، وهو ما يستلزم تأمين لتلك البيانات والمعلومات، لذلك فكل مشروعات البنية التحتية التي تمت الفترة الماضية تم عليها تطبيق طرق الاستخدام وتحديد الفئات المستهدفة من التأمين.
ومصر لديها إجراءات تأمين وسياسة تأمينية واضحة للتعامل مع منافذ الخطورة والاختراق، ولكن تكنولوجيا التأمين هي في النهاية وسيلة لتطبيق السياسة الأمنية الكاملة والمتكاملة، ويظل كيفية اختيار التكنولوجيا المناسبة التي تقدم أفضل نتائج هي المعيار الرئيسي، لذلك يجب دراسة دورة العمل بالكامل للنظام المستخدم للتأمين، وهناك مواصفات قياسية عالمية حسب كل قطاع، مثلا البنوك لها مواصفات والصحة لها مواصفات وشركات الاتصالات لها مواصفات ولكل قطاع يجب مراعات مواصفاته بشكل واضح.
هل الشركات العالمية تعطي التكنولوجيات التأمينية فقط.. أم تتدخل في عملية إدارة عملية التأمين؟
مصر يتواجد فيها أكبر الشركات العالمية المتخصصة في تأمين البيانات سواء باستثمارات كاملة أو من خلال وكلاء وممثلين رسميين، أو من خلال مكاتب رسمية ومراكز تدريب، وتلك الشركات العالمية بعضها مطور لتكنولوجيا تأمين المعلومات، وتقوم بعرضها في السوق المصري على الشركات المنفذة ونحن نقوم بتنفيذ وتطبيق تلك الحلول للمؤسسات المصرية (حكومة أو قطاع خاص)، ولكن هناك بعض القطاعات داخل الدولة المصرية تعمل وفق محددات واضحة بألا يتم استضافة بيانات عملائهم خارج مصر مثل شركات المحمول أو البنوك.
وهل للشركات المحلية نصيب من المناقصات المطروحة لعمليات تأمين البيانات؟
نحن غير مطورين لتكنولوجيا تأمين المعلومات، ومضطرين للاعتماد على الشركات الأجنبية لحين امتلاكنا لتكنولوجيا خاصة بنا، فإذا لم أتمكن من تصنيع سلاح فهذا لا يمنع من امتلاكي لسلاح أدافع به عن نفسي، وللأسف الحلول المصرية قليلة جدًا وتحتاج لدعم أكبر من الدولة حتى نمتلك شركات تنافس الشركات العالمية.
وما هي أكثر الجهات المستهدفة للحصول على بياناتها والمعرضة للاختراق في السوق المصري؟
في هذا العصر، كل الجهات معرضة للاختراق بعد أن أصبحت كل معلومة تمثل أهمية لصاحبها (مؤسسات أو أفراد)، وأصبحنا في عصر تحليل المعلومات، وكل القطاعات في الوقت الحالي يتم تأمينها، وأصبحت أولوية شديدة لدى كل الجهات، ومنذ عام 2011 وما حدث في مصر من أحداث كشف للجميع أهمية جمع البيانات عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي التي كانت تساهم في تشكيل الرأي العام.
هل نمتلك مخرجات من الموارد البشرية القادرة علي إدارة تكنولوجيات التأمين؟
تطوير منتج لتأمين البيانات مكلّف وبه نسبة مخاطرة، لكن نتائج الاستثمار على المدى البعيد مجدية جدًا، وهو الأمر الذي يحتاج دعم ورؤية من الدولة وأجهزتها لتوطين صناعة تأمين البيانات، وتدريب كوادر، ودعم الأبحاث والتطوير، ودعم الباحثين، خاصة وأن دخل الباحث في مصر يكاد يساوي 10% من الباحث في الدول المتقدمة في هذا القطاع، وفي النهاية لن نصبح أصحاب قرار بدون امتلاك وتطوير التكنولوجيا.
وما هو دور الدولة الذي يجب أن يكون منوط بها في البيانات التي تجمعها الشركات العاملة على أرضها.. وكيف تضمن عدم استغلالها؟
الدولة بالفعل تفرض على الشركات أن تستضيف بيانات عملائها داخل مصر، ومراكز البيانات الموحدة سوف تساعد في تحقيق ذلك بشكل كبير، ولكن في النهاية نحن نستعين بتكنولوجيا من شركات أجنبية، وليس مضمون بنسبة 100% تأثير الدول الأجنبية على تلك الشركات، في النهاية من يملي الشروط وصاحب القرار هو من يمتلك التكنولوجيا.
