يمكن وصف العصر التكنولوجي الحالي بشكل دقيق بأنه “عصر البيانات كأصل” (Age of Data as an Asset)، بعدما أصبحت البيانات أصلا تجاريا مولدا للدخل والأرباح، شأنها شأن الأصول المادية الأخرى، إن لم تكن في المقدمة منها، حيث تسعى العديد من الكيانات بجدية لتسخير البيانات، والاستفادة القصوى بقيمتها الجوهرية، مدفوعة بالتطورات الكبيرة في تقنيات الذكاء الاصطناعي (AI) وتعلم الآلة (ML).
تظل للبيانات أهمية قصوى، بدءا من بيع بيانات المستخدم عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي للمعلنين بكثافة لتحقيق نقاط قوة وتأثير، وصولا إلى دور البيانات في اعتماد القرارات الحاسمة بواسطة أنظمة الذكاء الاصطناعي المعتمدة على البيانات، ووسط التأثير واسع الانتشار للتكنولوجيا، يترك كل فرد منا، وعن غير قصد، أثرا رقميا مميزا.
لقد أصبح من الضروري امتلاك كل شخص لبياناته، وفي الوقت نفسه، فإن التقدم السريع للذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة يغير بشكل جذري مفهوم البيانات، ويضعها كأصل ملموس لا يقدر بثمن في مشهدنا المعاصر.
تعمل البيانات كوقود لمختلف الوظائف ضمن أنظمة الذكاء الاصطناعي، وهذه الأنظمة، في جوهرها، تعالج البيانات لتوليد رؤى ونتائج مؤثرة. إن السهولة التي تستطيع بها أنظمة الذكاء الاصطناعي معالجة كميات هائلة من البيانات في وقت قصير، والنتائج الدقيقة للغاية الناتجة عنها، أمر رائع.
تخيل الجهد الشاق والوقت الطويل الذي تستغرقه مؤسسة مالية متخصصة في التمويل الاستهلاكي، يعتمد عملها على الطريقة التقليدية في تقييم أحقية مقدم الطلب يدويا، بينما يتغير المشهد تماما في عصر الذكاء الاصطناعي.
بفضل الذكاء الاصطناعي، يمكن الآن تحليل كم هائل من بيانات المتقدمين بسرعة ودقة، والخروج بتقييمات سريعة ودقيقة لاتخاذ قرار التمويل، وبالإضافة إلى السرعة، تمتد براعة الذكاء الاصطناعي إلى التنبؤ بالعقبات المستقبلية المحتملة التي يمكن أن تؤثر على قدرة مقدم الطلب على الوفاء بالتزاماته المالية.
هذه القوة الثورية للذكاء الاصطناعي، إلى جانب المجال الناشئ للذكاء الاصطناعي التوليدي، تبشر بعهد جديد للشمول المالي يتفوق بسرعة عمليات صنع القرار، والدقة الفائقة، والفرص المتسعة لمجموعة أكبر وطيف أكثر تنوعا من المتقدمين.
يعد ذلك جزءا بسيطا من القدرات الهائلة للذكاء الاصطناعي، الذي يحظى بنفوذ متسع في القطاع المالي، وخاصة في قطاع التكنولوجيا المالية والشمول المالي.
لقد برز الشمول المالي والتكنولوجيا المالية كقوة قادرة على تغيير قواعد اللعبة في الأسواق الناشئة مثل مصر وأفريقيا، ما يتيح الوصول إلى أنظمة مصرفية ذكية وإلكترونية بالكامل، لتلبي حلولها احتياجات العملاء على تفاوت مستوياتهم من الخبرة التكنولوجية.
لقد حفزت جائحة فيروس كورونا العالمية عملية التحول إلى القنوات الرقمية والحلول الإلكترونية، ومع ذلك، فإن هذا التحول تجاوز كونه استجابة مؤقتة للأزمة، فقد تطورت التكنولوجيا المالية من معالجة التحديات الآنية إلى تقديم حلول شاملة ومستدامة ومستمرة.
