أحدثت المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، تحولا استراتيجيا على مستوى استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة والنوعية في قطاع التكنولوجيا والتصنيع الإلكتروني خلال الفترة الماضية، بدعم من سياساتها وحوافزها الاستثمارية، وإدارتها وفق نهج استراتيجي، وتوجيه الاستثمارات في القطاعات التي من شأنها أن تعزز المزايا التنافسية للدولة، وملء الفجوات المالية، والتكنولوجية، والعمل على تطوير الصناعات وتقديم المزيد من الخدمات، وزيادة القيمة المضافة التي تساهم بها الدولة على المستوى العالمي، بالإضافة إلى زيادة حصيلة الدولة من العملات الأجنبية.
وفي إطار هذا التوجه شهدت المنطقة، العديد من المشروعات الاسترايجية وأبرزها مركز كيميت للبيانات باستثمارات 450 مليون دولار، ويقدم خدمات وحلول الحوسبة السحابية وإنترنت الأشياء والتحول الرقمي للأسواق الإقليمية والدولية وخاصة في أفريقيا والشرق الأوسط ، إلى جانب تدشين مصانع عديدة لإنتاج الأجهزة المنزلية والإلكترونية وأكسسوارات المحمول ومصانع متخصصة في إنتاج الكابلات الضوئية، إلى جانب توطين تكنولوجيا التصنيع في نشاطات اقتصادية متنوعة تشمل القطاع الصناعي ومجال الطاقة الجديدة وغيرها من المجالات الاستراتيجية.
ونجحت المنطقة الاقتصادية بقناة السويس في جذب استثمارات بقيمة 8.3 مليار دولار خلال السنوات الثلاث الماضية، موزعة على 274 مشروعًا متنوعًا بين القطاعات الصناعية والخدمية واللوجستية، في إطار منظومة تعزز من استقطاب استثمارات محددة في قطاعات واعدة تستفيد من قرب المنطقة من ميناء شرق بورسعيد والحوافز الضريبية واتفاقيات التجارة الدولية، بالإضافة إلى استخدام المنطقة كمنصة للتصدير إلى الأسواق العالمية.
وكشفت وثيقة حكومية بعنوان “التوجهات الاستراتيجية للاقتصاد المصري للفترة 2024-2030″، عن استهداف الحكومة تدشين منطقة حرة للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في المنطقة الاقتصادية بقناة السويس، بجانب مناطق الكوابل البحرية التي يمر بها 90% من حركة البيانات بين دول آسيا وأوروبا وأفريقيا.
المحللون، أشارو إلى أن قطاع التكنولوجيا يعد الرهان الذهبي للمنطقة على كافة المستويات، سواءا في إطار جذب استثمارات مباشرة بالقطاع عبر استقطاب العلامات التجارية الكبرى العاملة في مجال التصنيع الإلكتروني والتكنولوجي في ظل الحوافز الدولية التي توفرها المنطقة، إلى جانب دمج التكنولوجيا في الأنشطة التجارية والصناعية بالمنطقة وهو يساهم في تحقيق أهداف رؤية 2030 الخاصة بالتحول الرقمي الشامل وتأهيل وتنمية رأس المال البشري وتحسين كفاءة العمليات الإدارية والخدمية والمالية وتبسيطها وتبنى مفاهيم وأدوات عصرية تعزز من تنافسية المنطقة الاقتصادية عالميا.
ولفتو إلى أن التنوع في جذب الاستثمارات التكنولوجيا والصناعات المرتبطة بها بالمنطقة الاقتصادية، سيعزز من معدلات نمو القطاع وتوطين العديد من المجالات التكنولوجية، منوهين إلى ضرورة العمل على فهم متطلبات القطاع بشكل مستدام مع التطورات المتلاحقة التي يشهدها على المستوى التقني عالميا وإقليما ومواكبة السرعة التي تحتاجها الشركات وتسريع عملية الإفراج عن المواد التي تحتاجها والحوافز التي تعزز من عملياتها التشغيلية والتجارية.
