قبل 10 سنوات تقريبا، كان مصطلح الحوسبة السحابية غريبا على أذهان العديد من القائمين على صناعة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات حيث كان يقابل بشىء من الغموض للبعض، أو السخرية أحيانا من المصطلح العربي لترجمة Cloud computing، أما الآن بات هذا المصطلح ضمن الأوليات في أجندة مجالس إدارات الشركات الكبري، باعتباره تطور نوعي لما يطلق عليه الاقتصاد الرقمي، وعنصر رئيسي في دعم عمليات الشركات التشغيلية في كافة القطاعات.
ونتذكر أن مصر كانت تسدد ملايين الدولارات سنويا من أجل توفير حلول التخزين التقليدية للجهات الحكومية المختلفة، قبل أن تتحول للاعتماد على الحوسبة السحابية، إيمانا من القائمين على إدارة الدولة بضرورة الاتجاه نحو هذا الأمر.
وقد يكون أقصى طموح لدينا هو وجود خدمات سحابية محلية، ولكن يبدو أن مصر في طريقها للريادة الإقليمية بمجال الحوسبة السحابية، وسيكون ذلك من خلال العاصمة الإدارية الذكية.
الدكتور خالد العطار نائب وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات للتنمية الإدارية والتحول الرقمي والميكنة، أكد أن الدولة تعمل على إقامة حوسبة سحابية حكومية موحدة متكاملة بالعاصمة الإدارية بالتعاون مع وزارة الدفاع، موضحا أنه من المقرر أن يتم تركيب الأجهزة ووضع الخدمات الحكومية عليها العام القادم، مشددا على أن تطبيق منظومة الحوسبة السحابية أصبح ضرورة في ظل غزارة التطبيقات التي تصدر يوميًا من الجهات الحكومية أو من القطاع الخاص.
ويرى العطار، أن الإدارة المركزية لتكنولوجيا المعلومات عبر الحوسبة السحابية تكون أسهل كثيرًا من كونها متفرقة وتمنح سرعة في الأداء، لافتًا إلى أن منصة مصر الرقمية سيتم إتاحتها عبر الحوسبة السحابية، وسيتم عمل منظومة لحجز الطيران، كما أن هناك شركات من القطاع الخاص تقوم على بوابتها الرقمية الخاصة بها، وإذا لم يكن هناك بيئة مناسبة مع هذه الغزارة من البيانات والتطبيقات فسيكون هناك فجوة في التحول الرقمي.
وقال العطار “تزايد البيانات على الإنترنت يتطلب معه وجود أنظمة حماية قوية، والدولة تتعلم من تجاربها في هذا المجال ولديها أجهزة قادرة على صد ملايين من الهجمات التي تحصل على منصتها الرقمية بشكل يومي، منهم على سبيل المثال جهاز CERT التابع لجهاز تنظيم الاتصالات وبعض الجهات الأخرى يتصدون لمئات الآلاف من الهجمات ومحاولات الاختراق لبيانات المواطنين، لكن الأجهزة ناجحة في التصدي لكل تلك الهجمات”.
ويقول هشام مهران نائب الرئيس التنفيذي لشركة أورنج لقطاع الأعمال، أن شركته تبنت استراتيجية دعم التحول الرقمي للحكومة والمؤسسات والقطاع الخاص، وكانت أورنج مصر أول الشركات الرائدة التي قدمت حلول الحوسبة السحابية التي تعمل من مراكز البيانات الخاصة بها داخل الأراضي المصرية، وهو ما منحها ميزة تنافسية في هذه المجال، وأعطاها الفرصة لتقديم حلول وخدمات التعليم الإلكتروني بعد أزمة كورونا مباشرة، من حيث استضافة الفيديو حسب الطلب على منصة اورنج التي تساعد الطلاب على مذاكرة دروسهم أونلاين للتخفيف عن كاهل الأسرة المصرية.
وأكد مهران أن أكثر ما يميز حلول أورنج في مجال الحوسبة السحابية، هي القدرة على التكيف مع حجم أعمال الشركات أو المؤسسات، وهو ما يمنح العميل القدرة على التوسع أو الانكماش مع الخدمات المتاحة له، لافتا إلى أن أزمة كورونا حدثت فجأة وأحدثت احتياج كبير للتكنولوجيا التي ساعدت قطاعات كثيرة مثل الصحة والتعليم والتسويق الإلكتروني على سبيل المثال للتعامل مع الأزمة، وهو الأمر الذي كان يستلزم وجود حلول متطورة في خدمات الحوسبة السحابية.
