هل نجحت «المتحدة» في خطتها لإحياء صناعة الإعلام والدراما وفتح المجال «للمنصات الرقمية» المصرية؟
حسام صالح: عام 2020 كان فارقًا في مستقبل منصة «واتش ات» وقادرون على منافسة المنصات العالمية
شهدت صناعة المحتوى في مصر تطورات كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية على كافة المستويات، نتيجة تبني الدولة في الأساس سياسة واضحة لتعزيز منظومتها الإعلامية وتحديث بنيتها التحتية التكنولوجية ضمن أجندتها الرقمية الإقليمية والوطنية لاحتضان هذه المنظومة، إلى جانب شراكة اللاعبين الرئيسين بالصناعة وتركيزهم على المحتوى الرقمي ورفع مستويات الوعي باستخداماته لدفع عجلة نموه في المستقبل في دولة الـ 101 مليون نسمة.
وساعد بشكل رئيسي في هذا التوجه، دخول تكنولوجيا المعلومات والاتصالات إلى القطاعات والأنشطة المتصلة بصناعة المحتوي وإحداثها ما يمكن أن يطلق عليه “ألفية جديدة“، يمتلك فيها أصحاب الصناعة من “مستثمرين ومنتجين ومنفذين” أدوات المستقبل ويشكلون عناصرها بنضج في وقت تراجعت فيه كل مؤشرات القطاعات الاقتصادية في العالم تحت وطأة تأثير جائحة كورونا، بينما تقدمت صناعة الإعلام وقطاعات الاتصالات والإعلام والمنصات الرقمية بعد أن أظهرت الأرقام الأخيرة ارتفاع معدل النمو السنوي لتلك القطاعات عالميا بنسبة 8٪ قبل نهاية عام 2020.
وساهم في نجاح تجربة التحول الرقمي في صناعة الميديا والمحتوى بشكل عام في السوق المصري، قوة التجربة التي قادتها الشركة “المتحدة للخدمات الإعلامية” باعتبارها الذراع الرئيسي في هذه الصناعة بما تمتلكه من قدرات مالية وفنية، وبتوجهها بالاستثمار في التقنيات الجديدة وأيضا في الفكر وفهم طبيعة الجمهور بهدف تغيير سلوكياته الاستهلاكية وتوظيف التكنولوجيا لخدمة كافة الفئات بشكل أفضل جعلها “مهيمنة على المنافسة”، حيث أن عملية الرقمنة الإعلامية توفر إمكانيات كبيرة لإقامة مجتمع فعال مع وضع الإجراءات المطلوبة للتنفيذ.
“فالتجربة” سر الوصول للنجاحات الكبرى وكلما كانت أكثر ثراءا عبر دراسة التجارب السابقة والاطلاع على التطورات العالمية في أي صناعة يصبح الوصول للنجاح مسألة وقت.
وفي محاولة منا للتعرف على تجربة الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية والوقوف على مستقبل صناعة المحتوى الإعلامي والفني في مصر بشكل عام والتحديات التي تواجهها، ومدى تطويع التكنولوجيا في الصناعة للمنافسة إقليميا ودوليا، التقت «FollowICT» المهندس حسام صالح، الرئيس التنفيذي للعمليات بالشركة المتحدة والمتحدث الرسمي والذي يزدحم جدول أعماله خلال تلك الفترة الخاصة بشهر رمضان الكريم لأنه يعد الموسم السنوي الأكبر لإنتاج وعرض المحتوى الترفيهي والفني والتي تشكل فيه الشركة المتحدة “الألفا” في السوق المصرية.
بداية التغيير نحو القمة
كشف حسام صالح عن نقطة فاصلة في استراتيجية عمل الشركة المتحدة بدأت في عام 2018 مع تولي تامر مرسي رئاسة مجلس الإدارة، تلك الاستراتيجية وصفها بأنها وضعت في اعتبارها كل ما حدث في سوق الإعلام والإعلان منذ 2005 وبالأخص خلال الفترة منذ 2011 وحتى 2016 و2017، وتم دراسة أدق تفاصيل صناعة الإعلام والإعلان في السوق المحلي والإقليمي، للوقوف على نقاط الضعف والقوة في كل أطراف المنظومة من قنوات وشركات إعلانات ووكالات ومعلنين والتقنيات المستخدمة ومدى الاندماج مع المنصات الرقمية وكذلك مقدمي المحتوى من مذيعين ومعدين وفنيين.
