تمكنت التكنولوجيا من تغيير كافة جوانب المجتمعات خلال السنوات الماضية، بدافع من التطور والحداثة وملائمة أسواق العمل وماسيكون عليه شكل المستقبل، بما في ذلك صناعة التعليم التي حظت بالكثير من التكنولوجيا، فاليوم يكبر الطلاب في كافة المراحل الدراسية مع الأجهزة المتصلة بالإنترنت في المنزل وفي الفصل، مما يغير الطريقة التي يتعلمون بها، وأيضا مستوى الوعي الرقمي الذي سيغير نظرتهم لكافة الأمور الحياتية والاقتصادية.
والدولة المصرية تبنت هذا الاتجاه منذ فترة، كمسار للتغلب على التحديات التي تواجه العملية التعليمية بشكل عام والتي تعد “إرثا ثقيلا”، خاصة بعد تمهيد الطريق لهذا التحول خلال جائحة كورونا ومافرضته من ثقافة مؤسسية ومجتمعية حول دمج المزيد من تكنولوجيا التعليم والابتكار في المنظومة، وأيضا على مستوى التخصص بإنشاء جامعات ومدارس متخصصة في التكنولوجيا، لتعزيز إنشاء منظومة تعليمية متكاملة تصلح للتعامل مع المعطيات التي فرضها الواقع العالمي.
وراهن القائمين على هذا التطور من جانب مؤسسات الدولة ، على التحول الرقمي المتسارع في الدولة وأيضا ارتفاع أعداد المستخدمين لخدمات الاتصالات بشكل عام، إلي جانب ماشهدته البنية التحتية الرقمية من تطور خلال السنوات الماضية، مما يعزز أتمتة العمليات التعليمية سواء في طريقة إدارة العمليات الأساسية للمؤسسات التعليمية، وبرامج إدارة التعليم وتتبع البيانات، وأيضا تكييف الأنشطة الدراسية مع احتياجات جميع اللاعبين الرئيسين في المنظومة وتشمل “المؤسسة التعليمية والمدرس والطالب وأيضا أولياء الأمور”.
واستقبلت الدولة المصرية العديد من الشركات العاملة في مجال “تكنولوجيا التعليم “EdTech” خلال السنوات الماضية سواءا من يعمل مع الحكومة والجامعات والمدارس بشكل مباشر عبر مبادرات وبرامج أوتطوير لمشروعات تتعلق بمنظومة التعليم، أو عبر دخول كيانات متخصصة توفر منصات إلكترونية قادرة على المساهمة في تطوير العملية التعليمية من الناحية الدراسية أو التمويلية ، والدخول في شراكات مع مؤسسات مالية وخدمية لخدمة هذه الأهداف.
وتوقعت دراسة حديثة قامت بها هولون آي كيو الأمريكية المتخصصة في بيانات سوق التعليم العالمي أن يصل حجم سوق تكنولوجيا التعليم العالي عالمياً بحلول 2028، إلى حوالي 169.72 مليار دولار، بينما أشارت إلى أن الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يضم 1500 شركة تعمل في قطاع تكنولوجيا التعليم ، وتحتل مصر المركز الأول من حيث حجم ونمو هذا القطاع، تليها الإمارات ثم السعودية ويمثل مجال العمل وتنمية المهارات أكبر المجالات بالقطاع وأكثرها استحواذًا على الاستثمارات، يليه مجال الخدمات المتعلقة بالتعليم الأساسي، ثم التعليم الجامعي انتهاءً بالتعليم في مرحلة الطفولة المبكرة.
