تحتل صناعة الأسمنت موقعًا استراتيجيًا في الاقتصاد المصري، خاصة مع النمو المتواصل في الطلب المحلي والتوسع الصناعي المستمر، وفي تقرير حديث لشركة اتش سي لتداول الأوراق المالية والسندات، تم تسليط الضوء على شركة العربية للأسمنت ودورها في إعادة هيكلة استراتيجياتها المالية والتشغيلية لمواجهة تحديات السوق، وضمان استدامة النمو، وتعزيز القدرة التنافسية محليًا ودوليًا.
يعرض التقرير تحليلاً مفصلاً لديناميكيات السوق، واتجاهات الأسعار، وحركة الصادرات، إضافة إلى برامج الشركة لتطوير الطاقة البديلة، استخدام الهيدروجين، وتطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي لتعزيز الكفاءة التشغيلية وخفض الانبعاثات. كما يناقش التقرير توقعات الطلب والأسعار على المدى المتوسط، والفرص الاستثمارية في القطاع، مع التركيز على استراتيجية الشركة لتحقيق التوازن بين الربحية، الاستدامة، والنمو التصديري.
ديناميكيات تحول الصناعة المحلية
صرحت نسرين ممدوح، محلل القطاع الصناعي بشركة اتش سي، قائلة: شهدت صناعة الأسمنت في مصر خلال عام 2025 ارتفاع أسعار الأسمنت البورتلاندي بنسبة تتراوح بين 80 و 85% مقارنة بمتوسط عام 2024 البالغ 2,455 جنيهاً مصرياً للطن، مدعومة بزيادة الاستهلاك المحلي بنحو 14% ليصل إلى 44.2 مليون طن خلال الأشهر العشرة الأولى من العام، بينما انخفضت الصادرات بنسبة 6% إلى 15.9 مليون طن، أدى ذلك إلى رفع معدلات تشغيل القطاع إلى أكثر من 90% من الطاقة المرخّصة البالغة نحو 76 مليون طن.
وللتعامل مع ارتفاع الأسعار، قام جهاز حماية المنافسة بمنع نظام حصص الإنتاج للسوق المحلية بشكل دائم، بينما أعادت وزارة التجارة تشغيل تسعة خطوط إنتاج متوقفة، مع توقع عودة سبعة منها خلال عام، مما يضيف حوالي 12.6 مليون طن على متوسط الإنتاج. كما تم خفض رسوم تعديل التراخيص إلى النصف لتصل إلى 130 جنيهاً للطن، وعرض رخصتين جديدتين لإنتاج الأسمنت بسعة 2 مليون طن لكل منهما.”
وأوضحت ممدوح أن الطلب المحلي القوي، الذي يُقدر بنحو 53.7 مليون طن متوقع في 2025، إلى جانب إدارة متوازنة للعرض من قبل الشركات، يساهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي من العملات الأجنبية وتقليل المخاطر المحلية والتنظيمية، مؤكدة أن ديناميكيات التسعير هذه ستستمر على المدى القريب.
توقعات الطلب والأسعار
وأضافت ممدوح: من المتوقع أن يشهد عام 2026 تراجعًا طفيفًا في الأسعار المحلية ليصل إلى 3,600–3,620 جنيهاً للطن، مدفوعًا بزيادة الطلب السنوي بنحو 1%، مع مراعاة تأثير ارتفاع أسعار السولار والبنزين، وتعديلات أسعار الكهرباء، وتقلبات سعر الصرف، واتجاهات أسعار الفحم والكوك البترولي نحو الارتفاع الطفيف.
يتوقع أن ينمو الطلب المحلي على الأسمنت بمعدل سنوي مركب 2.2% خلال الفترة 2025–2030، ليصل متوسطه إلى نحو 53 مليون طن، مدعومًا بتيسير إجراءات تراخيص البناء للقطاع الخاص، وتنفيذ المشاريع المتراكمة، وتعزيز الاستثمار الخاص والأجنبي المباشر.
