تعد الموارد البشرية المرتكز الرئيسي، لصناعة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ، والمعيار الذهبي لمدى نجاحها في العديد من الأسواق، لاعتبارات تتعلق بالتطور المتلاحق في هذه الصناعة كونها المحرك الرئيسي للاقتصادات العالمية والناشئة خلال السنوات الأخيرة، وأيضا لمدى اعتماد مجالاتها على العنصر البشري سواء على مستوى الابتكار والإبداع ، وتنفيذ استراتيجيات الدول الباحثة عن فرصة للصعود في هذا المجال الحيوي، أو الحياة المهنية التقليدية في أحد الشركات التي تسعى لبناء علامة تجارية قوية أساسها صفوف من الموظفين في إدارات خدمة العملاء والتكنولوجيا والمبيعات والإعلام وخدمات الصوت والإنترنت ومراقبة جودة الخدمة.
وتتبع الدولة المصرية العديد من المسارات في هذا التوجه، لبناء طاقة بشرية عملاقة لتعميم التحول الرقمي وضمان استدامة تطور ونمو القطاع، وذلك عبر زيادة استثمارات القطاع الخاص التي تضمن معدلات تشغيل متزايدة، والتوسع أيضا في برامج التدريب والتأهيل حيث تم زيادة ميزانية التدريب وأعداد المتدربين لترتفع إلى 400 ألف متدرب بميزانية 1.7 مليار جنيه خلال العام المالى الحالى والتي تشمل استراتيجيات الأفراد، وبيئة العمل، واكتساب المواهب وأيضا التعليم والتطوير،والتغيير التنظيمي.
وتستهدف الدولة، رفع عدد العاملين بالصناعة إلي 500 ألف عامل خلال عام 2026 مقابل 300 ألف حاليًا، في ظل الخطط الطموحة لزيادة الصاردات الرقمية إلى 9 مليارات دولار مقابل 6 مليار دولار في عام 2023، وذلك بتوجهات تشمل استقطاب المواهب في كافة المحافظات عبر مبادرات نوعية، وأيضا بتعزيز برامج التأهيل بالتعاون مع اللاعبين الرئيسين في القطاع، وأيضا التعليم التكنولوجي الذي يحظى بدعم القيادة السياسية لإنشاء جامعات تكنولوجية مُجهزة بأحدث الأجهزة والوسائط التكنولوجية بما يتوافق مع المعايير العالمية.
وذلك بهدف بناء جيل يتمتع بالمهارات والكفاءات التكنولوجية، من خلال تزويدهم بالمعرفة وتطوير إمكانياتهم الرقمية والقدرات اللازمة لمواكبة التطورات التكنولوجية المتلاحقة التي يشهدها سوق العمل، لتطوير المجتمع وضمان استدامة التنمية والتقدم الاقتصادي بما يتماشى مع رؤية مصر2030 لتمكين الشباب والارتقاء بمستواهم المهني، إلى جانب العمل على توطين صناعة الإلكترونيات، وزيادة الصادرات الرقمية.
وفي طريق تحقيق هذه الرؤية تواجه الدولة العديد من التحديات، التي تشمل وفقا لمحللين، مدى اتساع الفجوة بين مخرجات التعليم العالي، ومتطلبات سوق العمل في تقنية المعلومات، وأهمية مواكبة المناهج الجامعية للتغيرات المتسارعة في هذا القطاع، وأيضا مدى التطور المتسارع في القطاع الذي يحتاج معه إلى إعداد استراتيجية مرنة تتلائم مع احتياجات المستقبل خاصة مع دخول تكنولوجيات جديدة في بيئة العمل، والتي تشمل الذكاء الاصطناعي، وانترنت الأشياء، والروبوتات، والحوسبة المتقدمة ،وعلوم البيانات وغيرها من التقنيات الحديثة الحالية والمنتظرة.