وأوضحت البيانات كذلك زيادة عدد الشركات العاملة في هذا القطاع خلال السنوات الثلاث الماضية، وهو ما يرجع إلى تأثير وباء “كورونا” الذي سلط الضوء على هذا القطاع الحيوي ودوره في النمو الاقتصادي والاجتماعي وتؤكد البيانات
فهل تواصل المنظومة التعليمية في مصر اكتشاف نفسها عبر EdTech ، وهل هناك مساحات جديدة وفرص استثمارية كبيرة بالقطاع للمستثمرين والشركات الناشئة ، وماهي التحديات التي تقف في المواجهه ؟
داليا إبراهيم، رئيس مجلس إدارة نهضة مصر للنشر ومؤسس EdVentures، أشارت إلى أن الطلاب يتم إعدادهم اليوم جنبًا إلى جنب مع التكنولوجيا سواءا في المدارس أو في منازلهم، وبقوة الدفع الذاتي سيستمر مستقبل التكنولوجيا في التعليم في النمو مع استمرار تقدم قدراتنا التقنية والمرور بتجارب ثرية في هذا التوجه، حيث توفر تقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز للطلاب فرصًا تعليمية فريدة من نوعها، كما يمكن أن تساعد التطورات الأخرى في تكنولوجيا التعليم الطلاب ذوي الإعاقة في اكتشاف المزيد من خبرات التعلم التي لم تكن متاحة لهم في السابق.
وأشارت إلى أن العنصر الرئيسي في هذا التوجه هو اقتناع المعلمون والطلاب على حد سواء بالإمكانيات الرائعة التي توفرها التكنولوجيا لقطاع التعليم ، وهو مايتوفر حاليا بشكل كبير ويمثل قاعدة صلبة يمكن البناء عليها واكتشاف التطورات الحديثة في مجال EdTech ، وسنستكشف وأيضًا بعض المساحات النظرية التي نعتقد أن EdTech ستذهب إليها في المستقبل منوهة إلى أن هناك شيء واحد مؤكد؛ وهو أنه سوف تتشكل خبرات التعلم المستقبلية إلى حد كبير من خلال أحدث التطورات التكنولوجية.
وأكدت داليا إبرهيم، على أن الشركة تنوي ضخ المزيد من الاستثمارات في هذا التوجه إيمانا بالفرص الكبيرة والاستثنائية المتوفرة، وأيضا لضم عدد أكبر من الشركات الناشئة العاملة في تكنولوجيا التعليم والتوسع عالميًّا، مشيرة إلي أن الشركة أعلنت مؤخرا عن استثمار جديد في شركة جيل التعليمية بقيمة 1.1 مليون دولار.
وأشارت إلى أن جائحة كورونا ساهمت بشكل كبير للغاية في تسريع عملية التحول الرقمي في العملية التعليمية بشكل عام حيث ماكنا نأمل أن نقوم به في منظومة التعليم الإلكتروني خلال 3 سنوات مثلا نجحنا في الوصول إليه خلال عام واحد فقط، مشيرة إلى أن الجميع يتجه نحو المنصات الإلكترونية المتنوعة التي تتيح للطالب التواصل مع المدرس، وارتفع الاعتماد على تطبيقات الدردشة بالفيديو وأبرزها زووم، بجانب الاعتماد على المنصات الرقمية التفاعلية التي تضمن آلية سهلة للتواصل بين المعلم والطالب.
من جانبه قال المهندس محمود الجابري مدير كلاسيرا مصر ومدير الشراكات الاستراتيجية في كلاسيرا العالمية، أن قطاع التعليم في مصر يحظى في الوقت الحالي بفرص استثمارية رقمية كبيرة مع تنامي الاعتماد علي التكنولوجيا وتسارع عملية التحول الرقمي في التعليم سواء من جانب الدولة أو القطاع الخاص ، مؤكدا على أن تجربة شركته في هذا الإطار أثبتت على مدار الشهور الماضية أهمية دمج منظومة وحلول التعليم عن بعد في التعليم بشكل عام، وأن هناك فرص كبيرة مازالت متواجدة.