وأكدت ممدوح أن هوامش الربح قد تتراجع على المدى المتوسط بسبب دورة تمرير التكاليف المتباطئة، مشيرة إلى أن بيئة تنظيمية مستقرة وواضحة للصناعة تقلل مستويات عدم اليقين وتعزز قدرة الشركات على التخطيط المالي بكفاءة.
الصادرات واتجاهات السوق العالمية
حول الصادرات، قالت ممدوح: بلغت صادرات الكلينكر والأسمنت في 2024 حوالي 19.5 مليون طن، منها 38% أسمنت و62% كلينكر، بينما انخفضت خلال الأشهر العشرة الأولى من 2025 بنسبة 6% لتصل إلى 15.9 مليون طن.
كما شهد مزيج الصادرات تحولًا ليصبح 59% أسمنت و41% كلينكر، مدعومًا بطلب قوي من الدول المجاورة لأغراض إعادة الإعمار، مع تنامي الفرص التصديرية نحو الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.”
وأضافت: “تحسين الكفاءة اللوجستية، الانضباط في التكاليف، التركيز على المنتجات ذات الهوامش الأعلى، والامتثال لآلية تعديل حدود الكربون، كلها عوامل أساسية لتعزيز الصادرات المستقبلية.”
العربية للأسمنت تعيد هيكلة استراتيجيتها
اختتمت ممدوح تحليلها بالتأكيد على جهود شركة العربية للأسمنت في تعزيز مرونتها المالية: تسير الشركة وفق برنامج متعدد المراحل يمتد حتى 2030، يهدف إلى زيادة الاعتماد على الوقود البديل وتحسين جودته، بما يشمل التوسع في طاقات حقن الوقود البديل في خطوط إنتاج الكلينكر، والاستثمار في مرافق فرم الوقود لتقليل الاعتماد على الموردين الخارجيين.
كما بدأت التشغيل التجريبي لمشروع حقن الهيدروجين للوصول إلى إحلال حراري بنسبة 55% بحلول 2031، مما يرفع كفاءة الاحتراق، يقلل الطاقة اللازمة لإنتاج طن الكلينكر، ويخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنحو 130 ألف طن سنوياً.”
أوضحت ممدوح أن الشركة تعمل أيضًا على:
- تعزيز استخدام الطاقة الشمسية بقدرة 24 ميجاواط/ساعة لتغطية 11% من احتياجاتها الحالية.
- مشاريع لاسترداد الحرارة المهدرة وتحسين كفاءة طاحونة الأسمنت لتقليل استهلاك الكهرباء.
- استخدام مواد الأسمنت التكميلية لتقليل نسبة الكلينكر، وإنتاج أسمنت منخفض الكربون.
- توظيف الذكاء الاصطناعي لتحسين العمليات التشغيلية.
نتوقع أن تتيح هذه المشاريع للشركة خفض الانبعاثات من 3.4 مليون طن في 2023 إلى 2.3 مليون طن بحلول 2031، مع تعزيز الأداء التشغيلي والمالي، وتوفير حماية ضد ضغوط الهوامش وارتفاع التكاليف، بالإضافة إلى دعم قوة التصدير للأسواق الأوروبية والولايات المتحدة.”
وتوقع التقرير أن يصل متوسط مبيعات الشركة خلال الفترة 2025–2030 إلى 4.9 مليون طن، مع تصدير نحو 42% من الإنتاج، ونمو الإيرادات بمعدل سنوي مركب حوالي 3%، مع الحفاظ على هوامش أرباح قوية قبل وبعد الضرائب والإهلاك. كما ستتيح آلية تعديل حدود الكربون في الاتحاد الأوروبي تمرير تكاليف الانبعاثات إلى التسعير، ما يعزز هوامش الربح للشركة بشكل مستدام.