إن شركات التكنولوجيا المالية، اليوم، تمتلك قدما في النظام المالي، وتمتد قدمها الأخرى إلى حلول البيانات الذكية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، وقد تجاوزت هذه الشركات العديد من البنوك التقليدية في تقديم حلول دفع رقمية مبتكرة ومحافظ إلكترونية وخدمات مثل الشراء الآن والدفع لاحقا (BNPL).
يتحول المشهد الحالي إلى مشهد مرتبط بشكل مباشر بالبيانات والرؤية والذكاء، واعدا بتحقيق الشمول المالي. في الأسواق الناشئة، مثل مصر، لا يرى السوق المالي السائد الأفراد الذين ليس لديهم تاريخ مصرفي، ومع ذلك، يمكن لأصول البيانات الفردية الخاصة بهم إعادة تشكيل القواعد المالية لصالحهم.
هذه البيانات، التي يتم الحصول عليها من مدفوعات الأفراد للمرافق الحكومية وفواتير الهواتف المحمولة والغرامات وغيرها، يمكن أن تجذبهم إلى نظام ائتمان بديل بمعايير قبول بديلة، كما تساعد هذه البيانات في التعرف عليهم وتسهيل معاملاتهم في نظام بيئي مالي بعيد عن الخدمات المصرفية التقليدية.
هذا يؤكد أن الشمول المالي أصبح نوعا من فنون تنسيق وتنظيم البيانات، بينما تتولى أنظمة الذكاء الاصطناعي إنشاء نماذج التحقق واكتشاف المخاطر وتحويل بيانات العملاء الأساسية إلى رؤى قيمة، لتقدم توقعات مذهلة أثناء تصميم خدمات مالية محددة، وتحديد المنتجات المالية المناسبة للأفراد على اختلافهم في الدخل والديون وظروف المعيشة.
اتخذت مصر، على سبيل المثال، خطوات مهمة نحو الشمول المالي، وتعمل شركات، مثل Cashcall، وهي شركة مصرية متخصصة في التكنولوجيا المالية وخدمات المدفوعات، على تحقيق الشمول المالي في الأسواق المحلية.
تعتمد Cashcall على خوارزميات الذكاء الاصطناعي المتقدمة للتنبؤ بدخل العملاء، وملاءمته لمنتجات مالية محددة، كما تمتلك Cashcall مختبر ابتكار مخصص للبحث والتطوير والاستثمار في الحلول التكنولوجية.
هناك فرصة حقيقية لمصر لتصبح قوة ذكاء اصطناعي في المنطقة، ويتمثل التحدي الرئيسي في معالجة النقص في الخبراء القادرين على التعامل مع البيانات، في الوقت الذي تعد فيه البيانات اليوم رأس مال وأصل له قيمة كبيرة للشركات التي تحتاج إلى الحماية والإدارة والتحكم وتعظيم الاستفادة.
علاوة على ذلك، فإن تلبية احتياجات المستخدمين المحددة لا تزال تشكل عقبة كبيرة. فعلى الرغم من وجود العديد من شركات التكنولوجيا المالية الناشئة المتخصصة في التكنولوجيا المالية في مصر، إلا أن الكثير منها يحتاج إلى مزيد من الاستثمار والبحث والتطوير لتقديم حلول تلبي بدقة شرائح المستخدمين المختلفة، كما ينبغي أن تأخذ الحلول في الاعتبار الاختلافات في الثقافة والظروف والوظائف والقدرة المالية.
ويعد استخدام البيانات غير المالية عند ربطها بدلالات أو أنماط مالية محددة تحديا كبيرا، ويهدف هذا الجهد إلى خلق فرص للوصول إلى الخدمات المالية، ويؤكد ذلك أن البيانات هي القوة الدافعة وراء التمويل.
تحليل كتبه: ميشيل كيلزي
خبير بيانات عالمي، ورائد أعمال، ومؤسس شركة Cashcall الرائدة في مجال خدمات الدفع