وشدد ، على أن الظروف العالمية الحالية تقتضي مذيد من الإنفاق في هذا التوجه، كحلول بديلة للمساعدة في خفض التكاليف المتعلقة بطباعة الكتب والحضور الدائم، وأيضا مستوى الكثافة في الفصول، مؤكدا على ضرورة توفير أيضا مسارات تدريبة للمدرسين والطلاب على كافة أنواع التكنولوجيا لضمان الاندماج مع أهداف هذا التحول.
وأشار المهندس محمود الجابري إلى أن نجاح منظومة التعليم الإلكتروني، متوقف على مدى تكامل كافة الادوات الخاصة بالمنظومة من الأجهزة المناسبة والمحتوى الرقمي المطلوب وتوافر بنية تحتية قوية إلى جانب مكون هام وحيوي وهو العنصر البشري وطريقة تعامله وإدارته لهذه التكنولوجيات ، منوها إلى أن من أبرز التحديات هو مدى توافر التدريب الكافي واستخدام الأدوات الرقمية بكفاءة.
ولفت إلى أن مصر واحدة من الدول التي استوعبت التطور الذي لاحق منظومة التعليم الإلكتروني خلال الخمس سنوات الماضية واستثمرت بشكل مناسب في أركانه الرئيسية، حتي أنها وصلت لمرحلة من الدمج بينه التعليم الإلكتروني والتقليدي لمستوى مرضي وأخرجت العديد من المبادرات الفاعلة في هذا المجال بالتعاون من العديد من الشركات العالمية، مؤكدا على أن الأجيال الجديدة لديها القدرة الكافية للتعامل مع أليات التعليم الإلكتروني وأدواته مما يعزز نمو هذا المجال خلال الفترة المقبلة ويفتح العديد من الفرص الاستثمارية أمام الشركات.
ونوه المهندس محمود الجابري، إلى أن التعليم الإلكتروني في كافة المراحل الدراسية سيعزز الخريج بالمهارات التي تحتاجها وظائف المستقبل من قدرة على استخدام التكنولوجيا وابتكار حلول سريعة والتعامل المبكر مع الأزمات مما يعزز النمو الاقتصادي بشكل مباشر، منوها إلى أن عملية التحول نحو التعليم الإلكتروني قابلت مقاومة من المجتمع في البداية وهذا هو الطبيعي مع أى تغيير إلا أنها تشهد الان إقبالا وترحابا بها خاصة بعد الإطلاع على الامتيازات التي يمنحها الـ EdTech.
حول دور شركته، أشار الجابري إلى أن كلاسيرا تعزز قطاعات التعليم الجامعي والتعليم قبل الجامعي والتدريب مع عدد من كبار العملاء في السوق المصري، وعقدت شراكات هامة مع الشركات العاملة في مصر مثل أورنج وسلاح التلميذ وسيرتيبورت ايجبت وفي لابي وغيرها من الشركات العاملة في قطاعي التعليم والتدريب، كما أن الشركة ستعلن قريبا عن عدد من المشروعات الكبرى التي ستطلقها في السوق المصري مع عدد من الجهات الحكومية وذلك في إطار توجه الدولة المصرية نحو التحول الرقمي الشامل، وتحقيق رؤية مصر 2030 .
وأضاف الجابري، أن الشركة خصصت استثمارات ضخمة للتوسع في السوق المصري في المرحلة المقبلة، وتعزيز الشراكات مع القطاع الحكومي والخاص بما في ذلك وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي والجامعات، ومختلف المنشآت التعليمية الخاصة، والعديد من الشركات والجهات الحكومية من أجل تدريب الموظفين ورفع كفائتهم.
من جانبه قال محمد أنس محلل متخصص في الاستثمار في مجال التعليم، أن الاستثمار في قطاع التعليم الإلكتروني في مصر مازال يواجه بعض التحديات التي يجب التعامل معها وإزالتها خاصة فيما يتعلق بمشكلات التكلفة الخاصة بعملية التحول من منتجات أجهزة وتكنولوجيات مع أرتفاع أسعار الدولار في الوقت الحالي، إلى جانب النقص الواضح في المهارات الخاصة بالمدرسين والذين سيكونون معنيين بشكل مباشر بإدارة العملية مما يحتاج معه لأنواع من التكنولوجيا سهلة الاستخدام وتعتمد على تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي والحوسية السحابية والمنصات المبتكرة.
