Follow ICT
شعار الموقع الاساسى
جايزة 160
جايزة 160

ميرين سومرست تكتب: الرهان على صعود الذكاء الاصطناعي يتطلب مراقبة سوق اليورانيوم

يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يفعل أي شيء، وسوف يغير معالم الاقتصاد العالمي، ويحقق لنا ذلك الازدهار في الإنتاجية الذي انتظرناه طويلاً. ومع قيامه بكل أعمالنا المملة، سيوفر لنا وقت الفراغ الذي تنبأ به الاقتصاديون منذ عقود، وسينقذ الأرواح عبر التشخيص المبكر عبر “شم” المواد الكيماوية المرتبطة بداء السكري والسرطان.

كذلك، سيقود سياراتنا ذاتية القيادة، ويتوقع تأخير مواعيد رحلات الطيران ويمنعها، ويبتكر أنواعاً جديدة من الأرز المقاوم لتغيرات المناخ. بل يحتمل أن يقوم بمهمة عجز أي قدر من المال أو عدد من الأشخاص عن تنفيذها؛ إنقاذ هيئة الخدمات الصحية الوطنية (NHS) في المملكة المتحدة.

القائمة تطول، لكنك استوعبت مغزى الأمر. قال إيلون ماسك في منشور على منصة “إكس” التابعة له، إنه بحلول العام المقبل: “يُرجح أن يكون الذكاء الاصطناعي أكثر ذكاءً من أي شخص منفرد، وبحلول 2029 سيكون أشد ذكاءً من كل البشر معاً”.

المشكلة الأساسية تكمن في أن الذكاء الاصطناعي ليس ضرباً من السحر، ولا يستطيع القيام بمعجزاته أو فعل أي شيء من دون وجود الكهرباء، بل وبكميات كبيرة منها. لا يعرف أحد تماماً قدر الكهرباء الذي يحتاجه الذكاء الاصطناعي، لكن هناك تقدير حديث يستشهد به كثيرون يقدرها بما يقارب استهلاك السويد السنوي، أي 0.5% من إجمالي الاستهلاك العالمي من الكهرباء.

هناك طريقة أخرى لاستيعاب هذا الاستهلاك تتمثل في النظر إلى حجم مراكز البيانات، فيشير أحدث تقرير عن مراكز البيانات أصدرته شركة العقارات التجارية “جونز لانغ لاسال” إلى أنه من “المألوف” اليوم أن يعلن المطورون عن مراكز بيانات بتصميمات جديدة تعمل بعشرة أضعاف القدرة التي كانت تستهلكها منذ سنوات قليلة فحسب.

رغم عدم تمكننا من تحديد قدر الكهرباء التي سيستهلكها الذكاء الاصطناعي بدقة، إلا أننا ندرك إنه سيحتاج لزيادة أكبر في القدرة التوليدية وسعة النقل. وهذا هو الوضع الحالي في ضوء التغييرين الجاريين؛ محاولة خفض انبعاثات شبكة التوزيع عبر استخدام الطاقة المتجددة، والجهود الرامية إلى زيادة نسبة الكهرباء بشكل أكبر في استهلاك الطاقة لخفض الانبعاثات الناجمة عن ذلك أيضاً. ويتوقع الاتحاد الأوروبي أن يرتفع الطلب على الكهرباء 60% بحلول 2030.

الحاجة لزيادة القدرة التوليدية

لا تتوفر هذه القدرة التوليدية حتى الآن، فعلى سبيل المثال، توليد الكهرباء في الولايات المتحدة مستقر تقريباً منذ مطلع القرن الواحد والعشرين. قال مايكل سمبلاست من شركة “جيه بي مورغان أسيت مانجمنت” (JP Morgan Asset Management) في تقرير حديث إن ذلك لا يمثل مشكلة كبيرة؛ “فتحسين كفاءة استهلاك الطاقة يعوِّض احتياجات عدد السكان المتزايد من الكهرباء”.

مع ذلك، فظهور الذكاء الاصطناعي واستخداماته المتزايدة التي قد تغير مجرى الحياة، وتبنيه السريع المفاجئ- إذ أصبح “تشات جي بي تي” التطبيق الأسرع نمواً في تاريخ الإنترنت- وطلبه النهم على الطاقة، عوامل تغير كل ذلك. الآن أصبح توليد الكهرباء في الولايات المتحدة يمثل مشكلة كبرى. تلبية الطلب في أميركا، وفي المملكة المتحدة حيث تعد شبكة التوزيع قاصرة أيضاً، ترتبط ببناء عالم جديد في توليد الكهرباء وإنفاق مليارات على شبكة التوزيع اللازمة لنقل تلك الطاقة. مع ذلك، بالنظر إلى زيادة خطوط نقل التيار المستمر عالي الجهد، التي تتيح نقل الطاقة المتجددة من مواقعها النائية عادةً، لم يحدث تطويراً كبيراً.