قال الدكتور عمرو طلعت وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، أن بناء القدرات الرقمية وتوسيع قاعدة الكفاءات يعد في مقدمة أولويات خطط عمل وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات باعتباره حجر الزاوية في تنمية قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وتعظيم مساهمته في الناتج المحلى الإجمالى، ولتوفير المهارات التي تتطلبها الشركات مما يسهم في تنمية صادرات مصر الرقمية؛ مشيرا إلى أن الوزارة تحرص على التوسع في تنفيذ خطط التدريب على عدة مستويات؛ من حيث التوسع في أعداد المتدربين 56 ضعف خلال 5 أعوام لترتفع من تدريب 4 الاف متدرب في العام إلى تدريب ربع مليون متدرب خلال العام الجارى، فضلا عن التوسع الجغرافى في أنحاء الجمهورية من خلال نشر مراكز إبداع مصر الرقمية بالمحافظات.
وأشار وزير الاتصالات إلى تدريب الشباب على البرمجة وكيفية استخدام أدوات الذكاء الاصطناعى التوليدية، الذى ظهر منذ عام لبناء البرمجيات، لاسيما مع تراجع وربما قرب اندثار المبرمج التقليدى والذى حل محله المبرمج الذى ينشيء منظومة برمجية من خلال منظومة الذكاء الاصطناعى، حيث نعمل على تدريب الشباب فى هذا الاتجاه وسط منافسة شرسة مع العديد من الدول.
وأكد الدكتور عمرو طلعت على إن الوزارة تركز على الشمول فى عمليات تأهيل وتدريب الكوادر البشرية كأحد المحددات الهامة، حيث لا يقتصر التدريب على القاهرة فقط ولكن كل شباب المحافظات وهو ما يخلق تحدى كبير، لاسيما أن محافظات مثل القاهرة والإسكندرية والمدن الجديدة بها حراك يخلق فرص عمل فى مجالات كثيرة، كما هناك قرى بسيطة لا تخلق كم فرص العمل فى مجالات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات يكفى الشباب ما يمثل تحدى كبير، وفى هذا الإطار تم مضاعفة عدد المتدربين من 4 آلاف إلى 400 ألف متدرب يتم تدريبهم فى تخصصات مختلفة لتأهيلهم لسوق العمل والحصول على وظائف، ضمنهم مهارة تك وبناة مصر الرقمية وغيرها من المبادرات.
ولفت إلى استهداف جعل مصر مقصد إقليمى وعالمى للكفاءات في مختلف تخصصات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات؛ مشيرا إلى تطلع العديد من الشركات العالمية إلى إقامة مراكز تعهيد أو التوسع في مراكزها بمصر؛ مؤكدا على أن مصر لديها ميزة استراتيجية تتمثل في الثروة البشرية خاصة وأن 40% من الشعب أقل من 30 عاما إضافة إلى كونها تحظى بقاعدة عريضة من الكوادر في الوقت الذي تواجه فيه العديد من الدول ندرة في الموارد البشرية المتخصصة في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات حيث تتعاون الوزارة مع العديد من الدول لسد الفجوة المهارية التي تعانى منها هذه الدول من خلال توفير الكفاءات المصرية.
وأضاف وزير الاتصالات أنه يتم أيضا التوسع في التخصصات التكنولوجية لمواكبة متطلبات سوق العمل ومنها التركيز على الدورات المرتبطة بالتصميم الإلكترونى والتكنولوجيا المالية؛ وكذلك توسيع قاعدة المتدربين في مبادرات الوزارة لاستيعاب مختلف الخلفيات الأكاديمية والعملية وليس فقط لخريجى كليات هندسة وعلوم الحاسبات، موضحا أنه يتم توفير برامج لإعداد كوادر في مختلف القطاعات وهو الأمر الذي يسهم في توفير فرص عمل متميزة لهم وتمكين الشباب من استخدام تكنولوجيا المعلومات في تطوير أدائهم المهنى؛ مشيرا إلى أنه يتم أيضا التوسع في منافذ تقديم التدريب حيث يتم إتاحة منصة رقمية لتوفير فرص تدريبية لأعداد أكبر، كذلك التوسع في الشرائح الاجتماعية لتشمل حديثى التخرج وأيضا الخريجين منذ سنوات ويرغبون في الالتحاق بسوق العمل.