يذكر أن المنطقة الاقتصادية لقناة السويس يتواجد بها وادي التكنولوجيا على مساحة إجمالية 72 كيلومتر مربع، وتهدف من خلالها لتوطين قطاعات صناعية تتناسب والطبيعة الجغرافية والموارد لهذه المنطقة من توافر رمال السيليكا وغيرها لإنشاء مجتمع صناعي متكامل قائم على الصناعات ذات التقنية العالية يتفاعل خلاله الاستثمار والتعليم والبحث العلمي.
وتسعى مصر إلى تأكيد مكانتها كمركز رئيسي للتصنيع الإلكتروني في المنطقة، مما يعزز من قدرتها على جذب الاستثمارات في مجالات متعددة كصناعة المحمول والأجهزة المنزلية والرقائق الإلكترونية والذكاء الاصطانعي، إضافة إلى دعم الشركات الناشئة المتخصصة في هذا المجالات، وتبلغ الاستثمارات العامة الموجهة لقطاع لاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بخطة 2025-2026، حوالي 13 مليار جنيه، منها 9 مليارات جنيه بتمويل من الموازنة العامة للدولة، بينما تستهدف الدولة صادرات خدمات رقمية بقيمة 9 مليارات دولار بنهاية عام 2026.

وليد جمال الدين رئيس الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، قال أن الجهود الترويجية التي بذلتها الهيئة خلال الثلاثين شهرًا الماضية والجولات الترويجية الخارجية تؤتي ثمارها في توطين الصناعة في مختلف المناطق الصناعية التابعة للهيئة، وتكللت تلك الجهود بالنجاح بتنمية منطقة شرق الإسماعيلية الصناعية وادي التكنولوجيا، منوها إلى أن المشروعات المرتقبة بمنطقة وادي التكنولوجيا تتيح فرص عمل نوعية خاصة في المجالات عالية التقنية.
وأوضح أن بدء تنمية وادي التكنولوجيا يمثل تمكينًا لكافة الأدوات الاقتصادية التي تتمتع بها الهيئة من 4 مناطق صناعية و6 مواني بحرية تتكامل فيما بينها لتساهم في ربط مناطق التصنيع والإنتاج بالأسواق المستهدفة، ودعم سلاسل الإمداد العالمية، بالإضافة لتحقيق رؤية الهيئة في توطين الصناعة بالقطاعات المستهدفة.
وأشار وليد جمال الدين، إلى أن المنطقة الاقتصادية لقناة السويس تعمل وفق استراتيجية شاملة للتحول الرقمي تتبنى مفاهيم وأدوات عصرية وتعزز من تنافسية المنطقة الاقتصادية عالميًّا؛ حيث أطلقت منصة متكاملة لخدمات المستثمرين تهدف إلى تقديم حلول رقمية مبتكرة تساهم في تحسين كفاءة العمليات الإدارية والخدمية والمالية وتبسيطها وكذلك ميكنة الإجراءات، إدارة الوثائق، وتطوير بوابة إلكترونية للمستثمرين، بالإضافة إلى تقارير لصناع القرار.
من جانبها قالت المهندسة هالة الجوهري، الرئيس التنفيذي الأسبق لهيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات “إيتيدا” أن المناطق الاقتصادية من اهم الأليات المستخدمة في الاقتصاد عالمياً لجذب الاستثمارات الاجنبية النوعية و خلق فرص العمل ودعم الصادرات وتقليل الاعتماد علي الواردات وهي كلها من المستهدفات الرئيسية للدولة المصرية حيث أنها تتمتع بمزايا مثل إعفاءات ضريبية وجمركية وقوانين استثمار مرنة، منوهة إلى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس تعتبر أهم وأضخم منطقة اقتصادية في مصر حالياً لموقعها بالقرب من ممر ملاحي دولي وربطها المباشر بين آسيا وأوروبا.