وفيما يخص الفجوة بين تطبيق مفهوم الحوسبة السحابية عالميًا وفي مصر، أكد مهران، أنه كان بالفعل هناك فجوة كبيرة بين السوق المصري والعالم في مجال الحوسبة، لكن كورونا غيرت كثيرا من الوضع، وكانت الحكومة على رأس المؤسسات التي غيرت نظرتها واستراتيجيتها، وبدأت الفجوة تتقلص والنمو أصبح أسرع، وفي طريقه للزيادة، خاصة وأن مشروعات الحكومة والتحول الرقمي تحظى باهتمام كبير من القيادة السياسية وهو ما أعطى دفعة لنا لأن نستثمر في مراكز البيانات لخدمة كل القطاعات الحكومية والشركات الكبيرة والمتوسطة والصغيرة.
وعن المعوقات، أوضح مهران أن أكبر تحدي أمام نجاح الحوسبة السحابية وانتشارها، هو عملية تأمين البيانات، لذلك أورنج تقدم خدماتها بشكل مؤمن في مراكز بياناتها داخل الأراضي المصرية، التي تمنح العملاء ثقة كما أن وجود مركزها الرئيسي في الإسكندرية وموقعه الاستراتيجي بالقرب من البحر وسنترال العوايد منح مزايا أخرى كبيرة تسهل أعمال العملاء.
واشار إلى أن تأمين المعدات الخاصة بمراكز البيانات والحوسبة السحابية أمر ضروري، ولكن الأكثر أهمية هو تأمين البيانات، لذلك تعتمد أورنج مصر على حلول أمنية بالتعاون مع أكبر المطورين على مستوى العالم، بالإضافة إلى الاستعانة بخبرات أورنج العالمية في هذا المجال باعتبارها تمتلك الريادة في هذه الصناعة.
وأكد مهران أن مصر تضم خبراء كثر في مجال الحوسبة السحابية، قادرين على تحقيق أقصى استفادة من تطبيق هذا المفهوم، مشيرًا إلى أن اورنج تعمل في هذا المجال منذ 2008 من خلال شركة لينك دوت نت وخبرائها.
وأضاف أن البنية التحتية في مصر شهدت تطورًا كبيرًا على مدار الفترة الأخيرة، وهو ما ساعد الشركات على دمج خدمات الحوسبة السحابية في الخدمات الحكومية وللقطاع الخاص، لافتا إلى أن اورنج مصر تتولى بناء مركز بيانات العاصمة الإدارية أو ما يطلق عليه (العقل) للعاصمة الجديدة، وهو مركز تشغيل لكافة خدمات العاصمة الذكية بالكامل من خلال مركز بيانات اورنج مصر، كما أن الحكومة سيكون لها القدرة على بيع خدمات استضافة على هذا المركز فيما بعد باعتباره أكبر مركز بيانات في الشرق الأوسط، لافتا إلى أن بداية التشغيل وتقديم الخدمات سيكون في 2021 وسيتم إطلاق بعض الخدمات مثل إدارة منظومة العدادات الذكية.
وقال سعيد أغا مدير قنوات البيع في الأسواق الناشئة لشركة جونيبر، إن شركته تعمل على جعل الجانب الأكثر تعقيدًا من (الشبكات/ السحابة/ التأمين) أو التحول الرقمي أبسط، حيث تبني الحلول والخدمات التي تجعل التحول الرقمي لعملائها وشركائها أبسط وأسهل من جميع الجوانب، حيث تقدم أحدث التقنيات في جميع مجالات الشبكات والسحابة والتأمين للوصول إلى الهدف الأمثل لتقديم أفضل الحلول في فئتها مع أعلى مستوى من الابتكار في مختلف القطاعات والأسواق.
وأشار أغا، إلى أن مصر في الوقت الحالي تمر بإصلاحات كبيرة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتطور سريع للخدمات السحابية، ونرى الكثير من الخدمات الجديدة تستحوذ على الاهتمام وتقود مستوى جديدًا من الخدمات من الحكومة والقطاعات الأخرى، ومع ذلك، تعد مصر واحدة من الأسواق الناشئة سريعة النمو في الخدمات السحابية ونتوقع نموًا هائلاً قريبًا.
وأوضح أن القيم الرئيسية من الخدمات السحابية هي المرونة ووقت التسويق وكفاءة التكلفة والقدرة على التكيف مع النهج القائم على التطبيق لتلبية الاحتياجات المتطورة للغاية للخدمات المختلفة، مما يفرض على اللاعبين الكبار مثل جونيبر الاستجابة لهذه المتطلبات وإدارتها بطريقة سلسة وحيث تعتمد خدمات الحوسبة التي نقدمها على الابتكار والتكامل.