وتتضمن استراتيجية الوزارة لبناء القدرات إطلاق برامج ومبادرات تستهدف كافة فئات المجتمع باختلاف مراحلهم العمرية وخلفياتهم الأكاديمية، وتشمل مبادرة براعم مصر الرقمية التى تم إطلاقها فى عام 2023 بهدف تأهيل وبناء المهارات التكنولوجية لطلاب المدارس بداية من الصف الرابع الابتدائى إلى الصف السادس الابتدائى، ومبادرة أشبال مصر الرقمية التى تستهدف تطوير مهارات المتفوقين من طلبة المدارس فى الصف الأول الإعدادى حتى الصف الثانى الثانوى، و مبادرة رواد مصر الرقمية التى تم إطلاقها فى 2023 وتهدف إلى تنمية الريادة التكنولوجية فى التقنيات الحديثة لدى طلاب الجامعات والخريجين من جميع التخصصات، ومبادرة بُناة مصر الرقمية التى تستهدف صقل مهارات الخريجين المتفوقين فى تخصصات محددة ويتم التدريب فيها من خلال برنامجين أساسين هما برنامج ذوى الخبرة الذى يتم تنفيذه بالتعاون مع عدد من الجامعات الدولية لمنح الملتحقين به درجة الماجستير، والبرنامج الاحترافى الذى يتم تنفيذه بالتعاون مع المنصات التعليمية العالمية والجامعات الدولية لتنمية المهارات فى أحدث التخصصات فى مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
من جانبه قال المهندس وليد جاد رئيس غرفة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، أن العنصر البشري في مصر جاهز لاستيعاب كافة التكنولوجيات، والابتكار فيها بشكل كبير، وهو ماتحتاجه الشركات العاملة في هذه المجالات سواء العالمية منها أو المحلية، وبالتالي يمكن جذب استثمارات عالمية كبرى في هذه المجالات خاصة وأن بيئة العمل في قطاع التكنولوجيا بمصر تتمتع بمستويات مقبولة من الحوافز والسياسات وأيضا مستويات متدنية من الأجور مقارنة بالدول المحيطة وهو ماتمكنت من خلاله الهند في صناعة تجربة رائدة في هذا القطاع.
وأشار إلى ضرورة العمل على إحداث ثورة تعليمية وثقافية متعلقة بالقطاع، عبر هيكل تنظيمي تعليمي يشجع على انتشار التعليم التكنولوجي على نطاق واسع وزيادة الوعي بأهمية التكنولوجيا في تحفيز معدلات النمو الاقتصادي وتوفير فرص عمل للشباب، وذلك بالتوزاي أيضا مع تبني سياسات مالية ونقدية تعزز من تمويل الشركات الناشئة، والمشروعات الريادية ما يسلط الضوء على جاذبية السوق المصري وإمكانياته المتزايدة في قطاع التكنولوجيا.
ولفت المهندس وليد جاد، إلى أن تحول قطاع التكنولوجيا في مصر لمستويات جديدة من النمو وضخ استثمارات كبيرة في مجالات التكنولوجيا الحديثة كالذكاء الاصطناعي وانترنت الأشياء والبيانات والأمن السيبراني يحتاج معه إلى مضاعفة أعداد العاملين في القطاع وتجهيزهم بالمهارات اللازمة وهو ماتعمل عليه وزارة الاتصالات عبر العديد من البرامج.
ونوه إلى ضرورة العمل أيضا على ابتكار أليات مالية أكثر حداثة وتخصصيه لهذه القطاع عبر إنشاء صناديق استثمار متخصصة تمول عمليات التدريب والتأهيل أيضا عبر شراكات مع الشركات العاملة في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات من خلال تخصيص جزء من أرباحها لهذا المجال في إطار تنموي متكامل وليس بمنطق المسئولية المجتمعية والدعم.
وأكد رئيس غرفة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على ضرورة إفساح المجال للشركات المصرية للعمل في المشروعات الرقمية الكبرى بشكل أكبر خاصة وأن عدد كبير منها يتمتع بالخبرة والكفاءة اللازمة لتنفيذ أجزاء رئيسية من هذه المشروعات مما يعزز من زيادة التنافسية ونمو القطاع خاصة أمام الشركات الصغيرة والمتوسطة ويجعل معدلات التشغيل لديها مرتفعة، منوها إلى أن تراجع العملة المحلية يمثل رغم التحديات فرصة كبيرة في جذب وتعزيز الاستثمارات في هذا المجال بما يوفره من تراجع لتكلفة الأجور والتشغيل.