عملت الدولة خلال الفترة الماضية على عدد من التشريعات كقانون حماية البيانات الشخصية وغيره.. هل تنجح هذه القوانين في تنظيم سوق البيانات المتعاظم، وهل نحن في حاجة لمزيد من التشريعات؟
منذ أربع سنوات لم نكن نملك أي تشريعات في مجال حماية وتأمين البيانات، أما الآن لدينا قوانين تتعامل مع تكنولوجيا المعلومات وتعترف بالدليل الرقمي، وقانون لمكافحة جرائم تكنولوجيا المعلومات، ولكنها تحتاج إلى مزيد من العمل بالتطبيق والمراقبة وتحسين وإعادة الصياغة المستمرة بالشكل الذي يتواكب مع تطور التكنولوجيا.
تتبنى الدولة سياسة متكاملة لجعل مصر مركز إقليمي لمراكز البيانات.. كيف تقيّم البنية التحتية للاتصالات والكهربائية في توفير الدعم اللازم لهذه المراكز؟
مصر أصبح لديها فائض في الطاقة، ولديها كوادر مؤهلة وكوابل بحرية كثيرة تمر من الحدود المصرية، وهو ما يعني أن مصر لديها من المقومات التي تؤهله لبناء مراكز بيانات عملاقة وأن تكون مركز إقليمي، وكان ينقصنا جزء من التشريعات، وحوافز استثمار حتى تجذب الشركات العالمية لضخ استثماراتها في مصر.
تشهد أمريكا والدول الأوربية حاليا حالة من الجدل حول مدي خصوصية البيانات فيها واستخدام شركات التكنولوجيا الكبرى لها في أغراض تسويقية وإعلانية، كيف ترى هذا الجدل وهل سيفرض واقع جديد على العالم متعلق بتأمين بيانات كل دولة داخل أراضيها؟
الشركات الكبرى برغم ما يجري معهم من استجوابات لم يتم إدانة أي منهم بشيء يذكر، وفي النهاية يوقع عليهم غرامات ضئيلة جدًا لا تتناسب مع حجم عائداتهم، كما أن تلك الشركات الكبرى لديها متخصصون قانونيون يمتلكون خبرات فنية تؤهلهم لتفنيد أي اتهامات ويثبتوا دائمًا أنهم غير مخالفين للقوانين الدولية، أما عن مصر فهي سوق كبير جدًا لكل شركات التكنولوجيا، وأفضل سياسة للتعامل مع الشركات العالمية هي السياسات المتوازنة والتوافقية، لحماية مصالح الدولة وعدم الإضرار بمصالح الشركات الاجنبية، أفضل طريقة هي جذب تلك الشركات لمصر حتى يكون لدينا فرص للتفاوض لتحقيق المنفعة المشتركة وحماية المواطن، خاصة وأن تلك الشركات أصبحت مراكز قوى عالمية.
ما هو حجم البيانات المتواجدة خارج حدود الدول؟ وهل تنجح مصر في تقليل نسب البيانات الخاصة بمواطنيها أم أن التطبيقات العالمية لا تخضع للسيطرة من الإدارات المحلية؟
ليس لدينا القدرة لقياس حجم بيانات المصريين على السوشيال ميديا المتاحة خارج مصر، ولكن من المؤكد أن بيانات المصريين متاحة في الخارج والدليل على ذلك قدرة أي شخص أو شركة استهداف مصريين مقيمين في مصر بحملات اعلانية موجهة من خارج مصر.
كيف ترى شكل الصراع الدائر حاليا بين الصين وأمريكا وعمليات الحظر التي تشهدها التطبيقات العالمية كالفيسبوك وتيك توك بدواعي الأمن القومي؟ وهل تمتد هذه السياسات إلى دول أخرى في المستقبل؟
الصراع في المقام الأول اقتصادي، وليس أمن قومي كامل، فهو عبارة عن منافسة، وحينما شعر ترامب أن تيك توك تستحوذ على حصة سوقية كبيرة بدأ التضييق عليهم وهو في عرف البيزنس مقبلو، ولكن تم تغليفه بدواعي الأمن القومي، أما عن مصر فمن الصعب إثبات على أي شركة عالمية كبرى أنهم يسربون بيانات العملاء لطرف ثالث.