وفقاً للوثيقة الحكومية فان مستهدفات الدولة من الصادرات تصل إلي 145 مليار دولار سنوياً ومضاعفة موارد النقد الأجنبي إلي 300 مليار دولار وحيث أن قطاع الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات من القطاعات الاستراتيجية للدولة و من القطاعات الواعدة التي تستطيع المساهمة بشكل مؤثر في تحقيق مستهدفات الحكومة المصرية، وجود منطقة خاصة بالالكترونيات وتكنولوجيا المعلومات سوف يكون له مزايا و يساعد علي معالجة بعض التحديات التي تواجهها هذه الصناعة مثل التحديات المتعلقة بالاجراءات الجمركية والضرائب.لكي نتمكن من تحقيق المستهدفات علينا ان ننظر إلي التحديات الأخري المتعلقة بالمنافسة الاقليمية والدولية وبأنشطة البحث والتطوير وتكلفة التشغيل.
بالطبع هناك تحديات خاصة بالتشريعات والقوانين الخاصة بقطاع تكنولوجيا المعلومات ويجب النظر فيها ومعالجتها حتي نحقق النمو المرجو من هذه الصناعة. يجب ايضاً النظر الي برامج الحوافز و الدعم الحكومي بالمقارنة مع الدول التي حققت نمواً ملحوظاً في هذا المجال. وأخص بالذكر دول مثل استونيا وسلوفاكيا ورومانيا وايرلندا التي حققت تطوراً ملحوظاً في هذه الصناعة رغم قلة عدد السكان بالمقارنة بمصر.
من الجدير بالذكر أن أقسام هذه الصناعة متباينة وكل قسم له متطلبات عند النظر إلي التفاصيل مثال ذلك إن صناعة مثل صناعة الدوائر المتكاملة والرقائق الالكترونية تحتاج إلي مهارات وبنية تحية و دعم لوجستي مختلف تماما عن صناعة البرمجيات عن صناعة الابتكار في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي وانترنت الأشياء. يجب الاخذ فى الاعتبار أن بعض هذه المجالات يستفيد من المناطق الاقتصادية على رأسها المنطقة الاقتصادية لقناة السويس وبعضها له متطلبات أخري
قالت الدكتورة عايدة الصبان، عضو مجلس إدارة الشعبة العامة للاقتصاد الرقمي بالاتحاد العام للغرف التجارية: يجب استغلال المنطقة الاقتصادية لقناة السويس من أجل استقطاب شركات تكنولوجيا المعلومات أو شركات تصنيع المنتجات الإلكترونية بشكل متكامل، مع توحيد الرؤي على مستوى الدولة والقطاع الخاص في دعم المنطقة على مستوى السياسات المنفذة واستراتيجات الترويج لقطاع التكنولوجيا المصري.
وأشارت إلى انه بدلا من التفكير في تأسيس منطقة بعيدا عن قناة السويس من أجل تلك الصناعات يمكن استغلال هذه المنطقة، خصوصا أنها حتى الآن لم تستغل الاستغلال الأمثل، فيجب الاستفادة من جزء فيها من أجل الصناعات التكنولوجية والإلكترونية، ونرى إذا كان هناك احتياج لتطويع القوانين بما يلائم طبيعة عمل شركات تكنولوجيا المعلومات والصناعات الإلكترونية، خصوصا أن المنطقة بها عمل وهناك شركات فيها، فيمكن البناء على ذلك لجذب المزيد من الشركات.

وأضافت الصبان أن الأمر يحتاج إلى نظرة فاحصة وشاملة، ويجب معرفة متطلبات شركات تكنولوجيا المعلومات والصناعات الإلكترونية، فكل منها لها متطلبات مختلفة، ولها تجهيزات وبنية تحتية مختلفة، فيجب تهيئة القوانين التي تقدم حوافز لمثل تلك الشركات من أجل التواجد بالمنطقة الاقتصادية، فعلى سبيل المثال هناك شركات تحتاج إلى سرعة في الإفراج عن المواد الخام المطلوبة، خصوصا أن هناك شركات تخضع للمعهد القومي للاتصالات كجهة إفراج لبعض المواد والأدوات التي لها قوانين ملزمة، مثل نوعيات معينة من الكاميرات وأجهزة GPS، وغيرها من الأمور الضرورية للكثير من الشركات، فيجب مواكبة التطورات التكنولوجية ومواكبة السرعة التي تحتاجها الشركات وتسريع عملية الإفراج عن المواد التي تحتاجها، خصوصا أن هناك مواد لها فترة معينة من أجل الإفراج عنها، فيجب تطويع القوانين بما يتلاءم مع هذه الشركات.