وقال محمد الحارثي، خبير تكنولوجيا المعلومات، أنه على مستوى الكوادر الفنية في القطاع لا يوجد عجز في الوقت الحالي، إلا اننا يجب أن نحذر في الوقت ذاته من هجرة واستقطاب بعض الكوادر للعمل خارج مصر، مشيراً إلى أننا في حاجة للحفاظ على الكوادر واستمرارها داخل مصر وأن تشارك في مشروعات وتقدم خدمات رقمية من مصر الى خارج مصر وهو ما يسمى بتصدير الخدمات والمهارات الرقمية.
وأضاف خبير تكنولوجيا المعلومات، أن الدولة قطعت شوطاً كبيراً فيما يتعلق بإتاحة التدريب وتهيئة الكوادر بشكل كبير جدًا وبما يتوافق مع السوق المحلي والسوق العالمي.
وأكد محمد الحارثي، على أن الدولة في حاجة إلى توجيه الأجيال الجديدة إلى قطاع تكنولوجيا المعلومات وهو ما يتحقق عن طريق تأهيل الشباب وصناعة حشد تعليمي وتأهيلي، وفي هذا الإطار لفت إلى ضرورة أن تتحول الجامعات للشكل التطبيقي خاصة الجامعات الخاصة بتكنولوجيا المعلومات، فلابد أن تكون تطبيقية من اليوم الأول وتعتمد على مشروعات ومعامل بحثية تطبيقية، والاندماج مع القطاع الصناعي داخل الجامعات، وأن تصبح الجامعات بمثابة أكاديمية تعليمية تطبيقية تصب وتوفي احتياجات القطاع الخاص على مدار العام، لأن المتغيرات كبيرة ومتسارعة.
من جانبه قال الدكتور عصام الجوهري، أستاذ نظم المعلومات والتحول الرقمي: انه يجب إعاد النظر في برامج التدريب لتكون عمليا في الشركات وليس عبر الانترنت،وزيادة التوعية أيضا بأهمية التدريس والتدريب المهني، ووضع إطار للشراكة ما بين الكليات والقطاع الخاص من خلال القيام بتأسيس مراكز تدريب متخصصة لتلبية احتياجات السوق في قطاع الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات، أو القيام بتأسيس كليات متخصصة بالشراكة مع القطاع الخاص تقوم بتأهيل الطلاب بالمجالات التي يحتاجها سوق العمل.
وأضاف أنه يجب توطين صناعة تكنولوجيا المعلومات، بالعمل على زيادة عدد الشركات العاملة بهذا القطاع ورفع معدلات التشغيل، وزيادة الطلب المحلي من قبل الحكومة المصرية التي صرفت 11 مليار جنيه على خدمات من شركات أجنبية مثل مايكروسوفت وغيرها، والشركات المصرية كان نصيبها 35 مليون جنيه فقط، مؤكدا على ضرورة قلب هذه المعادلة في توقيت قصير وزيادة الطلب المحلي على الشركات المصرية، وتسويقها في الدول الأخرى حولنا، ودعم شركات تكنولوجيا المعلومات بالقروض وخدمات القطاع المصرفي الذي لا يقدم خدماته لشركات هذا القطاع، بجانب دعم بيئة الشركات الناشئة وتهيئة البيئة الاستثمارية.
واقترح الجوهري وضع سياسات تسمح باستقطاب خبراء من الداخل والخارج في مجالات معينة لتلبية احتياجات السوق الحالي في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، ولتنفيذ هذه الحلول اقترح القطاع مجموعة من آليات العمل وشملت : تأسيس لجان عمل مشتركة من القطاعين العام والخاص، وتفعيل البحث العلمي لمتطلبات سوق العمل المحلي وتوجهات السوق العالمي وبدعم من القطاع الخاص.