تابع “هذه الاستراتيجية أثبتت حقيقة تشير إلى أن جميع أطراف المنظومة يعمل بشكل منفرد بعيدًا عن الآخر مما جعل الصناعة تمر بسنوات من الفرص الضائعة، فوجدت المتحدة الفرصة لملء هذا الفراغ التنظيمي حيث جمعت الكثير من الأطراف المعنية في بوتقة واحدة في إطار خطة عرضية للتطوير، وهو ماساهم في أن نرى بوضوح سوق الإعلام والإعلان والإعلاميين والفنيين، وماهية المحتوى الذي يلقى قبول لدى المشاهدين من عدمه، وبات لدينا أدوات لتطوير هذه المنظومة بشكل متكامل معتمدين على الرؤية والتكنولوجيا وأدواتها في البحث والتطوير.
وأشار إلى أن إعادة الانضباط للمنظومة كانت تحتاج بشكل أساسي لإعادة هيكلة صناعة الدراما في مصر لثقلها التاريخي وأيضا حجمها خلال السنوات الأخيرة، حيث كانت تعاني من “دائرة مفرغة” قبل تدخُّل المتحدة، فالقنوات كانت تشتري مسلسلات بمبالغ كبيرة وفي المقابل لا تستطيع جذب معلنين لتغطية عمليات الشراء، والنتيجة تحقيق خسائر متكررة دفعت القنوات لبيع المسلسلات بأسعار غير مجدية، وفي نفس الوقت كانت تتضاعف أجور نجوم الصف الأول من الممثلين سنويًا بشكل مبالغ فيه لمجرد أن مسلسل لنجم ما حققّ نجاح في سنة من السنوات، وهنا كانت الحاجه لإعادة ضبط المعادلة وإعادة حوكمة المشهد في ظل عدم وجود قانون يحجم المشهد الاعلامي أو مجلس أعلى للإعلام، وبوجودهم لاحقًا ساعدنا كشركة متحدة في الإسراع بتنفيذ خطط التطوير.
ما بين تعويض الخسائر التي تحققت في القنوات السنوات الماضية وتغطية التكاليف السنوية الجديدة للإنتاج، كانت تقف الشركة المتحدة أمام تحد حوّلته لفرصة وفقا لحسام صالح، وذلك بالتزامن مع حوكمة السوق لكي يصبح صحي، والقضاء على مفاهيم” المصلحة والنحتاية والسبوبة” التي كانت متداولة بين العاملين في هذه الصناعة، مشيرا إلى أنه مع بداية من عام 2018 بدأت الشركة تثبيت قدميها لضبط المنظومة، وفي 2019 تمت عملية تصحيح الأجور للنجوم وضبط تكاليف الانتاج والعوامل المساعدة، وكانت هناك مقاومة من بعض أطراف المنظومة اتجاه هذه التغيرات، إلا أننا نجحنا بشكل كبير في تحقيق مستهدفاتنا ووصلنا أن سوق الدراما المصري أصبح فعال خلال العام بأكمله بدلا من شهر رمضان فقط، وقمنا بوقف عرض المسلسلات التركي وأي منتج غير مصري، حتى يحصل المنتج المصري على فرصته للعرض في قنواته المصرية أولاً.
دعوات تهمة الاحتكار لمنظومة الإنتاج
يرى حسام صالح أن هذه الدعوات غير صحيحة، مشيرا إلى أن شركة الإنتاج الدرامي التابعة لمجموعة المتحدة كانت تنتج نحو 26% من المحتوى المتاح في السوق سنويًا، وفي بداية تنفيذ استراتيجية الشركة في 2018 عرضنا على المنتجين الكبار التعاون وذلك لخبراتهم الكبيرة التي يمتلكونها فضلا عن فرق العمل المحترفة وآليات التنفيذ السريعة لديهم، وكان بعضهم متعثر في توقيت تنفيذ توسعاتنا، وقمنا بمساعدة البعض عبر التعاون والإنتاج المشترك وبعض المنتجين استطاعوا العمل كمنتجين منفذين حتى استطعنا إعادة 7 شركات للسوق مرة أخرى، بالإضافة إلى الشركات الكبيرة.
ولفت إلى أنه مع الوقت بدأت الشركة ترى أن الدراما خارج الموسم الرمضاني مهمة، حتى أصبحنا نرى أن حجم الإنتاج خارج الموسم الرمضاني أصبح يماثل الإنتاج داخل شهر رمضان، وهو ما يساعد السوق على النمو ويساهم في وجود مزيد من المنافسين ويرفع روح المنافسة والابتكار والإبداع، حتى أن الجمهور لا يتوقف عند حفظ أسماء الممثلين كنجوم للأعمال الدرامية وأصبحوا يحفظون أسماء المؤلفين والمصورين والمخرجين لأن العمل لم يعد ملك للبطل فقط ولكن ملك لصناع العمل بالكامل.