وقال أغا “تزيد الخدمات السحابية وأي بيئة سحابية من مخاطر الأمان بشكل عام، ومع ذلك فقد ركزت Juniper على التأمين كأحد ركائزها ذات الأولوية في الابتكار، لذلك شهدنا وتيرة عالية من الابتكار من Juniper في هذا المجال في السنوات القليلة الماضية، ونحن نحاول مساعدة شركائنا من العملاء على مواجهة التحدي المتطور للتأمين بشكل يومي، ولقد تمكنا من تحقيق نمو سريع جدًا في مجال تأمين البينات في المنطقة بناءً على ذلك”.
وأشاد أغا، بجهود الحكومة المصرية وتمثلها وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات التي تقود عملية التحول الرقمي للخدمات التي تستهدف المواطن، وقال “في الحقيقة تشهد مصر تطورًا كبيرًا في المهارات المحلية والتعلم، ومصر تتحرك بشكل أسرع نحو مبادرات الإصلاح الحاسمة ومكونات الأجندة الوطنية في دفع التعلم والرعاية الصحية بشكل أفضل، والخدمات الحكومية التي تساعد في تطوير الميزة التنافسية للاقتصاد المصري في المنطقة والعالم”.
وأضاف “تتخذ مصر خطّة سريعة وجريئة للتطوير المستمر للبنية التحتية لمواجهة هذه التحديات، وستكون هناك حاجة أكثر في السنوات الخمس القادمة لتطوير المزيد من البنية التحتية وتقديم خدمات جديدة للمستخدمين والشركات بطرق أكثر مرونة، والتطور الحالي مرضٍ للغاية ويمكن أن يحل الكثير من التحديات الجديدة المتعلقة بإدارة الكثير من المجالات بشكل أفضل مثل: التأمين الاجتماعي والتأمين الطبي والضرائب والجمارك والإعانات والمصارف والتعليم والرعاية الصحية وغيرها”.
ويشير أغا لوجود خطة قوية للغاية من الحكومة لضمان فرص أفضل وأسلوب حياة وخدمات أفضل في مجتمعات جديدة في جميع أنحاء مصر ليس فقط في العاصمة الإدارية، فإن توسيع جميع الخدمات في جميع أنحاء البلاد أمر مثير للاهتمام خاصة مع سرعة التنفيذ في الأوقات الصعبة خلال أزمة كورونا.
ويرى وائل عبدوش مدير IBM مصر، أن الحكومة المصرية قامت بعمل العديد من الخطوات الإيجابية لتنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات وجعلها قادرة على المنافسة على مستوى المنطقة وعلى المستوى العالمي وذلك عن طريق بناء بنية أساسية قومية قوية وجذب المستثمرين الأجانب إلى مصر وخلق طلب محلي لتطبيقات تكنولوجيا المعلومات، ومن المتوقع أن يكون لهذه الصناعة عائد اجتماعي واقتصادي كبير، حيث أنها سوف تفتح أسواقا جديدة وتخلق فرص عمل جديدة وتتيح المنافسة على المستويات العالمية في المستقبل.
وأكد عبدوش أن الفترة القادمة – وفي ظل التحول الرقمي الذي تشهده الدولة – فإننا نحتاج إلى المزيد من التشريعات المتعلقة بتنظيم وإتاحة البيانات على المنصات السحابية المختلفة.
ويؤكد أيمن الجوهري مدير عام سيسكو لمنطقة شمال وغرب ووسط إفريقيا، أن الطلب على حلول التأمين ارتفع خلال أزمة كورونا، خاصة حلول مراكز البيانات، والحوسبة السحابية التي اتضحت أهميتها خلال الأزمة لكثير من الشركات حول كيفية إدارة أعمالهم بشكل كامل دون الحاجة للمكاتب التقليدية.
أما أحمد الحراني مدير شركة أتوس مصر، فيؤكد أن مصر قادرة على تصدير خدمات الحوسبة السحابية، بعد التطوير الكبير الذي يحدث في البنية التحتية، وبسبب مراكز البيانات التي تم الاستثمار فيها خلال الفترة الماضية، وقال “مصر لديها كفاءة وصول أعلى من أي دولة أخرى مجاورة بسبب وجود الكابلات البحرية، وكفاءة العنصر البشري، وأعتقد أن كل تلك المقومات لو تم استغلالها بالشكل الأنسب فهي قادرة على أن تجعل مصر رائدة في تلك الحلول في الشرق الأوسط وأفريقيا وأن يتجاوز عائداتها ما تحققه قناة السويس من عائدات لمصر.
اقرأ أيضًا: بعد اجتماع مدبولي.. سباق بين الشركات المحلية والعالمية لتصنيع تابلت التعليم في مصر