وأضاف أنه رغم التطور الكبير في البنية التحتية خلال الفترة الماضية المتعلقة بالانترنت بشكل رئيسي إلا أن هناك نسبة كبيرة من المدارس وأيضا المحافظات التي مازالت لم تشهد تطورا كبيرا على مستوى بينيتها التحتية للاتصالات مما يفقد السوق أجزاء كبيرة منه يمكن أن تمثل جزء من معادلة النمو وجذب الاستثمار من جانب الشركات العالمية العاملة في مجال التعليم الإلكتروني.
وأشار محمد أنس، إلى أن ارتفاع مستويات التضخم أيضا ، سيقابله تقلص من جانب المؤسسات التعليمية الخاصة بالتحديد على عملية التحول نحو التعلم الإلكتروني أو تعطيل خطط كانت ستنفذ في القريب العاجل في ظل الارتفاع الكبير للمنتجات الخاصة بعملية التحول وأيضا رسوم التوريد من جانب الجمارك، كما ستتسبب أيضا في ضعف الدورات التدريبة الخاصة بالمعلمين المسئولين عن إدارة عمليات التعليم الإلكتروني.
ونوه إلى أن السوق المصرية تحتاج إلى تكنولوجيات مصممة خصيصا لتستوعب الأوضاع الحالية من ضعف في التدريب وتقلص حجم الإنفاق وأيضا ضعف مستوى البنية التحتية كما أشرت، مشيرا إلى ضرورة التكامل بين أطراف المنظومة لبناء استراتيجية مستدامة مع المدارس والجامعات تؤسس لمنظومة متكاملة يمكن البناء عليها وليس منظومة مؤقتة تنتهي بعد سنوات ونحتاج بعدها البداية من جديد.
الدكتور إسلام نصر الله، رئيس مجلس إدارة مجموعة ميجا تراست، والخبير التكنولوجي بمجال صناعة التطبيقات الذكية، أكد على أن مشكلة التعليم في مصر هي مشكلة صعبة وعميقة وتحتاج إلى مبالغ طائلة لحلها، لافتًا إلى وجود عجز في الفصول الدراسية ما يقرب من 250 ألف فصل بتكلفة 130 مليار جنيه، وهذا الرقم في تزايد مستمر بسبب زيادة عدد الطلاب سنويا بما يقرب من 800 ألف طالب، بجانب العجز في عدد المعلمين.
وأكد أن حل مشكلة التعليم في جانب كبير منها يكمن في التحول الرقمي للعملية التعليمية، موضحًا أن رقمنة العملية التعليمية ستساعد بشكل كبير في توفير تكاليف تطوير العملية التعليمية وستنقل التعليم إلى كل بيت بأقل تكاليف وبأعلى جودة ممكنة.
وقدم نصر الله، مقترح لتطوير العملية التعليمية من خلال التطبيقات الذكية التي تساهم بشكل كبير في نقلة تعليمية سواء من حيث المحتوى أو أسلوب التدريس وتحصيل المعلومات، مشيرًا إلى أن التحول الرقمي سينقل المدرسة إلى أي مكان دون الارتباط بالأبنية التعليمية التى تتكلف المليارات ومع ذلك تصل كثافة الفصول إلى 70 و 80 طالب.
وأضاف أنه من خلال التطبيقات الذكية يمكن شرح الدرس الواحد لملايين الطلاب في نفس الوقت بطريقة تفاعلية مع ضمان جودة الاستيعاب والتعلم من خلال ما تتيحه التطبيقات من إمكانيات لقياس مستوى فهم الطالب للدرس ومدى تركيزه واستيعابه وإظهار احصائيات للمعلم توضح له مستوى كل طالب بالضبط.