تابع “بالتوازي مع ما سبق عملنا على إنتاج أعمال درامية تعتمد على فكرة البطولة متعددة الأبطال التي تثري العمل وتقويه، وحتى يستطيع بعض النجوم استيعاب أن شركات الإنتاج لن تستطيع منحهم الأجور التي كانوا يتقاضونها في السابق وبالتالي منظومة الأجور بالكامل كلها تغيرت واختفت تماما، الأرقام المبالغ فيها التي كانت منتشرة على السوشيال ميديا، والنجوم بدأ تفكيرهم تجاه الأعمال يختلف عن الماضي، وبدأنا في تقديم مسلسلات تلاقي استحسان من الجمهور بدون مطّ أو إطالة متعمدة، وقدمنا مسلسلات 15 حلقة خالية من التطويل بإيقاع سريع، وهي تجربة الهدف منها زيادة حجم السوق وتشغيل منتجين أكثر وعمالة أكثر.
سمعة التفكير الابتكاري في الساحة الإعلامية وتجربة “WATCH iT”
يجمع حسام صالح بين مدرستين مختلفتين وهما التكنولوجيا والاتصالات بحكم خبراته السابقة في هذا المجال، وصناعة الإعلام بحكم منصبه في الشركة المتحدة للخدمات الاعلامية، وهو ما يشكل هوية عمل الشركة خلال السنوات المقبلة والتي دعتهم لتدشين تطبيق “WATCH iT” في منتصف رمضان قبل الماضي، حيث شكل 2020 عامًا فاصلًا بالنسبة لصناعة الإعلام والترفيه بشكل كامل بسبب تداعيات جائحة كورونا وسياسات البقاء في المنازل، حيث تحولت نسبة كبيرة من المستهلكين وأيضا المعلنين إلى القنوات الرقمية.ويقول تقرير لمنظمة المنتدى الاقتصادي العالمي دافوس، إنه من المنتظر إنفاق المزيد من الوقت على الوسائط الرقمية، سواء على “الفيديو الرقمي” أو منصات الوسائط الاجتماعية، حيث تشير الدراسات إلى أن أكثر من 50٪ من جيل الألفية يقضون وقتًا أطول على المنصات الرقمية.
وقال حسام صالح “في البداية كان المشاهد المصري لا يدرك أو يستوعب فكرة الدفع مقابل مشاهدة محتوى لتعوده على التلفزيون المجاني، ومع وجود محتوى مختلف ومزايا تختلف عما يتم تقديمه على التلفزيون أصبحت هناك شريحة كبيرة تدرك أهمية المحتوى المدفوع عند الطلب وأنها خدمة واتجاه طبيعي لتطور المحتوى والدمج بين التكنولوجيا ومنتجي المحتوى.
ولتوسيع قاعدة المستفيدين من المحتوى المقدم على منصة واتش ات، أشار الرئيس التنفيذي للعمليات للشركة المتحدة، أن الشركة أطلقت برامج لدعم المحتوى الرقمي، بدأتها بشراكات مع مشغلي المحمول في السوق المصري وأصبح للعملاء القدرة على عمل باقات إنترنت داخل تطبيق “واتش ات” ويتم المحاسبة بشكل مخصص وبباقة إنترنت أكبر، كما قدمنا على المنصة مباريات الدوري لايف عبر التطبيق.
وأكد أن عام 2020 كان فارقًا في مستقبل منصة WATCH iT، فمع وجود المواطنين في منازلهم بسبب جائحة كورونا أصبح هناك حاجة لوجود وسائل ترفيه وتسلية بخلاف المحتوى المقدم عبر التلفزيون، وباتت المنصات الرقمية للفيديو حسب الطلب وسيلة هامة وجزء من الحياة العادية، فالناس اعتادوا على أشياء كثيرة خلال الجائحة لم تكن موجودة من قبل خاصة في الحياة العملية والاجتماعات التي كانت تتم بشكل طبيعي أصبحت تتم عبر تطبيق زووم وسيسكو ويبكس ومايكروسوفت ميتنج.
فرصة منافسة “واتش ات” مع شاهد ونتفليكس
مصر قادرة جدًا على المنافسة وفقا لحسام صالح، وذلك لوضعية السوق المصري الذي يمثل 80% من الإنتاج الفني العربي، وبوجود جيل حالي من الفنانين المبدعين في الوقت الحالي، نمتلك نقطة قوة متكاملة، ومع وجود خدمة متطورة تقنينا وعروض مادية مناسبة، ومحتوى قوي يمكن لمصر أن تتصدر المشهد الإقليمي للمحتوى بالعربي، مشيرا إلى أن منصة WATCH iT قادرة على منافسة المنصات الكبيرة، وذلك لأن منصة مثل نتفليكس لديها منافسة قوية في كل دول العالم غير الناطقة بالانجليزية، وسيظل المشاهد المصري مهتم بمحتوى بلده مهما كان مُحبا للمحتوى الأجنبي، لكن يبقى المحتوى الحصري هو الفيصل، ونحن في Watch it أخذنا على عاتقنا المنافسة بالمحتوى العربي.