ولفتت إلى أنه يجب الاستماع إلى متطلبات الشركات نفسها وعرضها على أصحاب القرار بصورة واضحة، من أجل الإسراع في اتخاذ القرارات المناسبة وتذليل أي صعوبات تواجه عمل هذه الشركات، وذلك من أجل تقديم قيمة حقيقية تجذبها للتواجد في المنطقة الاقتصادية، ومن ثم تشعر بأن هناك عائدا على الاستثمار يمكن أن تجنيه من تواجدها في المنطقة وفي مصر بشكل عام، فكلها حوافز تبحث عنها الشركات، وتحفز النمو في مجالات التكنولوجيا، بالإضافة إلى الحوافز الضريبية والجمركية والتسهيلات التي تساعد الشركات في عملها ونموها.
قالت الدكتورة سماح المرسي أستاذ الاقتصاد المساعد بجامعة القاهرة أن المناطق الاقتصادية الخاصة تشكل محركًا أساسيًّا لدفع عجلة النمو الاقتصادي ليس فقط بالنسبة للدول وإنما أيضًا على المستوى العالمي، ولكي تحقق هذه المناطق أهدافها المرجوة لا بُدَّ من الاهتمام بالتخطيط لها بشكل منظم، وإدارتها وفق نهج مدروس، وتوجيه الاستثمارات في القطاعات التي من شأنها أن تعزز المزايا التنافسية للدولة، وذلك بما يتفق والأهداف الاستراتيجية للدولة.
ولفتت إلي أن المناطق الاقتصادية الخاصة لها أشكال متعددة؛ منها التقليدية، مثل: المناطق الصناعية، والمناطق الحرة، ومنها الأنماط الجديدة، مثل: المناطق الاقتصادية المتخصصة للابتكار، والمناطق المتخصصة قطاعيًّا كقطاعات التكنولوجيا، والبحث والتطوير، والسياحة، والبيئة، بالإضافة إلى قطاعات أخرى، منوها إلى أن اقتصادية قناة السويس تجمع بين هذه الأشكال من المناطق بما يعزز من مسارات عملها التشغيلية ويخدم في النهاية أفاق التحول التكنولوجي الذي تستهدفه مصر.
وأشارت الدكتورة سماح المرسي إلى أن المنطقة الاقتصادية لقناة السويس بهذه الفلفسة ستساهم في استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي من شأنها ملء الفجوات المالية، والتكنولوجية، وزيادة القيمة المضافة التي تساهم بها الدولة على المستوى العالمي، هذا بالإضافة إلى زيادة حصيلة الدولة من العملات الأجنبية مما ينتج عنه المساهمة في زيادة معدلات نمو الاقتصاد المحلي، وتوطين المزيد من الصناعات؛ مما يتيح استفادة الدولة من مواردها الاقتصادية أو موقعها الاستراتيجي، والتقليل من فرص التعرض للأزمات الاقتصادية.
ولفتت إلى الوظائف الجديدة التي ستوفرها المنطقة من شأنها أن تعيد توجيه اهتمامات الطلاب نحو التخصصات المطلوبة بسوق العمل بالنسبة لهذه المناطق، كما أن السكان في المدن المجاورة للمناطق المعنية بالاستثمارات التكنولوجية يكون لديهم دافع لدراسة علوم التقنيات والتكنولوجيا؛ مما يساهم في تنمية رأس المال البشري وتقديم حل لمشكلة البطالة وهو ما يعود بالنفع على المواطنين والاقتصاد ككل.
وأكدت الدكتورة سماح المرسي، على أهمية أن تصمم هيئات الجمارك بالمنطقة بما يتوافق مع أهداف المناطق الاقتصادية الخاصة وهياكلها التنظيمية لتعزيز الاستفادة من منافعها وذلك يتحقق عندما تقوم هيئات الجمارك بالاطلاع على المعلومات الكافية عن الواردات والصادرات وإنشاء قواعد بيانات وتفعيل الأدوات التكنولوجية المتقدمة التي من شأنها تسهيل وتسريع عمل المناطق الاقتصادية الخاصة والدور الرقابي لهيئات الجمارك.