أضاف سمبلاست أن –على سبيل المثال- في المملكة المتحدة، أقرت “ناشيونال غريد” بوجود “أزمة” في ربط مشروعات توليد الكهرباء. وفي الولايات المتحدة، قلما تجاوزت القدرة التوليدية في مطلع الألفية الثالثة 100 جيجاواط في طلبات الربط الكهربائي بشركة التوزيع الإقليمية “بي جيه إم إنتركونكشن” (PJM Interconnection). تقارب القدرة التوليدية حالياً 250 غيغاواط. غير أن كل تلك المشروعات لن تحصل على الموافقة وتكتمل، لكنك استوعبت الأمر. السؤال هنا هو هل تقضي شبكة التوزيع على طموحاتنا في الذكاء الاصطناعي؟

استقرار شبكة التوزيع

هناك حلول. الأول خيار ماسك؛ أن يجد الذكاء الاصطناعي بحد ذاته حلاً لم يخطر ببالنا حتى الآن، ربما يكون توليد كهرباء من انشطار أو اندماج نووي، أو حتى عبر نقل الطاقة الشمسية من الفضاء باستخدام مرايا عملاقة أقرب مما نتصور. قد يحقق الذكاء الاصطناعي كفاءة جديدة في شبكة التوزيع، فيؤدي إلى استقرارها من خلال تقديم توقعات أفضل للقدرة الناتجة من مصادر الطاقة المتجددة وتقطعها، وتحسين توقعات الطلب والصيانة المرتقبة، مما يقلل فترات التوقف.

كذلك من المنطقي تماماً أن زيادة الإنتاجية في دول أخرى بفضل الذكاء الاصطناعي ستعوِّض زيادة الطلب التي يسببها. ويزعم تقرير أعدته “جوجل” و”بوسطن كونسلتينغ جروب”  أن بإمكان الذكاء الاصطناعي خفض الانبعاثات العالمية بنسبة تتراوح ما بين 5% و10% بحلول 2030.

تقنين الاستهلاك

الحل الثاني هو الخيار التنظيمي؛ أي منع الذكاء الاصطناعي من استهلاك قدر كبير من الكهرباء. أشار تقرير صدر عن الحكومة الأميركية في الشهر الماضي إلى أن ظهور الذكاء الاصطناعي والذكاء العام الاصطناعي (AGI) له ” تأثيرات كبيرة على الحكم الديمقراطي والأمن العالمي”، والتأثير ليس حسناً.

واقترح التقرير مجموعة كبيرة نسبياً من إجراءات خفض الاستهلاك، يتمثل أحدها في تجريم تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي باستخدام قدرة حاسوبية تتجاوز الحد الأدنى المعقول نسبياً.

فيما يفرض قانون الذكاء الاصطناعي الجديد الذي أقره الاتحاد الأوروبي- ضمن قواعد أخرى كثيرة- اشتراطات تجبر نظم الذكاء الاصطناعي المختلفة على الالتزام بالشفافية التامة في ما يخص استهلاك الطاقة.

يتمثل الحل الأخير في الخيار النووي؛ فلا يفترض أن تتفاجأ الجهات التنظيمية أو شركات الكهرباء بسرعة ارتفاع الطلب على الكهرباء وخطط الاستثمار الضخمة، بعد الإصرار على التحول إلى استخدام الكهرباء في كل المجالات.

غير أن تبني الطاقة النووية على نطاق واسع- بمساعدة الذكاء الاصطناعي بالتأكيد- وفي حال تواجدها على مقربة من مواقع الاستهلاك، قد يحل كل مشكلات الإمدادات، ومعظم مشكلات نقل الكهرباء أيضاً. فلم تعد هناك حاجة إلى إنشاء مفاعلات نووية صغيرة في بحر الشمال على بعد أميال من الساحل.

ويعتبر المحللون في “دومبرج” أن ذلك سيمثل الدفعة الأخيرة لتحقيق نهضة نووية، التي تمثل الطريقة المستدامة الوحيدة لإنتاج كهرباء تتناسب مع توجهنا لتنمية قدرتنا الحاسوبية بشكل مطرد، لتحقيق الهدف الواضح و”كل الأهداف الممكنة”.

في إشارة محتملة إلى ما هو قادم، أعلنت “أمازون ويب سرفيسز” (AWB) أن مركز بياناتها الجديد في بنسلفانيا سيعمل مباشرةً باستخدام كهرباء تولدها محطة طاقة نووية قائمة مجاورة.

قد تتزامن ثورة الذكاء الاصطناعي مع ثورة في مجال الكهرباء، وهو أمر جدير بالمستثمرين في اليورانيوم متابعته.

ميرين سومرست

كاتبة في وكالة بلومبرج ورئيسة تحرير مجلة MoneyWeek

 

deel