وأشار إلى أن المنصات المنافسة راسخة منذ سنوات وأنفقت كثير من الاستثمارات على مدار تلك السنوات، ومقارنة واتش ات بهم في الوقت الحالي بعد مرور عامين فقط من التشغيل فهي تعد شهادة نجاح لفريق العمل، والمنتج تامر مرسي كان حريص أن منصة “واتش ات” عند انطلاقها يكون عليها محتوى بصرف النظر عن الجدوى الاقتصادية منه، وما زال البناء على المنصة مستمر خاصة وأن اقتناء محتوى لعرضه على المنصات الرقمية أمر مكلف جدا واستثمار دائم ويتطلب نوعية معينة من الانتاج لم يتعودها المشاهد العربي.
وفقا لأحدث تقرير لجلوبال ماركت سيصل حجم سوق خدمات المحتوى التلفزيوني والترفيهي حسب الطلب عالميا إلى 175 مليار دولار بحلول عام 2026، وستؤدي زيادة انتشار الإنترنت إلى جانب الاعتماد المتزايد للأدوات الذكية إلى دفع نمو هذا السوق لآفاق يبسط فيها نفوذه على صناعة المحتوى المرئي بشكل كامل.
وأكد حسام صالح على أن المنصة في الوقت الحالي على المستوى الفني والتقني جيدة جدًا، ويتم التطوير عليها يوميا وهي جاهزة لأن يكون عليها محتوى 10 أضعاف المتاح حاليًا، وتستوعب 20 ضعف المشتركين الحاليين.
ولفت إلى أنه خلال الخمسة أيام الأولى من رمضان تضاعف عدد المشتركين على المنصة بنسبة 100% أما مقارنة بالعام الماضي فالزيادة أضعاف مضاعفة تمت على مدار العام بالكامل لوجود محتوى دائم على مدار العام وليس لشهر رمضان فقط.
حول التعاون مع نتفلكس ، أشار إلى أنه حتى الان لم تطلب نتفلكس عرض أي منتج تم صناعته معنا أو بالشراكة بيننا وبين أي منتجين أخرين.
لكن هل تتكامل التكنولوجيا مع البث التلفزيوني أم تقضي عليه؟
يشير حسام صالح إلى أن التلفزيون ما زال لديه رونقه وبريقه وله محتوى خاص به يتناسب مع العادات والتقاليد وسيظل كذلك والدليل على ذلك قناة (ماسبيرو زمان ونجاحها)، منوها إلي أن التجربة تؤكد أن المشاهد لديه الاستعداد لمتابعة التلفزيون بمحتوى خاص يناسبه، كما أثبتت أيضًا أن بعض الفئات لا تساعدهم ظروفهم على متابعة المحتوى في التلفزيون ولكنه لديهم رغبة في متابعة المحتوى بمختلف انواعه فقدمنا إليهم “واتش ات” التي تناسب وتلائم المشاهد المصري والعربي بمكتبه عملاقة ومحتوى عظيم من شركات انتاج كبرى غير متاحة على منصات أخرى.
القرصنة على المحتوى
قال حسام صالح ، أن الشركة تمتلك فريق من المحترفين المتخصصين في مواجهة طرق القرصنة على المحتوى الذي تنتجه الشركة على مدار العام أو على مدار شهر رمضان تحديدًا، مؤكدا أن الفريق يعمل من قبل رمضان على محاولات ايقاف والتصدي لأي محاولات قرصنة واتاحة المسلسلات على منصة تليجرام أو المواقع المختلفة أو يوتيوب.
وأشار إلى أن الشركة لم تغفل أهمية حماية تراث التليفزيون المصرى، وعقدت بروتوكولا فى مايو عام 2019 مع الهيئة الوطنية للإعلام بهدف إحيائه عبر منصة WATCH iT فى محاولة لحفظ المحتوى المصري، سواء ما جرى إنتاجه سابقا أو في الوقت الحالي، وقد ترتب على هذا التعاون وضع قيود صارمة أمام كل سارقي المحتوى عبر المنصات المختلفة، الأمر الذي أهدّر ملايين الجنيهات كان يُمكن أن يستفيد منها «ماسبيرو»، إلى جانب منع استغلال تراث التليفزيون المصري على موقع «يوتيوب».